أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 5th April,2001 العدد:10416الطبعةالاولـي الخميس 11 ,محرم 1422

الثقافية

على ضفاف الواقع
للعصافير.. ذاكرة
غادة عبدالله الخضير
(1)
* دعني أنصت..
فكلي آذان صاغية..
النهار يسير نحو الغروب..
والطيور تغني آخر أغانيها..
اغنية تستهلك آخر مافي حناجرها..
في ختام النهار..
لقد استهوتني الطيور، عقلا وجسما..
فتاريخها لا يقول الكثير..
سوى هذه وحسب: «نحن هنا، نحن أحياء»..
هذه وحسب.. لكنها لمستني في اللب من وجودي.
«طاغور»
(2)
* لم تعرف طاغور.. لم تسمع به.. لم يكن يوما ضيفا على ارفف مكتبتها المتواضعة.. ولدت قبله بزمن.. وربما جمده بزمن.. وربما معه في ذات الزمن.
عندما يكون الفجر بكرا..
تحتفل بطهارته كل العصافير..
أسمع تصفيقها..
ألحانها.. عذبة هي..
مشاعرها تصلني رغما عني..
لكن ما أن تمتد الملامح البشرية لتشق طهارة ذلك الشاش..
حتى ترحل كل الملامح العصفورية..
إلى منازلها حزينة..
أتدرين ما أجمل ما فيها؟
ذاكرتها..
هي ذاكرتها..
لا تعيش لاكثر من (24) ساعة..
فقط (24) ساعة.. تعود بعدها..
ذاكرة بكر.. تستقبل الفجر.. تستقبل وجها آخر للحياة..»
(3)
* في الحياة.. مواقف..
في الحياة .. ملامح..
في الحياة مشاعر..
في الحياة ذاتها.. حياة.. لا يجب أن نمنحها فرصة اكبر او اعظم من البقاء في ذاكرة.. لا تشبه ذاكرة العصافير.. هذه الذاكرة التي تستقبل وجه الشمس نقية خالية مما يمكن ان يعكر صفاء يومها.. ذاكرة تترك للغروب.. تترك لحضرة الليل.. تترك ليوم مضى .. تترك لتاريخ (كان)..
أظنه.. الصباح.. اجمل .. وارحب من ان نترك لذاكرة اجترارية ان تؤلمه.. او تسبب له.. حزناً يفسد الاستمتاع بحضوره!!
(4)
رسالة قصيرة..
.. منذ عشر سنوات امتلأت الذاكرة.. للصدق منذ سبع سنوات تحديدا.. امتلأت الذاكرة.. وأغلقت تماما، ما بعدها .. كله.. او أكثر اكثره لم يأخذ من حياتي الا حيزا يشبه تماما ذاكرة العصافير.. لم أستطع ان اعطيه اكثر من ذلك.. اما القلة التي (نجت) من ذلك.. فإنها تدخل في زمرة ذاكرة اوجدت للاستمرار للبقاء.. للتعايش.. للتواصل مع ملامح صادقة.. خذلان لها ان ادخلها ذاكرة العصافير.. وفي الصباح تتحول الى ذكرى في ذاكرة التهمها الليل.. دون أن يؤنبه ضميره..
منذ عشر سنوات .. منذ سبع سنوات تحديدا.. وانا اقفز الى ذاكرتي القديمة الجديدة.. اقتات منها بعض حروفي الاكثر صدقا لكن بشدة متعبة.. اطمئن على من فيها.. وما فيها.. اتألم قليلا لكن بشدة متعبة.. لكنني دوما احمد الله .. على تلك الذاكرة لقد تعلمت.. ألا امنح ذاكرتي.. جزءاً من ذاكرتي لمن لا يستحق.. لهم ما يريدون من ذاكرة العصافير.. هذا.. وحسب.
(5)
* إلى ملامح احاول بجهد.. ان اجعلها تنجو من ذاكرة .. كذاكرة العصافير.. لقد اصبحت اتعامل مع ملامحك تماما، كما كانت شهرزاد تتعامل مع شهريار.. عندما يدركها الصباح.. عندما يدركها النعاس تاركة شهريار.. منتظرا.. ماذا سيقال في ليلة قادمة؟! انني في كل يوم.. اقص على ذاكرتي .. ما يشوقها لأن تعيش عمرا اطول.. احاول ان امنحها روحا.. جديدة في كل مرة.. وما ان أصل معها الى ذروة التشويق.. حتى يدركني الصباح.. يدركني النعاس هكذا دوماً.. تنجو ذاكرتي من العمر القصير هكذا.. تنجو من ذاكرة العصافير.. هكذا تنجو ملامحك من مقصلة النسيان.. هكذا احملك معي الى صباح جديد.. هكذا أنقذك من ذاكرة تحتضر عند الغروب.. لكنها تقاوم!!
شهرزاد في حقيقتها كانت تفعل ذلك كي تضمن اكبر قدر ممكن من العمر.. من الحياة ان استطاعت .. اضاف انني افعل ذلك كي أمتلك (عذرا قويا).. عندما تحتضر ذاكرتي لحظة غروب.. تماما كما يحدث لذاكرة العصافير لقد فعلت ما أستطيع.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved