|
| الركن الخامس
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد..
فان الحاج اذا دفع من مزدلفة ووصل الى منى فان اول شيء يفعله ان امكن هو رمي جمرة العقبة ويسن ألا يشتغل بشيء قبل الرمي لأن الرمي تحية منى كما ان الطواف بالبيت تحية المسجد الحرام فلا يبدأ بشيء قبله.. وله ان يأخذ الحصى من مزدلفة او من منى او من اي مكان من الحرم.. واذا وصل الى الجمرة قطع التلبية قبل الشروع في الرمي لأنه حينئذ شرع في التحلل ثم يرميها بسبع حصيات واما وقت الرمي فان لرمي جمرة العقبة وقتين: وقت فضيلة ووقت إجزاء.
فأما وقت الفضيلة فبعد طلوع الشمس يوم العيد قال ابن عبد البر: أجمع علماء المسلمين على ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما رماها ضحى ذلك اليوم: وقال جابر رضي الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة ضحى يوم النحر ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس اخرجه مسلم.
وأما وقت الجواز فأوله بعد منتصف الليل من ليلة النحر بالنسبة للضعفاء ومن لا يستطيع مزاحمة الناس من الصغار والنساء.
لما روي عن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم امر أم سلمة ليلة النحر فرمت جمرة العقبة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت وكانت أسماء بنت ابي بكر رضي الله عنهما ترتقب غروب القمر ليلة العيد فاذا غاب دفعت من مزدلفة الى منى ورمت الجمرة.
اما آخر الرمي فانه الى غروب الشمس من يوم العيد واذا كان هناك زحام او كان بعيدا عن الجمرات وأحب ان يؤخره الى الليل فلا حرج في ذلك ولكنه لا يؤخر الى طلوع الفجر من اليوم الحادي عشر وبهذا أفتى علماؤنا الاجلاء.
فاذا كان من الغد وهو أول ايام التشريق وزالت الشمس أي انتصف النهار عند دخول صلاة الظهر رمى الجمرات الثلاث يبتدىء بالأولى وهي التي تلي مسجد الخيف فيجعلها عن يساره ويستقبل القبلة ان تيسر له ذلك ويرميها بسبع حصيات يكبّر مع كل حصاة ثم يفعل ذلك بالوسطى ثم يرمي جمرة العقبة التي رماها يوم النحر بسبع حصيات لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر أي )يوم النحر( ثم رجع الى منى فمكث بها ليالي التشريق رمى الجمرة اذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات متعاقبات يكبّر مع كل حصاة ويقف عند الاولى والثانية فيطيل القيام ويتضرع ويرمي الثالثة ولا يقف عندها رواه ابو داود.
فان رمى قبل الزوال من ايام التشريق أعاد الرمي لأن النبي صلى الله عليه وسلم رماها بعد الزوال وقال )خذوا عني مناسككم(.
وكان الصحابة رضي الله عنهم يتحينون الزوال اي ينتظرونه فاذا زالت الشمس رموا.
ولذا فان اهل العلم يرون ان من رمى قبل الزوال فعليه ان يعيد بعده وإلا لزم دم.
فدل ذلك على ان ابتداء الرمي بعد الزوال وقد بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم وأخذه عنه اصحابه رضي الله عنهم ولكن بعض الناس هداهم الله يخطئون في رمي الجمرة ايام التشريق حيث يرمونها قبل الزوال وهذا مخالف لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين كما اسلفت ويستمر الرمي في ايام التشريق الى الليل وبهذا افتى علماؤنا الاجلاء وذكروا في فتاواهم أنه اذا كان هناك مشقة من زحام وغيره فلا بأس ان يرمي بالليل الى طلوع الفجر)1(.
فما بالنا نرى الكثير من الحجاج هداهم الله وفقههم في دينهم يخالفون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويزجون بأنفسهم وبمن معهم في أمواج الزحام بالرغم من ان الامر فيه متسع في وقت الرمي.
ثم بعد الرمي يوم الثاني عشر بعد الزوال من احب ان يتعجل جاز له ذلك ويخرج من منى قبل غروب الشمس ويسمى النفر الاول. ومن تأخر وبات بمنى ليلة الثالث عشر ورمى الجمرات يوم الثالث عشر بعد الزوال فهو افضل واعظم اجرا ويسمى النفر الثاني لقوله تعالى )فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى .. الآية(.
فالتعجّل انما يكون يوم الثاني عشر واما الحادي عشر فهو يوم قر لا نفير فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم انما رخص في التعجّل يوم الثاني عشر واما هو صلى الله عليه وسلم فلم يتعجل بل اقام بمنى حتى رمى الجمرات يوم الثالث عشر بعد الزوال ثم ارتحل قبل ان يصلي الظهر فما بال بعض الحجاج هداهم الله يضايقون اخوانهم ويزاحمونهم ولو عملوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحينوا الفرص المناسبة للرمي لما حصل زحام ولا مضايقة. فعلى اخواني الحجاج ان يتقوا الله في جميع مناسكهم والتقوى تكون باتباع النبي صلى الله عليه وسلم وترك مخالفته.. فمن اتقى الله فلا إثم عليه سواء تعجل او تأخر ومن لم يتق الله لحقه الاثم وتعرض للخطر.. أسأل الله بمنه وكرمه ان يحفظ الحجاج والمعتمرين وأن يتقبل من الجميع صالح الاعمال انه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.
خبير الشؤون الإسلامية بوزارة الشؤون الاسلامية
إمام وخطيب جامع العبداللطيف بحي الشفا
)1( فتاوى أركان الإسلام لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ص.ب 560
|
|
|
|
|
