أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 2nd April,2001 العدد:10413الطبعةالاولـي الأثنين 8 ,محرم 1422

مقـالات

دقات الثواني
أبودهمان ولغة العرب
د. عائض الردادي
عندما يفوز عمل لأحد أبناء بلادنا أو يكرم لأحد أعماله فإن ذلك مما يدخل السرور على نفوسنا، لأن فوزه أو تكريمه فوز لبلاده وتكريم لأبنائها، ولهذا سعدت بما قرأته من زفة للأخ أحمد أبودهمان بعد نشر روايته «الحزام» باللغة الفرنسية، واحتفاء الفرنسيين بهذه الرواية العربية، ولكن تلك الفرحة لم تتم بل نُغِّصت بغصَّة من كاتبها نفسه، فقد كتب الأستاذ محمد رضا نصر الله في جريدة الرياض تحت عنوان «أحمد أبودهمان كما كنت» يوم الخميس 27/12/1421ه مستنكرا ما ورد على لسان الكاتب من عقوق للغته العربية التي ترنم بها لسانه قبل أن يعرف الفرنسية لغةً وزوجةً، وأنا لم أحضر الأمسية التي نظمتها السفارة الفرنسية في مكتبة الملك فهد، ولكني اعتمدت على ما رواه الراوي «محمد رضا نصر الله» في مقاله المذكور، ومما جاء فيه قول أبي دهمان عن اللغة العربية: «لغة ضبابية، ولغة عمياء، ولغة غير صادقة..» وهذا كلام لم يقله طه حسين الذي ذهب الى باريس وإن كان قد أراد أن ينشر تشكيك المستشرقين في الأدب الجاهلي، وأن يحاول ربط مصر ثقافيا بالغرب، لكنه لم يتنكر للكتابة باللغة العربية التي هو أحد أصحاب البيان الجذاب بها كتابة وخطابة.
هذه الصدمة بالحضارة الغربية لم يُصدم بها رفاعة الطهطاوي ورفاقه الذين صدموا بمظاهر الحضارة الغربية قبل جوهرها؛ لأنهم لم يكونوا يعرفون شيئا عنها، ومع ذلك لم يخرجوا من جلودهم العربية، ولم يعودوا مبشرين بلغة تحل مكان العربية، بل عادوا دعاة تنوير لما يؤخذ من الآخرين مما هو من نتاج البشرية، فظلوا قادة فكر من قبل باريس ومن بعدها ولم تفرنس طه حسين زوجته الفرنسية، أقصد من حيث جمال اللغة والانتماء اليها والكتابة بها. لا أعرف عن رواية «الحزام» من حيث المحتوى شيئا، وان كان نصر الله في مقاله قد قال عنها «وهي أقرب الظن ضرب من السرد الحكائي فاض بأحمد وهو يضطر لتقديم نفسه لزوجته وابنته في عالم الاغتراب، فراح يحكي لهما من هو، ومن أين أتى، ولأي ثقافة ينتمي» وأرجو ألا تكون من جنس رواية «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ مما يصفق الغربيون لمحتواه لا لإبداعه، وعلى أي حال لا يهمني محتواها، وإنما ما يهمني هذا التنكر للغة الضاد من أجل طباعة الرواية والاحتفاء بها.
للفرنسيين أن يحتفوا بروايتهم «الحزام» التي عدوها اضافة أدبية للغة الفرنسية، وللفرانكفونيين ان يحتفوا بمن يسهم في امتداد ظلالهم الثقافية، ولكن ليس لأبي دهمان ان يطعن بخنجره حزام لغة العرب، التي كرمت أصلاً وأهلاً، وعظمت حرفاً وجرساً، وتعالت ثقافةً وحضارةً، ولم يجرؤ واحد من المستشرقين الذين خدموها بأعمال جليلة أن يطعنوا في لغاتهم الأصلية بحرف واحد من أجل ارضاء العرب.
فرنسا تحتفي بكل ما يخدم الثقافة الفرنسية وهي أكبر من يبذل الجهد والمال الآن لنشر لغتها أو الحفاظ عليها، وبخاصة في الدول التي كانت مستعمرات فرنسية سابقا، وهي تقدم مئات الساعات من البرامج لتلك الدول من أجل بثها باللغة الفرنسية وهم يبذلون كل جهد لتعليم لغتهم التي يشعرون أنها تمر بتحدٍ من اللغة الانجليزية، ولهم ذلك فهم أصحاب شعار «فرنسا بلا ثقافة تساوي صفرا»، فهل للغتهم أهمية أكثر من لغتنا؟ وهل لديهم قوة انتماء أكثر منا؟ وهل لديهم تراث على مدى القرون أكثر منا؟
إننا نحتاج ان يعشق شبابنا الغبار والرمضاء قبل ان يستنشقوا رطوبة الضباب وبرد الثلوج، والا فبقاؤهم أفضلُ من ابتعاثهم، وحزامُهم الجنوبيُّ تتوسطه الخنجرُ الذهبيةُ أفضلُ من بدلة باريسية، فنحن بحاجة الى شخصية انتمائية قبل الدراسة، وإلا كيف يذهب أبو دهمان ليعود بعد سنوات ويقول عن لغة الضاد: لغة ضبابية عمياء غير صادقة؛ من أجل لغة فرنسية وزوجة فرنسية؟!
للتواصل: ص.ب: 45209
الرياض 11512 الفاكس 4012691

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved