أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 6th March,2001 العدد:10386الطبعةالاولـي الثلاثاء 11 ,ذو الحجة 1421

الركن الخامس

مكاسب الحج
د. زيد بن محمد الرماني
الإنسان في حياته مغمور في بحور الماديات، مشغول بها، صارف كل وقته وجهده في التحصيل عليها والمباهاة بها، والماديات تبعد الروح عن التلذذ بأهم ما خلقت له وهو التفكر في الحياة الأخرى، والوصول إلى الحقيقة التي هي الانقطاع إلى الله والإخلاص له في العبادة والتقرب إليه بأنواع الطاعات.
فحياتنا المادية بجميع ما فيها من المظاهر تبعدنا عن هذه الحقيقة، حيث تحول بيننا وبين الوصول إليها مع أنها أهم شيء يجب أن نسعى إليه ونحرص على حصوله.
فكان من عناية الله بعباده أن فرض عليهم أموراً تحول بين النفس وبين الاندفاع في تيار الشهوات المادية، إذ فرض سبحانه الصلاة على عباده وجعل الإنسان في صلاته يناجي ربه، وجعله في سجوده أقرب ما يكون من ربه، فكانت الصلاة بصورتها وبمعناها من أنفع ما يعالج به الإنسان نفسه.
يقول الأستاذ محمد المختار بن حمود: لما كانت الحياة المادية متغلبة على النفس، وكانت شيئاً محسوساً وللمحسوسيات تغلب وتطاول على المعنويات، فقد فرض الله تعالى على عباده شيئاً آخر لمقاومتها، وذلك هو الحج إلى بيت الله الحرام.
فإذا كان الإنسان في حياته قد تعود على الترف والبذخ في العيش والتفنن في أنواع الملاذ، والتنويع في الملبس والمأكل والتطيب والاشتغال بالأمور التي فيها قضاء لشهواته وتنفيذ لأغراضه وتعود بالراحة وتباعد عن كل ما فيه تعب لنفسه، فقد جاء الحج بمقاومة ذلك كله.
ففيه السفر، وركوب البحار واقتحام الأخطار وبذلك تتعود النفس على تحمل الأتعاب وعدم الإخلاد إلى الراحة.
وفيه ترك المخيط من الثياب والاقتصار على ثوبين للتستر بقدر الحاجة والرضا بما تيسر من الطعام والشراب وبذلك تتعود النفس على مفارقة الحضارة التي تميت في النفس حاسية الإقدام والشجاعة وتألف خشونة العيش وقوة العزيمة.
وفيه التباعد عن فتن الحياة ولهوها ومجونها والانصراف إلى الله في مكان ليس فيه ما يشغل عن الله، ولا ما يلهي عن ذكره وبذلك تتعود النفس الطاعة والإخلاص في العمل وصرف الأوقات فيما ينفع.
وفيه ظهور الناس على اختلاف طبقاتهم وتباين مراتبهم بمظهر واحد، وعلى نمط واحد، وفي صعيد واحد وبذلك يُمحى الغرور من النفس وتشفى من داء التعاظم والكبر والرياء.
فكان الحج بما اشتمل عليه من هذه الأعمال والتكاليف أنجح دواء يعالج النفوس المريضة ويصلح من شأنها ويقاوم ذلك التيار المادي الذي كانت لا تشتغل إلا به ويقربها من تلك الحقيقة العظمى.
ومن أجل ما في الحج من هذه المعاني السامية اعتنى الشارع بأمره ونوه بشأنه، ورتب على فعله جزاءً عظيماً، وجعله في صف واحد مع الجهاد في سبيل الله، ففي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: شدوا الرحال في الحج فإنه أحد الجهادين».
هذه بعض فوائد الحج الدينية، أما فوائده الدنيوية ومقاصده الاجتماعية، فالحج أعظم وسيلة لتعارف الشعوب الإسلامية واتصالها ببعضها، فالمسلمون على تباعد أقطارهم وتنائي ديارهم وتشتتهم في جميع أنحاء الأرض هيأ الله تعالى لهم مؤتمراً دينياً عاماً يجتمعون فيه، فيقع بينهم أولاً التعارف الذي دعا إليه القرآن الكريم في قوله تعالى «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا» الحجرات/13. ثم ثانياً يحصل الإعانة والتكافل بين أفراد الشعوب.
هذا هو الذي ينبغي أن يكون عليه المسلمون في الحج، وهذه هي الفرصة التي هيأها الله لهم، فهل انتفع المسلمون بذلك؟ وهل فهموا هذا المغزى العظيم، وهل نظموا هذا المؤتمر الإلهي كما ينبغي أن ينظم حتى يقع استغلاله والانتفاع به؟!
يقول الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي إن المكاسب الاجتماعية الجماعية التي تتحقق بالحج متعددة متنوعة منها سياسي ومنها اقتصادي، فبالمجتمع المنظم وبتمثل وإدراك غايات الحج يلتقي المسلمون على منهج واحد، وخطة عمل موحدة ويقيمون دولة واحدة.
وبالتعارف والتآلف تتعرف الشعوب على حاجات بعضها وموارد وانتاج بلدانها، بالإضافة إلى ما تقوم به السفارات والقنصليات الحديثة والوفود الاقتصادية من دور وخدمة رسمية في هذا الشأن وبالاجتماع في صعيد الحج يستنصر الضعيف بالقوي، وبهذا يتوصل المسلمون إلى الظفر بمقاصد الحج الحقيقية.
وبما أن تنظيم الجماعة سياسياً واقتصادياً ودفاعياً وبناء الوحدة الإسلامية لابد له من جو يسوده الاستقرار والطمأنينة، كان مكان الحج وزمانه الحرمة والجلال، وكان موسم الحج عيداً أكبر للمسلمين، ففي جعل الحرم آمناً وقصر دخوله على المسلمين وفي ايقاع الحج في الأشهر الحرم إعلان لمبدأ الحرية والسلام وإكبار لشأنهما.
ختاماً أقول: لقد بيَّن المفسرون المراد بالمنافع الدينية والدنيوية، الواردة في قوله تعالى: «ليشهدوا منافع لهم»الحج/ 28 حيث اعتبر العلماء هذه الآية مرخصة للاتجار في الحج، وعليه فيكون لمؤتمر الحج نتيجة دينية دنيوية، ثم بعد انتهاء المؤتمر يجتمع كل فرد بأهل بلاده يعلمهم بخلاصة ما دار فيه من الأبحاث وبذلك تزداد الشعوب الإسلامية اتصالاً وتقوى أواصر المودة والتعارف والتعاون والتكافل والمساعدة والتفاهم والتنسيق.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved