أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 26th March,2001 العدد:10406الطبعةالاولـي الأثنين 1 ,محرم 1422

مقـالات

قراءة في كتاب
عبدالعزيز بن رشيد والحماية البريطانية
تأليف الدكتور محمد الثنيان
د . عبدالله الصالح العثيمين
(2)
أشرت في الحلقة الأولى من هذه القراءة الى محتويات الكتاب وإلى العلاقة الوثيقة بين إمارة آل رشيد والدولة العثمانية قبل طلب الأمير عبدالعزيز بن رشيد حماية بريطانيا سنة 1319ه. وأبدأ، في هذه الحلقة، بما رسمت القيام به حول هذا الكتاب، أو الدراسة القيمة.
قال الزميل الكريم، الأستاذ الدكتور عبدالعزيز الهلابي، في تقديمه للكتاب:
«إنه يتناول فترة حاسمة من فترات تاريخنا الحديث في مطلع القرن العشرين وهي علاقة عبدالعزيز بن متعب بن رشيد بالامبراطورية البريطانية التي خرجت من الحرب العالمية الأولى وهي اللاعب الرئيسي في منطقة الشرق العربي بعد اضمحلال الدولة العثمانية».
وما ذكره الدكتور عبدالعزيز عن خروج بريطانيا منتصرة في الحرب العالمية الأولى صحيح. لكن يخشى ان يفهم القارئ عبارته ومستهلها يشير الى الأمير عبدالعزيز بن رشيد وعلاقته بتلك الدولة بأن هناك تزامنا بين عهد ذلك الأمير ونهاية تلك الحرب. ومن المعلوم انه قد قتل سنة 1324ه، أي قبل بداية تلك الحرب لا نهايتها بثمانية أعوام.
وقال الدكتور عبدالعزيز في تقديمه أيضا: «الشائع في كتب التاريخ أن عبدالعزيز متعب كان واليا للدولة العثمانية ومعاديا للإنجليز.. لكن الباحث (الدكتور الثنيان) يسجل هنا سبقا بحثيا وهي ( ومن الواضح ان هذا خطأ مطبعبي، فالصحيح: وهو) أن ابن رشيد حاول ان يدخل نفسه تحت الحماية البريطانية.
وفي نفس الوقت (كان) يبدي تعاطفه مع الدولة العثمانية التي اعتمدت عليه كركيزة لها في المنطقة مع علمها بعدم إخلاصه لها، ومحاولتها استبداله بقائد شباب فذ كان نجمه في صعود هوعبدالعزيز بن سعود».
ولئلا يفهم القارىء الكريم العبارة السابقة فهما قد يخرجها مما أعتقد أنه المراد فإن من المستحسن ان تحل كلمة «مواليا» بدلا من كلمة« واليا» في مستهل الفقرة السابقة لأنها المناسبة في الاستعمال مع كلمة «معاديا»، ولأن الأمير من آل رشيد كما ذُكر في الحلقة الأولى من هذه القراءة لم يكن، فيما يبدو، واليا عثمانيا بالمعنى المصطلح عليه رسميا حينذاك. ولقد ذكر الدكتور الثنيان نفسه (في مقدمته (ص1) ان الأمير محمد بن رشيد «حكم نجدا حكما مستقلا». ولا أظن ان وضع الأمير عبدالعزيز بن متعب، الذي خلف عمه محمدا في الإمارة، كان مختلفا عن وضع ذلك العم.
وما قيل عن أن الدولة العثمانية كانت تحاول «استبداله بقائد شاب فذ كان نجمه في صعود هو عبدالعزيز بن سعود» يحتاج الى إعادة نظر. فبحث الدكتور الثنيان يتاول أحداث عام 1319ه وما قبلها بقليل. والدولة العثمانية في ذلك العام كانت قد وقفت ضد الملك عبدالعزيز بعد نجاحه في إغارات على بعض القبائل، وذلك قبل دخوله الرياض المرة الثانية ونجاحه في انتزاعها من عامل ابن رشيد. وكان وقوفها ذلك هو الذي جعل سلطاتها في الأحساء تضغط على المنضمين إليه حتى انفضوا من حوله، واضطر الى البقاء مدة في بيرين. ثم استمرت تلك الدولة في معاداتها له بعد نجاحه في انتزاع الرياض بحيث أمدت ابن رشيد كما هو معلوم بالرجال والسلاح والمال كما اتضح في معركتي البكيرية والشنانة سنة 1322ه. وما كان دخولها في محادثات مع القيادة السعودية بعد المعركتين المذكورتين إلا نتيجة أسباب من أهمها إدراكها ان كثيرا من النجديين كانوا موالين لآل سعود، وان ابن رشيد لم يطلعها على هذه الحقيقة المرة بالنسبة لها. ولم تؤت تلك المحادثات ثمارها، وتنسحب القوات العثمانية من القصيم إلا بعد مقتل الأمير عبدالعزيز بن رشيد سنة 1324ه. بل إن الدولة العثمانية مع إقامتها علاقة مع الملك عبدالعزيز في فترة محدودة بين ذلك الانسحاب وقيام الحرب العالمية الأولى وقفت مع سعود بن رشيد في مواجهته مع الملك عبد العزيز بمعركة جراب سنة 1333ه.
قال الدكتور الثنيان في مقدمته: إنه بالرغم من انتصار الأمير عبدالعزيز بن رشيد الساحق في معركة الصريف فإنه أحس بالخطر المحدق به من شيخ الكويت والجالين النجديين عنده، وعلى رأسهم الإمام عبدالرحمن الفيصل وابنه عبدالعزيز، «الذين مثلوا خطرا كبيرا استطاع ان يداهم ابن رشيد في عقر داره ويقف أمامه كمارد عملاق في قلب نجد، في الصريف، ينذر بقرب نهايته المحتمة».
ووجهة نظر الدكتورمحمد حول ما مثلته معركة الصريف، بداية ونهاية، هي ما تتطلبه البحوث العملية الجادة من محاولة للتفسير والتعليل. على ان المتتبع لسير أحداث تلك الفترة يجد ان عام 1318ه قد شهد وجود ابن إبراهيم، خال أبناء محمد بن صباح، الذي كان يسعى الى الثأر من الشيخ مبارك بن صباح لقتله أخويه محمد وجرّاح لدى ابن رشيد. وكان ذلك الوجود مخيفا للشيخ مبارك، إذ يحتمل ان يؤدي الى إقناع ابن رشيد بالهجوم على الكويت. ويبدو انه لم يعد أمام ذلك الشيخ الا ان يتبع المثل المشهور «تغد بخصمك قبل أن يتعشى بك». ولعله رأى الهجوم وسيلة ناجحة من وسائل الدفاع. واجتمعت مصلحته الذاتية في الدفاع عن بلده مع مصالح أطراف أخرى تهدف الى استعادة أوطانها ممن انتزعوها منهم وفي طليعة هؤلاء آل سعود وأفراد من أسر إمارات في نجد، مثل آل مهنا أمراء بريدة، وآل سليم أمراء عنيزة. فهل الخطر الذي أحدق بالأمير عبدالعزيز بن رشيد كان ذلك الذي تمثل في القوة التي وصفت بأنها وقفت أمامه في الصريف كمارد عملاق أو كان خطرا آخر في محل غير الصريف؟
نعم إن قائد القوة التي انطلقت من الكويت إلى نجد كان رسميا الشيخ مبارك بن صباح الذي قاد خصوم ابن رشيد في معركة الصريف. لكن سحق ابن رشيد لخصومه في تلك المعركة كان درسا قاسيا للشيخ مبارك بحيث لم يعد يفكر في غزو نجد، وإنما في الدفاع عن الكويت.
على أن الخطر الذي أدرك ابن رشيد أبعاده كان في محل آخر غير الصريف، ومن طرف آخر لم يحضر معركتها. كان في الرياض، وكان القائم به عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، إضافة الى دخول آل مهنا بريدة وآل سليم عنيزة.
ومن هنا كان في طليعة من وضع ابن رشيد عليهم ضرائب بعد تلك المعركة أهل الرياض وبريدة وعنيزة الذين تعاونوا مع خصومه حين دخولهم بلداتهم. ومن الواضح ان النجديين كانوا حينذاك يرون ان الشيخ مبارك بن صباح لم يكن مؤهلا للاستيلاء على نجد. ومن شبه المؤكد انه لم يكن يهدف الى الاستيلاء عليها، وإنما الى مساعدة من كانوا في الكويت من زعماء نجد على استرداد أوطانهم ليساعده ذلك في الدفاع عن الكويت. ولم يكن ما ورد في قصيدة أبي جرّاح السبيعي، بعد معركة الصريف، بعيدا عن الصواب في تصويره لتلك الرواية، إذ قال مخاطبا ذلك الشيخ:


وسوس لك الشيطان وأغواك يا هنّ
وبنيت لك شرع بجال اللهابة
وطفحت للديرة ركاب يلالن
تقول أخدت أم الجماجم نهابة
وفوهت بأخذة نجد والعلم عن من
تفلج وخصمك ما حضر للطلابة

ثم قال مادحا ابن رشيد، وذاكرا نتيجة معركة الصريف:


عبدالعزيز إلى ضرب ما يثمّن
تصعد مقاديمه ويبرق عقابه
يا اللي مكذّبني بعينك تعيّن
في ما قف كل يجر الغدا به
جماجم من فوق الأعناق زلّّن
ما كنّها لويت عليها العصابة
ألفين بين القاع والحزم عدّن
من غير شي ما ضبطنا حسابه

وبغض النظر عن دقة قول الشاعر في عدد القتلى فإنهم كانوا بالتأكيد كثيرين. ولقد كان إدراك الأمير عبدالعزيز بن رشيد لخطر ما حدث في الرياض على يد الملك عبدالعزيز في محله. فبعد أقل من عام على حدوث معركة الصريف تمكن سميّه من انتزاع الرياض من عامله، مبتدئا إعادة جميع أقاليم نجد الى الحكم السعودي. وإذا بأبي جرّاح، الشاعر الذي كان يرى أن مبارك بن صباح غير مؤهل للاستيلاء على نجد، يعبر عن اقتناعه بمقدرة المؤهل حقيقة على هذا الاستيلاء، فيصف موقف ابن رشيد أمام هذا المؤهل الكفء بقوله:


أبو متعب يحسب الدنيا طويلة
بانيٍ له ديرة من دون حايل
جاه نوٍّ خرّب الوديان سيله
والركايب قلّدوهن الشلايل
الحصان اللِّي رهج نجد صهيله
شف بعينك لا تطاوع قول قايل


أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved