أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 15th April,2001 العدد:10426الطبعةالاولـي الأحد 21 ,محرم 1422

عزيزتـي الجزيرة

من أوراق معلمة:
قصص حقيقية من واقع بعض طالباتي !!
عزيزتي الجزيرة:
رائع جداً أن يشاطر الإنسان من حوله أحزانهم ويتدارس معهم معالم معاناتهم وأبعاد مشكلاتهم، والأروع من ذلك أن يحظى تتويج جهوده معهم بإسدال الستار على دنيا أحزانهم وإنهاء فصول مآسيهم حين يوفقه الله فيمده برأي رشيد وحكم سديد يرسم من خلالهما نهجا مباركا يحتذيه من يطلب مشورته وعونه..
ومن خلال عملي كمعلمة تمر بي يومياً ألوان كثيرة من المعاناة التي تعيشها الطالبات، ولأني أومن بأن مسؤوليتي الأولى هي التربية وتقويم منحنيات البنية الأخلاقية لطالباتي فقد جندت كل طاقاتي للوقوف معهن في أزماتهن وقبل كل ذلك محاولة الحول بينهن وبين المشكلات بالارتقاء بأفكارهن والسمو بمستوى عقولهن وإزجاء طاقاتهن وأوقات فراغهن في كل ما هو نافع ومفيد.
ولأجل تلك الغاية توغلت في أعماق ذواتهن بعد أن أشرعت لهن أبواب قلبي ووقتي ومنحتهن الأمل ليطردن به فلول اليأس عن قلوبهن الخضراء الغضة ولما لحظت ألوان المعاناة تتكرر وأصناف المشكلات تنساب متشابهة على مسمعي كلحن خافت حزين أو سيمفونية وداع وتأبين، رأيت إشراك القراء فيها لبسط مرئياتهم حولها وللفت أنظار الغافلين عن معاناة البنات وما يجدنه من مشكلات في حياتهن ليقفوا معهن ويحولوا بينهن وبين شراك الألم والمعاناة بالقضاء على أسبابها ودوافعها.. فإليكم خبر ما سبق من مبتدأ.
حيث جاءتني إحداهن منكسة الرأس تقدم رجلا وتؤخر أخرى حتى أخبرتني عن مأساتها التي تؤرقها ليل نهار بعد أن وقعت تحت براثن ذئب بشري لديه صور ورسائل كانت وليدة حب كاذب بينهما، تكشف عن حقيقة مرة إذ أضحت أدلةحبه المزعومة «الرسائل المتبادلة» معاول هدم لعفافها وسيوفا مصلتة توشك ان تهوي على رأسها في أية لحظة!!
وما أن فرغت من حل هذه المشكلة حتى جاءتني طالبة ثانية بملامح حزينة لتشكو لي حالها بنبرة باكية وعين دامعة لتصدمني بحقيقة تفاجأت من هولها لأول وهلة ثم لم ألبث أن صعقت لما رأيت المأساة نفسها تتكرر مع ثلاث أخريات غير صاحبتنا الشاكية!! إذ يعشن الأمرين بعد ان تعرضن لاعتداء من قبل أحد أقاربهن في طفولتهن، ولم يخبرن أحدا في حينها، ولا يعرفن كيف يتصرفن وقد بلغن سنا بدأ فيها الخطاب يتقاطرون إلى ذويهن!!
أمعنت في أسباب تلك المشكلة وأبعادها فوجدتها ناتجة عن الاهمال المتناهي من قبل الامهات إذ ينشغلن بقيل وقال في مجالسهن دون ان تسأل الواحدة منهن عن ابنتها ومن تجالس وإلى أين تذهب، بل إنها تدري أحيانا إلاأن الثقة المطلقة العمياء بالأقارب تحجب كثيرا من الوقائع المرة عن ناظريها لتحدث بعد ذلك أعظم الفواجع!!
أما مسألة توعية البنات فلا تسل عنها عند أولئك الأمهات!! إذ لا تكاد البنت تفاتح والدتها حول شيء مما يجول في فكرها حتى تلطمها كلمة (عيب) على ناصية لسان أمها!! فلا تجد الفتاة أمامها إلا التقوقع حول ذاتها لتكون بذلك لقمة سائغة لمن أراد استغفالها!!
وقد تعاني الفتاة من تحرشات من أقرب المقربين الذين يفترض بهم أن يكونوا درعا حصيناً يقيها من ذوي الأهواء والأغراض الدنيئة.. ولا سيما إن كانوا ممن يعاقرون أم الخبائث أو المخدرات التي تسلب عقولهم وتصيرهم بهائم تسيرها الشهوات! وهو ما حصل حقيقة إذ شكت لي طالبة معاناتها مع من يتعاطى أم الخبائث من أقربائها حيث يناديها وفي عينيه السوء!! أتتخيلون؟!!
هذا عن تضييع الراعي لرعيته، فماذا عن إخلاله بواجباته نحوها؟!
شكت لي طالبة من انشغال والديها عنها وكيف صارت تعوض عن حبهما وحنانهما المفقودين بمتابعة الفضائيات وأحلام اليقظة!
وشكت ثانية من قسوة أمها وغلظتها في معاملتها حتي صار الصراخ واللوم والشتم والسباب هو اللغة السائدة بينهما.. تقول صاحبة المعاناة: إني أبكي يا أستاذتي كلما رأيت أماً تحتضن ابنتها! لأني لم أعش هذه اللحظة أبداً في حياتي، بل إني لا أستطيع أن أتخيل مبلغ إحساسي لو عشتها فعلا في الواقع!!
واشتكت أخرى من كثرة انتقاد والدتها لها ومقارنتها بغيرها من الفتيات وسخريتها من خلقتها التي خلقها الله عليها!!
أما قضية التفريق في معاملة الأبناء الذكور عن الإناث فحدث عن كثرتها ولاحرج!! إذ تقول إحداهن شاكية ظلم والدتها وإجحافها في حق بناتها حين تفضل عليهن إخوتهن الذكور وتعطيهم كل الصلاحيات لضرب أخواتهم على الصغيرة والكبيرة! تقول: إن أخي يناديني أحيانا فإذا ما أتيت بصق في وجهي وهو يقول بغلظة وجفاء «انقلعي لغرفتك ولا توريني وجهك» دونما ذنب جنيته، وبحضرة أمي التي تنظر لأخي بنظرة كلها اعتزاز برجولته وديكتاتوريته المبكرة التي يمارسها علينا!!
عزيزتي الجزيرة:
هذا غيض من فيض.. وقليل من كثير.. عن معاناة البنات.. وما حبّرت مقالتي هذه إلا لأوجه من خلالها نداء للآباء والأمهات، للاخوة والأخوات، للمعلمين والمعلمات.. للمصلحين والمصلحات لكي يستدركواتقصيرهم وينتبهوا من غفلتهم قبل أن تأتي عليهم ساعة لا ينفع فيها ندم،ولا يجبر بعدها كسر..
لأن أمثال أولئك الفتيات عرضة للانحراف في أية لحظة.. أتدرون لماذا؟!
لأنهن يعانين من فراغ عاطفي فيكن على شفا جرف هار من الهاوية معاذ الله، يستجبن لأية نظرة حانية.. لأية كلمة تسد رمق عواطفهن العطشى الصادية.. لأية دفقات محبةعذبة تروي قلوبهن الجدباء المتصحرة!!
يغرقن في الأفلام الغرامية ويبحثن عن الأغاني العاطفية ليملأن بها فراغ قلوبهن الخاوية!!
والويل ثم الويل إن جاء الحب والحنان ومنح الثقة للفتاة من خارج حدود المنزل، ومن غير الثقات المأمونين على عرض الفتاة وبشرفها.. ولا أبالغ حين أقول إن الفتاة التي أخطأت وزلت، بل تجاوزت الحد في ضلالها وعماها حتى أضحت تجاهر به علانية، أقول إن مثل هذه لها باب يمكن الدخول إلى قلبها منه.
وإن أنس لا أنس تلك الفتاة التي رأيتها تنشج وتكفكف دموعها وهي تتمتم بالدعاء وتردف بالترجيع والاحتساب عندما رأت بعض المشاهد المحزنة لحال المسلمين الألبان في إقليم البلقان عبر شريط فيديو عرض ضمن فعاليات سوق خيري أقيم ليصرف ريعه على مسلمي كوسوفا.
أخرجت تلك الفتاة ورقةنقدية من فئة مائة ريال ووقفت مترددة للحظات ثم عزمت على التبرع بها.. الغريب الذي لفت انتباهي في أمر تلك الفتاة أني شخصيا أعرف عنها كثيرا من السلوكيات المنحرفة.. فهي ربيبة الدش بل ابنته البارة، وكم روي لي عن افتخارها عند زميلاتها وهي تحكي لهن عن بعض المشاهد المكشوفة الفاضحة التي علقت بذهنها من السم الزعاف الذي أدمنت عليه..أعرف عنها أنها من صاحبات المعاكسات وأنها تعلن أنها لا تتحرج في الخروج مع بعض «أصدقائها» من الشباب!! وأنها وأنها..
وكنت قد أوشكت على فقد الأمل في مداواتها وإصلاح ما فسد من أمرها.
لكن ذلك المنظر الذي رأيتها فيه وتلك الدموع الجارية على خديها أعادت الي روح الأمل من جديد.. وعندها تذكرت القاعدة الفقهية القائلة: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث»، وكذلك من في قلبه مثقال ذرة من إيمان، فإن فيه خيرا كثيرا خافيا وإن كان ظاهره البعد عن الله، فيه تقوى تحتاج الى إيقاظ فيه إيمان يحتاج الى تحريك.. ومن حينها تغيرت بعض قناعاتي، فكان ذلك المشهد موعظة لي وتذكيرا بوجوب الصبروقوة العزيمة وضرورة مضاعفة الجهود في سبيل الاصلاح.
أخلص من ذلك الى ضرورة الأخذ بأيدي البنات إلى حيث الفضيلة.. والحول بينهن وبين الغرق في مستنقعات الرذيلة.. ويكون ذلك بمنحهن الحب الصادق والمشاعر الدافئة اللفظية والحسية، ومسايرتهن في مراحلهن العمرية المختلفة.. والقرب من فلك أفكارهن، وملء فراغهن بما ينفعهن ليكن لبنات صالحة لا نبتات سوء طالحة.. و«لأن يهدي بك الله رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم»..
* إضاءة:
قال صلى الله عليه وسلم : « من لم يهتم لأمر المسلمين فليس منهم».
ليلى بنت محمد المقبل ـ بريدة
الهوامش:
* مضت على أكثر هذه القصص سنوات، وقد انتهت في حينها، ولم أوردها هنا إلا من باب التنبيه والتذكير، ولا سيما ان من تعرضت لقصصهن مجهولات.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved