أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 13th March,2001 العدد:10393الطبعةالاولـي الثلاثاء 18 ,ذو الحجة 1421

الثقافية

ضربات الموت الأحمر
عبدالرحمن النور
الضربة السابعة كانت قوية جداً، دفعت بعنف الهواء الساكن في ساحة الصالة العلوية، وأنا أطرق عليه باب غرفة نومه.
الساعة الآن هي الثامنة صباحاً وهو لم يستيقظ بعد من نومه على غير عادته.. لا حول ولا قوة إلا بالله كيف يمكنني فتح هذا الباب وهو مغلق بالمفتاح من داخل الغرفة.
اندفعت منحدراً مع درج البيت وركضت إلى المطبخ ووساوس كثيرة تركض في مخيلتي، فتحت أحد أدراج المطبخ وبدأت أبحث عن آلة حادة أو مفتاح، رأيته وهو يتقلب في فراشه يصارع سكرات الموت ذلك الذي يأتي فجأة ولا تصده الأبواب الموصدة ولا النوافذ المغلقة، وجدت سكيناً صغيرة، التقطتها، ثم صعدت الدرج إلى الدور العلوي، ووقفت حائراً ألهث أمام باب غرفته، خيل إلى أذني أنها تسمع صوت شخيره، ألصقت أذني بوجه الباب، ولكني لم أسمع شيئاً سوى صوت صفير الهواء وهو يدخل ويخرج من بوابة رئتي صرخت بأعلى صوتي:
افتح الباب يا إبراهيم.. استيقظ من نومك فالساعة الآن الثامنة والربع وأنت تغط في نومك تاركاً العمل وراءك.
ولكن صوتي ارتطم بوجه الباب المغلق، وعاد إلى أذني خالي الوفاض. ركلت الباب بقدمي ركلتين قويتين متتابعتين لعله ينفتح أو لعل إبراهيم يستيقظ من نومه العميق.
استيقظ من نومك يا رجل.. استيقظ من نومك. غريب لم يتأخر إلى هذه الساعة في نومه قط، لابد أن مكروها قد أصابه.
ركضت إلى الدور الأرضي ومنه إلى الباب المؤدي إلى الطريق، فتحت الباب وأطللت برأسي فرأيت سيارته تقف في مكانها. زاد قلقي عليه. صعدت أركض الدرج.. وتسارعت دقات قلبي وأنا أراه مشنوقا بحبل تدلى من مروحة سقف الغرفة، فزاد فزعي واندفعت بأقصى سرعتي أصعد ما بقي من درج.
عالجت باب الغرفة بتلك السكين الصغيرة ولكنها لم تحرك ساكنا.
هل أقدم على الانتحار؟ خلف عينيه تطل دائماً نظرة غريبة لم أرها قبل سبع سنوات، وماذا حدث لهذا الرجل؟ هل مازال يغط في نومه أو أنه مات منتحراً ونام نومته الأخيرة؟
اندفعت بجسمي وقذفت نفسي على الباب ثم اندفعت مرة أخرى وقذفت نفسي على الباب فرأيت الباب ينفرج فرجة صغيرة ثم اندفعت بكل جسمي وقذفت نفسي على الباب فانفتح الباب وتساقط جسدي على أرض الغرفة.
رفعت رأسي أنظر إلى فراشه، لكني لم أجده فيه، وقفت على قدمي لكني لم أر شيئاً في الفراش، وسمعت صوتاً ينبعث من مكان خفي، هادئاً وعميقا وكأنه يأتي من جوف خال فارغ من كل شيء:
خير إن شاء الله.. ماذا حدث؟
قلبت الفراش رأساً على عقب ولكني لم أجد فيه شيئاً، صوته جاء قويا هذه المرة:
خير إن شاء الله.. ماذا حدث؟
كدت أجن وأنا أقلب فراشه ولا أجده فيه وصوته يتردد واضحا وقويا في فضاء الغرفة.
فجأة شعرت بيد تقع على كتفي، وعندما التفت كان هو يقف على قدميه الاثنتين وبقايا نوم البارحة تملأ وجهه.
قلت له وقد بدا علي الارتباك والحيرة والخجل:
الوقت قد تأخر وأنت لم تستيقظ بعد وقد خفت أن يكون قد أصابك مكروه..لذا صنعت ما ترى.
رد علي بصوت هادىء عميق وكأنه يأتي من جوف خال فارغ من كل شي:
لا عليك.. حصل خير.. فقد قررت ألا أذهب إلى العمل بعد اليوم، تقدمت بطلب تقاعد مبكر، وقررت ألا أنام بعد اليوم بين أربعة جدران مغلقة فصعدت إلى سطح البيت ونمت هناك.. هذا كل ما في الأمر.
وهو يرفع يده إلى رأسه.. ويعبث بشعره، رأيت ذلك الشيء الغامض يطل من عينيه الحمراوين كقطعتي دم جامد متخثر ميت.
صرت أبحلق في عينيه. كانت عيناه جامدتين مثل حجرين، وانتبهت إلى نفسي في وسط دهشتي وارتباكي وأنا أبلع ريقي وأبحلق في عيني رجل قد مات منذ سبع سنوات.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved