أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 21st March,2001 العدد:10401الطبعةالاولـي الاربعاء 26 ,ذو الحجة 1421

بحوث ودراسات

كراريس استشرافية" 1-2 "
اطلالة على المستقبل SEIZING THE FUTURE
حصار المرض وانحسار الشيخوخة
* إعداد - د.عبدالله بن مصلح النفيعي :
حتى القرن العشرين كنا نتصور أن الزمن شيء مطلق، فترة ثابتة أو مجموعة من الفترات يحيا البشر خلالها وفي تاريخها. ويمثل الزمن المرحلة التي لم يتم طي الدراما الإنسانية خلالها. ولكن طيلة هذا القرن العشرين تغير مفهومنا للزمن كما تغير بالنسبة للعوالم المتوازية والنسبية. والفكرة الجديدة أن الزمن والمكان ربما يمثلان أوجهاً متساوية من الوجود.. هذه الأفكار الجديدة أجبرت البشر على إعادة التفكير في طبيعة الزمن ككمية ليست ثابتة تماماً بل متغيرة.
ورغم أن الفيزياء غيرت مفهومنا عن الزمن إلا أنها لم تقدم لنا ميكانيكية التحكم فيه... واستمر الزمن في فرض قبضته الحديدية على البشر.. ونعيش حياتنا في حدود الأيام والشهور والسنين دون أمل في تغيير تلك القوة الثابتة.
وفي عصر الصناعة الكلية سيتم تمزيق نسيج الزمن إربا عندما تمحو الخبرة العلمية - بالاشتراك مع نشاط الفرد الإنساني - المحدودية المعروفة لكمية ونوعية السنين التي فرضت على الإنسانية... وفي الحقيقة سوف ينتزع البشر التحكم في النظام الزمني. فخلال أقل من قرن مرت معظم البلدان الصناعية والمتطورة بزيادة حادة في متوسط عمر الإنسان.. ففي الولايات المتحدة وحدها ازداد متوسط فترة الحياة عند الولادة من سبع وأربعين سنة عام 1900م إلى ثمانين سنة تقريباً عام 1993م. ومنذ منتصف القرن التاسع عشر ارتفع متوسط توقع عمر الإنسان عند الولادة إلى الضعف تقريباً.. وليس غريباً على الإنسان أن يعيش أكثر من 100 سنة وبعضهم يعيش 115 أو 120 سنة. واليابان التي تعمل جهداً خارقاً للمحافظة على مستوى الإنتاج العالمي يوجد بها أعلى نسبة من متوسطي عمر الإنسان البالغ ثمانية وسبعين عاما وامتدت معجزة الحياة الأطول لأقطار كانت لديها قبل قرن واحد مضى نسبة وفيات عالية للغاية مثل كينيا ونيجيريا.
ومن المتوقع في الولايات المتحدة الآن أن يعيش ثلث الأطفال المولودين بين 1946م و 1964م حتى عمر التسعين. ويوجد في الولايات المتحدة حوالي مليون نسمة فوق التسعين من عمرهم، وثلثهم فقط يقيم في بيوت العجزة.. وتزخر الصحافة بمواضيع حول المعمرين في التسعين الذين يقودون الزوارق ويعملون اثنتي عشرة ساعة في أعمال تجارية عائلية، ويتنافسون في سباق المارثون ويرقصون رقصاً احترافياً. وأسباب ازدياد فترة العمر في جميع أنحاء العالم تكمن في تقدم الطب والصحة العامة. وظهرت تلك التطورات أولاً في الغرب وأصبحت الآن جزءاً من النسيج العالمي.
وفي القرن التاسع عشر استكشفت العلوم مع غيرها من الجهات ذات العلاقة مثل شركات التأمين أن الجراثيم والمرض من الممكن ان ينتشرا عن طريق مصادر مثل المجاري والماء والملامسة الشخصية.. ومن ثم تم تغيير قانون الصحة العامة ليعكس ذلك الادراك عن كيفية انتشار الأمراض من شخص لآخر ومن مكان لمكان. كما شهد القرن التاسع عشر والقرن العشرون انخفاضاً كبيراً في نسبة وفيات المواليد... والسبب في ذلك الانخفاض الحاد يرجع إلى بناء عدد أكبر من المستشفيات الصحية ومعرفة طبية اكثر لعملية الولادة وعناية أفضل بالحوامل للتأكد من صحة المولود عند الولادة.
كما أسهمت المضادات الحيوية في زيادة متوسط فترة حياة الإنسان.. وكان القضاء على الجدري والحصبة وأمراض أخرى من تلك التي تهدد الحياة إنجازات رئيسة في القرن العشرين.. وعاش مئات الآلاف من الناس من الذين كانوا في الماضي يموتون بمثل تلك الأمراض المرعبة عاشوا طفولتهم ومراهقتهم سالمين دون مشاكل. وساعدت حقيقة أن عدداً كبيراً من الناس نجوا من المرض والموت في سن مبكرة في ميل الاحصائيات حول فترة العمر إلى أعلى.
ورغم أن المكاسب المذكورة غير عادية إلا أنها تتواضع أمام زيادة فترة العمر التي ستحدث في عصر الصناعة الكلية.. وكما سنشرح في هذا الكراس فإن الاكتشافات الطبية المتوقعة ستكون شاذة لدرجة أننا نستطيع تخيل مستقبل ليس بعيداً يتم فيه تمديد فترة حياة الإنسان إلى سنوات إذا لم يكن ذلك إلى عقود وأكثر من ذلك.
وهذه العملية تتضمن أكثر من جعل كبار السن يعيشون أطول.. حيث يبدو في الأفق احتمال أكثر إثارة وأهمية: وهو أن التقدم الذي سنناقشه لا يتعامل مع علاج المرضى فقط بما يزيد العمر، ولكن في تحسين نسيج الجسم الإنساني مما يجعله أقل تعرضاً للمرض عامة، وبهذا يتم تمديد فترة الشباب... وببساطة عندما ينبثق عصر الصناعة الكلية سوف نمر بفترة أطول من الجودة العالية والمعيشة الصحية.
وهناك أسباب تحث المجتمع لبذل الجهد لتذليل العوائق البيولوجية في حياة الإنسان. ومعظم الناس يريدون ان يحيوا أكبر فترة ممكنة، ودائماً يضعون العمر الطويل في بحثهم عن السعادة الشخصية )جاء في استطلاع حديث أن أكثر من نصف الذين شملهم الاستطلاع يريدون أن يعيشوا أكثر من 200سنة(. ومن ذا الذي لاينتهز فرصة أن يحيا حياة خالية من الأمراض والآلام؟
وفي هذا الكراس الذي يأتي ضمن سلسلة الكراريس الاستشرافية التي تتناول قراءات مختارة حول الرؤية المستقبلية لتطور وتقدم المجتمعات البشرية سوف نناقش التقدم الطبي والتكنولوجي مثل العلاج بالجينات الوراثية والجرعات الدوائية السوبر وجراحة الجنين وعلاج الخلايا والجزيئات التي ستساعد المجتمع على زيادة فترة الحياة وتجعل الإنسان يعيش في صحة أفضل... وذلك التقدم يدعو للدهشة كغيره من الاكتشافات في عصر الصناعة الكلية ومضامينه الثورية. وقبل ان نختتم هذه المقدمة أتوجه بالشكر الجزيل لسعادة الدكتور )طبيب استشاري( رئيس قسم مكافحة العدوى بمستشفى الأمن العام بالرياض قيس حداد على تفضله الكريم بتدقيق صحة المعلومات الصحية وتصحيح المفاهيم والمصطلحات الطبية الواردة في هذا الكراس.
التركيب الوراثي )الجينات( والانقضاض على الأمراض:
نكتشف بصورة متزايدة أن مصيرنا الطبي مرتبط بالتركيبة الوراثية )الجينات(. وعندما نتوصل إلى تشخيص المشاكل الطبية على مستوى الجينات الوراثية ونقوم بتغيير الجينات المرضية بجينات سليمة سوف نقضي على عدد كبير من الأمراض قبل أن تبدأ. وبداية فإن ما يسمى )بعصر الجينات الوراثية( في البحوث الطبية سوف يؤدي إلى ثورة طبية ويساعدنا في زيادة فترة الحياة ويقلل من معاناة الإنسان.
والجينات التي تمثل مركز هذا العصر الجديد من المعالجة البيولوجية توجد في كل خلية من جسم الإنسان... والخلية بالطبع هي الوحدة الأساسية للحياة... وتحتوي كل خلية إنسانية على ثلاثة وعشرين زوجاً من الكروموسومات )CHROMOSOMES( وكل زوج يتكون من كروموسوم واحدة من الأب وآخر من الأم. وهذه الكروموسومات التي تشبه الخيوط تحمل "دنا" )DNA( أو حامض )DEOXYRIBONUCLEIC( الطبعة الزرقاء لإنتاج البروتينات والكيماويات التي تقوم بوظائف الحياة.. والجينات بكل بساطة امتداد ل "دنا" )DNA( التي تحتوي على التوجهات الفعلية بتركيب البروتينات أو شكل معين. وإذا تعطل الجين )GENE( أو أرسل إشارات خاطئة فلن يؤدي الجسم وظائفه كما ينبغي.. وذلك النقص الوظيفي في الجسم هو ما نسميه المرض.
خريطة الجينات
الإثارة التي ولدتها البحوث الحديثة تنبعث من حقيقة أننا بدأنا في التعرف على كل جين )GENE( والوظائف في جسم الإنسان التي تتحكم فيها هذه الجينات... وحتى الآن تم تحديد عدد قليل من الجينات )حوالي 000.3( مما يقارب 000.100 من الجينات في الجسم... وسوف توسع الولايات المتحدة والبلدان الأخرى تلك المعرفة بسرعة من خلال البحوث التي تجريها مشاريع مثل مشروع بنية جينات الإنسان )*HUMAN GENOMEPRJECT( الذي سيكلف البلايين ولكنه سيقود إلى فهم جذور الجينات للصحة والمرض. ومن خلال استخدام برامج الحاسوب الخاص "بتقنية فهرسة التسلسل الجيني" )CAL TECH'S GENETIC SEQUENCER( سوف نتمكن من فهرسة )100.000( من الجينات التي توجه صناعة البروتينات في الجسم.
ويشير عالم الجينات الفرنسي دانيال كوهين وزملاؤه في مركز دراسة تعدد أشكال الإنسان في باريس أنهم من خلال سلسلة بارعة من الطرق المختصرة سيتمكنون من استكمال خارطة لنظام الجينات الوراثي في تسعينيات هذا القرن. وسوف يتبرع كوهين وزملاؤه بخريطتهم إلى الأمم المتحدة لدراستها من قبل البيولوجيين.. والسلبيات الوحيدة لخرائط الجينات التي يتم بناؤها حالياً هي نقص التفاصيل الدقيقة. والصيغة الفرنسية مثلاً خريطة عامة تصف أجزاء من "دنا" )DNA( مرتبة بصورة صحيحة كما تبدو في الكروموسومات. وخلال عشر سنوات سيكون لدينا كتاب للصيغة النهائية للجينات تحدد بدقة جميع المائة ألف )100.000( من الجينات ووظائفها الصحيحة.
وسوف تمكننا معرفتنا بتركيبة الجسم الإنساني من توقع قابلية الفرد للمرض حتى في مرحلة تكوين الجنين.. ومن ثم نستطيع معالجة المرض قبل ان يبدأ.. ويأمل العلماء أن نتمكن من حقن المريض الصيغة الصحيحة من جيناته المختلفة.. وسوف تجد الجينات التي تم حقنها في الخلايا المرضية أنها تفرض نفسها على الخلايا مما يجعلها تعمل بصورة صحيحة وهكذا نعالج المرض.
وهذه الاحتمالات تحدث اضطراباً في التفكير.. ولكن طبقاً لعالم الجينات مايكل هايدن من جامعة كولومبيا البريطانية "نحن نبحث عن شكل جديد كلي من الطب والطب الوقائي" .. ويقول هايدن: نأمل أن نستخدم الجينات أولاً لتوقع مخاطر المرض وبعد ذلك لتعديل تركيبة الجينات لمنع حدوث الخلل.
وتم شرح هذه العملية في تجربتنا مؤخراً حول مكافحة أمراض القلب وانتفاخ الرئة عن طريق الجينات... وفي عام 1987م اكتشف العلماء في مؤسسة ديفيد كلادستون بجامعة كاليفورنيا أن أحد أمراض القلب سببه نقص بروتين وظيفته تنظيف الكلوسيترول من الدم.. ومن كل خمسمائة فرد هناك واحد يحدث لديه تغيير طارئ في الجينات يولد بروتينا خاطئا يعوق عملية حمل الكلوسيترول النفاية إلى الكبد ليتم التخلص منه.. وطبقاً لمدير مؤسسة كلادستون العالم روبرت ماهلي من الممكن اختبار الناس في هذا الأمر من الذين لديهم ذلك العيب الوراثي، ويمكن أن يبدأوا تنظيم طعامهم حسب الوصفة الطبية والقيام بتمارين لإنقاذ حياتهم.
ولسنوات عديدة كنا نعتقد أن السبب المطلق لمرض انتفاخ الرئة )EMPHYSEMA( يعود للتدخين... ولكنا وجدنا الآن أن عيبا في الجينات يلعب دوراً أساسياً في المرض خاصة عندما يهاجم المرض في مرحلة مبكرة من الحياة... وفي دراسة وجد أنه في 95 % من الحالات هناك جين واحد سبب لهذا المرض... وذلك الجين يمنع صناعة بروتين مهم في دماء أولئك المرضى مما يجعل غلاف الرئة الحساس عرضة لأنزيم )ENZYME( وهو أنزيم مدمر تصنعه كريات الدم البيضاء. وتجري البحوث الآن حول ذلك الجين الذي لديه القدرة لصناعة البروتين المهم. وفي عيادات المعهد الوطني للصحة )NIH( يتم علاج مائة مريض بالبروتين الذي تمت صناعته والذي يساعد في الوقاية من دمار الرئة.
ولأن الفحص الجيني يكشف الناس الذين لديهم عيوب وراثية ومن ثم قابلية للاصابة بانتفاخ الرئة فهو يقدم للأطباء سلاحا وقائياً قويا... ومن الممكن أن يحذر الأطباء الأفراد الذين لديهم عيب في ذلك الجين )GENE( ويطلبون منهم تجنب أنشطة مثل التدخين الذي يساعد بالتأكيد في ظهور المرض لديهم.
ورغم أن وضع خريطة الجينات مازال في مرحلة مبكرة إلا أن عدد الجينات المرتبطة بأمراض والتي تم التعرف عليها يترك انطباعاً جيداً. ومن الأمثلة على هذه الجينات:
- فراجايل أكس )FRAGILEX(: يدرس العلماء الكروموسات أكس )X( المعطوبة وقد يجدون قريباً الجينات التي تسبب الاعتلال الوراثي.
- ضمور العضلات )MUSCULAR DYSTROPHY(: تم تحديد الجين الذي يسبب هذا المرض ويقتل تدريجيا بذبول نظام العضلات مؤخراً.
- الناعورية )المزاج الترفي( )HEMOPHILIA(: في هذا المرض يرفض دم المريض التجلط بصورة صحيحة ولهذا يقود إلى نزيف غزير وتم التعرف على الجين عام 1984م.
- تليف الرئة الكيسي )CYSTIC FIBROSIS(: تم عام 1989م اكتشاف الجين المختل الذي يسبب هذا المرض الذي تجتمع فيه المادة المخاطية في رئتي المريض مسببة في النهاية الاختناق.
- فقر دم الخلايا المنجلية )SICKLE CELL ANEMIA(: تم تحديد جين مختلف طارئ في منتصف الثمانينيات يسبب هذا المرض الذي يقود بدوره إلى فقر دم حاد.
والأمراض الأخرى التي تم تحديد سببها بجينات مختلفة تم التعرف عليها هي سرطان العين وسرطان القولون وتصلب الشرايين التاجية.
ولمحبي الاستطلاع من غير علماء العلوم الطبية فإن المرض يبدو لهم أكثر من شيء تصاب به إذ إنه في الحقيقة نزوع لما ولد به الإنسان... وهذا المفهوم الوراثي يساعدنا في توضيح لماذا توجد بعض الأمراض في عائلات وجنسيات وأمم معينة... مثلاً نحن نعرف الآن في حالات كثيرة أن سبب التخلف العقلي الذي يحدث لعدة أطفال من نفس العائلة هو الجين المختل الموروث كقاسم مشترك.
ومن المفارقة أن معرفتنا بالخريطة الجينية الوراثية ساعدت العلماء أيضاً في تحديد عدم وجود الجينات المختلفة الوراثية في الناس الذين اعتقدنا أننا سنجدها عندهم. وقد افترضت امرأة من ميتشجان عمرها 32 عاماً أنه لابد أن تصاب بسرطان الثدي لأن النساء في عائلتها لديهن النزعة للاصابة بذلك المرض الخبيث. ورغم أنه لم يتم تشخيص الاصابة بالسرطان لديها ولم يكن لديها أي أعراض لذلك المرض إلا أنها قررت إزالة ثدييها كاجراء وقائي.
وأدى فحص تم اكتشافه حديثاً في الجين المختل إلى انقاذ تلك المرأة من خطأ تراجيدي... فقبل أيام من عملية استئصال الثديين أثبتت نتائج فحص الجينات أن تلك المرأة بطريقة ما لم ترث الجين المختل الذي يسبب ذلك النوع منه سرطان الثدي. وفيما بعد أجرى جميع النساء في عائلتها فحصا للجينات وأطلق كثير منهن تنهدات الفرح عند علمهن أنهن لا يحملن ذلك الجين المختل وأنهن نجون مما اعتبرنه لعنة عائلية.
المعالجة بالجينات قريباً
يريد الجنس البشري أن يتجاوز رسم خارطة الجينات وتشخيصها فقط.. نحن نريد معالجة الجينات المختلة باستبدال المعطوب منها بنسخ عادية... لماذا لا نعالج ضمور العضلات أو مرض القلب بحقن المريض في خلاياه المريضة بالجينات التي تؤدي وظائفها جيداً؟.
والعلاج بالجينات الوراثية كما تسمى العملية كان فكرة، ولكن حان الآن وقت تنفيذها. وقد يكون أول هدف للعلاج بالجينات هو السرطان... ففي عام 1989م بدأ ثلاثة باحثين )فرنش اندرسون واستيفن روزنبيرج ومايكل بليز( متابعة تطور خلايا مرضى بالسرطان في مراحله الأخيرة... ومن المتوقع أن تتم الاستفادة من المعلومات التي تم جمعها عن أداء السرطانات كأساس لخطة طموحة بإضافة جين لمكافحة السرطان إلى مادة تقتل الخلايا السرطانية موجودة أصلاً في جسم الإنسان... وهم يأملون أن الجين سيساعد في نمو مواد مكافحة السرطان ويبدأ في تدمير الأورام.
كما يريد أولئك الباحثون معالجة ما يسمى بمرض "الطفل الفقاعي" )BUBBLE - BOY( الذي تتضمن الحالة الوراثية فيه نقصا في نظام المناعة لدى الأطفال مما يستدعي أن يعيشوا في فقاعات بلاستيكية مطهرة محصنة ضد العدوى أو المخاطرة باصابتهم بعدد من الأمراض المميتة وقد شعر الباحثون أن ذلك المرض يصيب الأطفال نتيجة للنقص في أنزيم أيه.دي.أيه )A.D.A( ومن الممكن معالجتهم إذا تمت إضافة الجين الذي ينتج أنزيم )A.D.A( إلى خلايا دمائهم... ووضعوا نظرية تقول: إ نه عندما يتدفق الجين في أجسامهم تقوم الخلايا بتكوين الانزيم الصحيح وتتم معالجة المرض.
وفي عام 1990م قام فريق من )NIH(بقيادة "بلازي" بأول علاج جيني ناجح لهذا المرض على بنتين صغيرتين.. واستطاع الفريق استخراج خلايا - تي اللمفاوية )T-CELLS( من نظام المناعة لدى الصغيرتين ووضع جينات أيه.دي.أيه )A.D.A( سليمة في الخلايا وإعادة حقنها... وكما توقع "بلازي" وفريقه فقد بدأت خلايا - تي اللمفاوية التي تم حقنها في إنتاج جينات طبيعية من )A.D.A( وأصبح نظام المناعة يعمل بكفاءة.
وللأسف لم يكن العلاج علاجاً دائماً وذلك لأن خلايا - تي اللمفاوية الجديدة تذبل وتموت بعد عدة شهور مما استدعى أن تعود الطفلتان إلى )NIH( دورياً لتكرار العلاج.
ولكن بعد فترة أسبوعين في مايو 1993م تم علاج ثلاثة صبيان مصابين بهذا المرض )يعرف أيضاً بنقص مركب حاد في المناعة SCID( بأدوية تعتبر مناسبة لهذا النوع من الاعتلال الجسدي... حيث تمكنت عدة فرق طبية بما في ذلك فريق بقيادة بلازي من وضع الأنزيم الناقص )A.D.A( في خلايا النسب والسلالة )STEM CELLS( التي تم استخراجها بعد مجهود وافر من دماء المريض، وبعد ذلك قام الباحثون بإعادة حقن خلايا السلالة المعدلة وراثياً والتي لديها القدرة الفريدة في إيجاد خلايا دموية جديدة باستمرار في جسم المريض. وكان من المعتقد أن خلايا السلالة سوف تقوم بتمرير جينات الأنزيم )A.D.A( لجميع خلايا المناعة التي تتكون حديثاً... وبمعجزة نجحت التجربة وأصبح أولئك المرضى الذين كان يجب عليهم العودة إلى المستشفى أسبوعياً أو شهرياً للتزود بالأنزيم )ADA( في غنى عن مراجعة المستشفى لأن أجسامهم سوف تنتج كمية من الأنزيم بصورة دائمة. ولأن أجسامهم من الممكن الآن أن تقاوم المرض وتتغلب على العدوى فلن يضطر أولئك المرضى أن يعيشوا حياتهم في فقاعة بلاستيكية.
وفي الصراع مع مرض نقص المناعة المكتسب )الايدز( )AIDS( نجد أن صعوبة معالجة ذلك المرض تكمن في أن تلك الفيروسات لاتتسلل إلى داخل الخلايا فقط ولكنها تقرن جيناتها مع شفرة جينات الخلايا المضيفة. وبعد ذلك تصبح الخلايا مصانع رقيقة لإنتاج فيروسات أكثر. وبداية من عام 1992م عمل اندرسون وآخرون لتطوير استراتيجيات لإحداث عدد من التغييرات الجينية في الفيروس تمنع فيروس الايدز من التكاثر داخل الخلية.
وهذه هي البداية فقط.. حيث يتصور المختصون في علم الخلايا الآن وبثقة "القيام بإعادة هندسة الجنين" لأن الهندسة الوراثية قد توصلت إلى امكانية تغيير التكوين الوراثي )الجينات(للجنين. ويساعد علاج مصفوفة الكائنات النشئية )Germ Line( علماء الوراثة للتدخل مباشرة في تطور الجنين والقيام بتغييرات وراثية في مرحلة ما قبل تكون الجنين مما يؤثر في الأجيال القادمة.
وطبقاً لشارلزم سكريفر - وهو بروفسور في الأحياء والجينات الإنسانية في جامعة ماك جيل بمونتريال - أنه يلزم للقيام بذلك "وضع الجينات في الوقت المناسب... وقد يعني ذلك وضع الجينات داخل الجنين وهو في رحم أمه أثناء فترة مبكرة من الحمل.
وكغيرها من التطورات الطبية التي تمت مناقشتها في هذا الكراس فإن الهندسة الوراثية في الإنسان والجينات تمكن البشر ليس فقط من الاقتراب أكثر من التحكم الكامل في الصحة بل أيضاً في الجذور والنشوء. وكنا نعتقد ان الاتجاهات الجينية والوراثية ثابتة ولايمكن تغييرها وقد اكتشفنا فجأة أنه عن طريق التقنيات الحديثة مثل العلاج بالخط الجرثومي الوراثي سوف نتحكم في مصيرنا البيولوجي مما يسبب رعشة وإثارة ولن يتم التوقف عن انتاج جسم اكثر فعالية ومقاومة للأمراض بل ربما نحاول تحديد مواصفة أطفالنا وتحديد طولهم وجنسهم ووزنهم ولون العينين والشعر قبل الولادة... وكثيرون تزعجهم هذه الفكرة وهذا الاحتمال. وتساءلت جوان رونشايلد )بينما تمكن العلوم الوراثية وتقنية النسخ تكاملاً صحياً عند الولادة نحتاج لنسأل عما إذا كان الطفل المتكامل سيكون أبداً أنثى أو أسود( ورغم أن تلك المخاوف لها أساس من الحقيقة إلا أن فوائد الهندسة الوراثية ستطغى عليها. مثلاً أسأل والدي هل لديهما تليف الرئة الكيسي أو ضمور في العضلات؟ وعما إذا كان والدي سيقدمان على تجربة تصحيح التركيب الوراثي لدى طفلهم لعلاجه أم لا إذا كان عليهم الاختيار؟ أسأل العوائل التي لديها نزعة نحو السرطان أو الأمراض الأخرى هل سيعارضون غزو العلوم لعوالم الهندسة الوراثية لمسح بلاء وكربة عائلاتهم للأبد؟ ورغم كل الجدل الذي يحيط بهذه التقنية أو غيرها إلا أنه قد يكون صورياً وتجريدياً... قد اختار البشر دائماً طول العمر والصحة الأفضل وعندما تسهل الاكتشافات الطبية معالجة الأمراض والمعاناة سوف يتمسك معظمهم بالعيش حياة أطول وأفضل.
ثورة التشخيص
لاشك أن الطريقة السهلة لاطالة الحياة الصحية للفرد تكون خلال الاكتشاف المبكر للمرض أو كما رأينا من خلال تحديد جينات معينة لدى الإنسان يمكن اختراقها... ويقود الاكتشاف المبكر إلى علاج مبكر ناجح.
وقد غيرت طريقة تدعى تكبير الجينات )Gene Amplification( الأساليب التي يستطيع الأطباء بها اكتشاف عشرات من جينات الاعتلال الجسدي.. وطورت شركة "سيتوس" إحدى الشركات الرائدة في هذا المجال تقنية بي.سي.آر )p.c.r( مختصرة من تفاعل سلسلة البلمرة... وباستخدام تلك التقنية من الممكن أن يحدد الفنيون جينات معينة بسرعة أكبر وأدق من الطرق الأخرى ومن ثم يستطيعون تحديد البكتريا والفيروسات والجينات المتغيرة التي تسبب المرض.
وطريقة )p.c.r( طريقة بارعة: فهي تأخذ جيناً واحداً من عينة محددة من الدم أو الأنسجة باستخدام مسبار "دنا" )D.N.A( وتحجزه كساند الكتاب. وبعد ذلك تكرره ترليون مرة في جهاز بي.سي.آر )P.C.R(... وعن طريق تكبير الجينات فإن نسخ جزء من )D.N.A( أكثر من مليون مرة يساعد الأطباء في اكتشاف احتمال الانتكاس بعد العلاج ويساعد أيضاص كنظام انذار مبكر لعدوى فيروسية جديدة.
وطبقاً لجاك كراوفورد من مراكز التحكم في الأمراض في أتلانتا "ان سرعة الاكتشاف باستخدام )PCR( تقدم احتمال التدخل المبكر"... وفي مختلف المراكز الطبية وبرامج البحوث يتم استخدام طريقة )PCR( لاكتشاف الجينات المسؤولة عن أمراض مثل فقر دم الخلايا المنجلية وتليف الرئة الكيسي "CF" وأعراض فرجايل اكس )FRGILEX( )وهو نوع من التخلف العقلي( والسرطان... كما أنها مفيدة خاصة في تشخيص مرض نقص المناعة المكتسب الايدز ومن الممكن ان تكتشف فيروس )HIV( فيمن تمت إصابته به حديثاً بالعدوى قبل أن يبدأ الفيروس في صناعة أجسام مضادة. ومن المهم أن )P.C.R( تعتبر أداة فاعلة لفحص الدم المتبرع به ل)HIV(... ويؤكد الصليب الأحمر الأمريكي أن قدرة طريقة )P.C.R( لفحص دماء المتبرعين بسرعة سوف تضيف آلاف الأفراد لقائمة التبرع بالدماء.
ومن الممكن أن تقوم )P.C.R( بتشخيص قائمة من الأمراض تتضمن فيروس الهربس )القوباء( وفيروس ايستاين بار المرتبط بالأورام أحادية النواة والاورام اللمفاوية وفيروس الورم الحليمي المرتبط باثلول الأعضاء التناسلية والأورام. ومن المهم أيضاً أن )P.C.R( تستطيع تشخيص الاسهال الذي يسببه فيروس قبل إنتاج أجسام مضادة مما يسهل منع انتشار المرض في المستشفيات والمراكز الطبية ويسمح بتحديد الأفراد المصابين في وقت مبكر.
كما أدت اكتشافات جديدة في الألياف البصرية إلى تقوية الثورة التشخيصية... وسوف تسمح لنا هذه التقنيات الجديدة برؤية التشريح الداخلي بوضوح وتحليل الدم باستخدام أجهزة حساسة والقيام بجراحة داخل الجسم بأمان عن طريق اسخدام أنظمة الليزر.
ومعظمنا قد سمع بالألياف البصرية، وهي ألياف رقيقة للغاية يتم استخلاصها لنقل البيانات والصوت وصور الفيديو عبر الهاتف ومن حاسوب لآخر. والآن يستخدمها الطب في التشخيص حيث يتم ادخالها على طول ممرات الجسم المتعددة. ومن ثم من الممكن النظر من خلالها إلى أي عدد من مناطق الجسم بما في ذلك الرئتان ومناطق الأمعاء المطوية والمناطق الأخرى التي لم يكن يستطيع دخولها أي مسبار علمي تشخيصي.
وتم اختراع أول تلسكوب ليفي بصري في جامعة ميتشجان بكلية الطب عام 1957م وتم تطويره تدريجيا منذ ذلك الحين حتى أصبح من الممكن استخدام الجهاز لفحص أي نظام عضوي في الجسم. والتلسكوب الليفي الحديث يستطيع القيام بمهمته بدقة. ويحتوي على حزمتين من الألياف البصرية إحداهما حزمة الاضاءة التي تحمل الضوء إلى الأنسجة والأخرى حزمة التصوير التي تنقل الصورة للمراقب.
وتوفر التقنية الجديدة للفيزيائيين مستوى دقيق القياسات لم يكن معروفاً من قبل. فقد تم تطوير أجهزة إحساس جديدة تستطيع تحليل كيمياء الدم بقياس اللون التدريجي والاستشعاع لمختلف الجزيئات الحية بحيث يكون من الممكن مثلاً تحديد محتويات الأوكسجين مباشرة. وبدراسة الألوان المنعكسة من مختلف الأعضاء يمكن اكتشاف ما إذا كان دم المريض لديه الطاقة الكافية لإمداد الرئتين والقلب بكمية كافية من الأوكسجين لأداء وظيفتيهما كما ينبغي. وهكذا يقوم الفيزيائيون والأطباء باختبارات فورية للدم دون أخذ عينات من دم المريض.
وتمثل تلك الأداة تطوراً طبياً علي مستويين مختلفين فهي أولا: تعزز بوضوح قدرة الأطباء والفنيين على النظر في أعماق أجزاء الجسم الإنساني.. وثانياً فإن المريض لايتعرض لأي خطورة طبية كما كان الحال في الطرق القديمة من قطع وجرح، حيث إن التلسكوب الليفي يمثل تقنية لاتؤثر في الأنسجة السليمة ومن ثم من الممكن القيام بالتشخيص دون جراحة.
وأخيراً ستساعد التكنولوجيا علماء الأعضاء المريضة )الباثولوجيين( على القيام بتشخيص مختلف الأمراض عن بعد، حيث سيكون في متناول الأطباء نظام اتصال باثولوجي يحتوي على مايكرسكوب تتم السيطرة عليه بواسطة وحدة التحكم من بعد وكاميرات تلفزيونية عالية التحديد وشاشات للمراقبة وبرنامج حاسب آلي حسب الطلب.
وهكذا يصنع فني الباثولوجيا شريحة على مايكروسكوب في مكان ما بالولايات المتحدة، وتنقل الأقمار الصناعية بالمايكروويف ذي الموجات العريضة الصورة تلقائياً إلى مستلم )متلق( في مكان آخر... وباستخدام لوحة مفاتيح للتحكم في مركز وإضاءة الصورة المكبرة علي شاشة عالية الوضع يستطيع فني الباثولوجيا المتلقي للصورة معالجتها بنفس السهولة وكأنه ينظر إلى المايكروسكوب في المختبر.
والتأثير المباشر لتكبير الجينات والألياف البصرية والتشخيص من مسافة بعيدة سيكون عميقاً. حيث لم تعد تحتاج إلى خبراء في باثولوجيا معينة كأمراض الدم متمركزين في منطقة جغرافية واحدة... ويستطيع الأطباء في مناطق بعيدة القيام بإجراء الفحص بوساطة الألياف البصرية وتوضيح النتائج لخبير في مرفق طبي رئيسي عن طريق القمر الصناعي. ومؤتمرات الفيديو مشتقة من تقنية مماثلة حيث يستطيع خبراء من مختلف المناطق التعليق في آن واحد علي رحلة التلكسوب الليفي في جسم المريض. وتطبيق التشخيص من مسافة بعيدة على رحلات الفضاء واستعماره قد يضيف إلى فوائد هذا الاكتشاف فوائد جديدة حيث سيصبح بإمكان الاخصائيين الموجودين في الأرض تشخيص التأشيرات على دماء وجلد رواد فضاء وهم يتجولون على سطح القمر وذلك لتحديد صحتهم العامة.
علم العقاقير كدواء شامل
رغم توالي الشعارات حول خطورة استخدام الأدوية والاعتماد عليها نحن نتحرك نحو عالم سيكون فيه هجوم على استخدام الأدوية في الأمراض البدنية والسيكولوجية مثل الكآبة وفقدان الذاكرة والادمان والقلق وغيرها.
فهناك أسلوب جديد تماماً لصناعة الأدوية قد يمكن البشر أخيراً من التغلب على مشاكل الصحة وطول العمر. وقد دخلت شركة "فيرتكس فارما سوتيكال" في موجة جديدة من البحوث والتطوير )R*D( للأدوية. وهذا الاتحاد بين البيوتكنولوجيا والكيمياء قد يعزز تطور الأدوية ويعيد تشكيل الصناعات البيوتكنولوجية وصناعة الأدوية.
وتلك الأدوية السوبر الجديدة اصطناعية ونسبياً ليست باهظة التكاليف لصناعتها ويستخدم مصممو الأدوية الجديدة البيوتكنولوجيا لمساعدتهم في العمل من بداية مايعرفه البيولوجيون عن المرض وكيف يقاومه الجسم... وبالاستفادة من استراتيجية الإنتاج تلك طورت شركة "جينتك" دواء يستطيع المرضى تناوله بالفم لمنع الذبحات القلبية.
ويستثمر مصممون آخرون للأدوية السوبر ملايين الدولارات لمقاومة عدد كبير من الأمراض. وتحاول شركة أريس فارما سوبتكال علاج تصلب الشرايين وأمراض القلب والرئتين.. ودفعت شركة "اجورون" 43 مليون دولار للتوصل إلى دواء للتغلب على السرطان والايدز والصدفية )مرض جلدي(. وتحاول شركة "بيوكرست" من الباما التغلب على مرض السكر وأنفقت "بريتش بيوتكنولوجي" 70 مليون دولار لمقاومة الايدز وآلام المفاصل وأمراض القلب... كما تريد تلك الشركة اكتشاف دواء يحث الجروح علي الالتئام أسرع مما في الحالات الطبيعية.
وقد بدأت ثمار تلك الأبحاث والانفاق على الأدوية السوبر تبدو في الأفق... ففي عام 1993م وافقت لجنة الأدوية والأغذية بالولايات المتحدة على بيع دواء اميجران )IMIGRAN( في الولايات المتحدة وهو دواء ضد الشقيقة )صداع نصف الرأس( وهو دواء من انتاج شركة "جلاكسو هولدينج بي.آل.سي البريطانية، وما يجعل ظهور "اميجران" حداً فاصلاً في تطور علوم العقاقير هو حقيقة ان الدواء يقدم طريقة جديدة جذرياً في معالجة مختلف حالات عدم الانتظام العقلي.
والمبدأ الذي يقف وراء "اميجران" يتضمن مادة ناقلة للرسائل العصبية "سيروتونين" )SEROTONIN( في الجسم تقوم بتدوير )قلب( الخلايا العصبية بين الفينة والأخرى بالتزحلق علي المستقبلات الحساسة التي تقع في أسطح الخلايا العصبية في كل أنحاء الجسم... ومن المهم معرفة أن تلك المستقبلات تؤثر في المزاج والشهية والإثارة الجنسية وعدة أنشطة أخرى... ويستجيب كل مستقبل لمادة السيروتونين.
واكتشف العلماء أدوية تقلد تأثيرات السيروتونين في مستقبلات عصبية معينة ومن ثم من الممكن التأثير علي وظائف مثل المزاج والشهية. ويتعامل "اميجران" مع نوع واحد من مستقبلات السيروتنين مرتبط بالصداع الرأسي. والتطور الحقيقي يكمن في أن "اميجران" لايؤثر في المستقبلات الأخرى ولهذا ليس لديه أعراض جانبية على الذاكرة والانتباه الخ.. وقد عالج الدواء بفاعلية هجوم الشقيقة )الصداع النصفي( في 75% من المرضى الذين تم اختيارهم ولكن نسبة لطبيعة الصداع النصفي لابد من تناول دواء "اميجران" خلال ساعة من الاصابة بالصداع النصفي.
ويبشر "اميجران" ببداية سلسلة جديدة من الأدوية من الممكن ان تحسن أداء الجسم بمعالجة المستقبلات وأحد تلك الأدوية زوفران )ZOFRAN( وهو علاج يقفل المستقبلات التي تسبب تشيخ عضلات البطن... وهذا الدواء عندما يتناوله مرضى السرطان يسمح لهم بأخذ جرعة عالية من الأشعة أثناء العلاج الكيماوي دون التقيؤ الذي يعد ظاهرة مصاحبة دائماً لذلك العلاج.
وفي جامعة براد فورد أثبتت التجارب قدرة الأدوية على تعديل تأثير السيروتونين في عدد من المناطق بما في ذلك الذاكرة... وتستخدم شركة جلاسكو بعض نتائج تلك الأبحاث في تطوير بعض من أدويتها الجديدة مثل "اوندانسترون" )ONDANSETRON( الدواء السوبر الذي يقوي الذاكرة ويقضي على مشكلة فقدان الذاكرة. ويستطيع المرء ان يتخيل الازدحام على أدوية السيروتونين عندما يعلم الناس أن تلك الأدوية ستجعل الفرد أكثر ذكاء.
والمقدرة على التعامل مع السيروتونين قد تساعد في علاج انفصام الشخصية... هذا المرض المرعب الذي يظهر عادة في سني العمر الواقعة بين الأعوام خمسة عشر عاما إلى الخمسة والعشرين، وهذا المرض هو بمثابة تجربة مخيفة حيث يعاني المريض الانزواء من الاصدقاء ويسمع أصواتاً ويصبح مشغولاً بمخاوف دون أساس... ومنذ سنوات ونحن نعتقد أن ذلك المرض هو عدم انتظام عقلي يتسبب فيه خليط من تجارب الحياة والروح الشخصية الغامضة التي تسيطر على السيكولوجية... ويزداد الدليل قوة مع تطور الطب ذلك أن كيمياء الجسم هي السبب. وحصل التقدم الأساس مع تطور "ثورازين" الذي يساعد مئات الآلاف من المصابين بالشيزوفرينيا بتقليل فرص معاناتهم من أعراض العنف والغضب مثل الهلوسة. وللأسف فإن "ثورازين" الذي يعمل بتعطيل دوبامين )DOPAMINE( العصب النقال للرسائل يعطل أيضاً وظائف أعصاب ناقلة أخرى فيصبح المريض فاتر الهمة وسلبيا. وتم تطوير دواء جديد "كلوزابين" من قبل شركة الأدوية السويسرية العملاقة "ساندوز" للتغلب على الأعراض الجانبية السيئة للثورازين بينما يتم علاج انفصام الشخصية... وكلورابين الذي يؤثر في السيرونونين والدوبامين يسمح للمريض بأداء الوظائف الأخرى عادياً.. ولكن المرضى لايزالون في حاجة إلى علاج للتحدث خاصة إذا كانوا يعانون من الإصابة عدة سنوات. وعلى أي حال فنجاح كلوزابين يوضح، على الأقل، أن الذي يسمى بالمرض العقلي من الممكن علاجه جزئياً بالعقاقير. وبفضل هذا العلاج تمكن كثيرون من الذين يستخدمونه من التخلص من سنوات الجحيم كمرضى بانفصام الشخصية ليعيشوا حياة منتجة جديدة.
عقاقير الاستنساخ للإنقاذ
وسوف تقود الاكتشافات في العلوم الوراثية إلى تطوير أدوية ستحسن قدرة البشر على مقاومة المرض... ومؤخراً اشتهرت قصة جول نادين جنكينز التي كانت تعاني من عيب وظيفي في الكليتين... ولأكثر من عشرين عاماً ظلت على قيد الحياة عن طريق تنظيف الدم بالدليزة )DIALYSIS( من السموم التي تتخلص منها الكلى عادة... ولكن الديلزة رغم أنها منقذة للحياة إلا أنها لا تستطيع تكرار قدرة الكلى في فرز هرمون أساسي ينتج كريات الدم الحمراء. ونسبة لذلك النقص في الدم تحملت جنكينز ارهاقاً دائماً... وكانت تحتاج إلي نقل دم لكي تبقى على قيد الحياة. ولكن في عام 1991م تغير حظ جنكينز حيث بدأت بحقن نفسها بجرعة موصوفة بهرمون من منتجات الهندسة الوراثية الذي رفع عدد كريات دمها الحمراء إلى المستويات العادية تقريباً... ورغم أنها لاتزال تقوم دوريا بالديلزة إلا أن حقن ذلك الهرمون قد قضى على تأثير الأعباء المزمنة.
وقد استفادت جنكينز من هذه العملية العاصفة التي حدثت في العلوم خلال الخمس عشرة سنة الماضية وهي قرن الجينات لخلق نسخ من البروتينات في الجسم الإنساني التي تتحكم في وظائف الجسم.
وهناك الآن مجموعة من تلك المواد التي تمت هندستها وراثياً في السوق، وهي قطرة قد تتحول إلى فيضان.. وأحد تلك الأدوية الوراثية الجديدة من شركة جينتك )GENETEC( شبيه بالانسولين والآخر مثل البروتين البشري الذي ينظم النمو البدني.. ويجري الآن تطوير أطقم جديدة من المواد الوراثية قد تعالج الأيدز وعدة أنواع من السرطان ومرض الزهايمر )ALZHEIMER(.
وتلك التي تسمى الجينات المصممة )DESIGNER GENES( هي في الأساس أسلحة جينية )وراثية( لمحاربة المرض. وطبقاً "لفيلب ليدر" رئيس مجلس إدارة الجينات الوراثية في كلية الطب بهارفارد "فجأة ظهرت لنا أطقم كاملة جديدة من الأدوات لمعالجة المرض".
وأحد تلك الأدوية يستخدم هرمونا للنمو تمت هندسته وراثياً لعلاج صغار الأجسام )الاقزام(... ويستخدم طبيب الأطفال "روبرت كولو" أخصائي الغدد بمستشفى سينت جوستين بمونتريال ذلك الهرمون لانقاذ الضحايا الصغار من ذلك المرض )PITUITARY DWARFISM( لكي يصلوا إلى الطول العادي أو قريباً من الطول العادي. وحتى ظهور ذلك الدواء فإن أولئك الأقزام الصغار كان محكوما عليهم بتحمل العيش قصار القامة طول حياتهم.
وقائمة الشركات التي دخلت مجال البحوث لتطبيق الجينات الوراثية في تطوير العقاقير تتكاثر باستمرار.. وتختبر الآن شركة "باسيفيك فارما سوتيكال ليمتد" ومقرها الرئيس فانكوفر، البروتين انترفيرون )INTERFERON( كدواء لعلاج السرطان وتتحرى "بيوإيجا" من كيوبيك أساليب لعلاج اعتلال القلب ونظام الأعصاب.. أما "جينتك" فقد طورت "اكتيفيز" )ACTIVASE( كمادة لإزالة تجلط الدم.
علم العقاقير والهجوم على الشيخوخة
لايرغب البشر في حياة طويلة فقط بل حياة نوعيتها قريبة بقدر الإمكان من حياة الشباب من نواحي المظهر والأداء والحركة. وفي الحقيقة فإن عصر الصناعة الكلية يتطلب سكانا أداؤهم في مستوى القمة بدنياً وعقلياً.
ويقوم علم العقاقير بتحطيم حدود عملية الشيخوخة وبهذا يتحكم البشر أكثر في عملية نموهم الشيء الذي لم نكن نتخيل أنه ممكن. ومرة ثانية يبدو أن الوراثة "الجينات" تلعب الدور الأساسي.
والهجوم على الشيخوخة يأخذ أشكالاً عدة... مثلاً بدأ العلماء حقن الأفراد الكبار في السن بهرمون نمو اصطناعي... وذلك الهرمون في الأصل علاج متفق عليه للأقزام ولكنه الآن يستخدم لعلاج الهرم والشيخوخة. وبدأ ذلك التطبيق الجديد لهرمون النمو عام 1990م عندما نشر الطبيب "دانيل رودمان" من الكلية الطبية في "ويسكوسن" موضوعاً في مجلة انجلترا الجديدة الطبية )THE NEW ENGLAND JOURNAL OF MEDICINE( يذكر فيه أنه عندما أعطي هرمون النمو ذلك لبعض كبار السن غير عضلاتهم المترهلة الواهنة إلى عضلات شابة... وكان الرجال الذين تم حقنهم بهرمون النمو قد سجلوا مكاسب كبيرة في تلك التجربة التي استمرت ستة أشهر. فقد استعادوا 10% من عضلاتهم و 14% من شحوم أجسامهم و9% من سمك جلدهم.. وادعى رودمان ان العلاج أحدث تغييرات معاكسة في التكوين الجسماني كتلك التي تحدث في عشرة أو عشرين سنة من الشيخوخة. وكما هو متوقع ازدحم الناس في العيادات الصحية بجميع أنحاء العالم للعلاج.. وزادت الصحافة من إحساسهم بتلك النتائج المدهشة... ورغم انه اتضح ان النتائج الايجابية في معظم كبار السن الذين اجريت عليهم التجربة كانت مؤقتة إلا أن الباحثين استمروا في التجارب والاكتشافات.
وأحرزت بعض هرمونات النمو انتصارات كبيرة في مقاومتها لانتفاخ الرئتين )EMPHYSEMA( ففي مراحله الأخيرة يحطم هذا المرض المخيف جسم الانسان لدرجة انه يتحول إلي ضمور شديد للعضلات.. ووجد ان العلاج بهرمون النمو يحدث مكاسب في الوزن ويقوي عضلات الصدر.. ونتيجة لتعزيز قوة الصدر تحدث تغييرات أكثر من جمالية فتزيد قوة التنفس بصورة معتبرة. وطبقاً للباحث "ديفيد كليمونز" من جامعة "نورث كارولينا" أن تلك النتائج تشير إلى أن زيادة كتلة العضلات تقود إلى تحسن بارز في أداء المريض. وطبقاً "لكارل كولمان" من "جامعة كاليفورنيا" "ارفاين" ان دراسة هرمون النمو هي بداية محضة لاتجاه تطور تقني لتحسين حياة كبار السن.. ويقول "دانيال بيري" من تحالف بحوث الشيخوخة "نحن نتعلم طريقة اكتشاف كيمياء الشيخوخة الإنسانية وسوف نعرف في السنوات القادمة كيف نستبدل أجزاء من كيمياء الإنسان لتجديد الوظائف وصيانة الأنسجة.. تلك التي تضيع بفعل الشيخوخة.. وتقوم شركتا "جينتك" و"إيلي ليلي" الأمريكيتان وهما ن شركات الأدوية العملاقة باختبار مجموعة من أدوية هرمونات النمو لمحاربة الشيخوخة. وضمن التقنيات الجديدة يلوح في الأفق القريب تشكيلة صناعية من بروتينات الإنسان الطبيعية تسمى عوامل نمو الاعصاب )NEUROTRO PHIC FACTORS( التي قد تتمكن من تجديد العقل والخلايا العصبية ليعودوا إلى حالة الشباب. وكل عامل نمو لديه خلية مختلفة في الجسم كهدف وكل عامل لديه دور محتمل في وقاية الخلايا العصبية ضد الدمار من عدد من الأمراض. وتلك الأدوية الصناعية عند تسللها إلى المخ تزيد حجم )العصبية( الخلية العصبية المنكمشة وتغير فيزيائياً طريقة أداء الأعصاب. والآن توجد هرمونات النمو تلك في لوحة التخطيط في عدد من المختبرات. شركات سنيتكس وسينرجين وجينتك: تقوم باختبارات اكلينيكية )في العيادة( حول عامل نمو للأعصاب قد يعالج تأثيرات الضعف والوهن في مرض الزهايمر )الخرف المبكر(.
- جونسون آند جونسون ضمن آخرين: تقوم بالتحري لتطوير عوامل نمو للخلايا الليفية الأساسية المؤثرة في مرض باركينسون والسكتة الدماغية.
- شركة سفلون: تقوم بتطوير مركّب يحث الجينات التي تتسبب في صناعة عامل نمو الأعصاب.. وفي الحقيقة هذه التقنية ستستعمل الجسم نفسه لإنتاج العامل الذي سيمنع أو يعالج مرض الزهايمر.
- وهناك مجموعة من الشركات تبحث عن أساليب لمحاربة مرض باركينسون ومرض الأعصاب العضلية )A.L.S( المرض المميت المعروف بصورة أفضل بمرض لوجيهرج )LOU GEHRIG( وبالقضاء على الأمراض نطيل الحياة.
الاستيلاد الدوائي ) الأدوية (
وتؤمن عدة شركات أن الطريقة الأفضل لتطوير هرمونات أو بروتينات الإنسان هي تلك الطريقة التي يتم فيها استيلاد قطعان الماشية لأنها أفضل من طريقة زراعة الباكتريا.. وتستخدم تلك الشركات ما يسمى )PHARMING( لاستبدال وتعديل المتغيرات الجينية في قطعان الأبقار والخرفان والماعز بطريقة تمكن هذه الماشية من إنتاج هرمونات إنسانية أو بروتينات بكميات كبيرة.. وقد سمى بعض العلماء تلك الحيوانات المفاعلات الحيوية )BIOREACTORS(.
والهرمونات التي يتم انتاجها عن طريق زرع الجينات في الماشية والتي كادت تصل مرحلة البيع التجاري هي )A-1- ANTITRYPSIN( وهو هرمون يحارب انتفاخ الرئة )EMPHYSEMA( والهيموجلوبين واللاكتوفيرين وهي مادة في لبن الأمهات المرضعات تساعد الأطفال على مقاومة العدوى.
والخطوة الأولى في الزراعة الوراثية هي عزل الجين الإنساني للبروتين المطلوب )جعل مشروع بنية جينات الإنسان تلك العملية ممكنة(.. بعد ذلك لابد من هندسة مجموعة من المواد الوراثية تأمر المضيف )ماعز مثلاً( أين ومتى ينتج البروتين.. ومن ثم لابد من تربية حاملات الجينات )TRANSGENIC( بصورة خاصة من ذكور وإناث لإنتاج البروتين المطلوب.
والمرحلة الصعبة في هذه العملية تتصل بتطوير طرق لفصل البروتين من الدم أو اللبن من تلك الحاملة للجينات سواء أكانت ماعزاً أو بقرة.. وإذا تم ذلك وتم التأكد من سلامة وفعالية البروتين من الممكن أن تبدأ الشركات تربية قطعان كاملة من الحيوانات لإنتاج جين واحد. والشركات في هذا الحقل اسماؤها غريبة "جين فارم العالمية" وشركة "جينزيم"... وتتوقع جين فارم أن ينتج ثورها من سلالة الفريزان )FRIESAN( والذي يبلغ من العمر 13 شهراً )والذي يعيش حالياً في وزارة الزراعة الألمانية( عجلاً أنثى ترث الجين الذي يحمله والذي يتحكم في إنتاج "لاكتوفيرين" في غدد الثدي.. ومن المتوقع ان العجول الأنثى من سلالة الثور الفريزان أنتجت كميات كبيرة من ذلك الهرمون في ألبانها عام 1994م. وإذا تمكنت جين فارم من تكوين قطيع كبير من المواشي حاملات الجين بسرعة قد تكون هناك كميات كافية من لاكتوفيرين متوافرة لاستخدامها كدواء مغذ مساعد للأطفال وكمضاد حيوي لمرضى المستشفيات.. وهناك إشارات مشجعة تفيد أن ذلك الحليب قد يكون علاجاً لأولئك الذين لديهم نظام مناعة ضعيف مثل الايدز ومرضى العلاج بالكيماويات.
وهناك شركة أخرى"فارما سويتكال بروتينز" قامت بتطوير قطيع من الحملان حاملي جينات محاربة انتفاخ الرئة وحسب برامج عملها فمن المتوقع أنها أنتجت كميات تجارية منه عام 1994م وأعلنت شركة دي.أن.أكس )D.N.X( من برنستون بنيوجيرسي أنها استطاعت حث الخنازير بطريقة وراثية على إنتاج هيموجلوبين إنساني... واحتمال زيادة امدادات الدم العالمية باستخدام "حاملي الجينات" أحدثت تفاؤلاً في مختبرات )D.N.X(.
علم استخلاص العقاقير من الحيوانات
يبدو أن مملكة الحيوانات لديها دور آخر لتلعبه في تطوير علم العقاقير الإنسانية، فرغم أنه لم يعد تطوراً رئيسياً في العقاقير إلا أن تصرفات بعض الحيوانات مثل الشمبانزي قد تساعد في اكتشاف بعض الممارسات الطبية لمساعدتنا في بحثنا عن أدوية أفضل.
فقردة الشمبانزي مثلاً في حديقة "جومبي استريم الوطنية" بتترانيا قد شوهدت مؤخراً تأكل أوراق شجرة فاكهة تسمى "اسبيليا" تاركة الأوراق الصغيرة فقط. حيث تقوم بطي هذه الأوراق وبلعها كاملة مكشرة عن وجهها أثناء أكلها للمادة المُرة.. وعلى أساس تلك الملاحظات فيما يتعلق بالمذاق المر توصل الباحثون بسرعة إلى أن الهدف من أكل تلك المادة ليس التغذية بل هو هدف طبي. ووجد أن النبات يحتوي على مادة ثايوروبرين - أ )THIARUBRINE -A( وهو مركب فعال يساعد الشمبانزي على التخلص من الطفيليات الداخلية.. وتأكل الشمبانزي الاسبيليا عندما تكون مريضة فقط في الفجر حيث يكون المركب النشط في أعلى تركيزه في الأوراق. وذلك التصرف تمت ملاحظته أيضاً في مركز بحوث الحياة البرية بجبال ما هالي. حيث وجد المختصون في الحياة البدائية أن شمبانزي تعاني من الإرهاق الشديد مضغت نباتاً طبياً وبعد أربع وعشرين ساعة أصبحت سليمة مرة ثانية.
وقد أدت ملاحظة عادات مملكة الحيوانات إلى حقل جديد من الدراسة )الصيدلة الحيوانية( )ZOOPHARMACOLGY( حيث اكتشف باحثو هارفارد أن هناك بعض الدببة تحتك لتمسح فراءها بزيوت طبية، وتتجول الفيل الانثى الحامل على وشك الولادة دائماً بحثاً عن نبات معين يساعد في المخاض والولادة.
ومثل تلك النتائج قد تساعد الإنسان على تطويل العمر والتغلب على المرض. فمثلاً من المقترح أن يتم خلط "زياروبراين -أ" مع طعام الماشية في البلدان المتقدمة مما يجعل تلك الحيوانات أقل عرضة للطفيليات وأكثر أماناً للاستهلاك الآدمي... وقد تحمي المحاصيل الزراعية أيضاً. إلى أي درجة يمكن أن يكون مجال مثل عقاقير حديقة الحيوان مفيداً في مساعدة الإنسانية على اختراق الموانع البيولوجية؟ الفرصة تتوفر في الأدوية الصناعية والأدوية المصممة وراثياً التي تمثل المساهمة الأساسية للاكتشافات الطبية ولكن هذا المجال الجديد يشير إلى أنه لابد من الوضع في الاعتبار كل الاحتمالات للبحث والمعرفة.
تقنية الجراحة واكتمالها
بغض النظر عن التقدم الوراثي والدوائي الذي سيطيل حياة البشر فسوف نواجه حوادث وأعضاء بالغة لاتؤدي وظائفها.. وسوف يسمح التطور الجراحي للأطباء بتحقيق اتقان للجراحة كان حلماً قبل عقد مضى ويساعدنا على الاستمرار في محاربة المرض وتقليل نسبة الوفيات في هذا الحقل من الطب. والاكتشافات الجديدة تجعل التشريح والإصلاح كل يوم أكثر دقة، ومن ثم أكثر أماناً... والجراحة سواء كانت إزالة عضو مريض أو تصحيح الأداء الوظيفي لعضو لايعمل رغم حالته الجيدة كما في حالة الممر الجانبي لأوردة القلب أو صنع صمام أو أي جهازلاصلاح الوضع مثل الزراعة التي كانت تتطلب قطع كتلة من العضلات والأنسجة والأعضاء للوصول إلى مكان الجراحة... والآن وبفضل استخدام كاميرات الفيديو والمقصات والدباسات الصغيرة للغاية للشق والقطع الدقيق من الممكن تفادي الضرر والألم المصاحبين عادة للجراحة... ويدعي الطبيب "وليام شويسلر" جراح المسالك البولية أن تلك الأساليب الجديدة تمثل أكبر ثورة في الجراحة في الخمسين سنة الأخيرة.
أما الجراحة المساعدة فهي الأجهزة التي تساعد الجراح على النظر بعمق داخل الجسم قبل بداية الجراحة، وقد ذكرنا آنفاً بعضاً منها... حيث من الممكن إدخال أنابيب طويلة من الألياف البصرية عميقاً داخل الجسم من خلال أصغر الفتحات الجراحية... بالإضافة لذلك يستخدم الجراح عدسات تلسكوبية دقيقة ومصدراً صغيراً جداً للضوء وفيديو كاميرا في الأنبوب ترسل صوراً على شاشة لأعضاء المريض الداخلية. ويرى فريق الجراحة أيضاً مختلف الأجهزة الدقيقة التي يجب استخدامها لكي تؤدي الجراحة بمستوى آلات صغيرة الحجم للغاية بدقة متناهية.
وأسماء تلك الأجهزة توحي بأسلوب تشغيلها. حيث يستخدم اللاباروسكوب )LAPAROSCOPE( في جراحة البطن والأرثروسكوب )ARTHROSCOPE( في المفاصل ويستخدم الثوراكوسكوب في الصدر والانجيوسكوب لمعاينة جدران الأوعية الدموية.
وعند استخدام الألياف البصرية وتقنية الليزر معاً تكاد الجراحة تصل إلى حد الإتقان والاكتمال... وقد تم تطوير الألياف البصرية التي تتكون من مواد غريبة مثل الكواترز لنقل ضوء الليزر المختلف الألوان. والليزر المار من خلال الألياف البصرية من الممكن أن يسبب كثيراً من أنواع التفاعل في الجسم، إذ يتسبب الليزر في تجلط الدم وتجمد البروتينات. وتم تصميم أول جهاز يضم الليزر والألياف البصرية عام 1973م وذلك للتحكم في النزيف وقرحة المعدة... والآن تستطيع إزالة العوائق في الشرايين التي تؤدي إلى السكتة الدماغية والذبحات القلبية والغنغرينا.
ولايزيد استخدام الليزر والألياف البصرية معاً من دقة تطبيق الليزر على منطقة معينة فقط بل من الممكن أيضاً أن يمر الليزر على المناطق التي لاتقع في درجة تردده دون تأثير )عند ضبط الليزر على التردد المطلوب من الممكن أن يمر دون ضرر من خلال يد بشرية بينما يحرق قطعة من الورق خلف اليد مباشرة ويحولها إلى رماد( ومن ثم تستطيع أشعة الليزر اختراق الأنسجة غير المعنية للوصول إلى العضو أو الأنسجة المحددة.
والتحديات التالية تتضمن استخدام أشعة الليزر داخل الشريان والتمييز بين الأجزاء العادية والمريضة من الشريان قبل استخدام الليزر لتحويل الجزء المريض إلى بخار. وعلى أي حال سوف يمكّننا التقدم في امكانية الرؤية داخل الجسم من تحقيق ذلك ومن الممكن أن يخفف مثل هذا النوع من الأجهزة كثيراً من سلبيات الجراحة.
وفي عام 1990م صمم الطبيب "رلف كليمان" من جامعة واشنطن تقنية لاستخدام اللاباروسكوب لإزالة الكلية المعطوبة.. حيث أراد كليمان تصغير الجرح المطلوب لاستئصال الكلية والذي لايزيد عن قبضة اليد ليصبح 5.2 سنتيمتر فقط. واستخدم إجراءً بارعاً: قام كليمان بفتح جرح صغير وقطع الكلية وفصلها من الشريان الرئيسي ووضعها في كيس غير نافذ داخل جسم المريض وفرمها بمشرط دائري صغير. والآن من الممكن اخراج الكيس الذي يحتوي على الكلية المسحوقة من خلال جرح صغير. ومن المدهش أن كل هذا الاجراء يتم داخل جسم المريض... وهذه التقنية تنتشر بسرعة ففي الأربع سنوات الماضية تم تعليم أكثر من 28000 جراح في الولايات المتحدة كيفية إزالة الحويصلة الصفراوية )المرارة( باستخدام تقنية اللاباروسكوب وتمت إزالة ثلاثة أرباع تقريباً من عدد 000.600 حويصلة صفراوية بتقنية اللاباروسكوب. وقريباً سيتم استخدام تقنية الفيديو في الجراحة لاستئصال الرحم وعمليات الفتاق. ويتم استخدام الليزر أيضاً في جراحة الأذن والأنف والحنجرة ولعلاج قنوات الدموع المسدودة والتهاب الجيوب المزمن وإزالة الوشم وتكسير حجارة الكلية وإزالة النتوءات في الأعضاء التناسلية. كما يتم استخدامها في جراحة البروستاتا وعلاج الغضروف أسفل الظهر الذي يسببه الفتاق.
الروبوتات في غرفة الجراحة
لاشك أن الاستفادة من التقنية في الجراحة طور استخدام الليزر... وقريباً ستساعد الروبوتات )الانسان الآلي( الأطباء في أداء واجباتهم الطبية.. ففي عام 1992م تم استعمال آلة تسمى الطبيب الآلي )ROBODOC( وهي انتاج مشترك بين شركة )I.B.M( "انترناشونال بزينيس ماشيين" وشركة "انتجريتد سيرجيكال سيستم" كمساعد للطبيب في تجربة استبدال فخذ. وكان ذلك أول مرة يساعد ربوت في عملية جراحية كبيرة في الولايات المتحدة. وهدف الطبيب الآلي الرئيسي مساعدة مهارات الجراح وليس استبدالها.. ورغم ذلك فلدى الربوت سلسلة من المهارات ففي عملية استبدال الفخذ تستخدم الآلة بيانات مصورة لرسم عظام المريض ليتمكن الجراح من وضع استراتيجية لإيجاد تجويف.. وعندما تبدأ الجراحة يقطع الجراح أولاً من خلال الأنسجة العضلية ومن ثم يطحن الروبوت العظام بمشاهدة الجراح. تخيل الجراح يعمل وحده في غرفة العمليات... بالإضافة إلى ذراع آلي يتدلى فوق المريض ويكون للجراح مدخل لرؤية مطبوعات الحاسب الآلي وجهاز الفيديو.. وخلال الجراحة يقوم الحاسب الآلي بالتحليل والتشخيص وتخطيط العلاج ويتم توفير الصور الفيزيائية وبيانات المريض للطبيب وأيضاً بيانات المختبر ومراقبة العمليات في وقتها... وفي المستقبل قد يستفاد من الروبوتات كغرفة عمليات لصناعة المستلزمات الدقيقة مثل مفاصل الفخذ وأجزاء الجسم الأخرى أثناء القيام بإجراءات العملية... ونتوقع قريباً أن يتم تشغيل معظم الأجهزة بأوامر صوتية من الجراح. وقد يكون المجال الطبي الأوروبي متقدماً على الولايات المتحدة في استخدام الربوت في الجراحة.. ففي انجلترا طورت جامعة برستول ربوت لجراحة الصم.. فمن الممكن ان يقوم الربوت بعمل ثقب رقيق بعمق من 2.0 إلى 5.2 مليمتر في العظم المعين لفتح ممر يساعد في إعادة السمع... ويقوم الآن الجراحون في جرنوبل بفرنسا بجراحة المخ بمساعدة الحاسب الآلي ويخططون لاستخدام الروبوت في جراحة النخاع الشوكي. ويعتمد "جيمس دريك" جراح أعصاب من تورونتو على روبوتات صناعية لإزالة أورام المخ في الأطفال.
أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved