أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 10th May,2001 العدد:10451الطبعةالاولـي الخميس 16 ,صفر 1422

مقـالات

شدو
)عزق( منفرد!
د. فارس محمد الغزي
تفيدنا بعض كتب التراث بأن من عادة العرب الأوائل توسُّم نبوغ الأبناء الذين تزيد معدلات شقاوتهم عن المعدلات الطبيعية «لزمانهم» الأمر الذي نستطيع أن نستشف من خلاله أن النقيض من ذلك - وأعني هدوء الأطفال وسكونهم وخمولهم - يعتبر حالة غير طبيعية، فها هو أحد الأعراب يجيب - بعد أن تم سؤاله عن معيار توسّم نبوغ الطفل لديهم - بالقول، «إذا كانت فيه لوثة فلسنا نشك في سؤدده»، ويتفق معه على «اللوثة الإبداعية هذه!» أعرابي آخر وذلك بترشيحه! للطفل «الأشدق الأحمق!» كنابغة مستقبلية لزمان قدم لوحده وتقادم بمن فيه. والسؤال هنا، هل اختلفت معايير نبوغ الأطفال في وقتنا هذا عن المعايير التي أخذ بها العرب الأوائل استشرافاً لنبوغ الأطفال؟ بصراحة لا أدرى بيد أنني أعلم أن البحوث العلمية الحديثة المتعلقة بمعطيات وحيثيات النمو لدى الأطفال ترى في المعايير الآنفة الذكر دلائل «مرضية»، فالطفل ذو الطاقة الجسدية الزائدة عن حدها - يعني الأشدق الأحمق «أو البثر! أو الهايبر أكتف!!» يعتبر في عصرنا هذا مريضا وليس نابغة كما كان الأمر في العهود السابقة، عليه فإنني أعتقد أن تطور العلم كفيل «بترويض» الإنسان أكثر فأكثر الأمر الذي يعني أن العلم سيتطور إلى درجة استعباد الإنسان فانقراضه باسم تطوره أو ترويضه، لا فرق!. بالمناسبة وقبل أن يتم ترويض الإنسان كلية، دعوني أنتهز الفرصة وأطرح عليكم هذا السؤال: هل من الصحيح أن عمر الإنسان «المقرود/الأقشر!» أطول من عمر الإنسان المسالم «اللي كاف خيره شره؟» وإلاَّ فما هو السر وراء اعتقاد بعض الناس أن عمر «الشقي بقي!»، ليس لدينا فقط بل حتى في الغرب بدليل مثلهم القائل: «السيئون لا يموتون أبداً Bad ones never die». هنا ومع أن الأعمار بيد الله سبحانه فإنني أرى الشقي عمره مثل عمر بقية البشر غير أن الناس تعتقد بطول عمر الشقي هذا لأن دمه ثقيل إلى درجة «شفط أوكسجين» سعادة من حوله، الأمر الذي يجعلهم يحسون بتوقف الزمن بحضوره حيث تكون الدقيقة مع هذا الشقي كأنها ساعة، والساعة أيام، والأيام شهور، والشهور دهور.. مما يجعله في النهاية يبدو معمراً... تختلف طرائق تعامل الناس مع الإساءة، فمنهم من إذا تلقى إساءة من شخص ما بادر بالصفح والعفو عنه طمعاً بالأجر والثواب، وهناك من لا يتردد برد إساءة المسيء بمثلها، وهناك طريقة ثالثة لم تجرب بعد على نطاق واسع على الرغم من إيجابيتها البالغة فإليك بها مختزلة: بادىء ذي بدء إياك أن تصفح عمن ظلمك إن لم تكن واثقاً كل الثقة من أن «نيتك» حين عفوت لم تكن سوى طلباً للثواب، في الوقت نفسه عليك بالحذر من مغبة رد الإساءة بمثلها حيث إن نهجاً كهذا من شأنه أن يقودك إلى متاهات أنت في غنى عنها أقلها أن تبدو في نظر الناس كما يبدو «هو!» في نظرك، إذن فليس أمامك سوى خيار اتباع الخطوات التالية: أولاً، ثم بتدوين ما تعرف من صفاته السيئة. ثانياً، على افتراض أنه يتسم بالبخل أو أنه مخادع لا يحتفظ بالسر، فعليك الإنطلاق من هاتين الصفتين «لأخذ حقك!» استشعاراً عن بعد، وذلك بأن تقوم بإشاعة النقيض مما يتسم به من بخل وانتفاء أمانة!.. عليك بالثناء على كرمه ومدح أمانته - بمناسبة وغير مناسبة - خصوصاً لدى كل من يشاركه صفاته القبيحة هذه، دافعاً بهم إلى الطمع بكرمه وإلى الاطمئنان إلى ما يتميز به من وفاء «غير موجود أصلاً!»، بعبارة أخرى، أعلن على رؤوس أشهاد - دوائر اللؤم والخبث والطمع - أن الشخص هذا يتميز بكرم لا يعادله سوى كرم حاتم وبوفاء لا يضاهيه سوى وفاء السمؤال، وفي تلك الأثناء بادر باستعارة العبارة الشهيرة التي نصها: «استمتع بالرحلة ودع القيادة لنا».. غير أن عليك تجنب الموت الجماعي أقصد.. «السرعة القاتلة!» للاستمتاع، والتزام الهدوء والتمتع - فعلاً - بأخبار «اصطدام» البخيل واحتكاك المخادع بالمخادع.
**********
ما ذا لو تم وضْعُك أمام أحد خيارين: إما أن تمنح أحدهم 20 ريالا يوميا أو تدفع له من وقتك - بالتأخر عليك - عشرين دقيقة كل يوم؟ بالطبع، الخيار خيارك بيد أنه من الواجب تذكيرك قبل أن تتخذ قراراً أنك ستدفع له من جيبك - حسب الخيار الأول - مبلغا وقدره 600 ريال شهرياً، بينما سيكون نصيبه من «دقائق عمرك» - وفق الخيار الثاني - 600 دقيقة شهرياً، مما يعني أن عليك الاختيار بين أن تدفع له سنوياً مبلغ 7200 ريال أو 7200 دقيقة من عمرك القصير ابتداءً..
عند هذه النقطة وقد تمت إثارة اهتمامك، دعنا «ندع!» الأرقام لنقول إن العرب الأوائل لم تدخر وسعاً في التحذير من مساوىء إخلاف الوعد وكفى بالمرء رادعاً أن يتهم في مروءته استدلالا بقول العرب «آفة المروءة خلْف الموعود»، بل يكفينا منهم توصيفهم لهذا النوع من البشر بحيوان «لم ينفعه!» حقيقة أن الجاحظ ألّف في طباعه ما ألّف، وأعني بذلك كتاب «البغال»، الأمر الذي يفيد بأن «البغل» هو الحيوان المعني بوصم العرب الأوائل لمخلف وعوده ومواعيده بالقول: أخْلف من ولد الحمار» وبالطبع فالبغل - كما هو معلوم - لا يشبه أمه الفرس ولا أباه الحمار. ومرة أخرى يبدو أن الإلتزام بالوعد من أولويات الثقافة العربية آنذاك وذلك بالطبع قبل أن يتم إلغاء «العقل» استدلالا بأن العرب لم «يبرد كبودهم!» القدح بمروءة مخلف الوعود ولم يكتفوا بتشبيهه بالبغل بل أنهم شبهوه أيضاً بالنبات وذلك بقولهم «أخلف من شرب الكمُّون» وحينها تصبح مواعيده - غير المحترمة!- «مواعيد الكمُّون» كما تعارفت العرب على قوله، وقد شهد عليه الشاعر العربي بقوله:


إذا جئته يوماً أحال على غد
كما يُوَعد الكمون ما ليس يَصدق!

بل أدانه وحذره شاعر آخر بقوله:


لا تجعلنِّي ككمُّون بمزرعة
إن فاته الماء أغنته المواعيد!

... ختاماً، كم أتمنى أنه قد تم تشبيه مخلف الوعود «بالحلبة أو الرشاد!» بدلاً من الكمّون ... بيد أن الأمر قد فات على غرار «سبق السيف العذل».. أو سبق الكمّون الحلبة!
*ص ب 454 رمز 11351 الرياض

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved