أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 26th April,2001 العدد:10437الطبعةالاولـي الخميس 2 ,صفر 1422

الثقافية

منصور الحازمي:
التراث والمعاصرة أو الإبداع والأصالة معاً
أ.د. السيد ابراهيم
استمعت إليه متحدثا غير مرة وقرأت ما كان أهداه الي من كتبه وديوان شعره، وقد وقر عندي أنه البوتقة التي انصهرت فيها جميع الثقافات التي حصلها من بيئته الفكرية الأولى وفيها روح جدته التي طالعناها في قصة «الدحلة». كرهت الحواجز والغرفات المغلقة وغير المغلقة مما يحده الجدار والحائط. كانت روحها تواقة أبدا الى الفضاء الرحب وكرهت الأسر والانغلاق. لم أقرأ القصة؛ فهي ليست فيما أهداه اليّ من كتاباته، ولكني استمعت اليها منه فيمن استمع من جمهور الناس. قلت لنفسي: هل هذه قصة عن جدته، أم هذه روحه وهذا عقله؟
وانصهرت في هذه البوتقة جميع الثقافات التي حصلها في فترة الطلب كذلك في مصر وفي غير مصر من بلاد ما وراء البحار وجميع الثقافات التي انفتح عليها جميع عمره. ولست أشك في أنه لم يتوقف قط عن القراءة والتحصيل والانفتاح على الثقافات. ويدخل في ذلك ما رأته عينه وما وعته أذناه من التجارب وكلام شيوخه من أهل الأدب وأرباب المعرفة. لقد تقمص روح كل شيء قرأه وكل شيء وعاه، ولم تكن غايته من ثقافته على اتساعها ان يستظهر المعارف أو يدل بتحصيلها، شأن كثير من مثقفينا في العالم العربي الذين لا تكاد ترى في كلامهم إلا ذكر مصطلح أجنبي أو اسم صاحب مذهب أو عنوان كتاب أو استظهار تاريخ، ثم لا تجد بعد ذلك حكمة ولا رأيا ولا بصيرة.
لكن الحازمي ينخدع بتواضعه من يريد أن يصدق ذلك ولا يريد الاعتراف بالفضل إلا لمدعيه، أو من لا يقدر ان يرى نفسه إلا حيث لا يكون معها انسان، فهو يحسن الظن بنفسه ويرضيه عقله إذا لم يرضه عقل أحد؛ فذلك الذي يقال فيه: نمت وأدلج الناس. الحازمي يخفي ثقافاته في طيات كلامه. تقرؤه أحيانا وتمضي ثم تتوقف وتقول لنفسك: هذه روح تيمور، وهذا ابراهيم المازني. ثم هذا فلان وهذا فلان إلخ.
حين استمعت الى الكلمة التي خاطب بها جمهور المحتفلين به في أثنينية الشيخ عثمان الصالح، بعد تقلده جائزة الملك فيصل العالمية، هجست لي نفسي أنه لا شيء يقال بعد ذلك. وكنت أعددت قصيدة لهذه المناسبة. ووقفت حائراً: كانت المتعة التي أدخلها الى قلوبنا بكلامه تفوق كل متعة تأتي من كل شعر، قلت لنفسي: لا يجرؤ على الشعر بعد ذلك مجترىء.
ولولا أني كنت في آخر المتكلمين لغلبني ما كنت أضمرته في نفسي من السكوت والاصغاء.، ثم حين عدت الى قراءة كتبه، وجدت الشعر في كل زاوية وفي كل جهة تتجه اليها العين من كتاباته.
وأول آيات الشعر عنده تلك المحبة التي ينساب بها قلمه عندما يكتب عن أهل الفكر وشيوخ الأدب، بل وعندما يكتب عن تلاميذه وغير تلاميذه من المتضلعين أو شداة الأدب والكثير من ذلك ترى فيه اشراق روحه وانعكاس أشعتها على من يتصدى له بالكتابة.
وقد جربت ان أقرأه في ضوء قراءته هو لهؤلاء، فوجدت هذه القراءة تستقيم وتصدق. يقول عن الشيخ أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري:«النقد الأدبي عند أبي عبدالرحمن واسع متعدد الجوانب، يتسع للسخرية ولا يبتعد عن الجد، يذكرنا بنقادنا القدامى وبالمحدثين الذين تتلمذ عليهم.. إنه نقد عربي الوجه عربي الذوق، يعنى باستقامة الفكر، كما يعنى بجمال الأداء.. ان كتبه تعلم العقل أولا كما قيل قديما عن الجاحظ وفي زماننا هذا الذي غاب فيه العقل العربي على الحقيقة لا على المجاز».
هذا هو الحازمي نفسه، وأنا أقرأ هذا الكلام على أنه عنه هو، فأرتاح لهذه القراءة تماما. منصور الحازمي هو المعادلة الصحيحة الصعبة للمثقف العربي: حب صادق للوطن وللأمة وانفتاح على الثقافات المختلفة دون حجر على العقل أو الضمير، انفتاحا لا تضيع فيه الشخصية وروح المسؤولية والأمانة، ثم انه يضع ما نسميه بالمنهجية العلمية التي سحرت عقول الأكاديمية الجامعية، فتغنوا بها كما تغنى الشعراء قديما بليلى وهم لا يرونها على حد قول الشاعر الأول يصف امرأة مغنية كانت تغني بلغة لا يعرفها:
فلم أفهم معانيها ولكن شجت نفسي وحق لها شجاها
فصرت كأنني أعمى معنى بحب الغانيات ولا يراها
أقول: يضع ذلك في الموضع الصحيح الذي عبر عنه بقوله:«ان حيادية المنهج لا تستتبع بالضرورة جودة التأليف أو صحة الفكر، ومدار الأمر في رأيي هو المنهجية العلمية التي لا تكتسب بمجرد التعليم والتلقين، بل لابد لها من الذوق والخبرة والممارسة».
هذه كلمة أولى أقولها تحية لصاحب الجائزة. ثم إذا عدنا الى كتبه لاستخراج الملامح والأسس في تفكيره وأسلوبه كانت لنا أحاديث أخرى:


قرأت أسفارك اللائي كتبت على
مر الليالي فكن الروضة الأنفا
لم تأتلف من حروف بعضهن الى
بعض، ولكنهن الدر مؤتلفا
في كل زاوية ود ومرحمة
مكتنفان، وقلب ظل منعطفا

*أستاذ النقد الأدبي جامعة الملك سعود


أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved