أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 11th March,2001 العدد:10391الطبعةالاولـي الأحد 16 ,ذو الحجة 1421

مقـالات

كيف نتعامل مع «10 ملايين حاج» في المستقبل..؟!
حماد بن حامد السالمي
* المستقبل آت لا محالة بأرقام جديدة لعدد لحجاج، أرقام تصاعدية كبيرة، تتخطى مئات الآلاف الى عدد من الملايين. ففي السنوات القليلة الماضية وحتى هذا العام، وصل عدد الحجاج الى مليوني نسمة، وظل يراوح حول هذا الرقم صعودا او هبوطاً، بسبب التدخل الذكي والمشروع من الادارة التنظيمية العامة للحج، بهدف الحد من شيوع «عادة الحج المتكرر» التطوعي للفرد الواحد..! وذلك، لمصلحة طالبي حج الفريضة، الذين يواجهون بصعوبات في أدائها أمام كثافة المتطوعين، والذين لم يتفهموا يوما ما، حاجة غيرهم من إخوانهم المسلمين في أقطار الأرض، لفرصة العمر الجيدة لأداء الفريضة، لولا هذا التنظيم الموفق.
* ومع كل ما جاء من تنظيمات حتى اليوم، للحد من «عادة الحج المتكرر»، والنسب المسموح بها مقابل عدد السكان في الدول الاسلامية، الا ان عدد الحجاج سوف يظل مرشحاً لارتفاع كبير، ورقم «المليوني حاج» سوف يتضاعف في سنوات قادمة لا محالة، طال الزمن أم قصر، فالدلائل والمؤشرات جميعها توحي بذلك.
فابتداء من العهد النبوي الشريف الى عصرنا الحاضر، كان التزايد في عدد الحجاج مطرداً، فلا يتوقف الا بسبب طارئ ما، نتيجة فتنة عامة، او حرب قائمة، او مجاعة حالقة، او أمراض شائعة، ففي حجة الوداع الشهيرة، شهد صعيد عرفات الله، مائة الف حاج مع الرسول صلى الله عليه وسلم،. وعلى مدى اكثر من 1300 عام تلت ذلك الحدث العظيم، لم يصل عدد الحجاج الى مضاعفات الرقم مائة الف، الا في عصرنا الحاضر، بعد ان تهيأ للحجاج المزيد من الأمن وسبل الراحة والخدمات عالية المستوى، وبعد ان توفرت لهم سبل نقل حديثة سريعة مريحة، من بلدانهم الى المشاعر المقدسة فإلى بلدانهم سالمين غانمين، وارتفاع عدد المسلمين في العالم وارتفاع مستوى المعيشة في بلدانهم. وعوامل اخرى كثيرة يمكن الأخذ بها عند النظر في كيفية التعامل مع ارتفاع عدد الحجاج في المستقبل.
* وعندما كان عدد الحجاج في خانة عشرات الألوف، ثم مئات الألوف، كانت الشكوى مع ذلك موجودة، إنْ من قِبَل الحجاج أنفسهم ، او من قبل الجهات التنظيمية للحج، بسبب مصاعب كثيرة، أهمها المصاعب الادارية، المحكومة بمساحة زمنية وأخرى جغرافية، تتمحور حول الحرم المكي، والكعبة المشرفة والمسعى وعرفات ومزدلفة ومنى والجمرات وغيرها. وحتى عندما بدأت الدولة في تذليل هذه الصعاب، وحدث ما حدث من توسعة تاريخية للحرم المكي والطواف والمسعى، وشق الأنفاق في أوسع وأكبر مشروع في العالم، يستهدف تخريم الجبال واختراقها، فلم يتوقف هذا الأمر في مكة، ولكنه امتد ليشمل منى ذات الطبيعة الجغرافية الجبلية الصعبة... مع كل ذلك ... وفي سنوات مئات الألوف من الحجاج، كان كثير من الصعوبات ما زالت قائمة، وكان يواجه الحجاج كثير من الحرج في المسعى والطواف، والدفع الى مزد لفة ومنى من عرفات. ونحوه. فجاءت المرجعية الفقهية المتفتحة، معينا وسنداً وقتها، ورأينا كيف تم نقل مقام ابراهيم من مكانه القديم لتسهيل الطواف، وكيف أجاز الفقه الطواف والسعى من أعلى، لتخفيف الازدحام، وكيف أجاز ايضا الدفع الى منى بعد منتصف الليل.
وأمور معضلة أخرى، ما كانت لتحل لولا مرونة هذه المرجعية الفقهية المتفتحة، وتلمس ما في هذا الدين من سماحة ويسر، والسعي للوصول الى ما فيه من تخريجات، تقود الى مضامين تشريعية وفقهية، تسهل على الناس أمر دينهم ودنياهم، وترفع عنهم كثيرا من العنت والحرج، مع التمسك بالأصول ، والحرص على إتيان الفريضة بأركانها.
* هل سوف يتضاعف عدد الحجاج في المستقبل..؟
* نقول: «نعم» . والأمر لا يحتمل التصور أو التفكير في غير هذا. بل العمل من أجله ولأجله. ان كافة الدلائل والمؤشرات كما قلنا سابقا توحي بذلك، والأسباب كثيرة ومتنوعة ومتجددة.
* من هذه الاسباب، ما هو حتمي بالضرورة، من ازدياد مطرد في عدد السكان في البلدان الاسلامية، وما هو حاصل من تزايد عدد الذين يدخلون في الاسلام في كافة البلدان غير الاسلامية، فالمسلمون الذين يعدون مليارا اليوم في العالم، سوف يعدون مليارا ونصف المليار في سنوات قادمة ، ومليارين في حقب بعدها. وهلم جرا.
* ومنها ما هو مرتبط بتحديث وتطوير وسائل السفر والوصول الى الأماكن المقدسة، بحيث أصبح هذا الأمر، في منتهى البساطة والسهولة، والرحلة التي كانت تستغرق شهورا وأياما فيما مضى، يكفيها اليوم، ساعات قليلة بين بلد الحاج والأراضي المقدسة، وربما يأتي الغد بما هو أسرع، مما هو في علم الغيب الذي لا يعلمه الا خالق السماوات والأرض.
* ومنها استتباب ا لأمن والنظام والاستقرار، فالحاج في طمأنينة وراحة نفسية، آمن على حياته وما يملك منذ مغادرته بلده حتى عودته.
* ومنها ارتفاع مستوى المعيشة والرخاء الذي يعم بلدانا اسلامية كثيرة، يقابله تسهيلات كبيرة تقدمها حكومة المملكة، ليس فيها اي عنت او ارهاق لراغبي الحج، الى جانب خدمات ادارية وصحية وغذائية وسكنية وغيرها، على أعلى المستويات.
* هذه أسباب تأتي في مقدمة دلائل تشير الى تزايد عدد الحجاج في المستقبل، بحيث نجد انفسنا امام عدد من الملايين قد يصل الى عشرة ملايين حاج في سنوات قادمة لا ندري تطول ام تقصر... فماذا نحن فاعلون إزاء ذلك يا ترى..؟
* انه مهما جرى من توسعات وتحسينات وتحصينات واحتياطات لإخراج موسم حج يخلو من منغصات، كبيرة كانت او صغيرة، يظل هذا حلما قد لا يتحقق منه الا الشيء القليل، والسبب يعود الى تزايد اعداد الحجاج سنويا، مقابل ما هو متاح من مساحة بين عرفات ومزدلفة ومنى والحرم المكي، مساحة جغرافية ضيقة للغاية، ومساحة زمنية أضيق. فهل سوف نستمر في توسعة الحرم المكي حول الكعبة المشرفة، حتى تصبح مكة كلها مطافا ومسعىً..؟ وهل تبقى عرفات ومزدلفة ومنى في الحدود الجغرافية المنصوص عليها في المناسك، حتى لو ضاقت هذه المساحة، فلم تعد تتسع لملايين الحجاج..؟ وهل ... وهل... الى حد التساؤل الذي راج حول زمنية الحج مؤخرا..؟
* هل أصبح التفكير في مستقبل الحج أمرا لازماً.
من أجل معالجة كافة التفاصيل التي تحكم نسك الحج والعمرة ومن ذلك على سبيل المثال:
* مسألة الاستطاعة للحج. وعما اذا كانت تتعدى الحدود المادية والجسمية الى الحدود الأمنية والنفسية، مثل الخوف من مرض شائع او فتنة مستشرية، وما يمكن ان يتعرض له المعول، الذي يتركه وراءه عائله الحاج من مخاطر..؟
* هذه وغيرها، مسائل فقهية، يمكن النظر والتفكير فيها، على ضوء ما استجد ويستجد من ضرورات، لإبعاد ما يمكن ان يلحق بالضرر ملايين الحجاج في المستقبل.
* وفي مدى السنوات القريبة القادمة، فإن مما يحكم التدفق الى المشاعر المقدسة بغرض الحج، او يتحكم فيه، مسألة عادة التكرار والتطوع، خاصة من أبناء المملكة والمقيمين بها، ومع محاولة ضبط هذه المسألة بتراخيص الحج، والالتحاق بمؤسسات طوافة، فان البعض من هؤلاء، ما زال يتحايل بشتى الوسائل ، وينتهز فرصة اليوم التاسع من ذي الحجة ، حيث تفتح المنافذ الى عرفة.
* ويمكن اعتبار مفهوم الاستطاعة في الحج، عاملا رئيسا في زيادة عدد الحجاج بشكل كبير، ومن ثم الضغط على القدرات المكانية والادارية المحكومة بزمن ضيق، وبالتالي العمل على التقليل من مستوى الاداء العام للادارة التنظيمية، الذي بدوره يؤثر سلبا على راحة الحجاج وسلامتهم، وقد رأينا هذا العام، وفي ظل الرقم «مليونين»، كيف جاء الأداء الاداري رفيع المستوى، على كافة الصعد والميادين،
الا ان ذلك النجاح الكبير الذي كان يتحقق في عرفات ومزدلفة، وتكتمل صورته الجميلة في منى يوم العيد، لم يمنع من تدافع الحجاج على جمرة العقبة، ليموت منهم تحت الأقدام دعساً، خمسة وثلاثون حاجا وحاجة.
* ومفهوم الاستطاعة في الحج، ما زال عند البعض من المسلمين حتى من جاء منهم من خارج المملكة، يعني الوصول الى المشاعر المقدسة بأسهل الطرق وأقلها كلفة، حتى لو كان ذلك على حساب خيرية المحسنين، الذين يقدمون للحجاج في الحرم المكي والمشاعر المقدسة، الماء والطعام بالمجان، وهدايا اخرى ثمينة في مقدمتها المصحف الشريف. والأمر لا يتطلب أكثر من «118» دولاراً» لمن جاء من خارج المملكة..! وأقل من هذا بكثير لمن يحسن التعامل مع سماسرة مؤسسات التحجيج من الداخل..! وهذا الوضع القائم، تفسره تلك الظواهر السلبية المتمثلة في الافتراش، وفي الاستخدام السيء للمرافق العامة، ومنها الطرق والجسور والأرصفة والحدائق، وحتى الحرم المكي نفسه، ومضايقة حجاج بيت الله الحرام الذين ينشدون حجاً أمثل، بلا منغصات ولا سلبيات.
assahm2001@maktoob.com

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved