أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 18th March,2001 العدد:10398الطبعةالاولـي الأحد 23 ,ذو الحجة 1421

العالم اليوم

أطفال الحجارة.. وملحمة الجهاد
عادل أبو هاشم
في ظل انتفاضة الأقصى المتصاعدة داخل الأراضي الفلسطينية والتي تدخل هذه الأيام شهرها السادس، يلاحظ المراقب لمسار الانتفاضة ان مشاركة الطفل الفلسطيني في فعاليات الانتفاضة المجيدة، هي مشاركة يمكن القول بأنها ستضحي ظاهرة اجتماعية ونفسية وسياسية ونضالية ستحظى باهتمام كل الدوائر المعنية في العالم.
فأطفال فلسطين .. جيل الانتفاضة.. أطفال الحجارة.. أبطال النصر.. الذين امتشقوا أحلامهم ومآسيهم والحجر، فارضين على العالم صورة جديدة للطفل، مجترحين معجزة المواجهة المريرة بأكثر الأدوات بساطة، هم المشروع المستقبلي وعدة المجابهة التاريخية للمشروع النقيض على أرض وطنهم.. مشروع تكريس الاحتلال والهيمنة والتوسع الاسرائيلي.
هؤلاء الأطفال، الذين كبروا بفعلهم في عيون الدنيا قاطبة، يشكلون أحد استهدافات المخطط الصهيوني لتدمير الذات الفلسطينية، وإن استهدافهم يعني استهداف بذور تتحرك بتسارع في أرضية الصراع والمواجهة، وتومئ إلى مستقبل يشرع أبوابه على أفق التحرر والاستقلال.
لقد استيقظ هؤلاء الأطفال في ظلام الاحتلال، على طفولة شقية موزعة بين حلم الانعتاق وحنين الاستقلال، وفي كلتا الحالتين كان البحث عن الهوية، وتأكيدها هاجسا ينمو مع العمر.
لقد تنوعت الأساليب العدوانية التي مارستها سلطات الاحتلال الصهيوني ضد الطفل الفلسطيني، فاتخذت أشكالا مختلفة كالحرمان من التعليم بإغلاق المؤسسات التعليمية مددا طويلة، إلى جانب اتخاذ المدارس ثكنات عسكرية وتدمير أثاثها وأدواتها، وإطلاق صفارات الخطر لترويع الأطفال ومنعهم من النوم، واستخدام الأساليب النفسية كضرب الآباء أمام الأبناء، واقتياد الأطفال الى أماكن خالية وضربهم بعنف الأمر الذي أدى أحيانا الى خرس مفاجئ أو فقدان للوعي، وفرض منع التجول على إحياء ومخيمات عديدة لمدد طويلة تتجاوز شهورا وما يترتب على ذلك من نقص لحليب الأطفال والأغذية ومراجعة الأطباء.
إن آلاف الأطفال الفلسطينيين ولدوا بعد ان دخل آباؤهم السجن، ولم يروهم إلا بعد سنوات عديدة، وآلاف الأطفال ما زالت مناظر هدم المنازل التي ولدوا وعاشوا فيها أو هدم منزل الأقارب والجيران ماثلة أمامهم، وصورة الجنود الصهاينة المدججين بالسلاح وهم يقومون بعملية النسف أو الهدم لن تغادر ذاكرة هؤلاء الأطفال فقد انطبعت فيها للأبد.
وفي كل انتفاضة شعبية ضد المحتل، يقفز أطفال فلسطين الذين ولدوا في ظل الاحتلال، وتفتحت عيونهم لتطبع في ذاكرتهم صور القمع الوحشية لقوات العدو الصهيوني، يقفزون الى قلب الدائرة المشتعلة، أطفالا كبروا قبل الأوان أو كما عبرت الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان : (كبروا أكثر من سنوات العمر).
فرغم ان الانتفاضة بوتقة نضالية استطاعت ان تستوعب كل جموع الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة لمواجهة العدو الصهيوني، غير ان اللافت للنظر هي المشاركة المتميزة للطفل الفلسطيني ومعاناته النضالية التي يتحملها يوميا من جراء مشاركته في الانتفاضة، فتعليق الإعلام وكتابة الشعارات الوطنية وإقامة المتاريس في الشوارع والتصدي لآليات الاحتلال العسكرية، جميعها مهام نضالية تكفل بها الأطفال، كما ان نسبة الشهداء والجرحى تشير بوضوح الى نسبة مشاركة الأطفال الفلسطينيين في الانتفاضة.
لقد كان للانتفاضة الأثر الكبير في سلوك الطفل وفي رسم طريقة تفكيره وفي ممارسته اليومية وحياته التي يعيشها، حيث خلقت من الطفل الفلسطيني طفلا آخر له سمات مميزة تميزه عن باقي أطفال العالم، فسياسة الضرب المبرح التي يتعرض لها الطفل من قوات الاحتلال، وسياسة الاعتقال والقتل ومداهمة المنازل أثناء الليل والتنكيل بالمواطنين، كانت سببا كبيرا لتنامي عنصر التمرد لدى الطفل الفلسطيني، حيث تتولد عنده ردة فعل عنيفة ينعكس من خلالها سلوكة اليومي، وجعلت منه طفلا تلاشت عنده حاسة الخوف، وامتلكته الجرأة والإقدام على المغامرة، وعدم المبالاة بالمخاطر المترتبة على هذا السلوك، وأصبح طفل الحجارة مستهدفا في كل شبر داخل فلسطين المحتلة، كأنه قنبلة موقوتة يخشى المحتل الصهيوني انفجارها لتدميره.
وقامت سلطات الاحتلال الصهيوني، عدوة الأطفال الأولى بتوسيع دائرة القمع والتنكيل باليد البريئة التي ترفع علامة النصر بكل صدق وتحد في وجه المحتل، فأخذت تطلق النار لقتل أطفال الحجارة ونصب الكمائن والمحاكمات العسكرية لأطفال دون العاشرة، وتعذيب الأطفال في زنازين ومعتقلات الاحتلال، وفرض الإقامة الجبرية وخطف وتنكيل واحتجاز وقتل متعمد لأطفال الانتفاضة أمام العالم الذي بات مندهشا من حجم التصرفات الخرقاء للكيان الاسرائيلي بأسره تجاه الشعب الفلسطيني عامة والأطفال خصوصا.
إن تركيز العدو الصهيوني على قتل أطفال الشعب الفلسطيني لم يأت عشوائيا، وإنما جاء ضمن خطة صهيونية بعيدة المدى تمضي في اتجاهات متعددة لتصل الى هدفها النهائي، وهو شن حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني ابتداء من الإبعاد والتهجير القسري الذي ينفذه الاحتلال الاسرائيلي، ومرورا بتهويد وضم ومصادرة الأراضي، الى القتل اليومي للأطفال والنساء والشيوخ والأجنة في بطون النساء، وحرق الفتيان الصغار في براميل القمامة، ودفن الأحياء في التراب، واختطاف الأطفال من قبل المستوطنين وقتلهم في مناطق نائية.
إن أكثر ما يزعج الصهيونية منذ إنشائها هو التوالد الفلسطيني، وأصدق دليل على ذلك ما قالته غولدا مائير رئيسة الحكومة الإسرائيلية السابقة: (إن أكثر ما يؤرقني هو عندما تلد امرأة فلسطينية مولودا جديدا فأشعر ان جزءا من الحلم الصهيوني ينهار مع ازدياد التوالد الفلسطيني).
من هنا جاء التركيز الاسرائيلي على قتل الأطفال الفلسطينيين وإجهاض النساء الفلسطينيات، ومن تفلت بمولودها من الإرهاب الصهيوني تصطاده جنازير الدبابات الصهيونية ورصاصة القناصة الكاتمة للصوت من فوق اسطح المنازل، وقنابل الغاز، ووسائل الإرهاب والقمع الاسرائيلي الأخرى.
إن نتائج القمع الاسرائيلي للأطفال الفلسطينيين أكثر من أن تحصى، وهي لا تبدو نتيجة لمشاركة الأطفال في أحداث الانتفاضة الفلسطينية وفعالياتها فقط، بل ان بعض أعمال القمع والارهاب والقتل طالت أطفالا لم يشاركوا في أنشطة الانتفاضة، أطفالا كانوا في أحضان أمهاتهم أو كانوا يلهون في الشوارع والأزقة، وبعضهم كان ذاهبا لشراء قطع الحلوى فأصابهم القمع الاسرائيلي قتلا وجرحا واعتقالا.
إن الطفل الفلسطيني الذي أمسك بالحجر، نذر نفسه لأن يكون مشروع شهيد، وها هي قائمة شهداء الانتفاضة من أطفال فلسطين تتطاول وتتزاحم فيها أسماء.
لهذا فإنه من غير المبالغ فيه ان نقول ان أطفال الحجارة، أطفال النصر.. أطفال الانتفاضة.. الذين تمرسوا بالعمل والنضال ضد الاحتلال، وذاقوا مرارة حرمان الحرية من صغرهم، وقاسوا من عذابات الضرب والاعتقال في سجون العدو ومعسكرات الاعتقال النازية الجديدة، يصوغون الآن حالة الوعي الفلسطيني غير القابل للتزييف والتغييب والاستلاب.
فالوضع السياسي للشعب اصبح الصورة اليومية لنفسية الطفل، وان أطفال فلسطين في ظل الانتفاضة هم حقا مستقبل زاهر لم تستطع كل أدوات القمع الخرافية التي استخدمها العدو الصهيوني ان تحد من تناميه وقوته وعظمته.
كاتب وصحفي فلسطيني

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved