أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 3rd March,2001 العدد:10383الطبعةالاولـي السبت 8 ,ذو الحجة 1421

مقـالات

العربي المسلم، والنزعة العرقية:
أبوعبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
في العرب نزعة عرقية من جاهليتها إلا هاذا اليوم.. هذا أمر لا ريب فيه، ولكنها نزعة تشهد من جهة علا انتفاإ العصمة البشرية كما أكد ذلك الدين الحنيف وشواهد التاريخ، وتدل من جهة أُخرا على أن العرب أمة خير وفضل ودين؛ لأن الأمة لم تكتسب بهاذه النزعة تأثيماً وحوباً ما دامت نزعة أفراد يصلون بعصبيتهم إلى مرتبة إثم دون الفسق، ويصل شواذ منهم إلا درجة الفسق.. أقول ذلك من أجل عصمة علن هاذه الأمة عصمةً لم تخرجها عن دستورها الإسلامي في إمضاإ تكافإ الحقوق قضاأً وفتواً وحسبة وتعليماً، ولم تسقط ظاهرة أن المسلمين رحماأُ بينهم، ولم تلغ هاذه النزعة تكافأَ الفرص وتقديم ذوي الفضل من أي جنس ، ولم يصل الأمر إلا جعل هاذه النزعة الشاذة في دنياهم عقيدة كعقيدة الشعب المختار عند اليهود، وكعقيدة القومية العربية عند علمانيين وبعثيين.. عروبةُ أكثرهم من جهة اللسان فقط.
إن في تاريخنا العربي مظاهر ضعف كما عند بعض الأمم.. مثالها عنصرية العربي وعرقيته، وشعوبية الأمم الأُخرا التي دخلت في الإسلام صدقاً أو تستراً حتى كانت العصبية والشعوبية المتناحرتان قضية أدبية وتاريخية .. إلا أن هذا الضعف البشري علا أعلا مستواً من النزاهة .. لماذا؟.. لعدة أمور:
أولها: أن هاذه العنصرية لم تكن ممارسة عملية في عَلَن الأمة المعصوم؛ فليس هناك اضطهاد تسيل به الدماأُ بسبب النزعة العرقية كما يفعل الرجل الأبيض المتغطرس في جنوب أفريقيا، وكما يفعل الأمريكي في بلد الحريات الأربع مع الزنجي.. وأسوأ وأقبح ظاهرة علنية عند هاألاإ ما يكتب علا أبواب المطاعم والمأسسات: ممنوع دخول الكلاب والسود!!.
وثانيها: أنه لا وجود لأي أثر لهاذه النعرة في تكافُإ الفرص، وإناطة المسأولية بذي الأهلية مهما كان اختلاف الجنسية.. بل يسود الأعجمي المسلم بعلمه وورعه، وأكثر علماإ المسلمين الذين يُحملون على الرأُوس من الأعاجم.. بل إن من تغلب عليهم النزعة العرقية في حالات تأزمٍ ضيِّقةٍ أدبياً وتاريخياً يقهرهم دينهم الإسلامي؛ فيتقربون إلا اللَّه بحب هاألاإ العلماإ الأعاجم الأفذاد في ورعهم وعلمهم، والواحد من هاألاإ العرب يخضع لهم خضوع الاحترام والمحبة أيضا في مجالسهم، وهو من الأكابر الذين يُوجَّه في مديحهم النص الفني شعراً ونثراً.. وهاكذا تكافُأُ الفرص في كل المجالات.
وثالثها: أن أكابر العرب من العلماإ والوجهاإ إذا بدرت منهم عنصرية كانت مثلبة لهم في كتب التراجم التي تورد كل شاردة وواردة بأمانة.
ورابعها: أن الحاكم للعرب منذ تحولوا من قبلية إلى أمة، ومن جاهلية الى إسلام، ومن أمية إلى علم هو الإسلام قضاأً وفتواً وتربية وتعليماً، وهاذا الدستور الإسلامي الكريم رادع للعنصرية العربية والإحن الشعوبية غير مطاوع لهم، بل سباب المسلم فسوق، وتعييره موجب للعقوبة التعزيرية.. والثلب في الأنساب فسوق وتعيير وجاهلية.. وإن الشعوبي قد تصل به شعوبيته إلا الكفر، وعنصرية العربي قد تصل به إلا الفسوق .. والعربي مهما ضعف أحرص علا حسن الخاتمة، والإقلاع عما يجر إلا الفسوق.. وكثير من الشعوبيين لا يبالون أن يكونوا في حظيرة الكفر.
وخامسها: أن العرقية في العربي جبلة فيه بسبب كرم معدنه جوداً وشهامة وإيثاراً وصبراً، وهو أبر من جميع الأمم عنصراً في الجملة لا في الآحاد؛ إذ كم من فرد عربي لا يساوي زبالاً من أدنا الأمم.. والسبب الآخر عزلتهم في بلادهم، وكرههم لكل دخيل يُدخِل بتمازجه وشباً في أخلاقهم الكريمة.. وسبب ثالث أنهم قبائل أمية لا دولة لهم ولا حضارة ولا كتاب.. ويترفع عليهم، ويحاول أن يخضعهم لسلطانه أممٌ أعجمية تباهي بحضاراتها، ودولها المنظمة، وجيوشها الجرارة؛ فكان للعربي من عنصريته سندان: أولهما الاعتزاز بها تعزية لعزلته وتقشفه وفقره وكدحه المضني.. وثانيهما المفاخرة الجلية، والمنافرة الغالبة إذا فوخروا ونوفروا ..
وهاكذا كانت جمهرة أدبهم.. ولفقدهم الشعور بالأمة، ولغياب تفاصيل الحنيفية عنهم زهدوا في كل حرفة حضارية شريفة؛ لأنها من عمل الأعاجم؛ فعيروا أزد الشحر بالنوخذة واصطياد السمك، وثلبوا كل ناسج برد، وتركوا الحدادة والنجارة لقيونهم، ولم يبلغهم أن رسلاً وأنبياأ كثيرين عليهم السلام تعاطوا الحدادة والنجارة، وعاشوا من كسب أيديهم من أمثال نوح ويوسف وداوود عليهم السلام.. وهم من ذرية آدم، وممن حملت السفينة مع نوح بأمر الله، ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل، وفيهم من لا يُضاها في شرف النسب مع شرف النبوة كالكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم وعلا نبينا أفضل الصلاة والسلام.. بل كان تسابقهم إلا الفضائل الجبلية التي كانت فيهم أدَّا بهم إلا التهاجي والمنافرات بينهم، وغلبهم نازع التنافس وتحكم الهوا والحمية إلا التزايد في الثلب، ومُآخذة القبيلة على ما بدر من الفرد.. فلما جاأ الإسلام، وخضعوا له عن قناعة ومحبة، وأسلموا نفوسهم وأجسادهم للاقتصاص منهم، وإقامة الحدود بينهم وهم أهل الأنفة.. لما جاأ الإسلام ردعهم عن عصبية العرق الجاهلية، وجعل مقياس الفخر التقوا وكرائم الأعمال، ولم يلغ إناأهم الذهبي؛ فجعلهم معادن، وجعل أكرمهم في الجاهلية أكرمهم في الإسلام إذا فقهوا، وجاأ ليتمم مكارم أخلاقهم ويهذبها، ولم يَجِإ لاستأْنافها، وجعل عليهم حق التفضيل والتبجيل لمن سبقهم بالتقوا من أي جنس، وأوجب عليهم السمع والطاعة للوالي المسلم وإن كان عبداً حبشياً كأن رأسه زبيبه، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن هاذه العرقية أخلاق جاهلية إلا أن تقوم الساعة.. ولكن من كرم الله وفضله على الأمة المرحومة لم يقض قدره الكوني أن يتمادا بهم ذلك إلا الكفر والفسق، بل هي معصية تحت المشيأة يكفرها الله بالتوبة، ويمحوها بما يغلبها من الحسنات.. وانقادوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إيماناً واحتساباً، فإذا مرت حالة شاذة قابلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتقريع الذي يَرُدُّ المأمن إلا عمق تقواه كما في قصة: يا ابن السوداإ .. وقوله صلى الله عليه وسلم: إنك امرأُ فيك جاهلية.. وصفا الجيل الأول من الوشب حتَّا كانت الفتوح، وامتداد الرقعة العربية والإسلامية، فاستجد عاملان أعادا الاعتزاز العربي إلا جاهليته:
أحدهما: ذاتي محض، وهو تمصير الأمصار، وتقسيم المنازل إلى خطط حسب القبائل، وجنوح بعض الولاة إلا اتخاذ عصبية من قبيلته مما حرك النزعة العصبية لَدا الآخرين، وركون بعض الخلفاإ إلى القبيلة من خُأولته، وإلا الجذم المضري بعامة ضد أجذام أُخرا؛ فوجِد التقاتل والتناحر والتهاجي والتفاخر، ولكن وازع الدين يردهم إلا رشدهم سريعاً.. وهاذه ليست نزعة عرقية تجاه غيرهم، وإنما هي عصبية جاهلية فيما بينهم.
وثانيهما: مزيج من فعل العرب وفعل غيرهم تجاه أبناإ الأمم المغلوبة الذين تكوَّن من مشاجرتهم مفهوم الشعوبية بآدابها وفلسفاتها.. اما فعل العرب فكان من الفهم السيإ لدا جمهورهم: وهو أن كل من ليس بعربي من الأجناس الأُخرا في ظل الخلافة الإسلامية فهو مولا وإن لم يجر عليهم حكم الولاإ الإسلامي، وفيهم سادة أشراف في قومهم.. ومن جرا عليه حكم الولا ثم اكتسب حريته المشروعة فهو في نظرهم مولا إلا الأبد وإلا أبعد نسل.. لا بمفهوم ولاإ النصرة، وأن مولا القوم منهم.. بل بحماقة التعيير برقٍّ كان فبان؛
فهاذا الشعور حرك شعوبية هاألاإ وان كانوا صادقي الإسلام كما كان أُلائك العرب عنصريين مع صدق إسلامهم.
وأما فعل الأجناس أنفسهم بمبادرة منهم فكان ذلك من زنادقة متسترين بالإسلام، ومن مسلمين في دور الظالم لنفسه والمقتصد من أديب وهزلي؛ فهاأُلاإ حسدوا العرب علا هاذا الملك، وعلا هاذه القدرة في الإدارة، وعلا هاذه الاستجابة السريعة في التفاعل الثقافي والحضاري والعلمي.. وهم في الأصل بادية أمية لا كتاب لهم، وتفكيرهم لمحة، وأدبهم وليد حاجة وليس وليد تأتً فني وفلسفة جمالية.. مع حنين بعضهم إلا حضارة قومه ومعتقدهم، وكرهه للملة المحمدية؛ فتكونت الفلسفة الشعوبية أدباً وفكراً من أربعة عناصر:
أولها: التاريخ الخامل للعرب قبل الإسلام.
وثانيها: الأمجاد الحضارية للأمم المغلوبة
وثالثها: ديوان العرب نفسه في تهاجي شعراإ القبائل، واختلاق كل شاعر مثالب لقبيلة خصمه، أو تعميم جُنَح بعض الأفراد علا القبيلة.
ورابعها: الخيال الشعوبي في افتراإ الأكاذيب علا العرب.. وكان ذالك كله مادة الكتب والفصول العديدة باسم مثالب العرب.
أما الكيد الشعوبي فتصدَّا له المسلمون عربيهم وعجميهم يفندونه، ويقبرونه في مهده.. العربي بدافع عنصرية تارة، وبدافع ديني تارة، وبهما معاً تارة.. وأما غير العربي فبدافع الغيرة علا الإسلام ومادته من العرب.
وأما العنصرية العربية في أدبها وفكرها فكان يرفضها المجتمع الكبير، ويقول العالم: دعوها فإنها منتنة .. ويغضب لقولة العالم وجهاأُ العرب وسوادهم من العامة، فلا يجد الأدب العنصري مكانه إلاّ في دواوين الشعراإ وكتب المسامرات كما يفلت من علن المسلمين ومجالس سوادهم عتمات من المجون والتجديف. وعلا مدار التاريخ رفض علن المسلمين أن تكون العنصرية سيرة عملية لا تُستنكر؛ لأن نصوص الوحي المطهر تجلد مشاعرهم بواجب الأخوة الإسلامية، والتفاضل بالتقوا، والتأثيم أو التفسيق بالمفاخرات والمنافرات.. وأبواب الفقه في كفاأة النسب، وحقوق المواطنة، وأحكام أهل الذمة: كل ذلك يوجِّه سلوكهم مع استلهامهم العزائم التي تحرك العظمة، والرقائق التي تُسيل القلوب في سِير علماأ ومجاهدين مسلمين من غير العرب جعل الله سيرهم وعلمهم وكتبهم : إمامة في الدين، وفخراً لأمة العرب؛ فسواد الأمة اليوم مقلد لأبي حنيفة الفارسي في الفقه، والصحيحان والسنن الأربع من تأليف عرب باللسان والولاإ.. وتخرج من رجال الفكر الفلسفي مثل الكندي وابن باجة، والبقية شأنهم شأن أصحاب الصحيحين والسنن.. وأئمة الإبداع في الشعر العربي تناغم بين أمثال ابن الرومي وأبي تمام، والعباس بن الأحنف والعامري، وأبي نواس والمتنبي، والشريف الرضي ومهيار الديلمي..
إنها أنفاس عربية وأعجمية كونت الإبداع الأدبي، وكل ذلك مفاخر عربية بلا استثناإ، والله المستعان.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved