أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 18th March,2001 العدد:10398الطبعةالاولـي الأحد 23 ,ذو الحجة 1421

الثقافية

الحج في الأدب العربي
اسم الكتاب: الحج في الأدب العربي.
اسم المؤلف: الأديب عبدالعزيز الرفاعي.
الطبعة: الأولى شوال 1395ه، مطابع الشرق الأوسط بالرياض.
الحج هو ركن ديننا الخامس والأخير الذي متى ما وجد المسلم زاداً وراحلة وجب عليه ان يشحذ همته، ويجمع عزيمته، ويجدد نشاطه وقوته، شاداً الرحال، وممتطياً صهوات الجياد، إلى حيث مهبط الوحي، ومجمع الرسالات، ومنفس الهموم والضيقات، ومفرج المصائب والمكدرات، وقبلة الدعوات كما يقول الزمخشري:


رباه كفارتي عن كل معصية
أني أتيت وملء النفس إيمان
أتيت أطرق باباً كل مجترم
أتاه يرجع وهو جذلان
قد استضاف كريماً لا يمن بما
يعطى وفي منه للعبد رضوان
فاغفر وسامح وتب واصفح
ففي كبدي الإثم يصرخ والإحساس يقظان

وينصرف المؤمن من قبلة الدعاء، وقد أعطي ثلاث هبات الهبة الأولى أن يستجيب الله جل جلاله له، والهبة الثانية: أن يدفع عنه من شر الدنيا بمقدار دعائه، والهبة الثالثة: أن يدخرها الله تعالى له إلى يوم القيامة، وما أجمله من ادخار.


رباه لست للفردوس أهلاً
ولا أقوى على نار الجحيم
فهب لي توبة واغفر ذنوبي
فإنك غافر الذنب العظيم

فما ظنك إذا كان كل هذا يحدث في بيت الله المقدس، في مكة أطهر بقعة على وجه الأرض، وفي أشرف وقت عظمه الله تعالى، في أشهر معلومات لا رفث فيها ولا فسوق ولا جدال، العمل فيها يضاعف الى عشرات أمثاله، فمن مقل ومن مكثر، وقد هزت أريحية الحج، وروحانية البيت، مشاعر الشعراء فقالوا وأكثروا، وكان الناس في واد، وهم في واد آخر، يتنفسون هواء عليلاً بارداً، ويشربون مشربا عسليا محلى، ويفيضون وجدانا وحبا وحنانا ورقة، فتغزلوا في الحج، ووعظوا ولبوا في الحج، ووصفوا الحج وأماكنه ومشاهده، وكما جاء على لسان الكتاب: ) وكان للأدب العربي من كل ذلك حصيلة كبيرة، استعرضها هذا الكتاب بإيجاز، واستعرض معها اثر الحج في الرحلات والمؤلفات وحفظ التراث(، وقد بدأ الأديب عبدالعزيز الرفاعي كتابه بمقدمة أشار فيها الى ان أصل هذا الكتيب عبارة عن محاضرة ألقيت في مؤتمر الأدباء السعوديين، الذي انعقد في مكة المكرمة بدعوة من جامعة الملك عبدالعزيز عام 1394ه، ويشير المؤلف إلى أن موضوع هذا الكتاب شاسع واسع لا تتسع له هذه المحاضرة الوجيزة، وهو جدير كل الجدارة ان يعنى به الباحثون، ويفردوا له الكتب الكبار، والهدف من تأليف هذا الكتاب وطبعه ضمن سلسلة المكتبة الصغيرة جاء في قول المؤلف التالي: )وحجم هذه السلسلة، لا يتسع للإطالة ولا التفصيل، وأنا فيه نصير للاختصار والاقتصار، حرصاً على الإفادة في إيجاز، وإنارة الطريق للسائرين، ولو في ومضات(، وفي استهلالة الكتاب أشار المؤلف إلى معنى الحج في اللغة وهو القصد، وكل قصد حج، ورجل محجوج أي مقصود، والمفرد حاج، والمفردة حاجة، وبين أن أشهر الحج التي جاءت في قوله تعالى: ) الحج أشهر معلومات( هي الشهور التالية: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، وسبب التسمية بشهر ذي الحجة، لأن الناس تحج فيه، والجمع ذوات الحجة، ونقرؤها على شكلين إما بفتح الحاء أو بكسرها.
وحول موضوع الحج في القرآن ذكر أن الله تعالى فرض الحج على كل مسلم ومسلمة مع القدرة عليه في السنة التاسعة من الهجرة، وعرفت الأمم القديمة في أديانها الحج، كقدماء اليونان، وقدماء المصريين، وكانت لهم أماكن مقدسة يقصدونها، وقد ورد ذكر الحج، وما يتفرع من لفظه في القرآن الكريم اثنتا عشرة مرة، منها ما جاء في سور عديدة كالبقرة وآل عمران والحج وغيرها.
وحول موضوع مهم وهو أثر الحج في اللغة العربية ذكر المؤلف يرحمه الله تعالى ويسكنه فسيح جناته ان اللغة العربية هى وليدة استقرار هاجر عليها السلام مع وليدها إسماعيل بن إبراهيم عليهما أفضل الصلاة وأتم التسليم في أحضان مكة وشعابها، وهذا الاستقرار الحضاري في مكة المكرمة، ما هو إلا ثمرة من ثمار الحج اليانعة، فبفضل الحج كانت مكة عامرة نابضة بسكانها وحياتها، وقد كان لها موقع استراتيجي فذ ساعد على ازدهار تجارتها بحكم اتصالها بالأمم المجاورة، ومع ذلك فقد توثقت علاقاتها بالقبائل العربية في مختلف أنحاء الجزيرة العربية، وبفضل تجمع القبائل العربية من كل حدب وصوب نشأت أسواق العرب التجارية الثلاثة، وهي سوق عكاظ، وسوق ذي المجنة، وسوق ذي المجاز، ولم تكن هذه الأسواق تجارية فقط، بل كانت نوادي شعرية، يلتقي فيها كبار الشعراء، ويتبادلون فيها الآراء، ويتناشدون الأشعار، وكانت هذه الأسواق أيضاً محاكم نقدية، يقوم عليها كبار العقليات، من محبي الأدب ومتذوقيه، والنابغة الذبياني على قدره، كان ينصب له خيمة من جلد أحمر في سوق عكاظ، فيجلس فيها وحوله الشعراء ورجال العشائر، ورؤساء القبائل، وقد تحلقوا حوله، فيفاضل بين الشعراء، ويقدم هذا على هذا، وينتقد شيئا من القصيد الشعري، مناقشا مواطن الضعف والقوة، والناس في حركة تجارية دائبة، وحركة شعرية ناقدة، يأتون تلك حينا ويأتون الأخرى أحايين كثيرة، فالحج له فضل كبير على هذين السوقين سوق التجارة، وسوق الشعر، ومن خلال هذه اللقاءات المتعددة في الأسواق تجمع العرب، وتوثقت أواصرهم، وتطورت لهجاتهم حتى اتحدت في لهجة قريش، على النحو الذي كانت عليه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ونزل بها القرآن الكريم، كما قال تعالى: «فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا»، وعن فضل هذه الأسواق تحدث مؤلف الكتاب يرحمه الله تعالى وينور ضريحه قائلا: )وبرغم ان هذا التبادل الثقافي إنما يتم في أسواق الحج، وأخصها سوق عكاظ بالطائف، إلا أن العرب، كانوا يؤثرون أن يربطوا إبداعهم الفني بذلك المحور الرمزي الذي يلم شتاتهم كل عام، أعني بالكعبة رمز الحج، فقد تواضعوا ان ينتقوا قصائدهم الجياد فيعلقونها في جوف الكعبة دليلا على أنها فازت بالصدارة الفنية، وأنها اجتازت عملية النقد بنجاح، وأنها أصبحت مؤهلة للخلود، وأصبح قائلها شاعراً للعرب كافة، لا لقبيلته فحسب( ومن هنا كانت المعلقات، التي كتبت بماء الذهب على القباطي وهو الكتان المصري ثم علقت على أستار الكعبة، وقد أثرت هذه اللقاءات المتكررة على لغة قريش فأعطتها النماء والصفاء والرقة، ومن الأدلة القوية التي ساقها المؤلف لتعزيز رأيه، وتدعيم قوله، وتوضيح أثر الحج في لغة قريش ما قاله الثعالبي في كتابه ثمار القلوب ترد عليهم الأخلاق، والعقول والآداب والألسنة واللغات، والعادات، والصور والشمائل، عفواً بلا كلفة ولا غرم، ولا عزم ولا حيلة، فيشاهدون ما لم تشاهده قبيلة، وليس من شاهد الجميع كمن شاهد البعض، فكثرت الخواطر، واتسع السماع، وانفسحت الصدور بالغرائب التي تتخذ، والأعاجيب التي تحفظ، فثبتت تلك الأمور في صدورهم وأضمرت وتزاوجت فتناتجت، وتوالدت، وصادفت قريحة جيدة وطنية كريمة، والقوم في الأصل، مرشحون للأمر الجسيم، فلذلك صاروا أدهى العرب، وأعقل البرية، وأحسن الناس بيانا(، ثم علق المؤلف على هذا النص المنقول بقوله: )وكان الثعالبي في هذا النص العظيم يركز على اثر الحج في قريش لغة وبيانا(، ومن فوائد الكتاب وفرائده إشارة المؤلف رحمه الله أنه كما علق الشعر عليها، فقد أخذ النثر حقه من هذه المكانة، وشق سبيله إليها، ولنترك المجال لحديث المؤلف حيث يقول: ).. فكما علق الشعر قصائد طوالاً مجودة فقد علقت المواثيق النثرية أيضا، وآخر ما جاءنا من أخبار المعلقات النثرية، صحيفة مقاطعة قريش لبني هاشم(، ثم طرح المؤلف موضوعا آخر وهو: أثر الحج في الشعر. وقد بدأ هذا المبحث بالحج في الشعر الجاهلي، وذكر فيه ان القبائل كانت تعرض أشعارها على قريش، فما قبلوه منها كان مقبولا، وما ردوه كان مردودا، وأنه قد روى ان )علقمة بن عبدة التميمي( أنشدهم قصيدته ) هل ما علمت وما استودعت مكتوم( فقالوا: هذا سمط الدهر، ثم عاد إليها في العام المقبل فأنشدهم قصيدته: )طحا بك قلب في الحسان طروب( فقالوا: هاتان سمطا الدهر.
كما أشار المؤلف ان النابغة الذبياني عني بذكر الحج ومشاهده في عدة مواضع من شعره، كذلك الشاعر الحكيم ) زهير بن أبي سلمى( حين يقول في معلقته المشهورة:


فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله
رجال بنوه من قريش وجرهم
يمينا، لنعم السيدان وجدتما
على كل حال من سحيل ومبرم

وبعد العصر الجاهلي قل صدى الأسواق الأذي المجلجل، وكما يقول المؤلف : )وأدت عوامل كثيرة الى خفت صوت هذه الأسواق، فهناك الدين الجديد والاشتغال بالفتوح، ودخول العنصر السياسي الى الشعر ثم الاستقرار الحضاري وتركز شعر المديح، ونشوء المربد في البصرة، كل تلك عوامل قللت من أهمية الأسواق التجارية الأدبية التي كانت حول الحرم حتى اندثرت تماما، ولكن ليس معنى ذلك ان يكون الحج، قد انقطعت صلته بالأدب، ولم يعد عنصرا مؤثرا فيه، كلا، ولكن يسعني ان أقول: ان دائرة تأثيره قد اتخذت أساليب أخرى مختلفة غير ذلك الأسلوب المباشر القوي الذي أثر في اللغة ذاتها(.
وأشار المؤلف إلى ذكر الحج في الشعر الغزلي المتخصص، فمن الطبيعي ان يتأثر ابن أبي ربيعة والعرجي من بعده بالبيئة القرشية وان يصفا الحج، والوافدات إليه ممن امتزن بالجمال والرفاء، ويعلق المؤلف على هذه النقطة، فيقول: )ومن الطبيعي ان تجد في هذا الشعر الغزلي الكثير من أوصاف مواسم الحج من الرحل والظعن والهوادج، ومشاهد الحج عرفة ومنى والصفا والمروة والمطاف ورمي الجمرات والافاضة، إلى آخر مافي الحج من مواقف ومشاهد، نجد كل ذلك مبثوثا في ديوان عمر بن أبي ربيعة وديوان العرجي، مثل قصيدة ابن أبي ربيعة التي يقول في مطلعها : )إني ومن أحرم الحجيج له( وقد صور الشعراء تلك النداءات التي تنبعث في منى وعرفات بحثا عن التائهين، كما قال الشاعر:


وداع دعا إذ نحن بالحنيف من منى
فهيج أحزان الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما
أطار بليلى طائراً كان في صدري
ينادي بليلى أسخن الله عينه
وليلى بأرض الشام في بلد قفر
إذا بان من تهوى وأسلمك العزا
ففرقة من تهوى أمرّ من الصبر

هذا وقد أشار المؤلف إلى أن مؤلفات المتأخرين بصفة خاصة، وبالأخص منها تلك التي تعنى بتراجم الشعراء والأدباء، جاء فيها الكثير من شعر وصف الأماكن المقدسة، سواء من كان من أهل مكة والمدينة، أو من جاور فيها وقصد زيارتها، ومن هذا النمط ما قاله الشاعر الحجازي علي بن معصوم ) ت: 1119ه( في قصيدته الطويلة التي قالها في الهند يتشوق فيها إلى الحرمين الشريفين مطلعها:


يا حادي الظعن إن جزت المواقيتا
فحي من بمنى والحنيف حيينا

ونجد في الشعر العربي ألواناً أخرى مما يدور حول الحج من ذلك ما قاله الشعراء في التلبية، كما قال أبو نواس:


لبيك إن الحمد لك
والملك لا شريك لك
كل نبي وملك
وكل من أهلّ لك
وكل عبد سألك
سبّح أو لبّى فلك
لبيك إن الحمد لك
والملك لا شريك لك

وحول موضوع أثر الحج في النثر ذكر المؤلف ان للحج تأثيرا كبيرا جدا في النثر منذ العهد الجاهلي حتى هذا العصر، من ذلك ما كان يلقى في عكاظ من خطب نثرية تتناول الوعظ، أو التحكيم الأدبي مثل خطبة ) قس بن ساعدة( ، ودور دار الندوة في مكة، حيث كان يحضرها بعض رجال القبائل، وتكون مجالا للخطابة التي لا تنحصر دائرتها في قريش وحدها أو غير ذلك من الأغراض مما كان في العصر الجاهلي، ثم الخطب الإسلامية في منبر الحرم، كخطبة الوداع للنبي صلى الله عليه وسلم وخطب الخلفاء ومجالس العلماء في الحرم، ومن طريف قول المؤلف: ) وحجت الأمثال الى )الحج( فقالوا قديما: أقبل الحج والداج، ويقصدون بالداج آنذاك الذين يدبون في خدمة الحجاج، فلم يكن الحج قصدهم الأول، وقيل: لج فحج، أي لج حتى حقق أمنيته، وقالوا: الحج أسمعت، إذا أفشى السر على أوسع مدى، وألمح المؤلف في آخر مباحثه إلى أثر الحج في حفظ التراث فقد كان منذ أيامه الأولى مؤثرا فعالا في تصفية اللغة العربية، وفي التبادل العلمي والثقافي، بل إن رحلات العلما ء والأدباء والشعراء إلى الحج، كان لها الأثر الكبير جدا في التأليف والسماع والحركة العلمية والأدبية والحضارية في العالمين العربي والإسلامي، فقد كان له الدور الكبير جدا في المحافظة على التراث العربي سواء أكان علمياً أم أدبيا، حيث إن العلماء كانوا ينتهزون فرصة الحج في أخذ العلم عن مشاهير علماء الحرمين الشريفين مكة والمدينة، وكان من دأب هؤلاء العلماء استغلال هذه الفرصة أيضا في نسخ الكتب، فقد فقدت كتب ألفها علماء المشرق ووجدت في المغرب العربي لحرص العلماء على نقلها ونسخها والاحتفاظ به، وكان الفضل الأول والأخير في هذا يعود الى العلماء الحجاج الذين عنوا بنسخها.
بقى أن أقول: يرحم الله تعالى فقيد الأدب العربي، ويسكنه فسيح جناته، فقد أمتعنا بهذا المؤلف الماتع، وبهذا السرد الجامع المانع، وهو يرى أنه قصد جانب الاختصار في هذا المؤلف، وحقيقة إن الناظر فيه يجد المؤلف جمع ثنايا موضوع الحج في الأدب العربي بين دفتي هذا الكتيب، فمن أراد البحث في هذا الموضوع فما عليه إلا أن يقرأ الكتاب بتمعن، ويعود إلى المراجع الأساسية التي أشار إليها المؤلف مثل: سيرة ابن هشام، والمعلقات، ودواوين الشعراء مثل عمر بن أبي ربيعة والعرجي، قارئا وممعنا النظر، ومستخرجا النص، والكتيب يطرح موضوع أدب الحج قديما وحديثا، وكان المؤلف يتبع الأبيات بشرح واف ليمكن القارئ لكتابه، والمتلقي لأدبه في فهم النص وتذوقه، إضافة الى تطريز الحواشي بمراجع البحث، والمعلومات الإضافية، وشرح ما غمض من ألفاظ النص الشعري، ثم ختم المؤلف بحثه بقائمة المصادر والمراجع، وقد أوفى رحمه الله تعالى ، المقام مقاله، والحادث حديثه، والأمر شأنه، ولقد قطعت جهيزة قول كل خطيب.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved