أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 9th March,2001 العدد:10389الطبعةالاولـي الجمعة 14 ,ذو الحجة 1421

تراث الجزيرة

في دائرة الضوء
شعراء الجوف عشقوا نخلتهم كما عشقها أهلها..
* الجوف ابراهيم الحميد:
عشق اهالي منطقة الجوف النخيل منذ القدم ففي هذه المنطقة التي تفوح ارضها بالعطاء والنماء، نجد انها تميزت منذ القدم بجودة نخيلها وروعة مزروعاتها الاخرى الامر الذي جعل من هذه المنطقة احدى مناطق الهجرات الكبيرة اذ كانت معظم قبائل الجزيرة العربية وبلاد الشام ترحل اليها على مدى السنين حتى اصبحت سلة للغذاء في وطننا الغالي. ولجودة نخيلها وبالذات «الحلوة» استطاعت من ايام «السني» وذلك بما حباها الله من ثمر مكتمل الصفات ان تفرض قصة عشق ابديه بين اهالي الجوف وهذه النخلة.
وتجلى ذلك العشق شعرا تدفق في كل المناسبات حتى اصبحت الحلوة بالذات والنخلة بشكل عام من عناوين اهل الجوف الهامة يفتخرون بها في كل مناسبة تقديرا منهم لوفائهم معهم، والمتمثل في الانتاج المتميز بعد ان منحوها جهدهم ووقتهم.
لهذا اتسمت بعض نصائح ووصايا الرجال الاوائل الذين شهدوا مولد النخيل وكبروا معه بالحث على الاهتمام بمزارع النخيل باعتبار ان النخلة في اعلى قائمة الممتلكات ويظهر ذلك في قول الشاعر خليف الطراد حين يقول:


عزي لرجل ما يماري بماله
المال زينات النما والكرانيف
يوم يعزك مقعد في ظلاله
لو تاكل الجمار وتبيع الليف

فالشاعر يؤكد على اهمية النخيل واعتبره المال الحقيقي حين قال «المال زينات النما والكرانيف» وزينات النما هي النخيل.
ولم يتوقف عشق اهالي الجوف لنخيلهم عند حدود الوصايا بل تعدى ذلك الى الفخر والاعتزاز كما قال الشاعر ناصر بن قادر:


غرست منها ميتين على بير
والمية الاخرى لحيق بثرها

وهي ان الشاعر يتفاخر بغرس 200 نخلة في زمن لم يكن الفلاح قادرا على ري اكثر من عشر نخلات بسبب صعوبة استخراج المياه ولكن العشق العجيب المنبثق من مبادئ الكرم جعلت هذا الفلاح يقبل التحدي ويكسب، لا سيما لو علمنا ان معظم الفلاحين كانوا «يشدون» سوانيهم اعتبارا من منتصف الليل وبعضهم مع بزوغ الفجر دون ان يتمتعوا بنومة هانئة أو راحة كاملة، وتجسد احدى نساء المنطقة هذه المعاناة شعرا بعد وصول طلائع الآلة الحديثة «المواطير» فتقول:


يا ما حلا نومة بالحوش
لا صار ما تطري الشدة
هني يا كثير قروش
يشري ماطور ويكده

ويمتد بنا التأمل في تفاخر ابناء المنطقة بنخيلهم من خلال اشهر قصائد المنطقة في زمن الماضي، بل ان القصيدة التالية التي اصبحت من اساسيات الحديث عن منطقة الجوف بفضل ما حققته من صيت رائع للمنطقة، اجتماعيا كان ام ادبيا.
وهي قصيدة الشاعر غالب بن سراح الحطاب والمرتبطة بالكرم، وقد جاء ذكر ذلك في الحديث عن طريق استخدام مفردات وتراكيب تفوح منها رائحة العزة والفخار ونذكر منها:


يا ما حلا والشمس يبدي شعقها
من حدر الزرقا على نقرة الجوف
نسقي بها غيد ظليل ورقها
يقلط نماها للمسايير وضيوف

فمزارع النخيل التي وصفها بن سراح بالغيد مصدر عزته باعتبارها من علامات الكرم حيث تفاخر بتقديم «نماها» وهو التمر المتميز«للمسايير والضيوف، ولان النخلة كما ذكرنا تعد من اساسيات الفخر لدى بن سراح وكل اهالي المنطقة فقد تباكى شاعرنا عليها ذات مرة بسبب ابعاده الاجباري عن الجوف ونخيلها فقال:


لو البكا ينفع بكينا منيفة
الغرسة اللي فرعوا به عدانا
واليوم طعم العشب عندي طريقه
من قبل ما ناكل «مذانب حلانا»

ومذانب الحلا هي ثمرة الحلوة التي شكل التمر جزءاً منها ويطلق عليها بالعامية «المنقذ» والملفت للنظر في النخلة أنها ما تزال المثل الاعلى لاهالي المنطقة فقد استخدمت تمرة الجوف المعروفة بحلاوتها وعذوبتها في وصف الفتيات الجميلات والمتميزات ويظهر ذلك في:


يا «فلانة» تمرة الجوف
على جيله بها نوف

وفلانة هذه اي فتاة متميزة جذابة، اما تمرة الجوف المقصودة هنا فهي «الحلوة».
وللعشق بين اهالي منطقة الجوف ونخيلهم لغة لا يعرفها سواهم، فهم يعلمون ان العشق متبادل وهم وحدهم ايضا من يستطيع فك رموز التجارب.
وفي موقف اخر اضطر احد الشعراء الى الاستعانة بالتمر حينما اراد وصف جمال ولذة قبلة محبوبته وذلك لعلمه بان عذوبة وجمال التمر المتفق عليه ابلغ من ان يؤدي هذا الدور وبالتالي ايجاد صدى عاجل وفعال لدى المتلقي فقال:


له «حبة» احلى من الما على الضما
واحلى من الدنيا وكل معاش
واحلى من اللي ينقر الطير راسه
ينوشه من بين الجريد نواش

ولم يكن ابن الجوف على مدى التاريخ الطويل يرضى بالتنازل عن نخلته، بل ان مبدأ الكرم الذي عاشوا من اجله دفعهم بتخصيص انتاجهم لضيوفهم وكانوا يتحرجون في بيع التمر اكراما لهذا المبدأ، وهذا ما جعل سوق التمر في الجوف بلد النخل يفتقد للنشاط بفضل قلة التداول وكتأكيد لهذا المبدأ يقول ابن قادر:


ما دام ما صفوا على الحفافير
يحرم عليه بيعة من ثمرها

ويضيف ابن قادر في موقع اخر من القصيدة:


نبي نعشي.. ونغدي بتسخير
وخطو الرفيق نزهبه من ثمرها

والجميل في اهالي منطقة الجوف انهم ورّثوا عشق النخيل لابنائهم حتى ظل العشق يتنامى ويكبر مع مرور الوقت ولهذا ترجم الشاعر عابد الجلال وهو من ابناء الجيل الجديد صدق هذا العشق فقال:


الله على الفنجال ثلثينه الهيل
والناس نومى وانت نجرك تصوعه
لي جاك اللي يشتهون التعاليل
من حلوة اهل الجوف تقلط قدوعه
حلوة هل الجوبة نماها هو الكيل
يطرب نماها في عوالي فروعه
احلى الشهد المصفى محاليل
لا ذاقها الجيعان يضيع جوعه
عاشوا عليها الناس جيل بعد جيل
حلوة وهي حلوة ولا شفت نوعه

وهكذا هي نخلة الجوف اعطيت الكثير من الاحتفالية والجهد فاعطت الكثير حتى فازت بعشق اهالي الجوف وتجلى ذلك شعراً مترعاً بالفخر والكرم.

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved