أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 22nd March,2001 العدد:10402الطبعةالاولـي الخميس 27 ,ذو الحجة 1421

عزيزتـي الجزيرة

الراحل روى سيرته ومحطات حياته
رحمك الله أيها العالم الجليل
في يوم السبت 15/12/1421ه وبعد اكتمال بدر يوم النصف من شهر الحج سرى نبأ فادح محزن فخيم الحزن وعلا الظلام على تلك المدينة التي مازالت في لباس الفرح والسرور وحق لها ان تحزن فان مصابها عظيم وخطبها جسيم وهل وفاة شيخها امر يسير؟ المدينة بحاضرتها وباديتها تعرفه من خلال فتاويه بل حتى النساء في البيوت يعرفن صوت ذلك الشيخ الذي طالما ثنى رجله بجانب الهاتف ليرد على تساؤلات المستفتين وغالباً هم من النساء والصغار الذين لايستطيعون الحضور اليه فالطرق تعرفه والقرى لاتنكره وكبار السن لايعملون الا بفتواه.


اذا ما مات ذو علم وتقوى
فقد ثلمه من الإسلام ثلمه

لقد انسى ذلك الخبر الحزين تلك الوجوه الفرح والسرور وانساهم نور البدر واعتدال الجو فلم يفرقوا بين ليل او نهار فكل فرد من ابناء تلك المنطقة قد ارتبط نسبه بذلك الشيخ فهو الاخ والصديق والاب الرحيم علاوة على كونه شيخاً فاضلاً رحيماً كريماً لمن جاء يسأله او يطلبه، وعندما تعجز السبل وتنقطع الطرق امامه لحل مشكلة ما لايملك الا ان ينزل دمعة حارة تنساب على لحيته البيضاء تلك الدمعة التي هي اعز ما يملك.
في كل صباح وعند الساعة التاسعة يقف الناس عند باب جمعية الملك عبدالعزيز الخيرية للخدمات الاجتماعية ينتظرون فضيلة الشيخ رئيس لجنة اصلاح ذات البين ليقضي للناس حاجاتهم على حسب استطاعته مع كبر سنه فهذا يحتاج الى تزكية وذاك الى فتوى وهذا الى شفاعة وهذا ينتظر مساعدة ولكنهم في هذه المرة سيطول انتظارهم.. فمن..! وهل هو..!
يكتمل بدر يوم النصف من شهر الحج ويضيء ضوؤه الساطع على جبال طي ويعلو النور على ظلام تلك المدينة لعله يزيل ذلك الظلام، ولكن الليل طويل والظلام شديد ونور القمر خافت لايرى قد حالت السحب دونه "فكأن البدر يفتقد عالمنا".
فمن هو ذلك الشيخ؟ هو فضيلة الشيخ سليمان بن عامر العامر رئيس فرع هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بحائل سابقاً، رئيس جمعية تحفيظ القرآن الكريم وأحد أعضاء مجلس المنطقة رحمه الله رحمة واسعة وغفر له، في ليلة الاربعاء 20/11/1421ه وعند الساعة الحادية عشرة اتيت الى الشيخ في مجلسه لأعرف شيئا من حياته فاستفتح كلمته بالحمد والثناء على الله والصلاة والسلام على نبينا محمد ثم بدأ في سرد قصته مطرقاً رأسه توقفه احياناً بعض العبرات فلا يزيد الا ان يلهج بذكر الله قال رحمه الله وغفر له "لاشك ان الإنسان لاينبغي له ان يتحدث عن نفسه الا ان كثرة الطلبات تجعل الانسان يلبي بعض الرغبات للناس لمعرفة حياة الانسان والموت والحياة بيد الله عز وجل. نشأت في مدينة حائل في بلدة الروضة عام 1351ه وكان عمل الوالد في الزراعة وكان حريصاً على تعليمي القرآن وأمور الشريعة لأنه كان على قدر من العلم فألزمني والدي رحمه الله رحمة واسعة بالحضور عند عمي عبدالمحسن العامر بعد صلاة كل عصر لقراءة القرآن الكريم وكان عمي يدرس اضافة الى القرآن الكريم ثلاثة الأصول وكشف الشبهات وآداب المشي الى الصلاة وبعض احكام الفرائض والمختصرات، كنت استمع الى هذا وأقرأ بعض الرسائل لفضيلة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله التي كان يبعث بها الى بعض امراء القبائل والقرى ليعلم الناس امور دينهم والعقيدة السليمة، وكنت ملازماً للمسجد اقرأ القرآن وأتعلم امور ديني رغم صغر سني مما جعلهم يوكلوني بالخطابة والإمامة بدلاً عنهم اذا تأخروا عن الصلاة، ثم كلفوني بعد ذلك بصلاة التراويح في مسجد في أعلى البلدة وكان عمري انذاك اثنتي عشرة سنة وكنت اذهب الى المسجد على بعده ليلاً واحياناً في شدة البرد على اقدامي واحياناً اركب بعض الدواب لوجود بعض المخاطر، وقد يسر الله لي ان اتعلم الكتابة والقراءة قبل افتتاح المدارس وكنت أقرأ على جماعة المسجد بعض الكتب النافعة لأن الناس في تلك المرحلة اصبحوا في حالة إقبال على الدين رغم قلة الموارد المادية وصعوبة الحصول على الكتب، وسبب اقبالهم على الدين بفضل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله رحمة واسعة، فقد يسر الله للدعوة ان تنتشر في شتى البلاد.
وعندما فتحت المدارس يسر الله لي ان عينت خادماً للمدرسة بسبب قلة ذات اليد وقد بقيت لمدة سنتين وكان مدير المدرسة والمدرسون يعلمون حالتي من ناحية اني امامهم في الصلاة واخطب الجمعة فاجتمعوا واقروا لي اني استحق الفصل الخامس فعينوني طالباً في ذلك الفصل بسبب مارزقني الله من العلم والكتابة وتعلم بعض امور الدين وكنت اذا جاء الاختبار ادخل الى الفصل واختبر حتى يسر الله لي ان انهيت الفصل السادس الابتدائي. بعد ان حصلت على الشهادة الابتدائية اصبحت اطمح الى اعلى من ذلك كل ذلك بسبب حبي للتعلم والعلم ولم يخطر ببالي انه في يوم من الأيام سأترك بلدة الروضة، بعدما فتح المعهد العلمي في حائل قررت الانتقال الى مدينة حائل كل ذلك شوقاً الى ذلك الصرح العلمي الذي كانت نفس كل طالب تتوق اليه فهو بمثابة الجامعة في تلك الفترة، لم يكن قرار الانتقال بالأمر السهل على والدي الذي كان يعمل بالزراعة ويحب ان ابقى بجانبه، ولا بالأمر السهل على والدي الذي كان يعمل بالزراعة ويحب ان ابقى بجانبه ولا بالامر السهل على عمي عبدالمحسن الذي كان اماماً وخطيباً للجامع، ولكن حبهم وتقديرهم لي نسأل الله ان يغفر لهم ويرحمهم اجمعين، هو الذي حز واثر في نفسي مما جعلهم يطلبون من الشيخ علي بن صالح السالم ان يحضر الينا في الروضة من اجل ان يقنعني ويثني همتي عن الذهاب الى المدينة ولكن اصراري على رأيي وتغلبي على بعض الصعاب مكناني من تلبية رغبتي. اعددت اغراض السفر وحملت حقيبتي ثم توجهت الى مدينة حائل وقلبي يحن ويشتاق الى والدي وعمي واسرتي، ولاشك ان كل انسان يحن ويشتاق الى مسقط رأسه ولكن سألت الله ان يعينني وان يوفقني في سفري فأنا لم اخرج اشراً ولا بطراً وانما خرجت طلباً للعلم ومع ذلك لم يرد ببالي ان استخير عن السفر لقناعتي بضرورته.
في عام 1382ه تقريباً جئت الى المعهد العلمي ووجدت الطلاب قد اكتمل عددهم مما جعلهم يعتذرون عن قبولي وأخرجوني من فصول الدراسة لأن العدد محدود ولكنني اصررت على البقاء ومكثت في فصول الدراسة، وقد تكررت علي اوامر مدير المدرسة الشيخ سليمان السكيت رحمه الله بالخروج وعدم امكانية البقاء في المعهد لأن هذه اوامر الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله بعدم السماح لأي طالب بالبقاء ما عدا الطلاب الرسميين ولكني تجاهلت اوامر المدير وبقيت اسبوعين تقريباً او اكثر وأنا احضر من غير تسجيل رسمي. وبعد ذلك استدعاني المدير في الإدارة وكان في الإدارة آنذاك بعض الاساتذة مثل عبدالله العرفج والاستاذ احمد المرزوق وكان كفيف البصر، فشفع لي الاستاذ احمد المرزوق وقال افصل ثلاثة طلاب واضف اسم هذا بدلاً عنهم ثم يسر الله لي ان اعتمدت رسمياً ضمن الطلاب ومازلت فيه حتى تخرجت منه ثم التحقت بكلية الشريعة عام 1387ه ومكثت فيها سنتين وفي السنة الثانية استدعاني فضيلة الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله وعرض علي العمل في مجال الدعوة الى الله فامتنعت عن ذلك بحجة اني حضرت الى الرياض لأتعلم وأكمل دراستي إلا انه اصر على رأيه وأكد عليّ بذلك.. ثم دخلت مع 40 طالباً للاختبار في مجال الدعوة الى الله إلا انه لم ينجح احد غيري في اختبار الدعوة ثم عينت في الدعوة الى الله في مدينة ضبا على الساحل الغربي وانتسبت الى الشريعة في السنتين الاخيرتين، وبسبب بُعد مدينة ضبا عن الرياض كان البريد لايصل الينا الا بعد عشرة ايام ولايوجد وسيلة اسرع منه توصل الينا الكتب ومواعيد الاختبارات وعند اقتراب الاختبار نزلت ضيفا على مدير التعليم في تبوك عبدالله العتيق الذي اخذني بدوره وتجول بي على مساجد تبوك من اجل ان القي بعض الكلمات التوجيهية وارشدهم في امور دينهم حتى لم يبق على الاختبار الا يوم او يومان تجهزت بالطائرة وسافرت الى الرياض وكان اول يوم هو اختبار مادة النحو شرح ابن عقيل، وكنت اذاكر بالطائرة فلما نزلت بالمطار صبيحة يوم الاختبار توجهت مباشرة الى الكلية لاختبر، فلما رآني الطلاب احمل شرح ابن عقيل بدأوا في الضحك فسألتهم لماذا فقالوا ان الكتاب قد غير فاستعنت بالله ثم دخلت الاختبار وتمكنت من اجتيازه.
بعد وفاة الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله مكثت في ضبا مدة من الزمن بعد ان تخرجت من كلية الشريعة ثم طالبت بفتح مركز الدعوة والارشاد في حائل وفعلاً تم افتتاحه وعينت مديراً له ثم انتسبت الى المعهد العالي للدعوة الى الله في مجال الحسبة وحصلت على الماجستير في الحسبة، كانت الابواب مفتوحة امامي للحصول على الدكتوراه ولكن حاجة المنطقة الى تعلم امور دينهم وكثرة مشاغلي جعلتني احجم عن مواصلة الدراسة مع العلم انه كان متاحاً وميسراً لي ذلك واصبحت اتجول في قرى المنطقة شرقاً وغرباً حتى اننا وضعنا مخيماً للدعوة الى الله في اقصى الشمال لإرشاد الناس الى امور دينهم وبقيت في مركز الدعوة حتى افتتح فرع رئاسة هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بحائل فأشار علي فضيلة الوالد رحمه الله رحمة واسعة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز بالانتقال الى فرع الرئاسة وكذلك مشورة صاحب السمو الامير مقرن بن عبدالعزيز يحفظة الله الذي اشار علي بالانتقال لوجود المصلحة العامة وفعلاً انتقلت الى فرع الرئاسة وبقيت فيه الى ان تقاعدت من العمل الا انني مازلت الى هذه اللحظة موكلاً ببعض الاعمال مثل رئاسة جمعية التحفيظ ورئيس لجنة اصلاح ذات البين علاوة على كوني احد اعضاء مجلس المنطقة. في حياة الملك فيصل رحمه الله ندبت بأمر منه مع توعية الحج وما زلت مع تلك التوعية الى اليوم أسأل الله ان يجعل ذلك في ميزان حسناتي وان يجعله خالصاً لوجهه الكريم وان لايحرمنا اجره وان يغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين.
وبعد سرد حياة الشيخ على لسانه يرحمه الله لا ادري من يفقده هل هو اهله واسرته وابناؤه ام منبره ام جمعية الملك عبدالعزيز ام جمعية تحفيظ القرآن الكريم، ام مجلس المنطقة ام...
الى اولئك الذين سينتظرون الشيخ صباح الاحد على ابواب جمعية الملك عبدالعزيز اقول لهم قد غاب الوالد ومات العابد وتغيرت الدار وهبت رياح الموت لتقبض روح شيخنا ليضاف اسمه الى قائمة من فقدنا من علمائنا فرحماك ربي بتلك الوجوه فلتبك النساء ولترق العبرات.
انا لله وانا اليه راجعون اللهم اجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها.
اللهم اغفر له وارحمه واسكنه فسيح جناته واجعله في الفردوس الأعلى من الجنة


اولئك قوم إن بنوا احسنوا البنى.
وان عاهدوا اوفوا وان عقدوا شدوا.
وان كانت النعمى عليهم جزوا بها.
وان انعموا لا كدروها ولا كدوا

فهد بن مطني القمعان
كلية المعلمين حائل

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved