أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 4th April,2001 العدد:10415الطبعةالاولـي الاربعاء 10 ,محرم 1422

مقـالات

الخطأ أولى أن يُتبع .. مرورياً!
د.فهد سعود اليحيا
من يجوب طرق الرياض وشوارعها لا بد وان يخرج بنتيجة مفادها ان حالة مزاجية تحكم عملية تخطيط الطرق وتنفيذها. بل ان الطريق الواحد تختلف اجزاؤه من ناحية التصميم من تقاطع الى آخر، حتى ليظن المرء ان البلديات الفرعية متناحرة فيما بينها، علما بأنه على حد علمي لا دور للبلديات الفرعية في الطرق. وقد يتبادر الى الذهن ان الرياض عبارة تآلف لبضع مدن صغيرة، اتصلت وتلاحمت عبر مئات السنين، أو اكثر، كما هي حال مدينة لندن.
وبعض الاخطاء ليس لها ما يبررها، خصوصا اذا اخذنا في الحسبان عقليتنا العامة الراهنة ومنطق الناقة في السواقة. وربما كانت العقلية العامة السائدة هي السبب. وأكثر هذه الأمثلة سطوعا تقاطع طريقي الملك عبد العزيز والأمير عبد الله. واثناء الحملة المرورية الماضية منذ عدة اشهر ااتخذت عدة اجراءات خففت من وطأة الأزمة «السواقية» هناك . بيد ان خطأ ما زال قائما صامدا وكأن عنده «واسطة قوية جدا» تمنع المساس به.
كل من الطريقين يزدان جانباه بطريق خدمة «او مرور محلي سمه ما شئت» يتسع لثلاثة مسارات تصير اثنين اذا حسبنا مواقف السيارات هنا او هناك، وقد تستحيل أربعة بحسب «حرفنة» السائقين ورعونتهم. وطرق الخدمة هذه تجبر من فيها الى الانعطاف يمينا عن التقاطع.
اذاً هي في نهايتها لمن يريد ان يتجه يمينا. ومع ذلك هناك اربع فتحات في كل ركن من التقاطع، تسمح لمن يريد الانعطاف يمينا من الطريق الرئيس ان يسلكها.كل هذا قد يكون مقبولا لدى قوم يفقهون، لا أناس يعتقدون جازمين ان الانعطاف يمينا في كل الأحوال حق طبيعي مطلق، لا ينتزعه منهم الا ظالم.
في مساء الخميس 4 محرم 1422ه الموافق 29 مارس 2000م، وفي الساعة التاسعة واربعين دقيقة، كنت في ذلك التقاطع في طريق الملك عبد العزيز متجها الى الشمال.
أمام اشارة مرور التقاطع وقفت ارتال السيارات . كنت في المسار الأيمن الأقصى، وترتيبي الثالث او الرابع قبل الاشارة. وهذا يعني اني سددت بسيارتي تلك الفتحة التي هي في الحقيقة لزوم ما لا يلزم المؤدية الى اليمين. ومعظمنا، من يقفون في هذا المسار، هدفهم الدخول في طريق الخدمة في الجزء الشمالي من التقاطع بعد الاشارة . بيد ان قسما منا ينوون مسبقا الانعطاف يمينا عند التقاطع، ولكنهم يتحاشون طريق الخدمة لأنه، كما يبدو، لاستعمال «الخكارى» لا للنشامى طوال الشوارب، ثم ان الحكومة ما قصرت وسوت «هالطرق السنعة» .
وبينما كنت أنتظر الاشارة الخضراء، ركبت العفاريت سائق السيارة التي خلفي لأنه يريد ان ينعطف يمينا وقد حجزته عن مراده. بدأ يضرب البوري بشكل متواصل، بالرغم من انه يعرف تماما اني لا استطيع التحرك قيد أنملة، اللهم الا اذا دخلت يمينا فأفسح له الطريق «رجاء طالع الرسم المرفق» . عند اشارة المرور كان يقف رجلا مرور، يقرب الدباب المعتبر، يحرران مخالفة لشخص ما. فرحت بذلك اذ سيجذب ضجيج المنبه المتواصل انتباههما، فيأتي احدهما بالقول الفصل وهو من وجهة نظري انه كان يتوجب على السائق الآخر ان يسلك طريق الخدمة ابتداء. وان الدخول يمينا من هذه النقطة حسب التساهيل فقط، واذا لم تكن المنطقة مشغولة باحدى السيارات.
يا للفرحة، توجه الينا رجل المرور: الآن سيعلم الجمع ممن ضم موقفنا اني على حق. وسيحصل الجميع على درس مجاني في أحقية الانعطاف يمينا. وانه ليس حقا مطلقا. عندما اقترب رجل المرور من سيارتي اشار الي بأن انعطف يمينا، ولما حاذى النافذة سألته لم؟ فقال: «لازم تدخل يمين .. هذه للي رايح يمين»! قلت: مالك لو! أحقية الطريق لي» . بالطبع قلت ذلك وأنا انعطف يمينا بناء على أمره. ولس مرد هذا الى الخوف الطبيعي والمكتسب والمعروف ولكن لأن المسألة ليست عناداً او مكابرة. فالوجب اتباع ما يقوله رجل النظام، ثم مقارعة الحجة. أوقفت سيارتي بجانب رصيف الجزيرة التي يتربع عليها الدباب، وحين خرجت من السيارة كان يعود أدراجه.
كان، والحق يقال، هادئا ومهذباً، مربوع القامة، ممتلئا أسمر البشرة. لم استطع قراءة اسمه فقد غطت البطاقة الاشرطة الصفراء العاكسة للضوء، بيد ان هذا لا يهم فهي حالة عامة بالتأكيد. قال لي: «مالي لو؟ .. ليه» قلت: «من يريد الاتجاه يمينا فليسلك خط الخدمة». قال: وهذه الفتحة هنا لماذا؟ ها؟ انها للمتجهين يمينا فقط» «يا للمصيبة، السائقون ورجال المرور سواء!» قلت: «ان وضعها كذلك خطأ من أساسه» ويبدو انه توخى البعد عن الصداع، ووجع الرأس، فقال بحزم: «ولو، خطأ ..خطأ! طالما أنها موضوعة هكذا يجب ان تتبعها»؟ قلت: «لقد غمطتني حقي في الطريق ويبدو انك لن تقتنع. ولكن الفيصل ان نلتقي غدا انت وأنا عند رئيسك لنسأله» قال: «وهو كذلك»! أقفلت عائدا الى سيارتي ففطنت الى العلامة الأرضية، حيث كان السهم مزدوج الرأسين أحدهما يشير الى الأمام، والآخر ينثني يمينا. عدت اليه قائلا: «انظر الى العلامة الأرضية هناك! انها تقول ان من حقي ان أقف هناك ولست مجبرا على الانعطاف يمينا»! هز رأسه باسما وقال: «معك حق! قلت: «وماذا بعد»؟ قال: «وماذا تريد.. ها أنا أقول الحق معك»؟ كنت انتظر منه ان يعتذر او يشكرني بيد انه لم يفعل، ولا أدري هل قال كذلك عن اقتناع او تجنبا لجدال مع شخص مسكون بهاجس السواقة والانضباط.
بالطبع لا أريد جزاء ولا شكورا ولا اعتذاراً. وأكرر انه كان بشوشا مهذبا. ففي النهاية كل ما حدث أني تأخرت عشر دقائق على التميس والفول. ولكني أقول إما أني على خطأ ومن ثم أرجو من القارئ العزيز ألاّ يكمل القراءة وان يقبل الجميع اعتذاري، وان ينوروني وإما أني على حق وهنا عليّ أن أضيف: الآن علمت لماذا يرتكب الكثير من السائقين مخالفات صارخة أمام اعين رجال المرور، دون ان يحرك الآخرون ساكنا، بل والآن عرفت لماذا يرتكب كثير ممن يرتدون بزاة عسكرية، مخالفات مرورية وهم يسوقون سياراتهم الخاصة.
وايضا كنت اعجب عندما ارى رجال المرور لا يكترثون بالسيارات الواقفة بشكل خاطئ، ولا في أثرها في انسياب السير. السبب انهم يظنون ان المخالفات المرورية هي السرعة الجنونية، وقطع الاشارات الحمراء، واضيف لها مؤخرا عدم ربط حزام الأمان، فحسب. أما باقي المخالفات فهي من اللمم، في قاموس المرور، ويمكن التغاضي عنها. او انهم لا يدرون انها مخالفات أصلا.
ومنذ عدة سنوات كنت أقوم على دراسة صغيرة حول المرور وكنت لا اعرف مسميات المرور لدينا للعلامات المعدنية «مثل علامات الوقوف» وللعلامات الأرضية وغير ذلك. فسألت ثلاثة أفراد في ايام مختلفة وفي مواقع مختلفة ولم يعطني احدهم اجابة شافية. وفي النهاية كان عليّ ان أزور الصديق عبد الله الكعيد في مكتبه عندما كان على رأس العمل كي احصل على هذه المعلومات!!
بيد ان كل هذا لا يؤثر في «تساؤلي» وأقترح فقط اجراء دراسة صغيرة لمعرفة درجة علم افراد المرور بقوانين المرور، وكيفية تطبيقها، ومستويات شدة المخالفات، وأمور اخرى. وذلك باختيار عينة عشوائية تمثل الأفراد احصائيا.
بل وان يكون هناك ممثلون للضباط والرتب العليا. فمن المعروف ان الشوارع تقسم الى فرعية واخرى رئيسة ولذا نجد علامات الوقوف المعدنية عند تقاطعات تلك الشوارع الفرعية، مع الشارع الرئيس. ايضا من المقبول ان تكون هناك مطبات صناعية «وهي بالمناسبة الحل الأسهل والأكثر شيوعا» في وسط الشارع الرئيس للحد من سرعة السيارات. ولكن المضحك المبكي ان بعض هذه الشوارع الرئيسة يحوي مطبات صناعية على جانبي التقاطع فتنعكس الآية: من له حق المرور عليه ان يتوقف بقوة المطب، أما من يتوجب عليه التوقف للتأكد من خلو الشارع الرئيس «فيتمخطر» على مزاجه في الشارع الفرعي!!
فاكس: 4782781
fahads@suhuf.net.sa

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved