أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 26th April,2001 العدد:10437الطبعةالاولـي الخميس 2 ,صفر 1422

الثقافية

نهار جديد
عبدالله سعد اللحيدان
عبدالرحمن منيف
«كدت أجن. امتلأت بإحساس كثيف وخانق.. انقبض قلبي أول الأمر.. ثم ارتجفت.. وتيقنت ان كل شيء قد انتهى.
اصطدم رأس وردان بصخرة تنام وسط الزرع.. كان الدوي أقرب إلى الولولة المفاجئة.. وأشبه بانفجار.
ولا يمكن لأية كلمات أن تقول ذلك الذي حصل!
بدأ وردان يتلوّى. كانت الزروع تنخضّ، ونافورة الدم تصعد لتلتحم بالأفق.. والشخير وعواء مكتوم يتصاعدان.. وبعد ذلك انتهى كل شيء..
في تلك الليلة قررت
وقبل أن تغيب شمس اليوم الأول كنت قد ضعت في زحام البشر، وبدأت أكتشف الحزن في الوجوه.. وتأكدت أن جميع الرجال يعرفون شيئاً كثيراً عن الجسر، وأنهم ينتظرون.. ينتظرون ليفعلوا شيئاً».
هكذا يُنهي «عدالرحمن منيف» روايته «حين تركنا الجسر» والتي أثبت فيها، كما تثبت أعماله دائماً، ان المبدع يلتزم بماهية الابداع وجوهره فيصبح مبدعاً، «وبالأسلوب والطريقة التي يختارها»، ويلتزم بالإنسان فيصبح إنسانياً، فيمتزج هنا الابداع بالإنسانية، لينتج عنهما إبداع إنساني عالمي، وفي تكامل يجعل من السهل جداً التمييز بين الابداع الإنساني والابداع الذي ليس له علاقة بالإنسان، أي الابداع الشكلي الذي لا تتجاوز قيمته شكله الخارجي، مهما برع في استخدام اللغة والتقنيات الفنية والأفكار.
في هذه الرواية جوانب إنسانية لها عوالمها وجدلياتها وأسرارها الخاصّة، والتي «ربما» لا يستطيع الدخول إليها سوى من استطاع استيعاب أو مقاربة أسسها ومقوماتها وسياقاتها وأنساقها، سواء كان مبدعاً لهذه العوالم الخاصة أو راصداً دقيقاً لتاريخها وتطوراتها.
عوالم خاصة تسمو فوق العالم الواقعي بطبيعته وتتجاوزه، فيما هي تستمد حياتها وتجلياتها وتطوراتها من عوالم روحية إنسانية أنقى من الواقع المشاهد المعاش، وتستمدها أيضاً من هذا الواقع، في الآن نفسه، وبطريقة فريدة ومتجاوزة في مزج العناصر، لإنتاج فن راقٍ ورفيع، وفي سهولة وبساطة تنأى عن الغموض والابهام والتعقيد وتتحرّر كلياً من شروط العالم الواقعي المشاهد والمعاش ومن قواعده وأعرافه وأزيائه المصطنعة وأكاذيبه، وفي محاولة لتحرير الروح الفنية وتطهيرها مما يحاول هذا الواقع تلويثها به من أوساخه اليومية وممارساته المادية النفعية، وفي ابداع فني وذوق يسمو على الصنعة والافتعال، وعن الكذب والمداهنة او استعراض القدرات، وفي نصّ حرّ وقوي وجريء، يتمتع بالحيوية وينساب في سهولة ويسر واتزان، فيما هو إبداع يسنده الخيال والابتكار ويتجاوز المحاكاة ومجرد التعبير، وفي تلقائية تكتشف أثناء انسيابها وبمغامراتها عوالم مؤثرات جديدة ،مغايرة وغير تقليدية، وفي خصوصية وأصالة تتجه إلى وتتمازج مع خصوصية وأصالة كل إنسان حقيقي في هذا الوجود.


«قلت لحامد بعد أن أصبحنا بعيدين عن الجسر:
حامد.. لماذا تركنا الجسر؟ لماذا لم ننسفه؟
نظر إليّ ببلاهة وردّد ورائي:
صحيح.. لماذا لم ننسفه؟
وتساءل بحزن:
هل صحيح أننا لم ننسفه؟
سألته بحيرة وكأنني أراه لأول مرّة:
هل فعلت أنت؟
ماذا؟
هل نسفت الجسر؟
ومثل طفل مذنب ردّد دون وعي:
لا.. لا.. لا.
وبعد فترة طويلة تطلّع إليَّ برعب وسألني:
وأنت ألم تنسفه؟

لما هززت رأسي بالنفي، ارتمى حامد على كتفي وبكى، كان بكاؤه يشبه بكاء الأطفال» ولكن لماذا ننسف الجسر، يا عبدالرحمن، ماذا لو عبرناه، ألا يكون ذلك أفضل، ألا يجب أن نجلس كأي رجلين عاقلين.. ونتحدث؟.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved