أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 17th March,2001 العدد:10397الطبعةالاولـي السبت 22 ,ذو الحجة 1421

محليــات

لما هو آت
الخبرات في الميزان
د. خيرية إبراهيم السقاف
جُبل الانسان على خوض التجارب بشكل مستمر، هذا الشكل يساير طبيعته البشرية، ويحقق له نوعاً من التآلف مع ما حوله..
غير أن خوض مجال أية خبرة جديدة يبدو في البدء كأنه خوض في بحر لجي.. او اقتحام عالم من المجهولات الغامضات، تلك التي يتوقف عندها، يتردد دون اقتحامها، يتفكر في كيفية وزمنية خوضها، يصعب عليه طرق ابوابها، او ولوجها، وهو بعد ان يفعل تحت اي «ظرف»، وعندما يتحقق له أن يلج عالمها الغامض قبلا، المجهول فيما سبق، المربك الصعب في بادئ الأمر، يجد صدره قد استقرت حركته، ومعها نشأت في نفسه الثقة بخبرته، ذلك لأنه سيجد أنه )تعرف( عليها، وتآلف معها، فزاد رصيده، وعلم جديداً لم يكن يعلمه، وعرف ما لم يكن يعرفه..
وتزداد خبرات الإنسان كلما غذ السير في محطات الحياة، وشاهد تفاصيلها، بمثل ما يشاهد طياتها، ومع ذلك تتفاوت هذه الخبرات بتفاوت «تعرّضه» لمجالات الخبرات، وانماطها، وانواعها، صغرت، ام كبرت، تسطحت، او تعمقت، خصت، او عمت..
وكلما زادت خبرات الإنسان ازدادت مداركه اتساعاً، وتكونت له ملكات التعامل، ومهارات التكيف، وبسطت امامه اساليب التعامل معها..
وهو يصل الى درجة اتخاذ القرار، كما أنه قد يصل بها الى مستوى «الحكمة» وبعد النظر في معالجة ما يرتبط بخبراته.
فالإنسان الذي لا يخبر.. كالطفل الخام الذي هو حديث عهد بكل شيء.. حتى اذا ما كبر، وقف من الأمور موقفاً غير ما يكون عليه وهو طفل..
لذلك يقال إن فلاناً كالاطفال، لبراءة ويسر خبراته، وجهله بكيفية التعامل مع المواقف، بقدر احتكاكه بما يجعله صاحب )خبرة( او عديمها.
من هنا قيل: زجوا ابناءكم في تيارات الحياة كي يتعلموا السباحة في بحورها..
غير أن الزج في تيارات الحياة الراهنة دون مدرب، ودون موجه، ودون مشرف، لهو خطر وأيما خطر.. لكل ما في الحياة الحديثة من مفرزات تغطي على نقاء المصادرالأولى للتربية، إذ لا يمكن أن يغلق الآباء على ابنائهم في «البيوت» حتى ينشئونهم تنشئة سليمة، ومن ثم يقولون لهم: اطلقوا سيقانكم لريح الحياة، فلقد صمدت وقويت وهي قادرة على مقاومتها.. ذلك لان الحياة اقتحمت الآن البيوت من كل الثقوب..، وتداخل أمر التربية، وروافد الخبرات..
ذكرني بهذا الأمر ما يرد من «خبرات» جديدة على السنة الصغار قبل الكبار، بانفتاحهم على الوسائل الحديثة من استخدام )الكمبيوتر( ، الحاسوب في الوصول الى الخبرات المعرفية والعلمية والثقافية والفكرية والفنية وسواها، كذلك )الانترنت( وما يقدمه في المواقع المختلفة من خبرات سالبة او معتدلة او موجبة )بالفاظ(، و )مصطلحات( لا يزال الكثير منها عند السماع جديداً على الآذان!..
وما قدمته قبلاً وسائل الاتصال الأخرى.. بكل انماطها، وانواعها..
ولا ننسى حرب الإنسان مع الإنسان.. تلك التي افرزت عن )وسائل الاتصال( بكل مصطلحاتها الى )السنة( الناس..، وحرب الخليج التي عرفت بكثير من مصطلحات الحرب، وما يحدث الآن في الحياة العامة..، واساليب الترفيه، ومستحدثات التعليم، ومصطلحاته، والحرب الاقتصادية، والثورة المعرفية، في حياة الناس تلك التي وسعت من خبراتهم، وزودتهم بكثير بل بمئات من «المصطلحات» الخاصة بها..
كل ذلك يزيد الإنسان قدرة على التعارف ومن ثم التآلف مع حياته، و )يعصرن( قدرته على التعامل معها..
يبقى من جديد هو هذا «الازعاج» الذي )جد( في حياة الناس هنا من عبث العابثين بمثل ما حدث في شارع العليا مساء الخميس، فانه إن زود الناس بخبرة التوقع لمثل هذا العبث فإنه لا بد أيضا أن يزودهم بوعي الحذر، وينمي لديهم روحاً تختلف عن روح )الاشكالية( و )الثقة( المفرطتين على ما تعودوا عليه في مجتمعهم الذي كان يخلو من العناصر غير الثقة، كي يحافظوا على قيمهم الروحية والخلقية، ويعملوا على بقاء طهرهم الداخلي ونقائهم الذاتي، وتزيد خبراتهم في معرفة الحياة ومعرفة الآخرين فيها.. إذ ليس كل من يجاورك المكان، أو يشاطرك العمل، هو مصدر خبرة ايجابية..
يبقى لنا ان نؤكد على أن أبواب الحياة حين يلجها الإنسان في الزمن الراهن يحتاج قبل وبعد ذلك أن يدرك أنه بحاجة إلى التزود من الخبرات التي تدربه على سعة الادراك ومعرفة التفريق بين ما هو صواب وما هو خطأ، ما هو مفيد وما هو سالب، ما هو حق وما هو باطل كي يحافظ على اشراقة الحياة ويتآلف مع ذاته قبل أن يفعل مع الآخرين .

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved