أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 21st March,2001 العدد:10401الطبعةالاولـي الاربعاء 26 ,ذو الحجة 1421

عزيزتـي الجزيرة

عرفته مكافحاً ومجاهداً
رحم الله ابن حائل البار
فجعت مدينة الروضة ومدينة حائل والمنطقة بأسرها يوم 15/12/1421ه بوفاة ابنها البار الشيخ سليمان بن عامر العامر إثر حادث أليم أودى بحياته على طريق حائل القصيم وهو في طريقه الى مزرعته بعد عودته من أداء فريضة الحج، رحمك الله يا أبا حمود رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته،
لقد عرفت الشيخ سليمان منذ صباي عندما قدمت من المستجدة الى الروضة في آخر الستينيات الهجرية من القرن الماضي نحو عام 1367ه وكان شابا يتدفق حيوية ونشاطا، ينبري لأي عمل يوكل إليه انجازه وكانت الأعمال يومذاك تنصب في أعمال الفلاحة وما يتعلق بها فكان يحتل مكانة بارزة بين أقرانه ويبز الكثير منهم، وقد قرأ القرآن الكريم على والده الشيخ عامر بن محمد العامر ثم على عمه الشيخ عبدالمحسن بن محمد العامر يرحمهم الله، وبيت العامر بيت علم كما هو معروف، وجوّد القرآن الكريم وحفظ بعضه في سن مبكرة قبل المدارس النظامية، ولما فتحت المدرسة بمدينة الروضة عام 1372ه عُيِّن بها الشيخ عبدالمحسن الذي كان منقطعا لتعليم القرآن الكريم عُيّن بها مدرسا للقرآن وبعد بضع سنوات عينت بها مدرسا ثم عُيّن الشاب سليمان على وظيفة خارج الهيئة وكان يساعد عمه عبد المحسن إذا احتاج الى مساعدة، ويصب القهوة والشاي للمدرسين في وقت الفسحة ثم يذهب الى فلاحتهم القريبة من المدرسة حينما يتطلب الأمر ذلك وأحيانا كثيرة يبقى في المدرسة حتى نهاية اليوم الدراسي، وذات يوم شديد البرودة من شتاء عام 1377ه كان الشاب سليمان قد جلس في الشمس خلف الفصل الذي أدرس فيه بحيث أراه من النافذة فساءني وضعه وجلوسه بدون درس وهو شاب في مقتبل العمر وبعد انتهاء الحصة، دعوته وعرضت عليه فكرة الانتظام في الدراسة ومواصلة التعليم فحبذها وقال: إن لدي الرغبة في ذلك، لكن ما يعوقني هو عدم معرفة المواد الحديثة، التاريخ الجغرافيا الحساب الهندسة، هذه المواد صعبة علي ولا أستطيع تدبيرها أو السير فيها، أما بقية المواد فأمرها سهل عندي وهنا طمأنته وقلت له: لا تأخذ هماً لهذه المواد فسوف أساعدك فيها وأشرح لك ما صعب عليك منها وعليك ان تجرب وترى، وفي اليوم التالي عرضت الأمر على مدير المدرسة آنذاك الأستاذ عبدالعزيز بن إبراهيم العجيمي يرحمه الله فأيد الفكرة ووافق ودخل سليمان في الصف الرابع الابتدائي فوقفت الى جانبه حتى نجح في تلك السنة ثم استمر في الصف الذي يليه حتى أنهى المرحلة الابتدائية وكانت تعتبر مرحلة طيبة يومذاك، وعندما ذاق حلاوة العلم وانفتحت له نفسه بعد ان زالت عنه الصعوبة التي كان يتصورها عند ذلك قال لي: كما تعلم أنني أتقاضى من المدرسة مرتبا قدره مائتا ريال وهو مبلغ لا ينبغي التفريط فيه، وفي نفس الوقت لدي رغبة ملحة في مواصلة تعليمي فما رأيك؟ فقلت له: كل خطوة يخطوها الإنسان لا بد لها من تضحية، وأرى ان تواصل تعليمك مهما كلفك ذلك، بيد انه قد فتح في حائل المعهد العلمي وهذا يعطي مكافأة قدرها مائتا ريال وبإمكانك ان تلتحق به وتأخذ المكافأة المماثلة لمرتبك وتواصل دراستك، فاستحسن الفكرة وأسرع في الالتحاق بالمعهد رغم المعارضة التي لقيها من أهله واستمر بالمعهدالعلمي الى ان تخرج منه ثم التحق بكلية الشريعة بالرياض حتى تخرج منها ثم حصل على الماجستير من المعهد العالي للقضاء بالرياض،وكان رحمه الله كلماعادت بنا الذكريات الى تلك البدايات من التعليم قال لي من أعماق قلبه: جزاك الله خير الجزاء فقد أنرت الطريق أمامي ويعلم الله لولا ما سأتطرق له لاحقا لما ذكرت هذا الموضوع على اعتبار انه من واجبات الإنسان التي ينبغي ألا يذكرها في أي وجه لعامة الناس فما بالك بأعز الأصدقاء إليه،
عرفت الشيخ سليمان رفيق درب، عرفته مكافحاً صبورا، مبرزا في أي حقل يعمل فيه ابتداء من الأعمال المتعلقة بالفلاحة والفلاة، والحطب والبناء يبز أقرانه ويتفوق عليهم وكل معاصريه ورفاقه يشهدون له بذلك، ثم عرفته طالب علم جادا، يولي الدراسة كل اهتمامه حتى شق طريقه الى ان وصل الغاية التي وصلها من التعليم، عرفته اجتماعيا محبوبا من غالبية من يعرفونه، لطيف المعشر لين الجانب، أنيس المجلس، دائم الابتسامة، لايخلو حديثه من دعابة أو ممازحة أو طرفة أو ضحكة مدوية في غيرأوقات الجد، أما إذا جد الجد فهو غير ذلك، عرفته كريم النفس دمث الأخلاق، جواد الكف لا يقتصر ذلك على الذين يعرفهم بل يشمل كل من قصد بيته أوجمعه به لقاء أو مناسبة فإنه لا يكاد يتخلص منه في دعوة يلزم عليه لتناول وجبة من طعام أو فنجانا من القهوة على الأقل،
عرفته في تبني الأعمال الخيرية، فهو عضو في أكثر من مجلس إدارة جمعية خيرية ورئيس جمعية تحفيظ القرآن الكريم، عرفته عندما يبدأ التبرع لعمل خيري، أو اجتماعي فينبري في مقدمة المتبرعين الذين يدعمون الأعمال الخيرية والنافعة في أي زمان ومكان،
وعرفته مديرا لفرع الدعوة والإرشاد في منطقة حائل، لم يقصر نشاطه على العمل المكتبي وإنما يباشر الدعوة والإرشاد بنفسه في المساجد والتجمعات في مدينة حائل وما حولها من المدن المتوسطة والبلدات والقرى وتجمعات البادية على المياه وفي مدينة ضبا، يتحمل مشاق الأسفار ومخاطر الطريق ليوصل المهمة التي تحملها، وهي الدعوة إلى الله وإرشاد الناس الى ما قد يجهلونه من أمور دينهم، ثم عرفته عضوا فاعلا في مجلس إدارةالجمعية الخيرية بمدينة الروضة منذ حوالي خمسة عشر عاما، وكان ميالا الى فعل كل ما من شأنه خدمة المحتاجين والمعوزين وتيسير أمورهم وتأمين لقمة العيش لهم، صريحا في مواقفه، لا يحب التعلل في بعض القضايا التي فيها التباس، بل يطرق أيسر الحلول وأقربها نفعا للمحتاج عرفته عندما كان رئيسا لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد قام بهذه المهمة الصعبة، يصدع بالحق لا تأخذه في الله لومة لائم على ما في هذه المهمة من الإشكالات والملابسات والمخاطر مما يدور في المجتمع من تفاعلات وإفرازات، واختلاف أمزجة الناس، وتجاوزاتهم وأهوائهم ورغباتهم التي قد ينافي بعضها الذوق السليم أو يتعارض مع تعاليم الشريعة السمحة وما تحتاجه من مواقف حكيمة واجراءات مناسبة،عرفته عندما تولى معالجة الاشكالات الاجتماعية والشرعية المتعلقة بالزواج والطلاق، وما يحصل بين الأزواج من المشاكل والتنافر، فكان يحاول إصلاح ما تفسده التصرفات والكلام بين الزوجين، وكنت أزوره في بعض الأحيان في مكتبه ولا يكاد الهاتف يسكت عنده من الرنين بين مستفسر وعارض موضوعه فأسمع منه الحلول التي يراها أو الفتوى الشرعية التي يفيد بها حسب موضوع السائل، وكان يحاول ما أمكن إصلاح ذات البين بما لا يتنافى وتعاليم الشريعة الإسلامية، فأبقى عنده بعض الوقت قبل ان يفرغ لي أو يحدثني وهو يؤدي عمله بكل إخلاص، عرفته بعد ان تفرغ من الأعمال الرسمية ونذر وقته لاتمام مهمته وهي الجهاد في سبيل الله بلسانه لارشاد الناس الى ما خفي عليهم من أمور دينهم حتى تم ترشيحه عضوا في مجلس المنطقة بالإمارة ثم تم اختياره في لجنة إصلاح ذات البين هذا العمل الذي أفنى فيه شطرا من عمره، وآخر مرة قابلته في شهر شوال الماضي في مطار حائل وكان في طريقه الى جدة فمكة للمشاركة في الصلاة على الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله،ورجلٌ هذا موجز سيرته التي أعرفها وقد يعرفها غيري أكثر مني خاصة من القريبين إليه، ذلك بسبب وجودي في الرياض طيلة فترة نشاطه، هذا الرجل المكافح الذي شق طريقه في الحياة بأظافره مند بداية حياته عندما كان يشد عضد والده وإخوانه في فلاحتهم كفلاح كادح، ثم تعلم في وقت كان التعليم فيه غير متيسر بالدرجة المطلوبة، وشق طريقة في التعليم الشرعي حتى وصل فيه الى درجة تؤهله للإسهام في خدمة دينه ومليكه ووطنه ومواطنيه وأسهم في حل مشكلاتهم، قضى الكثير من وقته وضحى بالثمين من راحته في سبيل إصلاح ذات البين، رجل هذا وضعه فإن فراقه وغيابه فجأة عن الساحة لهما كبير الأثر والوقع على النفوس نفوس أهله ومحبيه ومعارفه ومنطقته فلقد شيعته حائل المدينة، وحائل المنطقة بمنظر مهيب وجموع غفيرة غصت بها الطرقات والساحات والشوارع وبقلوب ملؤها الحزن والأسى ولهجت الألسن من أعماق القلوب له بالدعاء بالمغفرة والرضوان يرحمك الله يا أبا حمود ويجزيك الله خير الجزاء على ما قدمت لمدينتك ووطنك ومواطنيك وعزاؤنا بالله ثم بما قدمت من أعمال وما أبقيت من أبنائك ونسأل الله أن يلهمنا العزاء والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون،
عبدالرحمن بن زيد السويداء
الرياض

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved