أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 4th May,2001 العدد:10445الطبعةالاولـي الجمعة 10 ,صفر 1422

محليــات

لما هو آت
«اتحاد»... العزيمة
د. خيرية إبراهيم السقاف
لم تكن لعبة كرة القدم ممَّا يشدُّني، أو أحرص على بذل الوقت في أمرها...، أو التفكير فيها، أو الانحياز لأحد فُرقها دون الآخر...، على الرغم من أنَّ سقف بيتي يُظلّ فئةً من الأفراد تختلف في انحيازها، وتفكِّر فيها، وتجادل حولها...، وتميل مع ألوانها المميِّزة لها...
لم أكن أفقه فيها شيئاً... لكنَّني كنت أدرك من نفسي رغبةً خفيةً في متابعة «المنتخب»...
كنت أجلس إليه، أتحمَّس له بهدوء...، أحرص على فوزه، بل استمتع كثيراً بذلك...، لا أدري لماذا...
شعور خفي يدفعني إليه...، فما هو هذا الشعور؟!
ربَّما لأنَّه «رمز»، ربما لأنّه يمثِّل الكلَّ...، ربما... وربما...،
لذلك فإنَّني لست من المتضلعين في أمر هذه اللعبة...
غير أنّي أعرف من نفسي السبب، فلقد وجدت منذ فتحت عينيَّ أنَّ القوم يولونها أهمية، يرصدون لها المبالغ، والمساحات، والأوقات، ويحرصون على احترافية أفرادها، واقتناء أحدث الأساليب في آلياتها، وإكساب أفرادها الخبرة المميِّزة...، فيندبون لها الحكّام، والمدربين، بمبالغ باهظة، ويقيمون لها المعسكرات، ويشكِّلون لها الإداريين، ولها أنظمتها، وقوانينها، فهي ليست مجرد حركة أقدام مع كرة تتقاذفها هذه الأقدام... فيما لا يكون ذلك للمفكرين، أو المبدعين، أو الموهوبين، أو... أو...،
وسيطرت عليَّ فكرة... كنت معها أذهب بهذه اللُّعبة في بحر الأفكار حولها، أغوص مع الجزْر عنها، وأعود مع المدِّ عنها...، فلا أكاد أغرق، ولا أكاد أكسب،.
إذ كنت أحسب التفكير فيها كالعوم في بحيرة ماء واسعة متسطِّحة، يحسبها الرائي بحراً، ويعود منها بُجفاءٍ لا يُسمن ولا يُغني من جوع...
وكنت كلّما شاهدّت، وسمعت، وقرأت عنها تعجَّبْت كيف يبذل الناس لأقدامهم كي تداعب قطعة جلدية... مدوَّرة، ولا يفعلون ذلك مع عقلٍ يصطخب في بحورٍ تمنح ما يمتع، ويفيد، يبني، ويعمِّر، يعطي، ويُنتج، ويشكِّل الحياة بما يهيء للإنسان رقياً... ورغداً... ودوراً بشرياً يميزه عن بقية المخلوقات فوق الأرض...
كيف للإنسان أن يحفل بعقله وهو يتدنَّى إلى قدميه، بينما لا يحفل بعقله وهو يرقى إلى الكواكب؟! وإذا كان للعقل سلطان يذهب به إلى أقطار السموات والأرض، فما هو سلطان القدم؟ على الرغم من أنَّ القدم خُلقت كي تحمل الإنسان من موقع لآخر.. كي يكتشف.. وكي يجوب، فالله تعالى خلق الأرض للإنسان كي يسيح فيها بقدميه.. ويعمِّرها حيث يحلُّ ولم تخلق كي تلف في محاورة مع كرة جلدية... يتقاطر الناس من كل صوب لمشاهدة الدوران والتحاور بين الإنسان وكرة صماء...،
وحسبت يوماً أنَّ الكرة هذه هي رمز للدنيا...
وأنَّ الإنسان في مكابدة الحوار معها هو يمثِّل لهاثه في دولبة الحياة ومعها...
لكن الانتصار هنا للإنسان وليس للكرة، إذ لم يحدث أن مُنحت الكرة وحدها نتيجة، وإنما مُنح مَنْ يحاورها... والنتيجة في النهائية للإنسان...، ذلك لأن الأمور الخارجة عن الإنسان لم «تُجيَّرْ» لها أبداً أية نتائج... وهذا ما يؤكد أنانية الإنسان...
ولقد كتبت قبل ذلك مرات ومرات في شأن فلسفة القدم، ومحاورة الكرة... وكنت أتوقع أنَّ الناس تحتفي بالأفكار احتفائها بالأقدام... لكنَّ الناس تذهب في لجَّة فرحها أو حزنها، بنجاحها أو خسارتها بعيداً عن الجلوس إلى طاولات المفكرين...
ذكَّرني بهذا الحوار الذاتي...
مباراة الأمس الأول...
فلقد فاز «الاتحاد»... وهو فريق عريق كان له من الصولات ما رسَّخ اسمه في الأذهان حتى أذهان أولئك الذين لا يفقهون في أمر هذه اللعبة شيئاً وأنا أولهم...
وأذكر أنَّ سنين عجافاً قد مرَّت به حتى توارى ونسيه القوم إلاَّ أهله وخاصته...
شاهدته في المباراة قبل الأخيرة وهو يصمد حتى الفوز الخارق...، ثم شاهدته في مباراة الكأس...، لم يكن تحولاً منِّي نحو هذه اللعبة، غير أنَّني أحبُّ أصحاب العزيمة...، شدَّتني عزيمته، أخذتني إلى منحى جديد في فلسفة التحدي... أدركت أنَّ النجاح في التَّنقل في مساحة «الملعب» الصغير، إنَّما هي صورة رمزية للنجاح في ملعب الحياة الأكبر...، ربما هذه الميزة الوحيدة التي أشعر أنَّها للعبة كرة القدم ذلك لأنَّ رمز «المنتخب» للوطن، هو رمز آخر لرمز الحياة ودوران الإنسان في مداها...
فإما يعود منها بكرة ذهبية، وإما يعود منها بلهاث متقطع ويد فارغة خلواً من أي مكسب.
و... مبارك للاتحاد أنَّه انتصر على «دورة» المدى نحو الفوز في معترك الكرة!.
بمثل ما يؤهَّل الإنسان بالفوز في معترك لعبة الحياة الدنيا.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved