أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 17th March,2001 العدد:10397الطبعةالاولـي السبت 22 ,ذو الحجة 1421

الاخيــرة

القيصر.. والنكتة السياسية
أنور عبدالمجيد الجبرتي
* كان «يوليوس سيزار» دكتاتور روما الشهير يعاني من النكات السياسية التي كان يُطلقها «سيسيرو» في أنحاء روما.
وكان ينشر جواسيسه ليسجلوا له كل النكات التي يطلقها «سيسيرو» ضده، يومياً، وكما يذكر «انتوني سوربييل» في كتابه اللطيف «التحكم في الضحك: السخرية السياسية في عهد جمهورية روما البائدة» فإن «سيسيرو» كان يسخر من جواسيس القيصر قائلاً: ان كثرة الجواسيس، وانتشارهم ضدي يعبر عن المحبة العميقة التي يكنها لي «جوليوس سيزار».
* ورغم النكات الجارحة الموجهة نحو القيصر الشهير، وانه كان يحدث نفسه أحياناً بالتخلص من هذا المشاغب الساخر، فقد كان معجباً بقدراته الخطابية، وكان يعلم ان التخلص من كاتب ساخر يطلق النكات الجارحة في انحاء روما، وأنحاء الامبراطورية سيجعل من هذه النكات اكثر ديمومة وانتشاراً.
* كان الملاحظ ان حدة النكتة السياسية، وذيوعها في عهد «يوليوس سيزار» يشتد طردياً مع نزوع قيصر روما نحو الدكتاتورية والاستبداد ونحن نعلم كيف تطورت الأمور في روما وانتهت.
وهذا الأمر يطرح تساؤلاً حول النكتة السياسية واتقانها ونضوجها في عهود الانفتاح او الاستبداد، وما هي العلاقة بين النكتة وتلك الأوضاع.
* النكتة السياسية في الاتحاد السوفيتي والدول التي كانت سائرة في فلكه، كانت رائجة وجارحة، وكانت في معظمهما تعبر عن مفارقات الحياة اليومية التي كان يعاني منها المواطن العادي، كما كانت تعبر عن التناقضات الواضحة بين الشعارات السياسية المثالية والواقع المثير للسخرية وكانت تهزأ كذلك من المحفوظات المدرسية الحزبية الركيكة المكررة المملة، ومن مظاهر العبادة الشخصية المفرطة للزعماء التاريخيين مثل «لينين» والمعاصرين حينذاك مثل «ستالين» و«خرتشوف» و«بريجنيف».
* ولا نستطيع ان نعرف هل كانت السخرية السياسية اشد حدة واكثر انتشاراً في عهد «ستالين» الدموي؟ وهل استرخت وتلطفت في عهد «خرتشوف» مثلاً؟ ولكننا نستطيع ان نقول ان الدولة السوفيتية والدول التي كانت تنحو نحوها، كانت مصدراً ثرياً للنكتة السياسية، والمتابع للسخرية السياسية يمكن ان يلاحظ مدى التشابه بين النكات سواء كانت سياسية سوفيتية او اوروبية شرقية مع بعض التعديلات اللازمة لاكسابها النكهة المحلية.
* مصر هي ساحة الفكاهة والطرافة العربية عموما، والسياسية على نحو خاص، ولعل وجود الحكم المركزي واستمراريته على مدى يزيد على الخمسة آلاف سنة يفسر جزئياً تطور النكتة السياسية في مصر ونضجها، كما ان الروح المرحة للمصريين ورحابة صدرهم وصبرهم على الشدائد والظروف الصعبة وسخريتهم بها تفسر هذه المكانة المتقدمة للنكتة السياسية في مصر.
ورغم الوجود القوي للأجهزة الاستخبارية في عهد عبدالناصر فقد كان يتقبل النكتة السياسية ويعتبرها انعكاساً لملاحة وذكاء ابن البلد المصري، كما ان شخصية عبدالناصر الكاريزمية ومظهره الشخصي واسلوب حياته العائلي والرسمي جعله اقل كاريكاتيرية واخف تعرضاً لألسنة الساخرين السياسيين المصريين.
* ومع ذلك فقد تأثر عبدالناصر كثيراً من النكات السياسية الساخنة والجارحة أحياناً التي ظهرت بعد هزيمة الخامس من يونيو، خاصة ما كان موجها منها نحو الجيش المصري، وربما جعلته صدمة الهزيمة ومعاناتها اكثر حساسية عن ذي قبل.
* كان الساخر العربي الكبير محمود السعدني يقول عن شخصية قيادية معروفة بأن معلوماته العسكرية وثقافته العامة لا تجعله يعرف الفرق بين «جنرال ايزنهاور» و«جنرال اليكتريك» أو «جنرال موتور» ويقول عن شخصية أخرى بأنها تدعي التحدث باللغة البلجيكية واللغة الأمريكية بالطلاقة التي يتحدث بها أهلها، وقائمة السخرية السعدنية وغيرها من قوائم الساخرين السياسيين في ذلك الزمن الحزين، كبيرة.
* ورغم ان السادات كان صاحب نكتة، كما يقولون الا ان السخرية الجارحة التي نالت منه كانت اكثر مما يتحمله، ويقال ان القشة التي قصمت ظهر البعير وأودت بمحمود السعدني في السجن كانت تسجيلا لمحادثة تلفونية مارس خلالها السعدني مهاراته الساخرة المبدعة على السادات فأصدر السادات أمره بضمه إلى مجموعة مراكز القوى، واستضافه معهم في السجن، وكان هذا دليلاً آخر على ان الساخرين السياسيين لا يتعلمون الدرس أبداً وان الحكام يختلفون في هضمهم للسخرية السياسية ورحابة صدرهم لها اعتماداً على شخصياتهم والظروف السياسية المحيطة بهم.
* ونعود هنا إلى الساخر الروماني الشهير «سيسيرو» لنعلم بأنه هو أيضاً لم يتعلم الدرس جيداً فقد اغرته رحابة صدر «جوليوس سيزار» وتقديره لمواهبه الخطابية ومعرفته ان النكتة المستشهدة كالبيت الشهيد، في القصيدة اكثر رواجاً واثبت دواما. لكن الامبراطور «اوجستس» الذي خلف «يوليوس سيزار» في الحكم لم يكن رائق المزاج، رحيب الصدر، كخلفه فأمر بإعدام الساخر المفوه «سيسيرو».
* لم يعرف «سيسيرو» الفرق بين زمان «سيزار» وزمان «أوجستس» فدفع ثمناً غالياً للسقوط في الامتحان، وهكذا كل ساخر لا يؤمن بمادة الحساب، ولا يؤدي الواجبات المنزلية في مادة التاريخ.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved