أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 9th May,2001 العدد:10450الطبعةالاولـي الاربعاء 15 ,صفر 1422

محليــات

لما هو آتٍ
أنت وجدليّة الزمن
د. خيرية إبراهيم السقاف
جدليَّة عجيبة مدهشة هذه الصَّامتة القائمة بين زمن الإنسان، وبين ما في هذا الزمن من مكوِّنات الأخذ والعطاء، أي التَّفاعل المرتبط بالآنية، بالآلية، التي يتحرك بها، وفيها زمنُ الإنسان منذ أن يفتح عينيه صباحاً، وإلى أن يغمضهما مساءً...
الإنسان محاطٌ بما حوله، قريبٌ مما هو فيه، بعيدٌ عمَّا هو فيه..
يجد أنَّه مشغولٌ منذ أول لحظات الزمن اليومي الذي يُفترض أن يمضيه في أمور اعتيادية، ولكنَّها ضرورة وإلزامية، مع أخرى طارئة، أو.. متوقَّعة..
وهو يستعدُّ لها في أقصى حدود تنظيمه لهذا الزمن..، ويُفرغ نفسه عن أي ارتباطات طارئة كي ينفِّذ برنامجه..
غير أنَّه يُفاجأ بأنَّ وعاء الزَّمن الذي يمرُّ به،وفيه، أضيق، وأصغر من أن يستوعب كلَّ الذي يمكن أن يؤدِّيه مرسوماً في الذاكرة، أو محفوراً فوق خطوط الورق المؤرَّخ والمُزَمَّن!!، لذلك يجد نفسه في مواجهة سافرة مع جدليَّة أخرى هي التأجيل..
الإنسان الذي ضاق به زمنه..وقصر به عمره عن أن ينجز كلَّ ما يُريد أن يُنجز.. يعزو هذا الأمر إلى نفسه قليلاً، وإلى الزمن ذاته كثيراً..، وغالباً ما يأمل، والأغلب تجده يتحسَّر، حتى أنَّه في كثير ما يُنيط هذا الأمر إلى «حظِّه» ويظنُّ بهذا الحظ الظُّنون، وبعض النَّاس يحزنون، وآخرون لا يبالون..، و... الزمن في صمتٍ يمرُّ..، ولا يتوقَّف، وهو كلَّما امتدَّ من جهة، فإنَّه يَقْصرُ على كلِّ الحالات!...
وحين يجد المرء نفسه أمام مصطلح: «التأجيل».. يسقط في يده، إذ هو لا يملك من أمر نفسه شيئاً، وهو لا يدري هل سوف يُتاح له أن يحقِّق ما فاته، وأن يعوِّض الفارط من زمنه فيما هو آتٍ، وأن يوظِّفه لما لم يتمكَّن من إنجازه؟
أم أنَّه سيواصل حلقات التأجيل.. حتى إذا ما جلس إلى نفسه لحظات وهو يستعدُّ لرحلة «الموت الأصغر» «النَّوم» وجد أنَّه ربَّما يُمكِنه أن يُرجىء هذه الرحلة لساعةٍ، ولأخرى، بينما سوف يكون أكثر يقيناً من أنَّه لن يستطيع تأجيل الموت الأكبر، ذلك ليس فقط لأنَّه مرهون بوقتٍ ، وإنَّما لأنَّه لا يملك هو ذاته معرفة متى هذا الوقت؟!
وينعى الإنسان وقته كلَّ يوم
ويسخط على كثرة ما يُتَطَلب منه أداؤه كلَّ يوم..
ويلوم زمانه..
ويعيب كلَّ مسبِّبٍ لذلك التأجيل..
ولا يعرف المرء عيوبه كما قال الشاعر:
«نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيبٌ سوانا»
ذلك لأنَّنا ندَّعي القدرة فينا، بما لا يوجد لدينا منها إلا المحدود..
ونحرص على تحمُّل كافَّة المسؤوليات، ظنّاً أنَّ لدينا إمكانات خارقة، وننسى محدودية هذه الإمكانات، ونحاول أن نكون بما لا نكون..
الإنسان في هذه الحياة يُضيِّع جُلَّ زمنه في الأمنيات، وجزءاً في الادِّعاءات، وآخر في المحاولات، وما بقي في العمل ببطء..، دون معرفة أنَّ الزَّمن دقيقٌ، لا يحتمل التأجيل، وهو حيِّزٌ لا يقبل التَّغيير، وهو انسيابيٌّ لا مَنْ يستطيع اعتقاله..
ومع ذلك، فهو يمضي لا يعبأ بأحد..
شاءوا فيه شيئاً ففعلوه، أو شاءوا فتركوه..
كان ذلك بإرادتهم، أو بدونها..
الزَّمن صامتٌ غير أنَّه فعَّال..، هو يخدم فقط من النَّاس من يخدم نفسه، وهو يستوعب فقط ما يُقنِّنه الإنسان نفسُه، وفق موازنة دقيقة بين حجم الزَّمن، وكميَّة العمل، بكيفية الأداء..
فإن كان الزَّمن محدداً بفطرته، فإنَّ الإنسان وحده من يحدِّد كميَّة ما يُملأ به هذا الحيِّز الفطري للزمن، ويُقنِّن كيفية أدائه له..
ولكي لا يندم..
أويسخط..
أو يرمي بلوائمه على الزمن..
فإنَّ الإنسان يحتاج كي لا يصل إلى «جدل» عقيم مع زمنه..، إلى أن يكون صحيحاً في فهمه للزمن، وسليماً عند الأداء فيه، لما هو فيه، ممَّا يُقنِّنه له.
و.. ألاَّ يمرق بك زمن يومك ولم تملأ حيِّزه؟
و.. ألاَّ يمرق بك، وقد ملأته بما لم ترض عنه؟
و.. ألاَّ يحدث أنَّك رفعت رأسك تتأسَّف حسرةً على مروق زمنك وأمامك عشرات الأمور التي لم تُنجزها؟
عندما تبدأ خطوة الجدل..
لا تترك نفسك تقع في شباكه..، احمل نفسك، واذهب إلى فراشك، وتذكَّر أنَّك ربما تستيقظ إلى زمن جديد من الموت الأصغر..، بينما ستفاجأ عندما تترك كلَّ شيء لم تنجزه حين يداهمك الموت الأكبر!! لأنَّك لن تستيقظ..!!
و.. أنت وزمنك.. ولا فُضَّ فو «جدلكم»، و«مجادلاتكم» عبر محطَّات الزَّمن!!.
ذلك لأن الإنسان يمضي عمره في التأجيل ...
فالعمر تأجيلٌ ... فتأجيل ...
فمتى تقف عند كلِّ لحظةٍ من عمرك وتعرف تفاصيلها ؟!.

أعلـىالصفحةرجوع










[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved