أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 8th May,2001 العدد:10449الطبعةالاولـي الثلاثاء 14 ,صفر 1422

مقـالات

شدو
مجاديف الأمل يباب الأمنيات
د. فارس محمد الغزي
تقول العرب «نعم الرفيق الأمل» وحقا قالوا فالأمل رحمة لأمة محمد عليه أفضل الصلوات والتسليم ولولاه- في معنى الحديث الشريف - «لما أرضعت والدة ولدها، ولا غرس غارس شجرة» وما ذلك إلا لأن الحياة كبد وسهد وكمد ديدن الانسان فيها تضميد ولعق جراحه منها، بل التقاط ما يتداعى أمام ناظريه من أشلاء أحلامه المتساقطة تساقط أوراق أشجار الخريف نفاذا بجلدها من وحشة الشتاء، حينما يكون خيار الرحيل عدما أقل ايلاما من ألم البقاء، فلا غرو أن يكتفي الشاعر )المعري( بتوصيف الحياة «بالتعب» فقط، وهي كلمة قد تبدو مبتذلة مستهلكة في لدنها بعض من خيار نقيض التعب )الراحة(، بيد أنها للمتمعن كلمة يكفيها من البيان حضورها الفاعل حتى نهاية البيت رغم حلولها في بدايته مما يجعلك تستشف شعور الشاعر وقد طاله من تعب الحياة ما أعاقه من أن يصمها بالمزيد، بل ان مجرد تعجبه من الراغب في الازدياد منها ازدراء منه لها وذلك بقوله:


تعب هذه الحياة فما أعجب
إلا من راغب في ازدياد!

ورغم التعب السرمدي هذا يبقى الأمل ذاك وقودا يحترق بكيان الانسان دفعا بالانسان سيرا حثيثا منقبا في أروقة المناكب والمنادح، مضاجعا أحلام الليل، معانقا أماني النهار، باحثا عن شيء حتما سيتجلى له في نهاية المطاف عن لا شيء مما يعني )التوقف(، غير ان الأمل سرعان ما يهب )فيتدخل( باثا في كيان هذا الانسان المزيد من وقود )الاحتراق( توقدا، فاصراراً على المضي نحو المجهول طلبا للمجهول، وهذا، في الحقيقة، هو سر )انسانية( الانسان من حيث ان الانسان -بدون أمل- تتنازعه كافة مغريات وعناصر الجثوم على ضفاف كثبان اليأس القاتل: فهو مركبة لولا الأمل لما تزحزحت من مكانها قيد خطوة. انه اذن الأمل بأن الغد المنظور قد يكون أقل خيبة من الأمس الذي تجلى بعد انتظار فقط ليحتضر ويتلاشى في سراديب الماضي السرمدي. ومرة ومرة ومرة يعاود الانسان الكرة إثر الكرة فقدره أن يظل انسانا ما ظلله الأمل حلما في أن للحاضر البائس غدا جديدا على متنه من التباشير ما سيردم حفر الأمس في قيعان ذاكرة الوجود والوجد والوجدان.
ومع ان الانسان هو الانسان أملا فالناس ليسوا بسواسية أمنيات. بعبارة أخرى، تبقى الأمنيات معياراً للتمايز المميز لهذا عن ذاك، على غرار القول المتصرف به هنا: «قل لي ما هي أمنيتك، أقل لك من أنت!»، غير ان استحالة تحقق أمنية )أمنيات( الانسان الماثلة في الهرب من «المنية» تمثل في النهاية دلالة أكيدة على ان البشر في الأمنيات سواء ما دام أنهم )كلهم في الموت بشر!(.إن الأمنيات تحصيل حاصل محال تحصيله، وما )المتمنية!( - أم الحجاج - إلا خير مثال على ان الأماني تظل أماني بغض النظر عن الحاجة الماسة لتحقق الأمنيات!، ومع ذلك فقدر الانسان التجديف ببحر الأمنيات تعللا، فها هو -مجدف آخر- رحْلَه اللهفة والعجلة من أمره!. يطرح السؤال ويجيب عنه، وعذره اليأس الناطق يقينا بأن الأمنيات مجرد أمنيات فقط لا غير!:


لو قيل ما تتمنى قلت في عجل
أخا صدوقا أنيسا غير خوَّان
إذا فعلت جميلا ظل يشكرني
وإن أسأت تلقَّاني بغفران!

بيد ان نظيره التالي يختلف عنه في كونه - أكثر منه واقعية - وذلك حين تمنى شيئا )معقولا!( من حيث انه تمنى )الموت لها!( والموت حق وما هو حق جدير بأن يكون معقولا، خصوصا أن أمنيته لها قد تحققت له ولها كذلك:


من حبها أتمنى أن يلاقيني
من نحو بلدتها ناع فينعاها
كيما أقول فراق لا لقاء له
وتضمر النفس يأسا ثم تسلاها!

وعند منعطف أمنية الموت هذه، جدير بنا استعارة مقولة علي بن أبي طالب رضي الله عنه التي نصها:«تجنبوا المنى فإنها تذهب بهجة ما خُوِّلتم، وتصغر المواهب التي رزقتم»، وحقا قال الخليفة كرم الله وجهه، حيث ان من تجاوز حده الانساني تمنيا انتهى به الأمر يتمنى الشفاء من داء التمني والدليل على ذلك قول من قال:


أتمنى انني لا أتمنى
فلقد بت بآمالي معنى!

ص.ب 454 رمز 11351 الرياض

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved