أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 16th March,2001 العدد:10396الطبعةالاولـي الجمعة 21 ,ذو الحجة 1421

شرفات

المتنبي: شعر ومعادن وأحجار
وقد تطرق ابو الطيب المتنبي الى معدن آخر، وهو معدن الزئبق، والزئبق هو العنصر الفلزي الوحيد الذي يظل سائلاً في جميع درجات الحرارة العادية، ولذلك يستخدم في صناعة الآلات والمقاييس العلمية، كمقياس درجة الحرارة وغيرها. كما ان للزئبق اهمية كبرى في صناعة المفرقعات والقذائف في الصناعات الحربية، كما أنه يستخدم في فصل الذهب من خاماته، وفي صناعة الاجهزة الكهربائية مثل اجهزة التبريد والافران وفي حشو الاسنان.
قال ابو الطيب المتنبي في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:


أدرن عيوناً حائرات كأنها
مركبة احداقُها فوق زئبق

يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: يقول: ادرن )النساء الراحلات( عيوناً حائرات متابعات لحظها، متعبات بتراف دمعها، كأنما وضعت احداقها على الزئبق، فهي حائرة لا تسكن، ومتعبة لا تفتر.
لقد استخدم شاعرنا الفذ في بيته هذا خاصية محددة لمعدن محدد وهو الزئبق، فالزئبق كما اشرنا آنفاً يتميز عن سائر المعادن الاخرى بسيولته ودوام حركته ليشبّه بها حركة حدق عيون النساء الظاعنات الحائرات بسبب خوفهن وقلقهن من فراق احبتهن ساعة الوداع.
كما اشار شاعرنا المتنبي الى الصلصال، وهو مجموعة من المعادن الطينية تتكون من حوالي خمسة عشر معدناً من سليكات الالمونيوم المائية. وتوجد هذه المعادن في الصخور الطينية الرسوبية على هيئة تجمعات دقيقة جداً لا يمكن الاستدلال على وجودها سوى بالاشعة السينية او المجهر الالكتروني )عوض، 1406ه 1986م(. ويدخل الصلصال في صناعة الخزف والصيني، وهي تراكيب حرارية لا غنى عنها لاستخدام الانسان.
قال ابو الطيب في قصيدة يمدح بها عبدالرحمن بن المبارك الانطاكي:


1 رجل طينه من العنبر الور
د وطين العباد من صلصال

يقول العكبري في شرح هذا البيت: العنبر: الورد، وهو الذي يضرب لونه الى الحمرة. والصلصال: الطين اليابس الذي له صوت، وأصله الطين الحر، خلط بالرمل فصار يتصلصل، واذا طبخ بالنار فهو الفخار. والمعنى: يقول: هذا الممدوح خلق من العنبر الاحمر، فهو طيب طاهر، وبقية الخلائق خلقوا من طين صلصال، فله فضل على الخلق ، لأنه خلق من غير ما خلقوا منه.
وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها عضد الدولة:


2 ولو كانت دمشق ثنى عناني
لبيق الثرد صينيُّ الجفان

يقول العكبري عن هذا البيت: لبيق: حسن مليح طيب والجفان جمع جفنة، يقال: جفنة وجفان وجفنات. والثرد والثريد واحد والمعنى: يقول: قال ابو الفتح: لو كانت هذه المعاني كغوطة دمشق في الطيب، لثنى عناني عنها، واجتذبني اليها هذا الممدوح الذي ثرده لبيق وجفانه صينية لانه ملك، وليس هو من اهل البادية، وقال الواحدي: المعنى: انه يبين فضل دمشق وأهلها، واحسانهم الى الضيفان، وخص دمشق من سائر البلدان، لان شعب بوان )في فارس( يضاهيها في الطيب، وكثرة المياه والاشجار.
لقد تطرق الشاعر في بيته الاول من بيتيه السابقين الى الصلصال الذي هو مجموعة من المعادن، واشار في بيته الآخر الى الجفان الصينية، والصيني هو ناتج عن الصلصال.
اضافة لما تقدم فقد اشار الشاعر الى المرو، ويطلق على المرو البللور الصخري او الكوارتز، وهو من المعادن شائعة الوجود في الطبيعة وتركيبة الكيميائي اكسيد السليكون، ومن ضروبه حجر الصوان الذي نحت منه الانسان القديم كثيراً من ادواته التي كان يستعلمها، وكان هذا التركيب ايضاً اول من ارشد الانسان القديم الى النار التي اكتشفها عن طريق احتكاك بعض قطع الصوان ببعض. والمرو النقي لا لون له ذو شفافية عالية ويوجد من المرو اصناف كثيرة يتم التفريق بينها بدرجة اللون وبدرجة تبللرها، وتستعمل الانواع الملونة من المرو في احجار الزينة، اما البلور الصخري فيستعمل في صناعة الاجهزة الكهربائية والبصرية، بينما يستعمل مسحوق الكوارتز في صناعة الصنفرة والخزف والطلاء والاسمنت والزجاج والطوب الزجاجي.
قال الشاعر في قصيدة يرثي بها والدة سيف الدولة:


مشى الأمراء حوليها حفاة
كأن المرو من زف الرئالي

يقول العكبري في شرح هذا البيت: المرو: حجارة بيض براقة، يكون فيها الناز والزِّف: صغار الريش والرئال: جمع رأل، وهو ولد النعام. والمعنى: يقول: لشرفها وشرف ولدها، مشى الامراء حول جنازتها حفاة، يطئون الحجارة، فكأنها عندهم لشدة الحزن ريش النعام، فلم يحسوا بخشونة الارض تحت اقدامهم لما في نفوسهم من الحزن.
وقد تطرق شاعرنا الكبير ايضاً الى بعض معادن الزينة التي تستخدم كحلي والتي يطلق عليها في بعض الاحيان، اسم الاحجار الكريمة، وذلك لندرة وجودها وقوة احتمالها، وجمالها اللافت للانظار.
ومن هذه الاحجار الكريمة التي اشار اليها شاعرنا المتنبي )الياقوت(.
والياقوت حجر كريم تركيبه الكيميائي اكسيد الالمونيوم وتعرف الانواع العادية خصوصا غير الشفافة منه بالاسم العلمي )كوراندوم( واحسن انواع الياقوت ما كان شفافاً تماماً، وهو نوع يرقى الى مرتبة الحجر الكريم، وخصوصاً اذا كان يحمل آثاراً طفيفة لبعض العناصر التي تكسبه الواناً جميلة، فشوائب عنصر الكروميوم تعطي )الياقوت الاحمر( وهو من الاحجار الكريمة الغالية، وشوائب التيتانيوم تعطي )السافير( او الياقوت الازرق، اما شوائب الحديد فتعطي الياقوت الاصفر او )التوباز الشرقي(. ويوجد الياقوت في الطبيعة من بين المعادن الاضافية في الصخور المتحولة، وفي كثير من الصخور النارية التي تتميز بوجود نسبة عالية من الامونيا، ونسبة منخفضة من الحديد والمغنسيوم، كما يوجد ايضاً في رواسب الحصى النهرية والرمال المنقولة.
قال أبو الطيب المتنبي في قصيدة يرثي بها اخت سيف الدولة:


1 فما تقلَّد بالياقوت مشبهها
ولا تقلَّد بالهندية القضب

يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: يريد انها «اخت سيف الدولة» ليس لها مِثل في الرجال، وفي النساء والقضب: جمع قضيب، وهو اللطيف الدقيق من السيوف.
2 وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها علي بن صالح الكاتب:


2 وكأن الفريد والدر واليا
قوت من لفظة وسام الركاز

يقول العكبري عن هذا البيت: الفريد: الدر اذا نظم وفصل بغيره ويقال: فريد الدر الكبار منه. والسام: عروق الذهب، وأضافه الى الركاز لان الركاز معادن الذهب، وكنوز الجاهلية ومنه الحديث الصحيح «وفي الركاز الخمس» والمعنى: يقول: هذه الاشياء توجد في لفظه «لفظ الممدوح» لفصاحته وبلاغته.
لقد بيّن الشاعر في بيته الاول من بيتيه السابقين ان الياقوت يستخدم للزينة عند النساء، فأخت سيف الدولة كانت اثناء حياتها تتقلد وتتجمل بالياقوت. اما في بيته الآخر فاستخدم الياقوت في مدح ممدوحه ويلاحظ من بيت شاعرنا الثاني استخدامه مطلحاً علمياً وهو الركاز ore ويعني تجمع وتركيز خامات المعادن بطرق طبيعية، وتكون كميات اقتصادية قابلة للاستغلال.
كما اشار شاعرنا الفذ الى حجر كريم آخر، وهو الزبرجد والزبرجد هو النوع الاخضر الشفاف من معدن )الاوليفين( وتركيبه الكيميائي سليكات الماغنيسوم والحديد والزبرجد كلمة سامية الاصل، وتعني الصبغ الاحمر ذو الصفرة، وليس له ألوان كثيرة مثل الاحجار الكريمة الاخرى واحسن ألوانه الاخضر الزجاجي، ولما كان الزبرجد ناعماً فهو لا يقبل الصقل الجيد ويوجد الزبرجد في الصخور النارية القاعدية داكنة اللون الغنية بالحديد والمغنيسوم.
ويكاد يقتصر وجود الانواع الكريمة من الزبرجد في مناجمه الشهيرة في جزيرة سان جونز بالبحر الاحمر والتي تسمى ايضاً بجزيرة الزبرجد )عوض، 1406ه 1986م(.
ويقول ابن منظور في لسان العرب: الزبرجد والزبردج : الزمرذ، قال ابن جني: انما جاء الزبردج مقلوباً «الجيم قبل الدال» في ضرورة شعر، وذلك في القافية خاصة، لان العرب لا تقلب الخماسي.قال ابو الطيب في قصيدة يمدح بها محمد بن عبيدالله العلوي:


شمس ضحاها، هلال ليلتها
در تقاصيرها، زبرجدها

يقول العكبري في شرح هذا البيت: قال ابن جني: التقاصير: جمع تقصار، وهي القلادة القصيرة لا تنزل على الصدر. وقال الواحدي ليس هذا من القصر انما هو من القصيري، وهي اصل العنق والتقصار ما يعلق على القصيري والزبرجد: قال الجوهري: هو جوهر معروف، وقال في موضع آخر: الزمرذ: الزبرجد والمعنى: يريد انه «الممدوح» في قريش كالشمس في النهار، وكالقمر في الليل، والدر والزبرجد في القلادة، فهو افضلهم وأشرفهم، وبه زينتهم وفخرهم.
لقد مدح أبو الطيب في بيته هذا العلوي، وشبهه بالدر والزبرجد في القلادة وكالشمس في النهار، وكالقمر في الليل، وهذا يبيّن لنا ان الزبرجد احد الاحجار الكريمة المستخدمة في الزينة خصوصاً في اعناق النساء.
د. عبدالرحمن الهواوي

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved