أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 18th March,2001 العدد:10398الطبعةالاولـي الأحد 23 ,ذو الحجة 1421

محليــات

خاطرة الأحد
خواطر حول بعض قضايانا المعاصرة
أحمد بن حمد اليحيى
سادساً: المواصلات داخل المدن
عندما ترغب في )مشوار( داخل مدينة الرياض أو جدة أو الدمام أو غيرها فإنه لابد أن يكون لديك سيارة خاصة أو صديق أو "تاكسي" لايصالك. وعندما تبحث عن غير ذلك يقال لكل ليس أمامك سوى النقل الجماعي.
وهي حافلات شركة حكومية أهلية مساهمة يكاد يعرف عنها بأن أكثر مستخدمي حافلاتها من العمال، أما حافلات شبكتها فمتواضعة ومحطاتها قليلة، ومستواها لا تعليق عليه..
لهذا فإن المتجول في مدننا الكبيرة يلحظ ظاهرة اكتظاظ شوارعها بأرتال من السيارات الخاصة تذرع الشوارع جيئة وذهاباً، ولا غرو في ذلك فالتخمينات تقول بأن أكثر من مليون سيارة تتحرك في مدينة الرياض على سبيل المثال. ولما أن سكان الرياض يقال أن عددهم أربعة ملايين نسمة فمعنى هذا أن معدل أربعة لكل سيارة. ليس هذا فحسب بل ان الفاحص داخل هذه السيارات يجد أن الغالبية العظمى من هذه السيارات لا يزيد ركابها على واحد أما الفرق بين تكلفة "مشوار" السيارة الخاصة أو التاكسي وأجرة حافلة النقل العام على المواطن فهو واضح ولا يحتاج الى مقارنة. هذا يعني أن "مشاوير" هؤلاء الناس مكلفة اقتصادياً ليس على الفرد نفسه بل وتنعكس سلباً على اقتصاد الوطن وعلى معاناة المجتمع بل وأموالها وأقيامها يستنزفها الخارج أيضا. ولعل تلك المعاناة من جراء كثرة السيارات تتمثل في الآتي:
1- اسراف في استهلاك الوقود يدفعه الفرد من دخله والمعروف أن أسعار الوقود في ازدياد.
2- استهلاك لأعمار السيارات التي تكلف الفرد أثمانها العالية تزيد كل عام.
3- استهلاك منتظم لقطع الغيار والاطارات والبطاريات وهذه اثمانها في تصاعد وتذهب أقيامها إلى الخارج.
4- زيادة في معدلات حوادث المرور "البشرية" من اصابات ووفيات ورأينا أرقاماً مذهلة ومحزنة.
5- تعرية الطرق "أي الزفت" بسبب الاجهاد في كثرة الاستعمال والحركة الشديدة عليها.
6- شحن الجو والبيئة بثاني أكسيد الكربون من عوادم السيارات واحتراق الماكينات وفي ذلك اضرار بصحة عموم السكان.
7- بسبب الزحام في الشوارع يجري اهدار وقت الركاب.
8- تعكير الهدوء البيئي للسكان بضجيج الحركة وأبواق السيارات.
في تقديري أن هذا الوضع غير طبيعي وليس صحياً ولن يدوم بل ولا يتناغم مع معطيات التقدم المدني والحضاري وانما خلقه طفرة مادية مؤقتة يخشى عواقب انحسارها. فإذا كان معظم شعب المملكة يستطيع امتلاك سيارة الآن فانه ثمة جيل قادم لن يكون في مقدوره ذلك.. فما الحيلة يا ترى؟!
إن من يزور منا المدن الأوربية الغربية يتحسر ويغار.. نجدها مزدانة بشبكة من خطوط النقل رفيعة المستوى منتظمة المواعيد تجوب جميع ضواحيها تخدم كل سكان المناحي. لا يستعملها العامة من الناس فقط بل وعلية القوم أيضا من وزراء ورجال أعمال ومسؤولين كبار. حتى ان الزوار والسواح لهذه المدن لا يترددون في استخدامها ليس لدافع توفير ما في جيوبهم فحسب بل ولأنها تصل الى محطاتها ربما بأسرع من التاكسي. فالسكان هناك تأقلموا مع هذا التنقل المرتب ونظموا ميزانياتهم وتكاليف معيشتهم على نهج من ذلك. فتجنبوا المفاجآت غير المحسوبة مثل حوادث المرور وعطل "خراب" السيارة وازدحام محطات البنزين وحافظوا اعلى نظافة البيئة.
الآن ثمة تساؤلات تطرح نفسها: هل من الصعب وصولنا إلى هذا المستوى؟! وهل من المستحيل تحقيق ذلك على أرض بلادنا؟! وهل مواطنونا غير ملتفتين الى مثل هذا النوع من المواصلات؟!
إنني عندما أحاول وضع اجابة لمثل هذه التساؤلات فانني أنتهي دائماً "بكلا"..
لقد تمنينا أن ثمة أمور كان يجب أن تراعى في مدننا عند تخطيطها ابتداء.. فالمشاهد عندما يلحظ أنه بالرغم من مرور سنوات طويلة من التخطيط والتنظيم لضواحيها وطرقها فانه يكاد يصاب بخيبة أمل عندما يرى غالبية الشوارع بلا مسميات والمساكن بلا أرقام وغالبية الطرق بلا مواقف وليس ثم مسارات خاصة بالحافلات ولا مواقع آمنة لوقوفها. ولا نجد سبباً مقنعاً نعذر فيه المسؤولين التخطيطيين والتنفيذيين في بلدياتنا على عدم اخذهم الحسبان لذلك!!
فالحكومة أيدها الله بدأت في ضخ الأموال في ميزانيات وزارة المواصلات وبلديات المدن الكبيرة منذ سنوات طويلة لما يجعلها أحسن المدن خدمات وتنظيماً في العالم "هكذا سمعنا" بل وعينت على أقسامها واداراتها الفنية قياديين شبابا مواطنين تأهلوا في مختلف صنوف الهندسة المتخصصة سواء ممن درسوا في جامعات بلادنا أو ممن ابتعثتهم الى الخارج. فحمدنا الله وقلنا انه أعطيت القوس لباريها. وان شبابنا سوف يطبقون في مدننا أفضل أنواع التنظيم وأحدثه مما درسوه وحصلوا فيه على شهادات عالية ليبدعو ا في اشياء تنظيمية لكل مناحي التنظيم المديني من ضمنها ذلك النوع الذي يهيئ لتنفيذ وسائل النقل والانتقال والحركة للمواطنين وقد توسمنا فيهم خيراً وما زلنا. ومع أننا وجدنا مدننا جميلة من حيث الشكل. الا أننا فوجئنا بمدينة الرياض على سبيل المثال وليس الحصر تأتينا مترامية الأطراف أحياؤها متباعدة بمساحة طولها حوالي 90 كيلاً في 70 كيلا حتى بات لمن يرغب في زيارة قريب له يسكن في أقصى المدينة كما لو أنه في حكم سفر، اذ عليه ملء خزان سيارته بالوقود لأنه ليس في متناوله وسيلة غيرها أو استئجار سيارة أجرة تكلفه مبلغاً وقدره.. كما فوجئنا بالرغم من جمال مدننا الا أنها تبدو بلا ميادين ولا طرق آمنة للمارة وأن معظم مبانيها الشاهقة بلا مواقف للسيارات.
لذلك أهيب بأولي الأمر في مواقع التخطيط والتنفيذ في قطاع البلديات ووزارة المواصلات وفي أمانات المدن شحذ الهمم والتنسيق فيما بينهم بجدية واهتمام لتدارك الأمور فوراً وتعديل ما يمكن تعديله من الطرق والشوارع لتخصيص مسارات ومحطات آمنة خاصة بحافلات النقل العام وأماكن آمنة لعبور المارة. بل ليتعدى هذا التحديث الى أخذ حسابات استحداث قاطرات تحت الأرض "مترو" عندما تدعو الحاجة لذلك مستقبلاً. فالرياض وجدة والدمام ومكة والمدينة مرشحة إلى أن يتضاعف عدد سكانها كل عشرين سنة فكيف سينتقل سكانها اذا استمرت الوسيلة هي السيارات الخاصة أما التوسع في هذه المدن أفقياً فكارثة على الخدمات وعلى ميزانية الدولة.
وثمة أمر آخر يجب أن يلتفت اليه المسؤولون وهي اما تطوير الشبكة الحالية ورفع مستوى وسائط النقل ، بحيث تكون على كفاءة كي تجذب اليها الركاب المواطنين على مختلف فئاتهم للانتفاع بها ولا بأس في هذه الحالة من رفع مقدار الأجرة أو استدعاء استثمارات القطاع الخاص ومنحه تسهيلات من أجل أن يخوض تجربة أخرى جديدة في النقل في المدن شريطة أن يدعم مادياً وتوفر له الأمكنة والتسهيلات.
وعليه نقول ليس ثمة مفر من تطبيق تجربة الغرب في وسائط النقل العام الداخلي لتنقلات الأهالي داخل مدنهم بأجور يستطيعونها لانه سيأتينا يوم لا يستطيع شبابنا التوفير من رواتبهم وأجورهم لشراء سيارات خاصة وملئها بالبنزين للتنقل من منازلهم إلى أعمالهم في مدن تترامى أطرافها. هذا الأمر لا يجب اهماله ويحتاج الى دراسة وحلول عادلة فالدوام من المحال الا وجهه عز وجل والله المستعان.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved