أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 4th May,2001 العدد:10445الطبعةالاولـي الجمعة 10 ,صفر 1422

مقـالات

النجديُّون وعلاقتهم بالبحر 1-3
بقلم/ د. محمد بن سعد الشويعر
عنوان مشوِّق، لكتاب من التراث النجدي للأستاذ عبدالله بن عبدالعزيز الضويحي، صدر حديثاً في طبعته الاولى عام 1421هـ -2001م يقع في 160 صفحة من القطع المتوسط في طباعة أنيقة، بمطبعة السفير بالرياض.
وهو يمثل صفحة من تاريخ البلاد، وعلاقة ابناء صحراء الجزيرة العربية بالبحر وما فيه من اهوال ومخاطر، وما يطمعون فيه من رزق عندما يشح مجاله، قبل ان يفيء الله على بلادنا بالخيرات التي جَّد الملك عبدالعزيز - يرحمه الله- واجتهد بعدما وحد البلاد بأطرافها المتباعدة، واستقرت المملكة بنظامها وأمنها، في ظل قيادته ثم بنيه من بعده.. في سبيل ذلك، حتى هيأ الله موارد ثابتة نبعت من باطن الارض.
ومع صغر حجم الكتاب، إلا أنه مليء بأشياء جديدة، ومعلومات قيمة، عن علاقة أبناء الجزيرة وخاصة المناطق الصحراوية الداخلية بالبحر، وحرصهم على خوض غماره، ومحاولة كشف بعض أسراره، والتكسب من وراء ذلك. والمؤلف ينقل واقعاً عن أبناء بلدته مرات، حيث يسمِّيهم بأسمائهم . وهذا امكن في توثيق المعلومات المنقولة. ولا شك أن بقية المناطق ساهموا في تتبع الرزق من البحر، مثلما عمل أبناء مرات، قلة وكثرة بحسب الفرص والمجالات.. يضع المؤلف في الغلاف الأخير تساؤلات مشوِّقة، تدفع القارئ الى استملاء الكتاب كله، ليجد الجواب عن هذه التساؤلات، لأنها صفحات مطوية من تاريخ الغوض، يقول في هذه التساؤلات:
- هل هو الجوع ؟ - أم هو الفقر ؟ - أم هي روح المغامرة؟
- أم هي الاقدار التي حدت بالكثير من النجديين الى ترك اهلهم وذويهم والذهاب الى الغوص، وتجرع مرارة الغربة؟
- كيف مارس النجديون مهنة الغوص وتعاملوا مع البحر، واصبح بعضهم اعظم تجار اللؤلؤ في منطقة الخليج؟
- ماهو الغوص؟ ومتى مواسمه؟ وما هي أدواته؟ وكيف الحياة على ظهر السفينة؟
ـ ما هي امراض البحر؟ وما هي ويلات البحر واخطاره.. المغامرات والمجازفة؟ سنة الطبعة ونتائجها؟
- ما هي قصائد وبكائيات اهل الغوص؟ قصص تترجم معاناة ومآسي اولئك المجازفين مع البحر وشوارد من شعرهم. في هذا الكتاب يجد القارئ رحلة ومعاناة مع البحر، الذي وصف بالقول: داخله مفقود، والخارج منه مولود.. وهذا ما دفع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى المخاطرة بالعرب لركوب البحر. قسم المؤلف كتابه الى ستة ابواب بعد الاهداء الذي لا يدري لمن يقدمه: أللأجداد الذين رحلوا من فيافي نجد الى سواحل البحار بحثاً عن لقمة العيش؟ أم يهديه الى شباب بلادنا والاجيال القادمة، أم الى كل من يعشق تراث الاجداد؟ لكنه وازن بين الجميع فقال: سعياً للإنصاف أهديه للجميع.
فالاجداد بمغامراتهم وعصاميتهم، والشباب ليعرفوا معاناة من قبلهم، وسعيهم وراء لقمة العيش، وليقارنوا بين ما هم فيه الآن من أمن وأمان، وراحة وتوفر اسباب المعيشة برخاء في مدنهم وقراهم، بعد ان بدل الله الحال السابقة، بالحالة الجديدة مما يستوجب المحافظة على ذلك بشكر الله والتعاون مع ولاة الامر في تثبيت الاستقرار والهدوء.. لأن كل ذي نعمة محسود، وبالشكر والمحافظة على شرع الله لتدوم النعم يقول سبحانه : «وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد» )إبراهيم 7(. وبعد المقدمة التي جاءت في صفحتين، وضح فيها الدافع لتأليف هذا الكتاب. والوقت الذي استغرقه وهو عشر سنوات تقريبا، في استقصاء المادة، وهو جهد لا يستهان به.. ومع اعتذاره عن التقصير الواضح فإنه يعد باتباع هذا الجهد، ببقية في هذا الموضوع، مما يجعل القارئ يتطلع الى هذه البقية، لأنها مادة شيقة، وصفحة تاريخية، كادت تطوى من تاريخ وسط الجزيرة. حيث يرى ارباب الثغور، أنهم المختصون بهذه المهنة وبرصد تاريخها، فإذا بالمؤلف يزيح الستار عن جهود أبناء نجد، وأبناء البادية في اعمال الغوص، وخوض غمار البحر وكشف اسراره حيث حرص الأستاذ عبدالله في كتابه هذا على إبانة الدور الحيوي بهذه الصفحات المطوية من تاريخ الغوص، وإبراز دور اهل نجد في مصارعة امواج البحر، والبحث في اعماقه عن الكنوز التي ذكرها الله سبحانه في كتابه الكريم في البحار.. قبل اكتشاف البترول، الذي حوّل الله به البلاد من حال الى حال. كما كان من الدوافع التي حفزته الى إصدار هذا الكتاب، أو بالأحرى .. كما قال: - البحث المتواضع- هو خلو المكتبة السعودية من كتاب يجمع شتات ما يتناقله الرواة، من مغامرات الاجداد في البحر، وخاصة اهالي نجد، الذين قطعوا فيافي الربع الخالي - ليته قال الدهناء- وتحملوا مشاق السفر وشغف العيش حتى وصلوا الى مغاصات اللؤلؤ، في الخليج العربي بحثاً عن الرزق والحياة الافضل، فمنهم من كسب، ومنهم من فشل، ثم بيّن طريقته في البحث والمادة التي جمع وهو امر يشكر عليه. جعل الباب الاول )9-44( ، في اربع نقاط: توطئة، وبعض مصطلحات الغوص، ومدخل ، ونبذة عن الغوص ومحتوياته. فالتوطئة التي جاءت في صفحة ونصف: تضمنت باختصار رغبته بأن يعرف الشباب ماضي أجدادهم، ثم ما قام به في هذا السبيل: بحثا واستقصاء في تجميع مادة هذا الكتاب، في إقليم الوشم لوجود اعداد كبيرة ممن امتهن هذه المهنة، ولم يقف عند ذلك ، بل سافر الى البحرين، والى قطر، حيث زار متحف التراث الشعبي الذي يصدر مجلة المأثورات الشعبية، كما زار متحف قطر وزوَّدوه ببعض الكتب والصور النادرة.. وشكر من أعانه ومد إليه يد المساعدة، كما أنه يفتح صدره لكل قارئ أو ناقد يزوده بملاحظاته لتلافيها - إن شاء الله - في الطبعة الثانية القريبة. وفي هذا نساهم معه بشيء بسيط وهو الابانة عن كيفية الاستعداد لهذه المهنة في نجد قبل القيام بها.. ومن ذلك السباحة وكيفية التعليم وطريقة التمرُّن مثلا في الآبار او العيون او تجمعات السيول على الغوص، والتعود على اكبر مدة ثم ما الفرق بين السباحة في الماء الحلو : الآبار والعيون والامطار، وبين الماء المالح: ماء البحر؟؟ ثم ما هي تأثيرات الطعام البحري، الذي لم يتعودوه ولمدة طويلة على صحتهم العامة، وكيفية تأثير الوصفات العلاجية عليهم.. حيث من الاحاديث التي تروى : ان رجلا جلدا وذا صحة جيدة، وقوة خارقة عندما شارك في الغوص وهو من احدى مدن نجد الجنوبية، بدأه الهزال شيئا فشيئا حتى عجز عن أن يقوم من فراشه، فضلا عن الغوص، فأرسلوه للبحرين وعرض على طبيب شعبي، فسأله عن أكله في بلده، وأكله في البحر فقال: عد الى أكلك الذي تعوّدته، وستعود الى حالتك السابقة.. وكان اكله جراداً وأقطاً مطحوناً مع التمر والسمن.. فلما تحقق له ذلك عافاه الله فعاد للغوص بطعامه المتميز.. وفرح به«النوخذا» لأنه غواص ماهر وينطبق عليه قول الحارث بن كلدة اعطوا كل بدن ما اعتاد: وعن بعض المصطلحات للغوص )11- 30(.. أورد فيه، باختصار تعريف المصطلحات عند اهل الغوص لما يزيد عن «77» سبعة وسبعين مصطلحا، حرص في ذلك على تعريف كل مصطلح على حدة، ورتبها ترتيبا هجائيا، حسب ترتيب المعاجم. قارناً ذلك بشواهد شعرية، من الشعر العامي، وبصور توضيحية، موثقة في مجلة المأثورات الشعبية، وغيرها.. مما تتوثق المعلومات به، وترسخ في الذهن بالصورة والشاهد الشعري.
ذلك ان غالبية هذه الأشياء قد خف تداولها، وقلت مكانتها عند الناس لعدم استعمالها، اللهم الا ما تلوكه ألسنة كبار السن في احاديث الغوص، وذكريات الايام الخوالي.. فيأتي مثل هذا الرصد والتوثيق ليؤصل المعلومات، ويربط الحاضر بالماضي.. ويعرف الشباب في نجد بماضي أجدادهم في هذه المهنة، التي اصبحت أثراً بعد عين.. بل قد لا يظن كثير من الشباب، ان لأهل نجد، صلة بالبحر، أو علاقة بالغوص. لبعد البحر عن المناطق الداخلية في وسط الصحراء.. ولأن من يذهب منهم في رحلة مدرسية أو مع عائلته ويرى البحر لأول مرة يتهيب منه، ويرهبه منظره، فكيف بركوبه، والغوص فيه.
لا شك ان هذا الكتاب يعطي الشباب ثقافة مهمة، ويفتح امامهم صفحات كانت مطوية في عالم البحر والغوص، فهو مفيد ومهم.. لأنه يوسع المدارك. ويقرب الى الاذهان، الوضع الاجتماعي، والمستوى المعيشي ذلك الوقت، ومصادر الرزق التي كان ينتجع إليها الناس.. مما هو جدير بالرصد وجمع المعلومات، وهذا من مهمات : الاندية الادبية، وجمعيات الثقافية والفنون.. حتى تبسط الصفحات المطوية من تاريخنا القديم، والقريب قبل خروج الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - لجمع الكلمة، وتوحيد البلاد وتوفير الأمن الذي معه يأتي الاستقرار ويتركز العمل ويشجع العلم. وعن الصفحات المطوية من تاريخ الغوص )31-44( استعرض المؤلف فيه مسميات ومصطلحات بلغت احد عشر نوعا، كلها ذات صلة بالغوص الذي ينتج عنه الحصول على محارات اللؤلؤ.. فيعرف بالغوص لاستخراج اللؤلؤ حيث ازدهرت مع بداية القرن ـ ولم يسمه ـ فلعله الثالث عشر ، او الرابع عشر. ومن المعلومات الدقيقة المهمة التي ذكر: ان حبيبة الرمل او الحيوان بالغ الصغر اذا تسلل الى داخل المحار يتخذ المحار موقفا دفاعيا، محاصرا هذا الجسم الغريب الداخل إليه، بأن يفرز حوله طبقة ملساء، ليصنع منها فراشا يقيه خشونة الصدفة، وتزيد هذه الطبقة شيئا فشيئا والنتيجة لؤلؤة.. إنها قدرة الله سبحانه الذي أوجدنا من العدم. وما كل محارة فيها لؤلؤة، فالغواصون يجمعونها في الدجين، وهو شبيه بالزنبيل، الذي به فتحات كالمنخل حتى ينزل منه الماء، وعلى ظهر السفينة يجتمع المختصون برئاسة صاحب السفينة للاشراف على فلق المحّار، ومعرفة ما تحصلوا عليه فأحيانا يجدون لؤلؤة او اكثر كبيرة، وهذا علامة الظفر والربح، وكثيرا ما يجدون حبات صغيرة، تصنف حسب حجمها وقيمتها ووزنها.. وقد لا يجدون في كثير من المحار شيئا. وللغوض: موسمان يصاد فيهما اللؤلؤ: الموسم الكبير ويبدأ من شهر يونيو، ويستمر حتى نهاية سبتمبر ، وهذا طويل والموسم الثاني: يبدأ من منتصف ابريل ويستمر اربعين يوما.. ويعقب كل منهما رجوع للغوص، بعد نهاية الاول تسمى الردة، والرديدة بعد انتهاء الردة في فصل الشتاء.
ويقول بعض المهتمين بالغوص: بأنه مثلما ان مطر الوسمي في الصحراء ، يجعل الله منه الفقع، فكذلك مطر الوسمي اذا نزل على البحر ، استبشر الغواصون بموسم غوص جيد العطاء، ووافر اللؤلؤ. وكذلك : فان لكل ارض في الصحراء، نوعاً من النبات، يعرف بها.. فكذلك المغاصات في البحر، التي يسمّونها: «الهيرات» لها اماكن تعرف بها، وهي التي تجود باللؤلؤ.. ففي منطقة الخليج العربي يقول المؤلف: وأشهر مغاصات اللؤلؤ في البحر الاحمر، والبحر الكاريبي، وافضل انواعه تأتي من منطقة الخليج.. فبعض المغاصات قريب من الساحل.. وبعضها بعيدا في داخل البحر، وتشغل مغاصات اللؤلؤ، نصف ضفة الخليج الغربية، تقريبا اذ تبدأ عند جزيرة أبي موسى، في مواجهة إمارة الشارقة، وتنعطف بمحاذاة الساحل، مروراً بجزيرة «حالول» ثم امام ساحل قطر، وارخبيل جزيرة البحرين، التي تشتهر باللآلئ النفيسة، وخاصة في الشمال والشرق، حيث وجود عيون المياه العذبة المتفجرة في هذه المغاصات، ثم قبالة ساحل المملكة العربية السعودية في رأس تنورة، وتنتهي أخيرا قرب الكويت )35-36(. ويتحدث عن سفن الغوص وأسمائها العديدة، وعن البحّارة واعمالهم )36- 39( وهم حسب مهمات عملهم، النوخذة: وهو ربان السفينة المسؤول عن ادارة العمل فيها، وله سطوة وشدة على العاملين، والمقدمي: وهو رئيس البحارة، والمشرف عليهم وتصدر منه التوجيهات الخاصة بالعمل، والجعديّ: وهو نائب النوخذة ويحل محله بالسفينة. والغيص: وهو الشخص الاساسي في عملية الغوص في البحر، وعمله من اشق الاعمال، ويتمتع بمركز اجتماعي مميز بين الجميع. والسيب : هو الذي يسحب الغيص قاع البحر، وعمله حساس لأن حياة الغيص تعتمد ـ بعد الله ـ على يقظته. الغزال: وهي غلطة مطبعية والصحة بالعين بدل الغين ولها نظائر وهذا يغوص على حسابه وله سيبه الذي يجرَّه من قاع البحر، ولذا حصيلته له، ولا يؤخذ عليه الا الخمس، وحصة السيب، ومصروف الكل.
والرضيف: وهو الصبيّ الذي يقوم بالأعمال الخفيفة في السفينة والتدريب على العمل، والتبّان: وهو الذي يقوم بخدمة من في السفينة، وليس له نصيب من الأرباح، بل يعطي صغار اللؤلؤ «السحتيت» مكافأة له.
النهّام: وهو مطرب السفينة، الذي يقوم بالغناء اثناء أداء الاعمال المختلفة، والسكوني: وهو الذي يلي المقدمي في تسلسل الوظائف، والجلاسة: بحّارة يجلسون على ظهر السفينة للحوادث الطارئة. وهكذا استمر في بيان اعمالهم بالتفصيل )ص37-39(.
للحديث صلة
نموذج في الدعوة:
في هذه الزاوية التي عوّدت القراء فيها بإيراد قصة ذات هدف من مصادر عديدة، استهوتني هذه الحكاية من الواقع القريب نشرها الدكتور محسن عبدالحميد في مجلة التربية الاسلامية العدد الاول السنة 22 شعبان عام 1399هـ اختصر منها ما يناسب الحيز، حيث كانت في عام 1377هـ عندما طلب منه أحد أساتذته ان يصاحبه في سفر للاصطياف والراحة، والتأمل في آيات الله البعيدة، وبعد ان ذكر خصال هذا الاستاذ الجامعي العديدة: علما وخلقا ودعوة الى الله سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة، وكان يخفي تهجده في الليل، حيث جمعتهما غرفة واحدة في السكن فإذا الشيخ يحيي ليله قائما وساجدا حتى الفجر.. فقد ظهرت الحقيقة يومئذ امام عينيه، وكبر فيهما هذا الشيخ الوقور الهادئ.. وقال:
لقد احسست جيدا ان الذي يتعود ان يقف متجردا امام خالقه، بذلّة وخشوع، ويعبده وحده ولا يلتفت الى سواه يمتلك قوة روحية هائلة بها يواجه الدنيا، ويلحق الهزيمة بقوى الشر كلها في هذا العالم. وكان هذا الشيخ في كل ليلة يختم صلاته بأذان الفجر، يوقظ القائمين كلهم في الفندق الريفي بصوته الهادئ الرخيم: الله اكبر الله اكبر، كلمة كبيرة تعني الدعوة الى الله. وفي فجر احد الايام، وبعدما انتهى الشيخ من كلمة لا اله الا الله، تململ احد المصطافين على فراشه، ورفع رأسه صارخاً: ما بال هذا الرجل لا يدعنا في نومنا كل صباح.. لا حق له في ازعاجنا يجب ان ينتهي هذا الأمر. سرى الغضب في عروقي، وحمية لشيخي، وشعرت ان كرامة الاسلام قد تعرضت الى المهانة، فتقدمت بدم الشباب الثائر لمهاجمته مزمجراً.. فتدخل الشيخ سريعا، وهدّأ من ثورتي وأرجعني الى موكب الايمان في الصلاة بهدوء، واستمعنا الى قرآن الفجر من فم أستاذنا في سورة الكهف: «ويوم نسيّر الجبال وترى الارض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا. وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم اول مرة، بل زعمتم ان لن نجعل لك موعدا. ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه..» الآية.. فتغير صوته، وتحشرجت أنفاسه، فغلبه البكاء، وسرى إلينا جميعا، وانتبه النائمون ، وقعدوا ينظرون بإشفاق. إنه منظر لم يألفوه من قبل، ولكنهم اليوم يرونه رأي العين، ثم انتهت الصلاة وسكن الجميع. وجاء إفطار الصباح فتوزع الجميع موائد وسألني الشيخ : دلَّني على النائم المحتجّ فقام متكئا على عصاه يريده، فسلّم عليه هو ومن معه، فردوا عليه باستحياء، وبدأ يكلمهم بلين ورفق، ويذكّرهم بإسلامهم ويشرح لهم حقائقه ويتلو عليهم آيات الله فاستمعوا متاثرين لأنها كلمات نابعة من القلب. فاعتذروا من الشيخ، واستغفروا وتابوا وعاهدوه خيرا. أما أنا فاستحيت من موقفي، وتراجعت عن خطئي، وتعلمت من أستاذي أن الداعية المسلم عليه ألا يضيق صدره بما يرى ويسمع، بل يكون كالطبيب المداوي، يشفق على المنحرفين ويعتبرهم مرضى.
ومرّت معه في هذه الرحلة مواقف عديدة مماثلة، يواجه فيها الناس بروح طيبة واشتياق ومثالية في الدعوة.. ومنه تعلمت كيف أواجه الناس بإسلامي، فقد هزتني تلك المواقف وانتشلتني من هوان نفسي وتعلمت كيف اقضي عباداتي في اي مكان )التربية الاسلامية 24 ـ(.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved