أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 4th May,2001 العدد:10445الطبعةالاولـي الجمعة 10 ,صفر 1422

شرفات

المتنبي شعر وأزمنة
لقد سبق وان ذكرنا ان اهل الدهر على حسب ما ورد في لسان العرب لابن منظور هو الأمد الممدود، وقيل: الدهر ألف سنة والدهر: الزمان الطويل ومدة الحياة الدنيا.
قال أبو الطيب المتنبي في قصيدة يمدح بها أبا العشائر ويودعه وقد أراد سفراً:


1- النَّاسُ ما لَمْ يَروكَ أشباهُ
والدَّهرُ لفظٌ وانتَ معناهُ

يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: يقول: الناس أمثال بعضهم لبعض، فإذا رأوك اختلفوا بك، لانك لا نظير لك فيهم، وانت معنى الدهر، لانه يحسن الى اهله بك ويسيء.
وقال المتنبي في قصيدة يذكر بها خروج شبيب ومخالفته كافور:


2- تقصَّدهُ المقدارُ بين صِحَابِهِ
على ثقةٍ من دَهْرِهِ وأمانِ

يقول العكبري عن هذا البيت: تقصده: أي قصده، وتعمده، وتوخاه، وتحراه، فهو بمعنى قصده. والمقدار: القدر، وهو القضاء. والمعنى: يقول: كان «شبيب» واثقاً بالحياة، فقصده الموت دون أصحابه فأهلكه، وكان لم يفكر في الموت، كأنه كان على ثقة من الدهر وأمان.
وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:


3- وما ينفكُّ منك الدهرُ رطباً
ولا ينفكُّ غيثُكَ في انسكابِ

يقول العكبري عن هذا البيت: يريد برطوبة الدهر: لينه وسهولته، بخلاف القساوة والصلابة. والمعنى: يطيب عيش أهل الارض ويلين، فكأن الدهر يلين ويطيب لهم وينقاد.
ويجوز ان يكون أراد أبو الطيب: ان ماء الغيث ينقطع، وعطاؤك دائم لا ينقطع، وذكرك لا ينقطع بما تعطي وبما تجعل بعدك في سبيل الله من الوقوف وغيرها.
وقال ابو الطيب في قصيدة يعزي بها سيف الدولة عن عبده يماك التركي:


4- وَلَولا أيادي الدَّهرِ في الجَمع بيننا
غفلنا فلم نشعرْ له بذُنُوبِ

يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: ان الدهر تارة يحسن وتارة يسيء، فلو لم يحسن الينا بالجمع بيننا لما شعرنا بذنوبه في تفريقنا، فبإحسانه عرفنا إساءته، وهو كالعذر له.
وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها سيف الدولة ويذكر بناء مَرعَشَ:


5- وأنَّك رُعتَ الدَّهرَ فيها وَرَيْبَهُ
فإن شكَّ فَلْيُحْدِثْ بساحتها خطبا

يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: يقول: قد فعلتَ فعلاً في الدهر حتى هابك الدهر وصروفه، فإن شك الدهر في قولي فليحدث بالارض خطبا، لان الأرض واهلها امنون من الدهر وتصاريفه، فلا يقدر ان يخيفهم هيبة لك.
وقال الشاعر في قصيدة يرثي بها محمد بن إسحاق التنوخي:


6- لأيّ صُرُوفِ الدَّهرِ فيه نعاتبُ
وأي رزاياه بوترٍ نطالبُ

يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: ان صروف الدهر كثيرة فلا يمكن معاتبتها لكترتها، والوِتر والِّتره: العداوة. وهذا شكوى.
وقال ابو الطيب في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:


7- ولما رأيتُ الناسَ دون محلِّهِ
تيقنت أن الدَّهرَ للناس ناقدُ

يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: يقول: لما رأيت الناس كلهم في المحل والرتبة والقدر دونه، علمت ان الدهر ناقد للناس، يعطي كل واحد على قدر محله واستحقاقه، وهذا على خلاف ما يفعل الدهر، لان الدهر يرفع من لا يستحق، ويحط من يستحق، فهو بعكس ما قال ابو الطيب.
وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:


8-وما الدَّهرُ إلا من رواةِ قلائدي
إذا قلتُ شعراً أصبح الدَّهرُ منشدا

يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: ان اهل الدهر يرون شعري، واخرج اللفظ على الدهر تعظيماً لشعره، والمراد أهل الدهر. وجعل شعره في الحسن كالقلائد التي يتقلد بها.
وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها كافور:


9- وما زال أهلُ الدَّهرِ يشتبهون لي
إليكَ فلما لحتَ لي لاح فردهُ

يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: يقول: مازال اهل الدهر يتشاكلون ويتساوون في مسيري اليك، فلما ظهرت لي ظهر الفرد الذي لا يشاكله احد منهم.
وقال ابو الطيب في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:


10- إذا ما لبستَ الدَّهرَ مستمتعاً به
تخرقْتْ والملبوسُ لم يتخرّقِ

يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: يقول: اذا استمتعت بعمرك، كالمستمتع بما لبسه، فنيت، انت ، وما لبسته من الدهر باق لم يبل. يعني ان الإنسان يبلى والدهر جديد كما هو لا يبلى، ولهذا يسمى الأزلم الجذع.
لقد اشار ابو الطيب المتنبي في أبياته العشرة السابقة الى الدهر وربط بينه وبين الإنسان وحياته. وقد سبق وان ذكرنا الى ان الدهر مختلف في تعريفه ومدته، فقد قيل: ان الدهر ألف عام، وانه حين، وقيل أيضاً: ان الدهر يقع على وقت الزمان من الأزمنة، وعلى مدة الدنيا كلها، وهو الأمد الممدود، وانه الأزلم الجذع.
ولو نظرنا بإمعان الى كل بيت من أبيات شاعرنا العشرة السابقة لتبين لنا ان كلمة الدهر تعني شيئاً ما. ففي بيت الشاعر الأول نلاحظ ان المتنبي استخدم للدهر كلمة لغط، وان ممدوحه هو المقصود بهذه اللفظة لأن الناس بدون وجود الممدوح بينهم متشابهة. فلا يمكن التمييز بينهم، ولكن بوجود هذا الممدوح صار لهذا الزمن او الوقت معنى، وهذا يعني ان هذا الدهر هو وجود هذا الممدوح بين الناس، أطال هذا الوجود ام قصر. وذكر الشاعر في بيته الثاني ان الموت اهلك شبيب دون غيره من الناس مع وثوق شبيب بدهره، ومن هذا يتضح لنا ان شاعرنا المتنبي عنى بدهر شبيب وجوده على قيد الحياة، فلما مات هذا الرجل انتهى دهره. وفي البيت الثالث يقول الشاعر عن الدهر الذي عناه بهذا البيت انه هين لين طيب العيش، لأن هذا الدهر مرتبط بسيف الدولة، فلولا وجود سيف الدولة لاختلفت الحال بالنسبة لهذا الدهر، وهنا فقد حدد لنا الشاعر مدة هذا الدهر بوجود سيف الدولة وسلطانه. ويقول ابو الطيب في بيته الرابع: ان الدهر تارة يحسن، وتارة اخرى يسيء، فمن إحسانه انه جمع بين الشاعر وبين ممدوحه، ففترة او مدة هذا الجمع عبارة عن دهر حسن، وعندما فرق بينهما حدث العكس، ومن هذا البيت يمكننا ان نستشف استمرارية الدهر، أما محاسن ومساويه فالناس هي التي تصنعها. ويقول شاعرنا في بيته الخامس: ان سيف الدولة اخاف وارهب الدهر، ولذا فإن أهل زمان سيف الدولة لزمهم الهدوء والسكينة ولم يحدث لهم شيئاً خوفاً ورهبة من سيف الدولة، وهنا فإننا نعتقد ان الشاعر قصد بالدهر في بيته هذا الناس وما يقومون به من أفعال، فالدهر استكان لسيف الدولة، لان الناس هم الذين لزموا الهدوء والطاعة، ولم يحدثوا أي خطب من الخطوب بسبب وجود سيف الدولة بقوته وسلطانه. ويقول الشاعر في بيته السادس: ان للدهر صروفاً وحوادث ونكبات، فما هي يا ترى هذه الصروف العديدة التي يمكن ان نعاتب؟ أهي حوادث الدهر الطبيعية؟ أم حوادثه المفتعلة من قبل الإنسان؟. ووصف الشاعر في بيته السابع الدهر وكأنه كائن حي ينقد الناس على ما يفعلونه لأنهم دون محل رتبة الممدوح، ويقول لهم: الناس السيئون دهرهم سيئ مثلهم، وبالعكس. ويقول الشاعر في بيته الثامن: ان أناس الدهر - أي دهر - يروون شعره تعظيماً واعجاباً واحتراماً لهذا الشعر الذي يشبه القلائد في الاعناق الجميلة، وهنا وفي هذا البيت اعطى الشاعر مفهوماً ممتداً طويلاً وامداً ممدوداً للدهر، فالدهر من زمن شاعرنا وحتى وقتنا الحاضر يردد قلائد شاعرنا، والذي يردد هذه القلائد هم الناس، رددوها في عصره، والعصور التي تلت، ونحن نرددها اليوم، وسيرددها الناس من بعدنا..! ويقول ابو الطيب في بيته التاسع: ان اهل ذلك الدهر - الذي يعنيه - متشابهون بالخسة والدناءة، ولكن للدهر بعض الصروف الحسنة بانه اوجد فرداً في هذا الدهر يختلف عن بقية أهله، وهذا الفرد منفرد متفرد وغريب عن أهل هذا الدهر. ويقول ابو الطيب المتنبي في بيته العاشر: ان الإنسان يفنى ويبلى ويموت ويظل الدهر على حاله، وهنا اعطى شاعرنا مفهوماً آخر للدهر، فالحياة والظواهر الكونية - الفلكية - المختلفة مستمرة على حالها - الى ان يشاء الله - تكرر من حين لآخر على نمط محدد، اما دهر - حياة - الانسان فهو فان بال زائل مندثر بعد موته، وكل ما يقوم به أثناء حياته من تمتع وسرور وغرور.. و.. و.. يزول بزواله. فدهر الإنسان حياته وما يصاحبها من افعال مختلفة. وقد قال سنتايانا: «ليس ثمة دواء ضد الميلاد والموت اللهم إلا الإفادة من الفترة التي تفصل بينهما».
وقال ابو الطيب في قصيدة يمدح بها شجاع بن محمد الطائي:
يقول العكبري في شرح هذا البيت: ثعل: بطن من طيء، وهم قبيلة الممدوح. والمعنى: يريد كفاهم الفخر على سائر العرب بكونك منهم، وكذلك الدهر كفاه الفخر على الازمنة التي قبله وبعده، لكونك من أهله. وأهل «الأخير في البيت» معناه: مستحق ومستأهل؛ قاله الواحدي.
وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها أبا شجاع فاتكأ:
يقول العكبري عن هذا البيت: يروعهم: يفزعهم. وصروف الدهر: حوادثه. والمجاهرة: الإعلان. والاغتيال: الإهلاك على غفلة.. والمعنى: يقول: هذا دهر يغول الاعداء جهاراً، وصروف الدهر تهلكهم من حيث لا يعلمون، وجعله كالدهر تعظيماً لشأنه والمعنى: يروعهم ملك، وهو كالدهر في قدرته عليهم، ونفاذ ما يريده بهم إلا انه يبعث صروفه مجاهرة، وقدرته عليهم مغالبة، والدهر يغتال بصروفه، ولا يؤذن بخطوبه، فجعل لفاتك مزية بينة، وزيادة ظاهرة.
وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:


3- سَلَكتُ صروفَ الدَّهرِ حتى لقيتُهُ
على ظَهرِ عزمٍ مؤيداتٍ قوائمهْ

يقول العكبري عن هذا البيت: المؤيدات: القويات:؛ يقال أيدته: قويته. ومنه قوله تعالى: «ذا الأيدِ إنَّهُ أوّاب». يريد: القوة. والمعنى: يصف كثرة ما لقي من صروف الدهر، وتقلبه وشدّته، حتى لقي سيف الدولة، وجعل عزمه مركوباً له، لأنه لا يسافر إلا بعزمه، ولما جعله مركوباً جعل له ظهراً وقوائم، وجعلها مؤيدات قويات، وهذا كله على سبيل الاستعارة.
وقال ابو الطيب في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:


4- تَعَرَّض سيفُ الدَّولة الدهر كلهُ
يُطبِّقُ في أوصالهِ ويُصمِّمُ

يقول العكبري عن هذا البيت: التطبيق: ان يصيب المفصل في الضرب. والتصميم: النفاذ في الأمر والضرب. وسيف مطبق: وهو الذي اذا أصاب المفصل قطعه، وكان ماضياً في الضريبة. والمعنى: يقول: أتى الدهر عن عرض، فذلله بالتطبيق والتصميم، ولما جعله سيفا وصفه بالتطبيق والتصميم، وجعله ماضياً في عزمه وإرادته وانه لا يُعسر عليه ما أراده.
وقال الشاعر المتنبي في قصيدة يمدح بها عبيد الله بن يحيى البحتري:


5- بِمَنْ أضربُ الأمثالَ أم من أقِيسُهُ
إليكَ وأهلُ الدَّهِر دونك والدَّهرُ؟

يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى قال الواحدي: ضرب المثل إنما يكون لشبه عين بعين او وصف بوصف، فاذا كان هو اجل وأعلى من كل شيء لم يكن ضرب المثل بشيء في مدحه، وهذا معنى قوله: «أم من أقيسه إليك»؟ ووصل القياس بإلى لان فيه معنى الضم والجمع، كأنه قال: من أضم اليك في الجمع بينكما والموازنة، وأهل الدهر دونك، والدهر الذي يأتي بالخير والشر دونك، لانه لا يتصرف إلا على مرادك، وأنت تحدث فيه النعمة والبؤس.
وقال الشاعر في قصيدة يصف بها مسيره في البوادي:


6- وَقِلَّةِ ناصرٍ جُوزيت عَنّي
بشرٍّ منكَ يا شرَّ الدهور

يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: وقل في قلة من ينصرني على ما اطلبه، ثم خاطب الدهر بقوله: ابتلاك الله يا دهر بدهر شر منك، كما ابتلاني بك، وأنت شر الدهور.
لقد بيّن ابو الطيب في بيته الأول من أبياته الستة السابقة بأن الدهر هو عبارة عن ازمنة متتابعة، وهذه الأزمنة هي عبارة عن اجيال متلاحقة من البشر، فهو يقول لممدوحه: انه يكفي ثعل وهم ضرب من الناس بانك واحد منهم بأن تفخر بوجودك بينهم، كذلك فالدهر الذي انت موجود فيه يحق له الفخر على الأزمنة التي قبله والتي بعده ويقول ابو الطيب في بيته الثاني: ان ممدوحه فاتك عبارة عن دهر يغتال اعداءه علانية ونكباته تأتيهم من حيث لا يشعرون، فالدهر هنا هو فاتك، وفاتك هذا واحد من الناس. ويقول الشاعر في بيته الثالث: بأنه لاقى الكثير من صروف الدهر وتقلباته السيئة، ولما وجد سيف الدولة بين الناس ركب عزمه وتصميمه وسافر اليه، لان سيف الدولة لعظمته ومكانته بين أناس دهره سيجعل صروف دهره ونكباته افضل مما كانت عليه. ويقول الشاعر في بيته الرابع: ان سيف الدولة بعزمه وتصميمه - وحزمه على الناس - استطاع ان يقهر الدهر ويقطع أوصاله. وبيّن شاعرنا المتنبي في بيته الخامس ان ممدوحه البحتري أعظم في مكانته من اهل الدهر، والدهر ذاته. ودعا الشاعر في بيته السادس على دهره، وهو زمنه الذي لم يجد فيه من الناس من يعينه ويساعده على ما يريد، بأن يبتلى دهره هذا بدر اخس منه واشر. ونلاحظ مما سبق الارتباط الوثيق بما نطلق عليه الدهر وبين الناس، فهم هنا الدهر بعينه، فدهر سيف الدولة يختلف عن دهر غيره من الناس وهكذا..
)يتبع(


أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved