أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 2nd April,2001 العدد:10413الطبعةالاولـي الأثنين 8 ,محرم 1422

مقـالات

مداد العقل
هل نحن العرب بيئة طاردة؟
أ.د. سليمان الرحيلي
كانت البيئة العربية في العصور التاريخية القديمة بيئة طاردة فقد كانت مثلا تخرج من الجزيرة العربية هجرات أو موجات سكانية نتيجة عوامل القحط أي نتيجة عوامل اقتصادية وتستقر في مواطن الخصب والنماء في أحواض الأنهار أو مروج الأودية الخضراء في بلاد الشام وبلاد الرافدين ومصر أي عندما تجد ما تفقده على مقربة أو مشارف مواطنها الأولى فهي لم تبعد النجعة أو تقطع الصلة والعلاقات بمواطنها وبواقيها وجذورها هناك ومع مضي العصور أثَّرت وأثَّرت بتشديد الثاء هنا وهناك أي في بيئاتها الأولى والتالية حتى غدت كلها بلادا للعرب من عمان إلى تطوان أي من الخليج إلى المحيط وانعكس استقرارهم في تلك المنطقة وتأسيسهم لأوثق العلاقات المختلفة بين أجزائهم وتمازجهم الحضاري مع سكانها المحليين وثقافاتهم وانعكس كل ذلك خيرا ورقيا وتقدما عليهم وعليها في مختلف المجالات ولأزمنة طويلة حتى أصبحوا في بعض مراحلها أهل إمارة وحضارة بزَّت المتقدم واعتمد عليها اللاحق مما يطول شرحه وشهد به العالم من قبل ومن بعد.
وتقدم الزمن بالعرب وغدت بلادهم في العصر الحديث من أغنى بقاع الأرض ولانجد بلادا من بلدانهم إلا للثروة وللغنى من بترول ومعدن نفيس ومشتقاتهما إلا ولها نصيب بل يتربع بعضها على الصدارة انتاجا واحتياطاً من هذا أو ذاك بمعنى أن العوامل الاقتصادية التي أسهمت في الطرد السكاني من بلاد العرب انتهت وانتفت في هذا العصر ومع ذلك مازالت البيئة العربية طاردة وخاسرة بشريا لأن الهجرة المفقودة في هذا العصر ليست هجرة عادية وإنما هجرة علماء وأدمغة خاصة هي منارات ورواد وقود الرقي والنهضة المعاصرة والتقدم المنشود في المرحلة الحاضرة من تاريخهم بل في أصل وجودهم في المستقبل القريب منه قبل البعيد فهذا تقرير أعدته جامعة الدول العربية يؤكد أن قرابة نصف مليون عربي من العلماء والباحثين من حملة المؤهلات العليا هاجروا خارج البلدان العربية أي ان البيئة العربية بمختلف دولها وحقولها المعرفية والبحثية عجزت عن استيعابهم وحسن توظيفهم وتهيئة الظروف المختلفة لهم في خططها التنموية المتعددة أما الخسارة المادية للدول العربية من جراء هجرة أو طرد بيئاتها لعلمائها فهي تبلغ مائتي بليون دولار أي قرابة تريليون ريال وهو رقم فلكي لم تبلغه ولن تبلغه أي ميزانية دولة عربية في المستقبل القريب فضلا عن أن تعوضه أية مساعدة علمية أو مالية يقدمها الغرب أو الشرق للعرب ناهيك عن آثارها الاجتماعية والمعنوية العديدة على المجتمع العربي في مختلف بلدانه والتي ستكون حتما مددا مستمرا لهذا النزيف أو لهجرة الذكاء والنبوغ وتأصيل هذا الطرد والمفهوم العلمي إن صح التعبير من ناحية واستحالة الجذب العلمي بعدم النجاح في توطين وتثبيت الأدمغة العربية القادمة حتى لاتلحق بالهجرة السالفة وعدم التفكير حتى التفكير في جذب هجرة علمية وأدمغة بحثية إلى بلداننا العربية من بلدان اسلامية أو آسيوية أو أفريقية.
وبعد فإن مأساة الأدمغة العربية والعقل العربي بين نزيف وتجميد وتهميش أمر مشهود في الواقع العربي وينذر بمرحلة جمود وتخلف قادمة بل وسيطرة لمن يحسنون توظيف تلك الأدمغة والعقول أنى كانت هويتها وأكثر مأساة عندما نكتشف في المستقبل أنا كنا قادرين على أن نواجه وأن بعض تلك العقول كانت جزءاً منا ولكننا لم نفعل شيئا أو نوظف ونهيئ مايلزم ومع أنه يوجد أكثر من دولة عربية مهيأة أن توطن تلك العقول وتستثمر علمها ونبوغها وتجني من وراء ذلك مئات المليارات ولكن من يبادر قبل فوات الأوان ويرفع اللواء ويحسن هذا النوع من التوطين والاستثمار.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved