أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 5th May,2001 العدد:10446الطبعةالاولـي السبت 11 ,صفر 1422

مقـالات

هل العروبة عقيدة؟:
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
تكلم الأستاذ صلاح سالم )كاتب من مصر( عن براهين تاريخية علا أن القومية العربية عقيدة حية تلخصت في أنها اشتبكت اشتباك تناقض مع أكثر من بناإ يتعلق بالدولة العثمانية، ثم اشتبكت مع رأسمال الغرب، ثم الاشتباك مع الماركسية..ومرحلتها الأخيرة الاشتباك مع الدولة القطرية ولهاذه المرحلة ثلاثة أدوار هي:
1 الحنين إلا الوحدة برومانسية عاطفية.
2 الأسلوب الثوري الذي بدأه عبدالناصر.
3 الدور الراهن المائع الذي يسعا إلا توفيق أو تلفيق بين فلسفتي الدولتين:
القطرية، والعربية الأم)1(.
هاذا هو ملخص هاذا الطرح، وسأتقصاه إن شاأ الله تفصيلياً مع بعض المداخلات، وإنما أحب تحليل أقوالنا التي نطرحها: ماذا تعني تصوراً، وماذا نهدف من ورائها، وما برهانها أو المعادلة البرهانية إن كان لها مضاد..إن القومية انتماأ إلا قوم، وبقيد )العربية(، فهي انتماأ إلا العرب.. والعقيدة في مفهومها اللغوي ماعقد عليه القلب نيته من إيمان بتصور، أوشك فيه، أو كفر به..وما عقد عليه القلب نيته من إضمارك سلوكاً أو تركه..وَتمْتَلأُ النية بالعزم، وتنتهي بالسلوك؛ لتكون وجوداً بالفعل..
والاصطلاح علا العقيدة)2( يعني إيماناً بمبادإ وأفكار توجه السلوك فعلاً وتركاً؛ وإذا اضيفت العقيدة إلا انتماإ عربي فلابد ان يكون هاذا المسمَّا عربياً ذا مبادأ وأفكار موحدة؛ لكي تكون عربية واحدة، وأن تكون ذات خصوصية تميزها عن الانتماإ الإنساني والأممي..ومن شرط واحدية العقيدة العربية واحدية الانتماإ العربي، او شمول العقيدة القومية العربية لأكثر من انتماإ؛ فهناك انتماأُ العرق، وانتماأُ اللغة، وانتماأُ الوطن..إلخ..ولابد من تحديد )العربية( التي إليها الانتماأُ؛ فهناك عرب بادوا، وبقايا عرب بادوا اندمجوا في أمم أُخْرا، ولا تعني كلمة العرب الانتساب إلا أب، بل إلا أجناس سامية قبل إبراهيم عليه السلام، ثم تحولت إلا مفهوم عرقي ينتسب إلا إسماعيل الذبيح بن إبراهيم الخليل عليهما السلام، وهو العرق الذي ينتسب إليه الآن كل عدناني وقحطاني، ولا يكون ذا نسب عربي إلا بالانتماإ اليهما..وعلا المفهوم الأول مفاخرات عربية ككتاب العقاد عن سبق الحضارة العربية للحضارة اليونانية!!)3(..وكاتصال زبَّالي الطائفية والنحلية والشعوبية بوثنية بعل)4( وإسقاط قرون الهجرة التي جعلوا لها مرادفات من العمامة والعباأة والحصير والنخلة والبخور والرمل والسلطان والفقيه والقهرمان والمهرج)5(..ثم الالتحام بحضارة حوض البحر الأبيض المتوسط وكل ما هو شماله من عوالم مع عوالم الدنيا الجديدة الواقعة عنه غرباً..وكل هاذا قومية ادعائية بحتة؛ لجهالة البقايا من تلك الأجناس العربية بالمفهوم اللغوي مع قلتهم..مع أن المُعْطا الحضاري القديم مفقود، والمعطا الحضاري الجديد لا ينتسب إليهم ولا ينتسبون إليه بأَدْنا سبب أو نسب؛ إذن المملكن في سماإ الواقع أو أرضيته وجود قومية عربية تنتمي إلا عدنان وقحطان؛ فهاذا متصور، وأما الحكم فَمُرجَأٌ إلا حين الخلوص من كل التصورات..التصورات الكثيرة، وعسا أن أقدر علا إحصائها..إن القومية العربية بكل التصورات انتماأً وعقيدة: هي الانتساب إلا عدنان أو قحطان نسبة بنوَّة متسلسلة..ومن عجز أن يقول: أنا فلان بن فلان بن فلان بن فلتان بن علان..حتَّا يصل إلا عدنان أو قحطان: فيكفيه الاستفاضة بأنه عربي الدم..لابد أن يكون قحطانياً أو عدنانياً..ومن حرم هاذا النسب: فلا نصيب له من العروبة عقيدة وانتماأً.. حتَّا ولو كان من ذرية إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام الذي من ذريته يوسف النجار عليه السلام الكريم بن الكريم بن الكريم..حتَّا ولو كان جده إبراهيم الخليل عليه السلام الذي ينتمي إليه الآن أكثر وأكرم عنصر بشري)6(.. وعقيدة هاذا الانتماإ: أن البذخ والسرف في إكرام الضيف بمال مسروق أقل أحواله النهب خفية، وشر أحواله القتل والترميل والتيتيم.. وفي مبادإ هاذه العقيدة أن ذالك هو الكرم الأصيل الذي تخسأ عنه كل الأمم!!..وعقيدة هاذا الانتماإ منها ماهو مكارم أخلاق تمَّمها الإسلام وهذبها، ومنها ما هو رذائل سماها جاهلية أُوْلا..بيد أن الأستاذ الدكتور محمد عمارة تحدث عن الهُوِيَّة لأي حضارة من حضارات الأمم، وجعلها القدر الثابت الجوهري المشترك من السمات والقسمات العامة؛ ومن ثمة تكون الشخصية القومية طابعاً تتميز به الشخصيات القومية الأُخْرا..وطبَّق هاذه القاعدة علا أمتنا العربية؛ فوجد القسمات المحددة لهويتها متمثلة في: العروبة، والدين، والوسطية..والعروبة عند عمارة ذات معنا حضاري وفكري وثقافي، وليست هي مَعْنا العرق؛ فالعروبة بالمعاني الثلاثة الأُوْلا المذكورة آنفاً هُوِيَّةٌ حضارية للمسلمين بمقتضا عنوان كلمته..أما هاهنا فيقول عن العروبة: «هوية حضارية لهاذه الجماعة البشرية التي تعربت من الفتح العربي الإسلامي، والتي)7( أصبح ولاأُها وانتماأُها لكل ماهو عربي..وليس للأطوار الحضارية الَّتي سبقت في تاريخها طورَ الاستعراب..ولقد استوت في هاذا الولاإ والانتماإ للعروبة بأُلائك)8( الذين انحدروا من أصلاب عربية بالمعنا العرقي، بل وبرزت جهودها الفكرية في بلورة السمات الحضارية المتميزة للحضارة العربية الإسلامية حتَّا كادت تملأ ساحة هاذا الميدان»)9(. ويدل علا أن الأستاذ الدكتور عمارة أراد المستعربين من المسلمين وغيرهم قوله عن تفاعل الشعوب مع حضارة المسلمين:«إنها الدائرة الحضارية التي انداحت من حول النواة الدينية لديانة الإسلام؛ ففيها تلك الإسهامات والإضافات التي دخلت نسيج هاذه الحضارة من المواريث التي سبقت ظهور الإسلام..وفيها إبداعات)10( الذين تعربوا ومنحوا ولاأهم وانتماأهم لهاذه الحضارة مع بقائهم في التديُّن علا الشرائع الدينية التي سبقت ظهور الإسلام»)11(. قال أبو عبدالرحمان: أذا أُريدت هوية الأمة الإسلامية فالأمر كما قال الدكتور عمارة تكون مكونة من اللغة العربية والدين...أما الوسطية فداخلة في مفهوم الدين، وإذا أُريدت هوية الأمة العربية بالعنصر العرقي: فالدين والحضارة، والأمية والبداوة، والأخلاق الفاضلة والرذيلة: كل ذالك مراحل وعوارض تعتور هويتها..وإذا أريد الكلام عن الموهبة العربية: فلا ميزة لها إلا بالشرط الإسلامي..أي الوجود العربي منذ الإسلام.. وقولي:«فلا ميزة لها» غير القول: بأنه لا وجود لها..وأما امتصاص ثقافات الشعوب، وتعانق العربي عرقاً، والمسلم تعريباً، وغير المسلم تعريباً علا إمداد الموهبة العرقية، وإشاعة ثمارها: هل يُعَدُّ كل ذالك حضارة وثقافة قومية عربية عرقية؟: فلذالك حديث يأتي إن شاأ الله، ويهمني هاهنا مفهوم الأمة ذات اللسان العربي،والرقعة العربية، والدين الإسلامي بغير شرط العرق العنصري..ويهمنا من هاذا المفهوم موقفه من العطاإ الحضاري بعد أن أصبحت الأمة مغلوبة علمياً وعسكرياً..إنه منذ طلائع النهضة العربية الحديثة والفتا العربي في تطلع إلا مستقبله تطلعاً انقيادياً قابلاً للتأثر بالحاضر، والتشوق للناظر، والفتور عن الغابر..وذالك جعل الرقعة العربية كلها كغيرها من أراضي الأمم النامية رقعة تسويق واستيراد لأمورمادية عينية، وأمور معنوية منطقية أو خلقية أو جمالية..وكادت تتغير سحنة المأثور التاريخي؛ فنجم في الرقعة العربية موقفان جدليان:
أحدهما: موقف التطلع لما عند الأمم القوية باستسلام يأخذ بالمجمل ولا يقتصر علا الميزة. وثانيهما: موقف محنط متخثر لا تهمه ضالة المأُمِن التي ينشدها أنَّا وجدها..وهاذا الموقف ايضاً يتقوقع علا المأثور، ويأخذ بمجمله، ولا يقتصر علا ميزته..وكان الموقف الأول هو الغالب السائد في الرقعة، وكانت معارضته هي السبح في التيار..وبعد مرور خمسة عقود )هي نصف قرن علا وجود هاذين الموقفين( كان من الطبيعي ظهور موقف ثالث ستكون العُقبا له إن شاأ الله..إنه موقف يعتبر كل ما مضا مجرد تجربة كافية مُلِحَّة علا صحوة وتبصر ومعادلة حسابية شعارها الواحد المطلق: الأخذ بالميزة، وترك المجمل..لا فرق بين القديم والجديد إذا تحقق مفهوم الميزة..وعناصر هاذا الاختيار: الاعتقاد بكفاأة الموهبة العربية عقلية وسلوكاً ومهارة، وأن الحاجة إنما هي إلا شغل الموهبة العربية بالحرفة والمهارة التي تحقق لها القوة والاكتفاأ الذاتي..ثم الاعتقاد بأن ما يحتاجه العربي من حرفة الآخرين ومهارتهم لا يمكن ان يُحتِّم عليه تحطيم الثوابت من كيانه، أو التخلي عن الميزة من مأثوره؛ فبإمكان الفتا العربي أن يمارس أرْقا حرفة حضارية بعارضيه ولحيته اللذين هما من واجبات دينية وجمال مأثوره، وبإمكانه أن ينظَّم دوام حرفته ومهارته وأعماله وسكنه وراحته فيما بين أوقات النداإ الخمسة دون أن يستعير تنظيماً لدوامه مستورداً لا يراعي أوقات النداإ الخمسة، وبإمكانه إذا لم يرض بالبساطة العربية أن يصمم سكنه علا أمتع وأقْوا ما عرفته العمارة الحديثة دون أن يجد ما يحتم عليه السفرة الأفرنجية ونظام الضيافة الأوربية الشحيح المقتر..بل يجعل قوة العمارة ومتعتها لبحبحة الطبع العربي مظهراً وكرماً وخلقاً..ثم شعور الفتا العربي بأنه في موقف جدلي مع غابره وحاضره؛ فيقف موقف التلميذ المشاغب )أو إن شِأْت فسمه موقف المتتلمذ والمتحدي في آن واحد(..وليس معنا التتلمذ أن يشعر بأنه بحاجة إلا أن يتعلم كيف يفكر، لأن العربي مفطور علا أصالة الفكر، وإنما معنا ذالك حاجته إلا اقتباس حرفة ومهارة يشغل بها أصالة فكره الذي يمكن أن يُهدر في تحليل بيت شعر أو صياغة نكته..والتحدي أن يجابه كل مظهر رخو في بِيْأته، ويدرب أهله وولده وَمَنْ تحت يده علا بساطة المظهر مع أخذهم بشدة الفكر وإيجابياته..ثم التفريق بين الثوابت والمتطورات؛ فما كان من الثوابت كحق الله في التشريع، وكضرورة اللغة العربية لكياننا فلا تقبل المساومة فيها، وما كان من المتطورات فهو خاضع لجدلية النقاش دائماً وأبداً..وإلا لقاإ إن شاأ الله.
الحواشي
)1( جريدة الحياة عدد 13573 في 10 مايو سنة 2000م ص 10/مقالة «القومية العربية عقيدة حية تبحث عن تاريخ جديد».
)2( إذا أُطلقت العقيدة فيراد بها الإيمان والكفر والأمور العادية..والعقيدة مفهوم عربي استمد منه علماأُ المسلمين مصطلح العقيدة علا مسائل الإيمان والكفر..وأنا الآن بصدد تحرير بحوثٍ تصحح مفهوم شاب متسرع اعتبر الاصطلاح بالعقيدة بدعة!!.
)3( لانه يعني فرعاً سامياً ليس من العرب بالمفهوم العرقي الموجود الآن غير البائد.
)4( قال أبو عبدالرحمان: ليس لهاذه الوثنية حضارة مكتوبة، وذالك الانتماأ شعوبية جديدة عند أمثال أدونيس وهو من الطائفية التي كانت تفح من الثقوب، والآن تنبحنا علناً.
)5(هاذا هو انتماأ حوار ومواقف وشعر وأدونيس والخال وتوفيق صائغ وأنسي الحاج وأنطون سعادة..إلخ..إلخ.
)6( وفي طليعتهم العرب المسلمون.
)7( قال أبو عبدالرحمان: الأولا بلاغة حذف «الَّتي» أو أن يقول:«وهي الَّتي»، حتَّا لا يُشعر الكلام بموصوفين والمراد صفتان لموصوف واحد.
)8(قال أبو عبدالرحمان: الكلام هاهنا أعجمي، ويستقيم لو قال قبل ذالك «تساوت» ثم قال: «مع ألائك»..أما هاهنا فيكون المعنا: اعتدلت وقامت بألائك..وهو لا يريد هاذا المعنا.
)9( مجلة المنهل عدد جمادا الأُولا عام 1419ه ص8081.
)10( قال أبو عبدالرحمان: يجوز جمع المصدر إذا أريد نوعيات يدل عليها ذالك المصدر كما قرر ذالك السهيلي وابن قيم الجوزية في بدائع الفوائد، وغيرهما.
)11( المصدر السابق/ مجلة المنهل ص 81.

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved