أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 28th April,2001 العدد:10439الطبعةالاولـي السبت 4 ,صفر 1422

مقـالات

اقتراحان.. لولي الأمر
د. عبدالرحمن عبدالله العتيبي*
ماذا يريد أي إنسان يعمل في مركز أو عمل ما من الناحية العملية؟ زيادة دخله ( أو ثروته) وتحقيق الشهرة والمحافظة على الوظيفة. هذه الثلاثة أهداف ربما تتفاوت من شخص لآخر.. ولكنها في النهاية تمثل القاسم المشترك بين معظم المسؤولين في قطاعات حكومية أو شركات أو مؤسسات عامة أو خاصة.
وما يهمنا هنا من وجهة نظر الشعب أو المستفيدين من خدمات هؤلاء المسؤولين هو معيار أو جانب المحافظة على الوظيفة (الجانب العام في هذه الأهداف)، والذي سوف يكون تركيزها عليه هنا.
فحتى يستطيع المسؤول، أي مسؤول، المحافظة على الوظيفة يجب ان يعطي أولوية لثلاثة معايير أساسية:
1 رفع جودة الخدمة (أو المنتج) التي يقدمها من خلال وزارته أو شركته أو مركزه.
2 خفض تكلفة العمل.
3 تسويق أو ترويج أفكاره وبرامجه محليا وربما على المستوى العالمي إذا اقتضى الأمر واقناع الناس بها.
إذاً هناك قدرات فنية اختصاصية تتعلق بمعرفة جوانب العمل وتطوير جودة الخدمات ( أو المنتجات) التي تقدمها المؤسسة، وقدرات اقتصادية مالية تتعلق بالسيطرة على المصروفات وترشيد الأداء لأن الموارد المتاحة تظل دائما محدودة خصوصا في ظل الضغوط الاقتصادية المحلية والعالمية.. وبروز الاقتصاد الى ناصية الأحداث. أما المعيار الثالث فيتعلق بالقدرات الترويجية والإقناعية والخطابية Salesmanship .. إما لاقناع الناس بالبرامج «وبيعها» عليهم لخلق الفهم والدعم لها.. أو لجذب الموارد والفرص لها وامدادات ذلك الى المستوى الدولي إذا كان العمل يتطلب الحصول على الدعم لقضايا الوطن أو ترويج أفكاره أو منتجاته أو سياساته.
فالاقتراح الأول هو لماذا لا يقدم المسؤول في بداية تعيينه أو كشرط لاختياره لموقع ما برنامجا محددا يحتوي على أهداف قابلة للقياس بشكل سنوي فيما يتعلق بهذه المعايير الثلاثة؟
ومما لاشك فيه ان هناك جوانب (أو معايير) شخصية سواء في الاختيار أو التقييم لها ما يبررها .. ولكن تظل المعايير العامة هامة وتحتاج الى نوع من الشفافية والمناقشة العامة. ويمكن تطبيق هذا المشروع على العديد من المؤسسات الحكومية والعامة لمساندتها في تحسين أدائها. هذا الاقتراح أو المشروع يقدم إطارا عمليا لثقافة إدارية محترفة همها الأول هو تحقيق النتائج ومقارنتها بالأهداف. ومع التطبيق المناسب حسب ظروف كل قطاع، قد يشكل مكونا أساسيا للفعالية الإدارية في البلاد.
فالمواطن من حقه ان يرى الخط البياني للتقدم الصحي والتعليمي والتجاري والصناعي والاتصالاتي وغيرها من الخدمات والمنتجات تسير الى أعلى من سنة إلى أخرى.. حتى يطمئن بأن المجتمع يسير في الاتجاه الصحيح. فنلاحظ من خلال الكثير مما يكتبه الناس في الصحافة أو يتداولونه في مجالسهم المعاناة من تدهور خدمات الكثير من القطاعات وعدم وضوح الرؤية والأهداف.
والسؤال المرتبط بهذا الاقتراح هو: لماذا لا يقوم مجلس الشورى كذراع استشارية للدولة وكممثل للمواطنين بعمل برنامج شامل لمحددات هذه المعايير الثلاثة حسب طبيعة كل قطاع؟. وحيث ان هدف المجلس ليس تشريعيا أو رقابيا.. وإنما المساهمة في التطوير، فإنني أقترح أن يتبنى المجلس بحكم الاختصاصات المتنوعة لديه هذا المشروع من خلال دراسة طبيعة الخدمات أو المنتجات التي يقدمها كل قطاع وتأسيس معايير واضحة حسب ظروف كل قطاع. فظروف قطاع التعليم تختلف عن قطاع الزراعة وقطاع التجارة يختلف عن قطاع الصناعة أو الصحة.. وهكذا. ومن ثم مقارنة أداء المسؤول من سنة الى أخرى بطرق كمية قابلة للقياس. وهكذا بالنسبة لميزانيات القطاعات ومعايير خفض تكلفة العمل. فالكثير من المسؤولين قد يستطيعون تحقيق الأهداف ولكن بتكلفة عالية جدا تشكل عبئا على موارد الدولة.أما الاقتراح الثاني الذي يعزز مشروع رفع جودة الخدمات وخفض تكلفة العمل وجذب العلاقات الإعلامية والاستثمارية للبلاد هوالنظر الى إمارات المناطق كمراكز أرباح وليس كمراكز تكلفة فقط. هذه النظرة الجديدة لدور المناطق تساعد على تحرك إمارات المناطق المختلفة على أعلى المستويات الإدارية والاقتصادية والإعلامية «لفتح» إمكانات النمو لكل منطقة والمساهمة في إيرادات الحكومة المركزية كمركز أرباح..فلو أخذنا مثالا بارزا لهذا التوجه الجديد نلاحظ ان سموأمير منطقة الرياض استطاع التحرك عالميا في زيارات اقتصادية/ تسويقية بين الغرب والشرق للحصول على مكتسبات اقتصادية «وفتح» إمكانات النمو الاقتصادي ليس للرياض فحسب وإنما للمملكة. فالأمير سلمان أخذ على عاتقه مهمات رجل التسويق على أعلى المستويات لتسويق منجزات وإمكانات المملكة.فنلاحظ الجولات المستمرة لإمارة منطقة الرياض على المدن والعواصم العالمية من وقت لآخر لنقل الخبرة وجذب العلاقات الاستثمارية. فلم تعد إدارة المنطقة تقوم فقط على المفهوم التقليدي لتقديم الخدمات وتوفير عنصر الأمن للمواطن والمقيم والزائر بالرغم من أهميتها كوظائف أساسية وكبيرة وإنما تجاوزتها الى بناء العلاقات التسويقية والترويجية مما جعل الرياض منطقة جذب للمواطن والمقيم والمستثمر.. وربما كمركز أرباح وليس مجرد مركز تكلفة.
تشير الدراسات الإدارية الحديثة الى ان العامل المحدد لمعدل النمو للدولة هو فعالية الإدارة.
وحيث ان معدل النمو يعوقه عادة مدى توافر الموارد البشرية المدربة ورأس المال، فإن القدرة على «فتح» هذه الإمكانية للنمو ترتكز على الإدارة.
فقدرة الإدارة على إثبات أنها تستطيع توليد النتائج هي التي تخلق مجالا للموارد من الداخل والخارج.فلو عدنا الى الوراء قبل مائة عام تقريبا لاستخلاص الدروس من تجربتنا التاريخية، نجد أنه بالرغم من صعوبة الظروف المحلية التي تمثلت في عدم وجود موارد بشرية مدربة ورأس مال، فقد استطاع الملك عبدالعز يز رحمه الله «فتح» إمكانية النمو للبلاد من خلال «تهيئة الموارد». ونلاحظ من خلال دراساتنا وأبحاثنا أنه خلال نصف القرن الأول لتوحيد وبناء المملكة العربية السعودية كان الملك عبدالعزيز دارسا واقعيا درس البيئة الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية داخل جزيرة العرب وخارجها.. ثم عمل على رسم الخطط الواقعية للعمل والاصلاح.
فقد أدرك منذ البداية وبعد ثمانية أعوام من استعادة الرياض أهمية خلق مجال للموارد من الداخل والخارج. فمشروع توطين البدو كأول البرامج الاصلاحية بعد توطيد الأمن يدل على فهم الملك عبدالعزيز لنفسية البدو فهما عميقا، وبه استطاع ان يضع أول لبنة اقتصادية لتجهيز الموارد البشرية في البلاد قبل تدفق البترول في أرض المملكة بنحو ربع قرن على الأقل. أما بالنسبة لرأس المال، فقد استطاع الملك أن يبني العلاقات الاستثمارية العالمية ويدعو الشركات للاستثمار في البترول ويثبت للعالم ان أرض المملكة تختزن في باطنها ربع احتياطي العالم من النفط كأهم مورد اقتصادي.فإمارات المناطق مطلوب منها التحرك لدراسة أحوال مناطقها على أسس علمية واقعية وخلق صورة جديدة لها لفتح مجالات النمو وخلق مجال للموارد من الداخل والخارج. بمعنى آخر خلق صورة إعلامية واقتصادية جديدة للمنطقة من خلال بناء العلاقات الإعلامية والاقتصادية المحلية والعالمية لتحسين أداء المنطقة وزيادة ثروتها من المباني الجديدة والمصانع والشركات المساهمة. أي عمل إضافة استثمارية يمكن قياسها كل عام. وهذا ربما لن يتم بدون التخفيف من الإدارة المركزية التي قد تكون عائقا اقتصاديا أمام انطلاقة المناطق على الأقل من الناحيتين الاقتصادية والإعلامية، وطالما ان الحكومة المركزية تمتلك زمام النشاطات الرئيسية (الدفاعية والأمنية والعلاقات السياسية الخارجية والأنظمة المالية والبنكية) فلماذا لا تعطي المنطقة الفرصة لحل جزء من مشكلاتها الاقتصادية بشكل ذاتي.. تستطيع من خلاله إعطاء حوافز للاستثمار في المنطقة تتناسب مع ظروفها والدخول في اتفاقات تجارية مع العالم الخارجي بعد موافقة الحكومة المركزية.
وبهذه الطريقة تستطيع كل منطقة أن تتميز وتكون مركزا تجاريا وماليا.. أو تصنيعيا.. أو سياحيا أو دينيا حسب ظروفها وفرص الجذب فيها وتستطيع في نفس الوقت دعم معدل النمو الاقتصادي في المنطقة وتحقيق إيرادات للدولة.
فدراسات الغرف التجارية والصناعية وغيرها من الجهات أثبتت أنه بالرغم من الأشياء الكثيرة التي تحققت من خلال الخطط الخمسية المركزية المتتالية إلا أننا لم نستطع حتى الآن تحقيق الحد المعقول من تنويع القاعدة الإنتاجية والتخفيف من الاعتماد على البترول كمصدر رئيس للدخل. وربما الفترة القادمة تتطلب دورا جديدا للمناطق «لفتح» المجال للموارد من الداخل والخارج ووضع أهداف قابلة للقياس لرفع جودة خدمات المنطقة وخفض تكلفة أداء أعمالها وبناء علاقاتها التسويقية المحلية والعالمية.
* أستاذ الإعلام والاقتصاد قسم الإعلام جامعة الملك سعود

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved