أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 18th March,2001 العدد:10398الطبعةالاولـي الأحد 23 ,ذو الحجة 1421

الاقتصادية

استطلاع آراء الخبراء والمختصين عن موضوع التأمين في المملكة 2-2
هل التأمين كنظام او نظرية يتنافى مع أحكام الشريعة الاسلامية؟
القفازي: النظام ما زال اختياريا برغم طلبات الجمعيات الحكومية في المشاريع بتوفيرالتأمين
السياري: النظر للتأمين كعقد بين المؤمن والمؤمن له لا يعطي الصورة الحقيقية عن نظا
إعداد:أحمد الحناكي
تعتبر الصناعة البتروكيماوية من أبرز القطاعات الإنتاجية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وقد برزت البدايات الأولى لهذا القطاع قبل نحو ثلاثين سنة، عندما أنشأت كل من المملكة العربية السعودية وقطر والكويت مصانع لإنتاج الأسمدة الكيماوية ومتضاعفات الايثيلين، وقد تطور هذا القطاع على مدى العقود الثلاثة الماضية مع دخول المصانع الجديدة في هذه الدول، وكذلك المشاريع الجديدة في كل من الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان،
وقد تميز النمو في الصناعة البتروكيماوية في دول المجلس بعدة مميزات منها دخولها في خطوط إنتاجية جديدة مثل العطريات ومشتقات الفينيل ومادة ثالثي بيتويل ايثر )م ت ب إي( ومن هذه المميزات أيضا دخولها في أسواق عالمية جديدة ومواجهتها لتحديات أكبر أهمها ارتفاع تكلفة الإنشاء وصعوبة تشغيلها بشكل فعال إذا لم تصل مستويات الإنتاج إلي نسب الاستغلال المثلى، الأمر الذي يتطلب حضورا منافسا في الأسواق العالمية، فالمنافسة العالمية في هذه الأسواق تعتبر شديدة، الأمر الذي يجعل الدخول فيها من الأمور الصعبة وكذلك الأمر بالنسبة للحفاظ على حصة منافسة في هذه الأسواق، خاصة إذا علمناان الدول التي تعتبر من الأسواق الرئيسة للبتروكيماويات، هي ذاتها منتجة بشكل كبير أيضا، فالدول الأوروبية هي هدف تسويق كبير للمنتجات البتروكيماوية في دول المجلس، وهي أيضا منتجة بشكل رئيس لهذه المنتجات، وكذلك الحال مع الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الآسيوية،
ومن التحديات التي تواجه الصناعة البتروكيماوية في دول المجلس، التنسيق من أجل تحقيق مزيد من التكامل الذي يراد له ان يحظى بمزيد من الأولوية والاهتمام في كافة مراحله العملية الصناعية بدءاً من إدارة المواد الأولية وانتهاء بإدارة التحديات التسويقية عالميا، فالسمة البارزة للصناعة البتروكيماوية العالمية أنها تقوم على تعاون وتكاتف استراتيجي بين المنتجين لتأمين المواد الأولية من جهة، والتقنية الإنتاجية من جهة ثانية، إضافة الى تسويق المنتجات،
ومن الملاحظ ان الصناعة البتروكيماوية في دول المجلس تقوم على تحالفات استراتيجية مع شركات أجنبية لم يكن لأوروبا نصيب كبير فيها،
وفي ظل العولمة المعاصرة، يبدو الأمر واضحا ان السياسات الحمائية تتجه الى كونها ستصبح مقننة ضمن ما تتطلبه منظمة التجارة العالمية التي تدعو إلى إزالة كل أشكال الدعم أو الحسومات على المواد الأولية، الأمر الذي أدى الى بروز عقبة أخرى في وجه المنتجات البتروكيماوية لدول المجلس الى الأسواق العالمية، وفي أوروبا على وجه الخصوص، فالدول الأوروبية تعتبر سوقا رئيسة للمنتجات البتروكيماوية على المستوى العالمي، حيث تشير الاحصائيات الى انها تستحوذ على جزء كبير من السوق العالمية، ولذلك فهي من الأهداف التي تتجه إليها أنظار دول مجلس التعاون،
إن الطلب على المنتجات البتروكيماوية في أوروبا يتوقع له ان ينمو بشكل مطرد، وعلى الرغم من ان الانتاج الأوروبي يشكل زهاء ربع الإنتاج العالمي في بعض المنتجات البتروكيماوية الأساسية، إلا ان التوقعات تشير الى أن أوروبا ستبقى معتمدة على الواردات الخارجية للعديد من المنتجات، ومنها على سبيل المثال متضاعفات الايثيلين التي تنتج بشكل رئيس في دول مجلس التعاون،
لكن الأمر الواضح هو ان منتجات دول المجلس البتروكيماوية مازالت تواجه العديد من المعوقات التي تحد من دخولها للسوق الأوروبية، ويمكننا تقسيم هذه المعوقات الى نوعين: خاصة وعامة، فالمعوقات الخاصة هي سياسات الحمائية التي تتبناها السوق الأوروبية المشتركة والقوانين الداخلية الأخرى التي قد تتعلق بالمواصفات الخاصة بالمنتجات وتقنية ونظم الإنتاج، أما المعوقات العامة فهي التي تختص وتتعلق بقوانين ومتطلبات منظمة التجارة العالمية،
ومن الجدير ذكره هنا ان الميزة النسبية لدول المجلس قد تتأثر إذا ما أخذ في الاعتبار احتمال تغير تكلفة الإنتاج والشحن نتيجة لعضويتها في منظمة التجارية العالمية، وهذا الأمر أيضا من المعقوات الاقتصادية التي ستحد من القدرة التصديرية للصناعة البتروكيماوية في دول المجلس الى السوق الأوروبية،
ومن جهة أخرى تبرز حقيقة ان الدول الأوروبية تتعامل مع الدول الأخرى وفقا لتوجهات وسياسات الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يعني ان سياسة الحماية التجارية التي تهدف الى تسهيل التبادل بين دول السوق الأوروبية المشتركة )inter - EEC( تقف كعائق مؤسسي institutional )barrier( أمام دخول المنتجات البتروكيماوية لدول المجلس الى السوق الأوروبية،
بعد هذا العرض عن التأمين في العالم استطلعت آراء بعض المتخصصين والخبراء عن التأمين في المملكة، يقول الأستاذ / صالح القفاري وهو متخصص تأمين:
تتميز المملكة العربية السعودية بموقع فريدمن ناحية التأمين بشكل عام والتأمين الالزامي أصبح مطلبا أساسيا وخاصة في نوعين من التغطية التأمين ضد الحوادث الناجمة عن حوادث المرور اضافة إلى التأمين لتغطية الأخطاء المهنية وخاصة الطبية منها فمن حيث الجانب العام يمارس التأمين بالسوق السعودية على نطاق واسع، وبالرغم من أن هذه السوق هي الكبرى بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الا ان هذا النشاط تتم مزاولته في الوقت الحالي دون الضوابط المتعارف عليها ولا يشترط توفر أي متطلبات معينة لممارستة، وذلك لعدم وجود أي اعتراف قانوني أو شرعي فيما يخص التأمين التجاري الممارس حاليا من قبل الغالبية العظمى من الشركات العاملة محليا ما عدا عدد قليل )شركة أو شركتين( فلا يوجد في الوقت الحالى أي شركة رخص لها رسميا بمزاولة هذا النشاط ومعظم تراخيص الشركات عادة ما تكون لتمثيل شركات اجنبية او تقديم خدمات استشارية بدون الإشارة للتأمين في التراخيص او السجل التجاري ويتم ممارسة التأمين من ضمن الانشطة المصرح بها بطريقة غير مباشرة ليكون هو النشاط الاساسي ان لم يكن الوحيد،
ومن ناحيه التأمين الالزامي فإن المملكة تعتبر من الدول القليلة في العالم والوحيدة بين دول مجلس التعاون التي لم تطبق هذا النظام بالرغم من أن التأمين التعاوني كان معمولا به في القوافل التجارية لقبيلة قريش واستمرت ممارستة حتى بعد انتشارالإسلام،
ولم يرد أن الإسلام قد أنكره وهناك فتوى شرعية بهذا الخصوص ولم يستثن إلا التأمين على الحوادث الشخصية بالإضافة إلى أن بعض دعاة الهدى توقفوا عند قضية إعادة التأمين ،
وعدم وجود الزام قانوني بالتأمين ضد مخاطر حوادث المرور أو الأخطاء المهنية فهو مازال اختياريا بالرغم من أن متطلبات بعض الجهات الحكومية وخاصة المشاريع بضرورة توفر تأمين ضد المسؤولية المدينة للغير من المتعاملين معها او مقاوليها أي أن التأمين من الناحية الشكلية والقانوينة مطلوب من قبل الدولة اضافة بأنه ومنذ أكثر من عشر سنوات رفعت وزارة الداخلية طلباً إلى المقام السامي يوضح جدوى تطبيق التأمين الالزامي وقد تم على اثره صدور امر سام بتشكيل لجنة من وزارة الداخلية ووزارة المالية والاقتصاد الوطني ووزارة التجارة لدراسة هذا الموضوع ورفع التوصيات المناسبة بهذا الشأن، وخلصت اللجنة إلى ضرورة تطبيق التأمين الالزامي حيث اتضحت الحاجة الملحة لتطبيقه وذلك للإيجابيات المتعددة للمجتمع ككل بحيث يلقى المتضرر التعويض المناسب دون الحاق الأذي والدمار المادي بالمتسبب ومنذ ذلك التاريخ لم يصدر أي قراربهذا الشأن يحدد تاريخ البدء في تطبيقه ورغم قناعة معظم دول العالم بضرورة تطبيق التأمين الالزامي وذلك لقناعة المسؤولين في هذه الدول بأهمية وجدوى تطبيق النظام على الجميع وقناعة الجهات المعنية بهذا الشأن ممثلة بوزارة الصحة والإدارة العامة للمرور، إلا أننا مازلنا في المملكة بانتظار صدور القرار،
لو ركزنا قليلا عل التأمين ضد الحوادث المرورية فقد أثبتت الدراسات أن حوادث المرور تكلف سنويا ما بين 3-4% من إجمالي الناتج القومي وهذا يعني بالنسبة للمملكة استنفاد ما يعادل 10-12 بليون ريال تعتبر أموالا مهدرة فلو نظرنا الى حجم ما تستورده المملكة سنويا فقط من قطع الغيار بمبالغ تقدر بالمليارات وهذه تعتبر استنزافا لمقدرات، وثروات البلد
وهنا تتضح ضخامة التكلفة المادية للحوادث المرورية ومقدار ما تستنزفة من ثروات مالية للمملكة
أما من الناحية الاجتماعية بالنسبة للتأمين ضد الغير أي المسؤولية المدنية سواء ضد حوادث المرورأو الأخطاء هو فقدان الكثير من الاسر لعائلها أو اصابة العائل اصابة تقعده عن العمل مما يؤدي الى تشتت الاسرة أو لجوئها الى الاستجداء لمواجهة المشاكل المادية التي يتعرضون لها،
كما أن لزيادة الوافدين وقلة الوعي لدى معظمهم كما أثبتت بعض الدراسات إلى أنه أكثر من 40% من الحوادث بسبب العمالة الوافدة وأن 99% من الأخطاء المهنية وخاصة الطبية منها هي من العمالة الوافدة والغير مؤهلة التأهيل المناسب لممارسة المهنة وهذه من إيجابيات تطبيق هذا النظام بحيث أن شركة التأمين تقوم بالتأكد من مؤهلات الطبيب قبل إصدار بوليصة التأمين الخاصة على ألا يصرح له بمزاولة مهنة الطب بدون الحصول عليها ويتم هذا عبرتعيين كفاءات معدة لدى شركات التأمين للتأكد من تأهيل الطبيب التأهيل المناسب لمزاولة المهنة بحيث لا تكون حياة المواطنين حقلا للمتدربين والغير مؤهلين وأعتقد أن الاعلام المقروء والمرئي مليء بالشواهد من هذه الأخطاء وعادة ما يهرب المتسبب دون حساب
ومما سبق يتضح لنا أنه لا يمكن أن نعيش بمعزل عن العالم وقد ادركت معظم دول العالم خطورة عدم تطبيق التأمين الإلزامي لذا فرضت الزامية التأمين في جوانب عديدة بما يضمن لها الحد من الثروات المستنزفة وكذلك تعويض المتضررين واسرهم بشكل يحد من تفاقم الاثار الاجتماعية التي يتعرضون لها ،
وبشكل مفصل يقول الدكتور صالح السياري استاذ القانون الخاص المساعد بجامعة الملك سعود :
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وأودع فيه العديد من الغرائز التي تهدف إلى حفظ النوع البشري ومن هذه الغرائز التي جبل عليها الإنسان غريزة حب البقاء فهي تدفع الإنسان دفعاً للبحث عن الأمن والأمان له ولأفراد اسرته وأمواله ضد كل خطر يتهددها مستخدماً في سبيل تحقيق ذلك كل الوسائل الممكنة، والمخاطر التي تهدد الإنسان متنوعة منها ما يمس كيانه المادي مباشرة كالمخاطر التي تهدد حياته أو صحته ومنها المخاطر التي تمس ممتلكاته بصفة مباشرة ومنها المخاطر التي تمس مسؤوليته المدنية نتيجة للأضرار التي تحلق بغيره نتيجة لفعله الضار،
وإذا كانت المخاطر التي تهدد الإنسان متنوعة فإن مصادرها أيضاً كثيرة ومتنوعة فمنها الحوادث التي تقع بسبب القوة القاهرة مثل الحروب والسيول والأمراض والأوبئة فالأضرار التي تنشأ من قبل هذه الحوادث لايمكن نسبتها إلى جهة معينة أو شخص محدد بذاته حتى يمكن الرجوع إليهم بالتعويض، وهناك مخاطر تنشأ عن الأفعال الضارة التي يمكن نسبتها إلى الآخرين مثل الاعتداء والسرقة وفي هذه الحالة يجب أولاً معرفة المتسبب بالضرر حتى يمكن الرجوع إليه ومطالبته بالتعويض عن الأضرار التي تسبب فيها ولكن قد يكون المتسبب مجهولاً وبالتالي لايمكن مطالبته بالتعويض أو قد يكون هذا المتسبب معروفا ولكن لايمكنه جبر الضرر لعدم ملاءته المالية وقد يكون المتسبب بالضرر هو الشخص المضرور نفسه، في هذه الحالات السابقة كيف يمكن للإنسان مواجهة هذه المخاطر، غريزة حبه البقاء التي أودعها الله سبحانه وتعالى للإنسان التي تدفع الإنسان دفعاً للبحث عن الأمن والأمان لم تجعل موقف الإنسان سلبيا تجاه هذه المخاطر لذلك حاول الإنسان عن طريق وسائل الوقاية أن يقي نفسه من هذه المخاطر إلا أن وسائل الوقاية قد تقلل من المخاطر التي يتعرض لها الإنسان إلا أنها لن تحميه ضد كل المخاطر التي تهدده في حياته وماله لذلك بالإضافة إلى وسائل الوقاية فإن الإنسان لجأ إلي وسائل الادخار للتقليل من الآثار الضارة لهذه المخاطر إلا أن آثار بعض المخاطر قد تكون من الجسامة بحيث لايكفي ادخار الفرد لإزالة آثارها الضارة أو على الأقل التقليل منها لذلك وجد أن أفضل وسيلة يلجأ إليها الإنسان للتقليل من الآثار الضارة للمخاطر التي تهدد الإنسان هي تعاونه مع غيره ممن تهدده نفس المخاطر بحيث إذا تعرض أحد أفراد المجموعة لخطر معين يتم توزيع الخسارة المالية الناشئة عن هذا الخطر على كل واحد منهم وهذا التعاون في تحمل الخسائر هو المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه التأمين،
لذلك لاغرابة أن عرفت الحضارات القديمة الصينية والبابلية والآشورية والفرعونية التأمين الذي نشأ مع نشأة فكرة التعاون، ولقد تطور التأمين وأنواعه مع تطور الحضارة الإنسانية على مر العصور،
وفي المملكة العربية السعودية ظهر نشاط التأمين فيها وإن كان بصورة محدودة منذ أكثر من نصف قرن حيث تذكر بعض المصادر ان شركة أرامكو كانت تؤمن على منشآتها بشكل مباشر مع الشركات الأجنبية أو من خلال وسطاء يعود وجودهم في السعودية لعام 1952،
كما أن التجار في مدينة جدة كانوا يؤمنون على البضائع التي يستوردونها من خلال مكاتب السمسرة ووسطاء التأمين التي كانت تغطي أيضاً احتياجات المقاولين، ومع تطور النمو الاقتصادي الذي شهدته المملكة منذ تأسيسها تطور عدد مكاتب السمسرة والوساطة ووكلاء شركات التأمين،
وعند توحيد المملكة العربية السعودية علي يد الملك عبدالعزيز رحمه الله كان المجتمع السعودي مجتمعاً بسيطاً يكفي نظام الزكاة والتكافل العائلي لتأمين أفراد المجتمع ضد المخاطر البسيطة التي قد يتعرض لها في ذلك الوقت، ولكن بعد اكتشاف البترول في المملكة في الربع الأول من هذا القرن شهدت المملكة تطوراً هائلاً في جميع الميادين حيث سخرت الأموال الناتجة عن البترول لخدمة خطط التنمية الطموحة التي نقلت الاقتصاد السعودي من الاقتصاد القديم المتخلف إلى الاقتصاد الحديث المخطط وهذا التطور الاقتصادي وما صاحبه من تطور علمي واجتماعي تطلب وضع العديد من الأنظمة التي تساير هذا التطور لضمان التوازن بين المصالح العامة والخاصة من جهة وتحقيق مصالح الأفراد من جهة أخرى إلا أن قطاع التأمين في المملكة العربية السعودية لم يجد نفس الاهتمام الذي وجدته الأنظمة الأخرى من المنظم السعودي على الرغم من أن نظام المحكمة التجارية الصادر بالمرسوم الملكي رقم )32( وتاريخ 15/1/1350ه الموافق 31/5/1931م أفرد للتأمين عدداً من مواده إلا أن هذه المواد المتعلقة بالتأمين معطلة على الرغم من سريان النظام ويرجع سبب تعطيل العمل بالمواد المتعلقة بالتأمين التي وردت في نظام المحكمة التجارية إلى أن المملكة العربية السعودية تتخذ من أحكام القرآن الكريم والسنة النبوية دستوراً يهيمن على جميع أنظمة الدولة وغالبية الفقهاء في المملكة العربية السعودية يرون أن عقد التأمين التجاري نوع من أنواع الميسر والقمار المحرم شرعا لذلك يمكننا أن نتفهم غياب التنظيم القانوني لهذا القطاع،
ولكن السؤال الذي يطرح هل التأمين كنظام أو نظرية يتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية؟ الإجابة على هذا السؤال تقتضي معرفة أهداف النظام والأساس الذي يقوم عليه، وأهم الأهداف التي يسعى نظام التأمين لتحقيقها هي:
1 - تحقيق الأمن والأمان للفرد والمجتمع،
2 - إزالة الآثار الضارة التي يتعرض لها الإنسان في نفسه أو ماله نتيجة لتعرضه لبعض المخاطر التي ليس لها حدود في هذا العصر أو على الأقل التقليل من آثارها الضارة،
3 - المحافظة على عناصر الإنتاج المتمثلة في اليد العاملة ورأس المال،
4 - المحافظة على الاقتصاد الوطني عن طريق نشر شركات التأمين للوعي التأميني وعن طريق تضمين عقود التأمين شروطا تهدف إلى الوقاية من الحوادث والإقلال من وقوعها،
5 - تشجيع الاستثمار الأجنبي والحد من هروب الأموال الوطنية إلى الخارج عن طريق التأمين لدى شركات التأمين الأجنبية ضد المخاطر التي تواجه المستثمر المحلي والأجنبي،
وإذا كانت الأهداف التي يسعى لتحقيقها التأمين والفوائد التي تعود على المجتمع والأفراد نتيجة التأمين لاجدال في مشروعيتها بل والدعوة إلى تحقيقها تعتبر مطلبا دينيا ووطنيا فلماذا نجد هذا العداء موجها ضد التأمين؟
هل الأسس الفنية التي يقوم عليها التأمين تخالف أحكام الشريعة الإسلامية؟
بالنظر إلى الأسس الفنية التي يقوم عليها التأمين نجد أنها تقوم على:
1 - مبدأ التعاون:
يفترض التأمين وجود التعان بين المؤمن لهم الذين تهددهم مخاطر متشابهة بحيث يتم توزيع نتائج هذه المخاطر بين المؤمن لهم بحيث يتمكن الفرد من تحمل جزء يسير من هذه المخاطر وبالتالي إزالة الآثار الضارة لهذه المخاطر أو على الأقل تخفيف آثارها الضارة ويكون دور المؤمن هو إدارة التعاون بين المؤمن لهم،
2 - مبدأ المقاصة بين المخاطر:
يتحقق هذا المبدأ بان يقوم المؤمن الذي يدير التعاون بين المؤمن لهم بتجميع الأخطار المتشابهة واجراء المقاصة بينها بحيث يتمكن عن طريق اللجوء إلى مجموع الأقساط الوفاء بالتزاماته نحو المؤمن لهم دون المساس برأس ماله في الغالب،
3 - مبدأ حساب الاحتمالات
حيث يستعين المؤمن بقوانين الاحصاء )الحسابات الاكتوارية( لمعرفة مدى احتمال وقوع الخطر وتحديد قيمة الأقساط الواجب دفعها لتكوين رصيد يزيد عن التعويضات المتوقع الوفاء بها وهذا الرصيد يعتبر أهم ضمان للمؤمن لهم،
وبالنظر إلى هذه الأسس الفنية نجد أنها لاتنافي أحكام الشريعة الإسلامية التي تأمر المسلمين بالتعاون على البر والتقوى وليس هناك شك أن تعاون المؤمن لهم فيما بينهم لتوزيع الآثار الضارة التي قد يتعرض لها بعضهم بين مجموعهم واستخدام الوسائل العلمية لتحديد قيمة الأقساط بما يضمن وجود رصيد كاف لتغطية نتائج المخاطر المتوقع حدوثها لبعض المؤمن عليهم لا تتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية،
إذاً لا أهداف التأمين ولا الأسس الفنية التي يقوم عليها التأمين هو سبب اعتراض علمائنا الأفاضل على التأمين، إذاً فإن عدم جواز التأمين ليس راجعا لا للأسس الفنية التي يقوم عليها ولا لأهداف التأمين وإنما يرجع سبب تحريم التأمين إلى عقد التأمين التجاري وما يتضمنه من مخالفات صريحة لأحكام الشريعة الإسلامية )انظر وجهة نظر الفقهاء حول عدم مشروعية التأمين التجاري وأدلتهم في العديد من الكتب التي تتناول هذا الموضوع والموجودة في المكتبات حيث ان مناقشة الأدلة التي استند عليها العلماء الأفاضل يخرج عن نطاق موضوعنا هذا(،
ولكن هل التأمين كنظام أو نظرية هو عقد فقط، إن النظر إلى التأمين كعقد فقط بين المؤمن والمؤمن له يؤدي إلى نشوء تقارب كبير بين الالتزامات والحقوق التي يرتبها عقد التأمين وعقد الرهان وهذه النظرة لاتعطي صورة حقيقية عن نظام التأمين ومن ثم يجب النظر إلى عقد التأمين على أنه عملية فنية تقوم على أسس فنية ومشروعة أما العقد فهو يشكل عنصرا من عناصر التأمين لا التأمين نفسه،
ومشكلة العقد التي تعتبر وسيلة لتطبيق نظام التأمين يمكن حلها عن طريق اللجوء إلى التأمين التعاوني وهذا الشكل من اشكال التأمين نلاحظ انتشاره ليس على مستوى العالم العربي بل على مستوى العالم الغربي نفسه نظراً لما يتمتع به من خصائص ومميزات لاتوجد في التأمين التجاري وتتفق مع مبادئ الأخلاق وتحمي المؤمن له من جشع وطمع شركات التأمين التجاري،
وحيث ان التأمين التعاوني يتفق مع التأمين التجاري من حيث الأسس الفنية التي يقوم عليها إلا أن صافي فائض عمليات التأمين الناتج من الفرق بين قيمة الاشتراكات وقيمة التعويضات تعتبر ربحا للمؤمن وفق التأمين التجاري إلا أنها وفق التأمين التعاوني تعتبر ربحا لجميع المؤمن عليهم الذين يعتبرون في نفس الوقت هم المساهمين في شركة التأمين التعاوني وترد عليهم على صورة تخفيض في أقساط التأمين لذلك يلاحظ أن أقساط التأمين التعاوني تميل إلى الانخفاض بالتدريج سنوياً بينما أقساط التأمين التجاري تميل إلى الارتفاع سنوياً لأن هدف التأمين التعاوني هو تقديم خدمة التأمين بأقل الأقساط الممكنة بينما هدف مالك شركة التأمين التجاري هو تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح،
ونظراً لأن عقد التأمين التعاوني يخلو من جميع المحاذير الشرعية التي تشوب عقد التأمين التجاري التي لامجال لذكرها الآن لذلك فإن عقد التأمين التعاوني يجيزه جميع فقهاء الشريعة الإسلامية المعاصرين على حد علمي، وبالنظر إلى أن التأمين التعاوني يحقق الوظائف الاقتصادية والاجتماعية التي يحققها التأمين التجاري وحيث انه يمكن تطبيقه في الواقع العملي بل بالحقيقة تم تطبيقه في الواقع العملي في الدول الغربية وحقق نجاحاً كبيراً وأخذ حصة كبيرة من سوق التأمين في هذه الدول لذلك فإن اللجوء للتأمين التعاوني هو البديل الأمثل للتأمين التجاري،
عند توحيد المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله، كان المجتمع السعودي مجتمعاً بسيطاً يكفي نظام الزكاة ونظام التكافل العائلي لتأمين أفراده ضد المخاطر البسيطة التي قد يتعرض لها في ذلك الوقت، ولكن بعد اكتشاف البترول في المملكة العربية السعودية في الربع الأول من هذا القرن شهدت المملكة تطوراً هائلاً في جميع الميادين،
ولقد كان لمتابعة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتقدم العلمي التي تشكل محور خطط التنمية في المملكة العربية السعودية بهدف اللحاق بركب الدول المتقدمة، ونتيجة لتسخير الثروة الناتجة عن البترول لتنفيذ خطط التنمية الطموحة انتقل الاقتصاد السعودي من الاقتصاد القديم المتخلف إلى الاقتصاد الحديث المخطط وهذا التطور الاقتصادي والعلمي والاجتماعي تطلب وضع العديد من الأنظمة التي تساير هذاالتطور لضمان التوازن بين المصالح العامة والخاصة من جهة وتحقيق التوازن بين مصالح الأفراد فيما بينهم من جهة أخرى، إلا أن قطاع التأمين في المملكة العربيةالسعودية لم يجد نفس الاهتمام الذي وجدته الأنظمة الاخرى من المنظم السعودي على الرغم من أن نظام المحكمة التجارية الصادر بالمرسوم الملكي رقم )32( عام 1350ه الموافق 31/5/1931 أفرد للتأمين عدداً من المواد المادة )324( وما بعدها إلا أن هذه المواد معطلة على الرغم من سريان هذا النظام، ويرجع ذلك إلى أن المملكة العربية السعودية تتخذ من أحكام القرآن الكريم والسنة النبوية دستوراً يهيمن على جميع أنظمة الدولة وجمهور الفقهاء في المملكة يرون أن عقد التأمين التجاري نوع من أنواع الميسر والقمار المحرم شرعاً لذلك من الممكن أن نتفهم غياب التنظيم القانوي لهذا القطاع،
ولكن السؤال الذي يُطرح هل التأمين كنطام أو نظرية يتنافى مع احكام الشريعة الإسلامية ؟! الإجابة على هذا السؤال تتطلب معرفة أهداف هذا النظام والأساس الذي يقوم عليه
وأهم أهداف التأمين
1- تحقيق الأمن والأمان للفرد والمجتمع
حيث ان طلب الأمن غريزة أودعها الله سبحانه وتعالى الإنسان كي يحافظ على حياته وماله ومصالحه وهو حق للفرد والجماعة وواجب عليهم وفق أحكام الشرع الحنيف، والتأمين يهدف إلى ازالة الآثار الضارة التي تصيب الإنسان في نفسه أو ماله الناجمة من تعرضه لبعض المخاطر التي ليس لها حدود في هذا العصر - أو على الأقل التقليل من هذه الآثار الضارة
2- كذلك يهدف إلى المحافظة على عناصر الانتاج المتمثلة في اليد العاملة ورأس المال
3- للتأمين أثر وقائي في المحافظة على الاقتصاد الوطني عن طريق نشر شركات التأمين للوعي التأميني وعن طريق تضمين عقود التأمين لشروط تهدف إلى الوقاية من الحوادث والإقلال من وقوعها ،
4- يهدف كذلك إلى تجميع رؤوس الأموال وتوجيهها للمساهمة في تحقيق النتيجة الاقتصادية والاجتماعية
5- يؤدي إلى تشجيع الاستثمار الأجنبي والحد من هروب المال الوطني للخارج عن طريق التأمين ضد المخاطر التي قد تواجه المستثمر المحلي أو الأجنبى،
وإذا كانت الفوائد التي يحققها التأمين للفرد والمجتمع لاجدال في مشرروعيتها بل والدعوة إلى تحقيقها مطلب ديني ووطني فلماذا نقف ضد التأمين؟ هل التأمين كفكرة ونظرية ونظام يخالف احكام الشريعة الإسلامية؟
سبب هذا الموقف هو النظر لعقد التأمين التجاري وما يتضمنه من مخالفات صريحة لأحكام الشريعة الإسلامية، ولكن هل التأمين كنطام أو نطرية هو عقد فقط،إن النظر إلى التأمين كعقد فقط أي علاقة قانوينة بين المؤمن والمؤمن له يؤدي إلى نشوء تقارب كبير بين الالتزامات والحقوق التي يرتبها عقد التأمين وعقد الرهان وهذه النظرة لا تعطي صورة حقيقية عن نطام التأمين،
فإذا نظرنا إلى التأمين على أنه عقد يلتزم بمقتضاه المؤمن بأن يدفع للمؤمن له أداء معينا عند تحقق الخطر المبين في العقد مقابل دفع قسط أو أقساط دورية فإن هذه النظرة تحول نظام التأمين من نظام إلى مجرد عقد رهان بين طرفين ،
وحتى لا يتحول نظام التأمين إلى مجرد ضرب من القماروالميسر يجب النظر إلى الأسس الفنية التي يقوم عليها نظام التأمين يُنظرإلى التأمين باعتباره عملية فنية تنظم التعاون بين المؤمن لهم عن طريق تجميع مجموعة من المخاطر واجراء المقاصة بينها وفقاًَ لقوانين الاحصاء،
وبالتالي فإن الأسس الفنية للتأمين تقوم على عدة مبادئ
أولاً : مبدأ التعاون
يستلزم التأمين وجود التعاون بين المؤمن لهم حيث لا يستطيع الانسان بمفرده مواجهة المخاطر التي قد يتعرض لها ويكون لها تأثير سلبي على كيانه المادي )جسمه( أو على ذمته المالية أو على أفراد أسرته ولكن بتعاونه مع غيره ممن تتهددهم نفس الأخطار يمكن توزيع نتائج هذه المخاطر على الجميع ومن ثم تخفيف آثارها بحيث يستطيع الفرد تحمل جزء يسير من هذه المخاطر وتصبح مهمة المؤمن في هذه الحالة هي إدارة التعاون بين المؤمن لهم وبالتالي يجب النظر إلى التأمين على اعتباره نظاما يهدف الى تحقيق التعاون بين الأفراد عن طريق مساهمة كل فرد في الرصيد المشترك بهدف تغطية المخاطرالتي قد يتعرض لها الفرد والتخفيف من الآثار السلبية لهذه المخاطر،
ولهذا يمكننا القول بأن التأمين يرتبط وجوده بوجود التعاون فلا يتصور وجود التأمين بدون تعاون، فإذا التزم شخص بمفرده بضمان خطر احتمالي مقابل مبلغ معين فإن هذه العملية تعتبر عملية رهان لا عملية تأمين لأن من المحتمل اعسارأو افلاس الشخص الذي التزم بالضمان، أما في التأمين حيث يفترض تعدد المؤمن لهم ومهمة المؤمن هي ادارة التعاون بينهم فإن تفتيت هذه المخاطر يعتبر أهم ضمان للمؤمن لهم ،
ثانياً : مبدأ حساب الاحتمالات
حيث يستعين المؤمن بقوانين )الحسابات الاكتوارية( لمعرفة مدى احتمال وقوع الخطر وتحديد قيمة الأقساط الواجب دفعها لتكوين رصيد يزيد عن التعويضات المتوقعة ،
ثالثاً: مبدأ المقاصة بين المخاطر ،
يتحقق هذاالمبدأ بتجميع المؤمن الأخطار المتشابهة واجراء المقاصة بينها بحيث يستطيع عن طريق اللجوء إلى مجموع الأقساط الوفاء بالتزاماته دون المساس في الغالب برأسماله،
وهكذا فالنظرالى نظام التأمين على انه عقد فقط يظهرتصوراً منافياً لحقيقة نطام التأمين ومن ثم يجب النظر إلى التأمين على أنه عملية فنية تقوم على اسس علمية ومشروعة أما العقد فهو يشكل عنصراً من عناصر التأمين لا التأمين نفسه،
ومما سبق يتضح أن المشكلة التي تواجهنا هي مشكلة عقد التأمين لاالتأمين نفسه باعتباره نظرية أو نظاما، ومشكلة العقد التي تعتبر وسيلة لتطبيق نظام التأمين يمكن حلها عن طريق اللجوء إلى التأمين التعاوني وهذاالشكل من أشكال التأمين نلاحظ انتشاره ليس على مستوى العالم العربي بل على مستوى العالم الغربي نفسه نظراً لما يتمتع به من خصائص ومميزات لا توجد في التأمين التجاري وتتفق مع مبادئ الأخلاق ،
وحيث ان التأمين التعاوني يتفق مع التأمين التجاري من حيث الأسس الفنيةالتي يقوم عليها حيث ان المؤمن في الغالب لا يحتمل عبء تغطيةالمخاطر بل ينقلها إلى الرصيد المتكون من تجميع اشتراكات المؤمن لهم واستثمار هذا الرصيد وتتكون أرباحه من الفرق بين هذا الرصيد والأداءات التي أداها لمن توافرت فيهم شروط استحقاقها ونظراً لأن عقد التأمين التعاوني يخلو من جميع المحاذيرالشرعية التي تشوب عقد التأمين التجاري التي لا مجال الآن لذكرها وبالتالي فإن عقد التأمين التعاوني يجيزه اغلب فقهاء الشريعة الإسلامية المعاصرين وبالنظر كذلك إلى أن التأمين التعاوني يحقق الوظائف الاقتصادية والاجتماعية التي يحققها التأمين التجاري فإن اللجوء إلى التأمين التعاوني هوالبديل الأمثل للتأمين التجاري،
وإذا كان لدينا البديل الذي لايتعارض مع ديننا ومبادئنا فلماذا هذا الفراغ التنظيمي عندنا لقطاع التأمين، هل أموال الزكاة التي تجمعها الدولة والجمعيات الخيرية قادرة على تغطية المخاطر التي يتعرض لها الأفراد لو كان الحال كذلك لما انتشر لدينا سماسرة ووكلاء شركات التأمين الأجنبية ولا انتشرت شركات التأمين الوطنية التي تعمل اغلبها بدون ترخيص رسمي على حد علمي، لماذا بدأت في الآونة الأخيرة تظهر الى النور الصناديق العائلية لتحقق مبدأ التكافل العائلي وإذا علمنا أن اجمالي حجم اشتراكات التأمين في المملكة يقدر بحوالي ثلاثة مليارات ريال )دراسة اعدتها التعاونية للتأمين عن نشاط التأمين في المملكة لعام 1998(
هذا مع الأخذ بعين الاعتبار ضعف الوعي التأميني لدى العملاء الذين لايقومون إلا بتأمين الأصول الأكثر تعرضاً للخطر بالإضافة إلى أن الوجدان الديني والعوامل الثقافية تحد من إقبال الافراد على التأمين التجاري خاصة اذا عرفنا أن عقد التأمين التجاري يتضمن الغرر والرباالمحرم شرعاً ،
وبالتالي فلا نتصورأن يقدم مسلم على الدخول في عقد التأمين التجاري وهو يقرأ الفتاوى التي تحرم مثل هذا التأمين وانه يعتبر نوعاً من الميسر ويتضمن ضمن المخالفات الشرعية التي يتضمنهاالربا وهو يقرأ قوله تعالى :
"يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلِمون ولا تُظلَمون"،
أما فيما يتعلق بمن أقدم على التأمين فإننا نحسن الظن بهم فربما أنهم أخذوا برأي القلة من العلماء الذين يرون مشروعية التأمين التجاري مثل الشيخ الزرقاء والشيخ الخفيف مع العلم بأنهم لم يبيحوا التأمين التجاري إباحة مطلقةوإنما اشترطوا تخليصه من شوائب الربا والشروط الفاسدة أو انهم قاموا بالتأمين لدى شركات التأمين التي ترفع شعار التأمين التعاوني واقتنع الأفراد بمدى مشروعيته فإن حجم اشتراكات التأمين سوف يتضاعف أكثر من مرة نظراً لما يحققه من فوائد سواء للفرد أو المجمتع،
ومن هنا فإننا نرى أن أهم عائق أمام تطوير صناعة التأمين في المملكة العربية السعودية هو الفراغ التنطيمي لهذا القطاع ،
ومن أهم النتائج السلبية لهذا الفراغ التنظيمي
1( حرمان المجتمع من تكوين رؤوس أموال كبيرة واستثمارها بما يحقق مصالح الفرد والمجتمع وذلك نتيجة لاقتناع الغالبية بعدم مشروعية التأمين التجاري وعدم الثقة في الشركات التي ترفع شعارالتأمين التعاوني لعدم وجود نظام يحدد آلية عمل هذه الشركات بما يتفق مع احكام الشريعة الإسلامية
2( يترتب على النتيجة السابقة حرمان الأفراد والمجتمع من المزايا التي يحققها التأمين،
3( الفراغ التنظيمى أدى إلى أن تضع شركات التأمين شروطا في عقود التأمين قد تؤدي إلى حرمان المؤمن له من التمتع بمزايا التأمين التي كان ينتظرها،
وعلى سبيل المثال الشركة التعاونية للتأمين وهي شركة رأس مالها حكومي يفترض انها بديل إسلامي لشركات التأمين التجاري التي تهدف إلى الربح أوجدت فرعاً يهتم بتغطية المصاريف الطبية للأفراد أطلقت عليه اسم تاج الطبي وعند توقيع المؤمن له العقد يتم تخييره بين أن يذهب مباشرة لمستشفيات ومراكز صحية خاصة تم التعاقد بينها وبين التعاونية للتأمين يتم بموجبه علاج المؤمن عليه على حساب التعاونية للتأمين أو أن يذهب إلى أي مستشفى أو مركز خاص ليس بينه وبين التعاونية اتفاق تقوم بعدها الشركة بتعويض المؤمن عليه عن المصاريف التي أنفقها مثل أتعاب الأطباء ومصاريف العلاج على أن لا تتجاوز هذه المصاريف مبلغاً معيناً،
وبالذهاب إلى المستشفيات والمراكز الخاصة المتعاقد معها يفاجأ المؤمن عليه المريض بأن مصاريف الفحوصات والأشعة والتحاليل والتنويم التي تزيد قيمتها على المبلغ المتفق عليه لا يتم تغطيتها إلا بعد أخذ الموافقة المسبقة من التعاونية للتأمين وتبرير التعاونية للتأمين لشرط الحصول على الموافقة المسبقة هو أن تحمي نفسها من جشع وطمع المستشفيات والمراكز الطبية الخاصة من استغلال وثيقة التأمين بعمل فحوصات غير ضرورية أو تنويم غير ضروري إن من حق التعاونية للتأمين أن تحمي نفسها ضد هذا الجشع ولكن لا يكون ذلك على حساب المريض المؤمن عليه، فبإمكانها أن تضع في عقد الاتفاق الذي يتم بينها وبين المستشفيات والمراكز الصحية الخاصة شرطاً يتضمن عدم التزامها بدفع المصاريف للمستشفى أو المركز الطبي إذا ثبت أنه قام بعمل فحوصات غير ضرورية للمريض ولكن التعاونية عندما تشترط عدم علاج المريض قبل حصوله على الموافقة المسبقة فإن هذا يؤخر العلاج والوقت لمثل هذا المريض مهم جداً، أما إذا اختار المريض الحل الثاني وهو الدفع مباشرة فإن عملية التعويض عن المصاريف التي دفعها المريض قد تتأخر وهذا قد يحول دون إقبال الناس على التأمين،
4( في حالة وجود نزاع بين المؤمن له والمؤمن، ماهي المحكمة المختصة بفض النزاع؟
وفقاً لنصوص نظام المحكمة التجارية الذي سبق الإشارة إليه فإن وزارة التجارة هي الجهة المختصة بفض المنازعات التي تنشأ عن عقد التأمين ويؤيد ذلك قراراللجنة الوزارية المشكلة بالأمر السامي رقم )8151( وتاريخ 9/4/1398ه للنظر في موضوع الاختصاص في فصل المنازعات الناشئة عن التأمين التي أقرت استمرار وزارة التجارة في الاشراف على حل منازعات التأمين، وتمشياً مع تحريم فقهاء المملكة للتأمين فإن المحاكم الشرعية والدوائر التجارية في ديوان المظالم المختصة بنظر المنازعات التجارية ترفض النظر في منازعات التأمين لعدم مشروعية عقودالتأمين وبالتالي فإن الجهة المختصة بنظر منازعات التأمين هي وزارة التجارة ولتحقيق هذا الغرض تشكل في وزارة التجارة لجنة تقوم بدراسة النزاع المعروض متى كانت قيمته لا تزيد عن مائة الف ريال أما اذا زادت عن مائة الف ريال فتقوم الوزارة بمحاولة الإصلاح بين المتنازعين وإن أصر كل من المتنازعين على رأيه يتم اللجوء إلى التحكيم،
5( الفراغ التنظيمي أدى إلى عدم وجود هيئة إشرافية لتنظيم ومراقبة سوق التأمين لأن عمل هذه الهيئة يفترض وجود نظام ينظم العلاقات الناشئة عن التأمين ويفرض ضمانات للمؤمن عليهم قبل المؤمن للحصول على حقوقهم ويرسم الإطار العام للنظام الأساس لشركات التأمين ويحدد القواعد التي تحكم تسجيل الشركات وممارستها لأعمالها،
6( كذلك أدى الفراغ التنظيمي إلى هجرة الكثير من اشتراكات التأمين إلى الخارج،
وللقضاء على هذه السلبيات يتطلب وجود تنظيم قانوني للتأمين التعاوني الذي أجازته هيئة كبارالعلماء في المملكة وطالما أن هذا النوع من التأمين جائز شرعاً ويحقق المصالح التي يحققها التأمين التجاري المحرم، فمتى يرى النور مثل هذا النظام الذي يخدم المصلحة الوطنية أفراداً ومجتمعاً؟
وإذا كان البعض يرى صعوبة وضع مثل هذا النظام وتطبيقه إلا أنه في الحقيقة يمكن وضع نظام للتأمين التعاوني يستطيع أن يعالج كافة مشاكل التأمين التجاري ولا يتعارض مع الواقع العملي ،

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved