أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 2nd April,2001 العدد:10413الطبعةالاولـي الأثنين 8 ,محرم 1422

العالم اليوم

جدل التطبيع في الصحافة المصرية «الأهرام نموذجاً»
استقطاب حاد بين أنصار ومؤيدي التطبيع
د. محمد شومان*
يعتمد هذا المقال على نتائج دراسة مطولة قيد النشر تتناول الجدل حول التطبيع في الصحافة المصرية منذ توقيع اتفاقية أوسلو في 13 سبتبمر 1993 وحتى المرحلة الأخيرةمن الانتخابات الاسرائيلية والتي انتهت بالاعلان عن فوز ارييل شارون أي أن فترة الدراسة تصل الى ست سنوات ونصف تقريبا تمثل أهم مراحل التسوية السلمية والمفاوضات مع اسرائيل حيث شهدت ظهور أول كيان سياسي فلسطيني مستقل على الأراضي الفلسطينية المحررة في غزة وأريحا، كما جرى التوقيع على معاهدة سلام بين اسرائيل والأردن في أكتوبر 1994، كذلك ظهرت أفكار ومشروعات عديدة للتعاون الاقليمي، ونجحت اسرائيل في اقامة علاقات تجارية ودبلوماسية مع عدة دول عربية في المشرق والمغرب، وشهدت فترة الدراسة أيضا الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان ثم انفجار انتفاضة الأقصى.
ولعل مجمل هذه التطورات قد جعل من التطبيع مع اسرائيل قضية عربية أكثر منها قضية مصرية اسرائيلية، فالثابت تاريخيا ان مفهوم التطبيع والعمليات المرتبطة به قد ارتبطت بمعاهدة السلام بين مصر واسرائيل، وفي هذا السياق التاريخي طرح ملف التطبيع كأحد ملامح العلاقات السلمية بين مصر واسرائيل، ولم يتعده الى النطاق العربي إلا بعد مؤتمر مدريد 1991 حيث أصبح الملف مطروحا على كل الأطراف العربية، بل وشرطا من شروط التسوية والأمن لاسرائيل.
اشكالية المقصود بالتطبيع:
رغم الاستخدام الواسع لكلمة التطبيع، إلا أنه لا يوجد اتفاق حول معناها، وحدودها ولعل ما تحمله أو ما حملت به الكلمة من معان ورموز ايديولوجية قد ضاعف من مشكلات الاتفاق حول معنى ودلالة التطبيع. كذلك فان ظهور مستجدات وأوضاع سياسية في العلاقات بين العرب واسرائيل، خاصة بعد قيام سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني قد جعل هناك ضرورة لمراجعة ما بدا أنه كان متفقا عليه بشأن التطبيع، فالاتصال اليومي وأحيانا التعاون بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، بل بين الاسرائيليين والفلسطينيين دفع بحكومات ومواطنين عرب في دول الطوق وخارجها الى السؤال عن معنى وجدوى رفض التطبيع أو التمسك بحالة المقاطعة أو الحصار الشامل لاسرائيل.
لقد كان من المتفق عليه تقريبا بين الدول والشعوب العربية حتى قبل توقف اطلاق النار في حرب اكتوبر 1973 ان مقاطعة الحكومة الاسرائيلية وكل القوى والفاعليات السياسية بداخل اسرائيل هو أمر ضروري لاستكمال المواجهة العربية لاسرائيل، وبغض النظر عن المحاولات المتعثرة للاتصال ببعض القوى في اسرائيل، وعبر قنوات سرية فان المقاطعة كانت هي الموقف المعلن والمتفق عليه تقريبا بين الحكومات والشعوب العربية، لكن مع مفاوضات السلام بين مصر واسرائيل طرحت اسرائيل ولأول مرة كلمة التطبيع على أساس أن تكون مقابلا للمقاطعة، وعلى ان تشمل اقامة علاقات دبلوماسية كاملة والدخول في علاقات تعاون اقتصادي ومشروعات مشتركة، بما يعني القبول والتسليم بوجود اسرائيل باطارها الأيديولوجي وبمفاهيمها للأمن والسلام القائم على التفوق.
في هذا الاطار يمكن القول ان الطابع السياسي والأيديولوجي لكلمة التطبيع والعمليات المرتبطة به يرجع الى ان نشأته واستخدامه ارتبطت بالفكر الصهيوني، وبمشروعات اسرائيل في المنطقة، من هذا ارتبطت الكلمة بدلالات سلبية وكانت محل رفض من كل الأطراف العربية حتى اننا من النادر ان نجد كاتبا أو سياسيا يؤيد أو يعلن صراحة موافقته أو رغبته في التطبيع، بما في ذلك بعض المثقفين العرب ورجال الأعمال والسياسيين الذين وقعوا على بيان كوبنهاجن وأسسوا جمعية القاهرة للسلام، وقاموا خلال ذلك باتصالات واسعة ومكثفة مع اسرائيليين سواء كانوا مسؤولين في الحكم أو غير مسؤولين، لقد ربط هؤلاء أنفسهم وأنشطتهم بكلمة السلام، واتهموا خصومهم بأنهم أعداء للسلام، بينما رفض خصومهم هذا الاتهام ونظروا اليهم على أساس أنهم من أنصار التطبيع والشرق أوسطية.
مثل هذا الخلط والتشويش، بالاضافة الى التوظيف السياسي والدعائي لكلمة التطبيع دفعت الباحث الى اقتراح صياغة تعريف اجرائي للتطبيع حتى يمكن الاعتماد عليه في اجراء عملية رصد وتحليل الجدل والنقاش حول التطبيع في الصحافة المصرية.
لكن قبل تقديم هذا التعريف الاجرائي لعله من المفيد الاشارة الى ان لفظ التطبيع ذاته Normalization ينبه بعض الباحثين الاسرائيليين الى ابا ايبان الذي استخدمه لأول مرة في خطاب له في الأمم المتحدة عام 1986، ويوضح معجم اكسفورد ان اللفظ مشتق من صفة هي Normal بمعنى العادي أو المعتاد أو المتعارف عليه، بينما لا يظهر لفظ التطبيع في المعاجم العربية، ففي مختار الصحاح «الطبع» هو السجية التي جبل عليها الانسان، وفي المعجم الوسيط تطبع كذا أي تخلق به. وطبعه كذا، أي عوده إياه، وكل هذه المعاني تختلف عن دلالات الاستخدام الحالي للفظ «التطبيع» الذي لم يظهر وينتشر استخدامه في اللغة العربية إلا أثناء المفاوضات المصرية الاسرائيلية التي أدت الى توقيع كامب ديفيد.
ومن الواضح ان دلالة لفظ التطبيع قد انتقل من اللغة الانجليزية الى العربية واستخدم للدلالة على جعل الشيء عاديا أو معتادا في العلاقة بين شخصين أو بلدين، وبما أن الدول العربية كانت في حالة حرب ولم يكن بينها وبين اسرائيل علاقات من أي نوع، فإن التطبيع في سياق عملية التسوية يهدف الى انشاء علاقات لم تكن قائمة أصلا، وهو ما يختلف في المعنى والدلالة عن التطبيع الذي يقصد به اعادة الشيء الى أصله وجعله عاديا أو معتادا، من هنا يتضح عدم دقة اللفظ وكيف جرى استخدامه بطريقة مغرضة ومضللة تستهدف الايحاء بمعنى استعادة علاقات لم تكن موجودة أصلا.
في ضوء ما سبق يمكن القول بأن التطبيع يشمل كل اتصال رسمي أو غير رسمي أو تبادل تجاري أو ثقافي أو تعاون اقتصادي مع اسرائيليين رسميين أو غير رسميين، ويستثنى من ذلك العرب الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية وما تقوم به السلطة الفلسطينية والفلسطينيون في الضفة والقطاع من اتصالات أو أي أنشطة أخرى نظرا للظروف الصعبة المفروضة عليهم.
في اطار هذا المفهوم للتطبيع، ومن خلال تحليل 360 عددا من أعداد صحيفة الأهرام تزامنت مع 13 حدثا وتطورا سياسيا في العلاقات العربية الاسرائيلية عامة والمصرية الاسرائيلية خاصة تبين ما يلي:
1 وجود حالة من الاستقطاب الشديد بين المعارضين والمؤيدين للتطبيع، مع ملاحظة ان الغلبة والسيطرة كانت للمعارضين والرافضين للتطبيع، على ان هذا الاستقطاب لا يقتصر فقط على المؤشرات الكمية ممثلة في عدد المقالات المؤيدة والمعارضة، بل يتجاوز ذلك الى نوعية الأطروحات والبراهين والحجج التي استخدمها كل فريق، والتي تحمل تناقضا وتضادا على مستوى الفرضيات والمنطلقات الأساسية.
2 يوضح تحليل عينة الدراسة الاستقطاب بين المؤيدين للتطبيع وخصومهم قد تركز حول مفهوم التطبيع، والشرق أوسطية، والتعاون الاقليمي، والعمليات والجهود المرتبطة بكل من هذه المفاهيم، ورغم كثرة وتنوع الأطروحات والبراهين المستخدمة إلا أنها لم تبلور اتفاقا حول المقصود بكل مفهوم، فقد سعى المعارضون والرافضون للتطبيع الى الربط والدمج بين التطبيع والشرق أوسطية ومشروعات التعاون الاقليمي، واعتبروها مسميات مختلفة لمشروع واحد يسعى الى ادماج اسرائيل في المنطقة والضغط على العرب لقبولها سياسيا واقتصاديا وثقافيا، والتسليم بهيمنتها على المنطقة، وعلى ذلك فقد اعتبر المعارضون والرافضون للتطبيع المشاركة في هذه العمليات نوعاً من التفريط في الحقوق العربية والاستسلام للمخططات الأمريكية، وفي هذا السياق وصفوا التطبيع بأنه بمثابة تطويع لارادة الأمة العربية للمشروع الصهيوني وأهدافه، وركزوا على المخاطر الثقافية المرتبطة بالتطبيع حيث أشاروا الى محاولة تأسيس ثقافة اسرائيلية على حساب الثقافة العربية الاسلامية، فضلا عن تشويه وتزييف التاريخ العربي للقبول بالآخر الاسرائيلي المعتدي الذي احتل أرض فلسطين.
على الجانب الآخر حرص مؤيدو التطبيع على عدم استخدام كلمة التطبيع أو الدعوة اليها صراحة، وأكدوا تمسكهم بالسلام، وبضرورة انهاء الصراع ببرهان أنه لا يوجد صراع أبدي، وان كل صراع يعقبه تاريخيا تسوية ما، ولعل تجنب استخدام كلمة التطبيع هو بمثابة اعتراف بالدلالات والمعاني السلبية من قبل مؤيدي التطبيع، الذين تحدثوا دون حرج عن أهمية التعاون الشرق أوسطي وامكانية تعايش النظامين الاقليمي العربي، والشرق أوسطي.
لقد أشار مؤيدو التطبيع الى ان المقاطعة العربية لاسرائيل تعني رفض الآخر والخوف منه، والدعوة الى الانعزال والانغلاق في عصر لم يعد هناك مجال أو مكان للعزلة أو الانغلاق، وشدد مؤيدو التطبيع على ان الخوف من الغزو الثقافي الاسرائيلي أو الغربي هو بمثابة عقدة نقص، فالشرق الأوسط يضم خليطا من الثقافات والحضارات واللغات والأقوام مما دفع الى التعايش والتفاعل بينها، وذاكرة شعوب المنطقة ليست قصرا على الصراع والعداء ببرهان ان تاريخها يشهد فترات تعايش وتعارف، وبالتالي ضرورة احياء تقاليد التعايش وثقافة السلام بين شعوب المنطقة، بما في ذلك بطبيعة الحال وعلى مستوى الخطاب المضمر اسرائيل، واستخدام أنصار التطبيع مقولة ان الثقافة العربية والاسلامية هي من الأصالة والشموخ بحيث انه من غير المنطقي التسليم بأن ثقافة السلام أو الثقافة الاسرائيلية ستهدد الثقافة العربية أو تقوم بعملية غزو لدعائمها القوية، وقد استخدم أنصار التطبيع هذه المقولة كثيرا وقدموها كبرهان ودليل على ضعف أطروحات معارضي ورافضي التطبيع.
3 ان أسس ومنطلقات أطروحات وبراهين المؤيدين للتطبيع تسلم بداية بانكسار المشروعين الصهيوني والعربي، وامكانية تعايش الطرفين، وان هناك قوى مؤثرة داخل اسرائيل ترغب حقيقة في السلام، كما ان حالة السلام وثقافة السلام هي الأصل في العلاقات بين الشعوب بل وأصل الوجود البشري، فضلا عن ان حالة الحرب لا تتفق ومصالح شعوب المنطقة وما تفرضه الأوضاع الدولية الجديدة، وبالتالي ضرورة ان يبادر المثقفون وقوى المجتمع المدني على الجانبين الاسرائيلي والعربي بدعم فرص السلام والعمل معا من أجل تفعيل أطر التعاون الاقتصادي بين الطرفين، على أساس ان المشروعات المشتركة وتبادل المصالح يعظم من فرص التنمية في المنطقة من جهة، وتكون بمثابة قاطرة لعملية السلام من جهة ثانية، وتشكل قيدا على لجوء أحد الأطراف الى استخدام القوة أو اللجوء الى الحرب من جهة ثالثة.
4 في المقابل انطلق معارضو ورافضو التطبيع مع فرضيات ومنطلقات أساسية تدور حول الحق التاريخي للعرب والمسلمين في فلسطين، وبالتالي فإن قواعد العدل والمنطق لا تسمح بمكافأة المعتدي الصهيوني، والاقرار بجريمته في احتلال فلسطين وطرد سكانها الأصليين، وممارسة أبشع أنواع العنصرية والاضطهاد لعرب فلسطين الذين عاشوا داخل اسرائيل.
وتشدد أطروحات معارضي ورافضي التطبيع على ان التسوية الحالية لا تضمن حقوق الشعب الفلسطيني وبقية الشعوب العربية، كما لا تضمن انهاء أو السيطرة على الطبيعة العدوانية والرغبة في السيطرة والتوسع التي تحدد السلوك الاسرائيلي منذ تأسيس المشروع الصهيوني، خاصة في ظل التفوق العسكري والنووي والتكنولوجي والاقتصادي لاسرائيل، علاوة على الدعم الأمريكي والغربي غير المحدود.
5 أما أطروحات وبراهين مؤيدي التطبيع فقد بدت جديدة، وتدعي العقلانية والاستجابة الواعية مع المتغيرات الدولية، والقيم الانسانية في نبذ التعصب والعنف وتغليب العيش المشترك والتعاون بين الشعوب.
ورغم التماسك الشكلي الذي اتسمت به كتابات مؤيدي التطبيع، وقدرتهم العالية على البرهنة والتدليل، إلا أن بعض ما قدموه من أطروحات وبراهين وقع في دائرة المراوغة والتلاعب بالمشاعر، وتعمد الخلط فضلا عن الاستعلاء وأحيانا الاستهزاء بالخصوم، في هذا الاطار تبرز في اطروحات مؤيدي التطبيع رغبة ملحة في تصوير أنفسهم وكأنهم رواد لفكر جديد، يطرحون أفكارا غير تقليدية وبالتالي قد يتعرضون للرفض أو الاضطهاد كما حدث عبر التاريخ لكل مجتهد أو رائد من رواد الفكر الانساني، لكنهم يؤكدون ثبات مواقفهم وتجردهم لصالح السلام، وللعمل من أجل مصالح الأجيال القادمة. من هنا يمكن ان نرصد روح الاستعلاء التي سيطرت على الكثير من أطروحاتهم، والشعور بالتفوق والقدرة على مخالفة روح القطيع تعبير استخدم في وصف موقف أغلبية أعضاء نقابة الصحفيين المناهض للتطبيع وبغض النظر عن صدق مشاعر التفوق والقوة في أطروحات مؤيدي التطبيع خاصة أطروحات لطفي الخولي وعبدالمنعم سعيد وصلاح بسيوني وجمال عبدالجواد ومراد وهبة فانهم قد ركزوا على الطابع الشعبي غير الرسمي لكتاباتهم وتحركاتهم سواء عند توقيع اعلان كوبنهاجن مع مجموعة مثقفين ورجال أعمال وسياسيين غير رسميين من مصر وفلسطين والأردن واسرائيل في يناير 1997، أو عند تأسيس جمعية القاهرة للسلام كجمعية أهلية مصرية.
واعتمدت حجج وبراهين مؤيدي التطبيع على احداث وعظات تاريخية ودروس مستفادة من صراعات سياسيا، وقواعد وأسس التعاون الدولي، ومواقف وكلمات بعض أنصار السلام في اسرائيل، اضافة الى ابراز التكاليف المادية والبشرية الباهظة التي قد تترتب على قيام حرب بين العرب واسرائيل، وبالمقابل ابراز المكاسب التي قد تحل على العرب والاسرائيليين من جراء حالة السلام والتعاون الاقليمي بين الطرفين والتي توفر وعودا بالرخاد والرفاهية لشعوب المنطقة.
ولا شك ان وعود الرخاء وأمنيات السلام والرفاهية والديمقراطية هي نوع من أنواع التلاعب بالمشاعر وبأمنيات وآمال تاريخية متوارثة لدى الشعوب العربية، حيث ربطت أطروحات مؤيدي التطبيع بين انتهاء حالة الحرب وبين انتهاء مشروعية النظم العسكرية في الدول العربية، وكذلك بين انتهاء حالة الحرب وبين تحقيق الرخاء، استنادا الى حجج وبراهين تدور حول ان الأنظمة العربية تمنع الجماهير تحت دعوى ضرورات مواجهة اسرائيل، وأنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، كذلك فإن نفقات التسليح وما يشوبها من عمولات ورشاوى ستتوقف في ظل علاقات سلام وتتوجه كل الامكانات المادية والبشرية، علاوة على المساعدات والاستثمارات الدولية نحو التنمية وتحقيق الرخاء والرفاهية للشعوب العربية. ان الربط بين انتهاء حالة الحرب أو الاستعداد للحرب والقدرة بالتالي على انجاز التنمية الاقتصادية وتحقيق الرخاء والديمقراطية هو بط زائف بدليل ان ذلك لم يتحقق في كل من مصر والأردن، وهما الدولتان العربيتان اللتان تربطهما علاقات سلام مع اسرائيل أكثر من ذلك فإنه لا توجد علاقة دائمة ومستقرة بين التنمية وتحقيق الرخاء للشعوب، فقد تستأثر القلة بنتائج التنمية، كما ان كثيرا من الدول العربية لا تنتمي لدول الطوق ومع ذلك تعاني من غياب الديمقراطية وانتهاكات حقوق الانسان.
6 يكشف تحليل أطروحات وبراهين مؤيدي التطبيع عن وجود قدر من الاختلاف والتباين في رؤية ومواقف هذا الفريق، ربما لا يصل الى حد التناقض في المنطلقات أو الأسس، بل هو مجرد اختلاف في أولويات ترجمة الأسس والمنطلقات الفكرية الى حركة سياسية أو جماعة ضغط واعتقد أنه من الممكن أن نميز هنا بين موقفين:
الأول: قام بتغليب لجوانب العملية والتحركات السياسية الداعمة للتطبيع والتعاون الشرق أوسطي على ما عداه من جوانب، بل قام بتوظيف الأطروحات الفكرية الخاصة بامكانية قبول الآخر (الاسرائيلي) والتعايش معه لصالح تشكيل حركة تضم ما يعرف بقوى السلام في اسرائيل والدول العربية، أي أنه قام بالمزاوجة بين الفكر والحركة السياسية، ولعل أبرز هؤلاء الكتاب لطفي الخولي وعبدالمنعم سعيد وجمال عبدالجواد وصلاح بسيوني وآخرين.
الثاني: رفض المشاركة في أي تحركات عملية أو سياسية داعمة للتطبيع والتعاون الشرق أوسطي، وفضل أن يقتصر دوره على المثقف الداعية أو المفكر المستقل، استنادا الى ان مثل هذه التحركات قد تستخدم بشكل مؤقت وبرجماتي في المفاوضات، أو أن تقوم الحكومة باستغلال هذه التحركات، وبالتالي حاول هؤلاء، وأبرزهم محمد سيد أحمد الابقاء على الدور المستقل للكاتب أو المثقف البعيد عن السلطة، ومتقتضيات التفاوض، واشترط فتح حوار عام يشارك فيه المثقفون حول مفهوم التطبيع وطبيعة الصراع، ومستقبله، وطبيعة قوى السلام داخل وخارج اسرائيل.
7 سعى كل من المؤيدين والمعارضين والرافضين للتطبيع الى توظيف الأحداث والتطورات السياسية لصالح دعم وتأكيد الأطروحات والبراهين التي يستخدمها، والغايات التي يسعى الى تحقيقها، في هذا الاطار ظهرت علاقة قوية بين زيادة الاهتمام بمناقشة قضايا التطبيع واشكالياته، وبين وجود تطورات ايجابية أو سلبية في مسار المفاوضات أو في مسار العلاقة المصرية الاسرائيلية، ويكشف تحليل مسار البرهنة انخفاض مساهمة مؤيدي التطبيع أثناء تعثر المفاوضات أو تفجر أزمات في مسار العلاقات المصرية الاسرائيلية، أو الفلسطينية الاسرائيلية، بينما على العكس من ذلك كانت ترتفع مساهمات معارضي ورافضي التطبيع أثناء حدوث تطورات ايجابية أو سلبية في مسار العلاقات المصرية الاسرائيلية، أو الفلسطينية الاسرائيلية، الأمر الذي يشير في التحليل الأخير الى تأثير المناخ السياسي وأدوار المفاوضات على مستوى ونوعية الجدل والنقاش حول قضايا التطبيع واشكالياته.
ان كل فريق كان يتوسل دائما بأحداث الواقع وتطور المفاوضات في التدليل على صحة مواقفه، ومصداقية خطابه، في هذا الصدد استخدم معارضو ورافضو التطبيع الاعتداءات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين في الأراضي وضد جنوب لبنان للتأكيد والبرهنة على زيف عملية السلام واصرار اسرائيل على ممارسة العدوان. بينما توسل مؤيدو التطبيع على أطروحة قبول وتأييد كل ما يقبل به أصحاب القضية الفلسطينية، اضافة الى أطروحة رفض الوصاية على الشعاب الفلسطيني، وقد استخدمت الأطروحة الثانية كثيرا في مواجهة الرافضين والمعارضين للتطبيع ولبعض مواقف السلطة الفلسطينية.
أستاذ الإعلام بجامعة عين شمس ومدير مكتب الجزيرة بالقاهرة

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved