أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 11th May,2001 العدد:10452الطبعةالاولـي الجمعة 17 ,صفر 1422

محليــات

لما هو آت
التخطيط وفق المتغيرات والإنسان
د. خيرية إبراهيم السقاف
المجتمع الساكن، المنطوي على قيمه وعاداته، المشبع بمفاهيمه، المحافظ على تركيبته الخاصة، وبنائه القيمي الموحَّد..، يتَّسع..، يتحرَّك..، يخرج أفراده الى أبعد من نقطة سكونه، يمزِّق عباءة انطوائه،.. تدخل إليه مفاهيم جديدة..، تمتزج بقيمه قيم أخرى..، يستجد في واقعه واقع آخر..، تظهر عليه بعد ذلك ظواهر لم تكن تمثِّل كل هذه المتغيرات..، فتبدو أبنيته الثقافية والمعنوية خارج عباءته القديمة، منطلقة خارج إطار نقطة سكونه..، في البدء تظهر الفوارق بين ما كان وما صار، تماماً كما تبدو ظاهرة للعيان تلك الاضافات الترميحية التي تلحق بأي عمار سقطت بعض أجزائه، أو كلحت فيعالجونها بردم الثقوب وتلوين الكالح..
هناك من الأبنية ما يعاد طلاؤها.. فتخفي ما تحتها من المعالجات..، وبمثل ما يحدث في شأن العمار الجديد، وترميم القديم يحدث في بنية الثقافة القيمية للمجتمع بأفراده وفق ما يطرأ على المعنوي منها والمادي.
الملاحظ أنَّ عمار البنية الثقافية في جانبها المعنوي في المجتمع بدأت تتأثر بما حدث من تغيير في بنائها المادي..
فالإنسان الفرد في الجماعة له حاجاته، والجماعات لها حاجات.. وهناك ثوابت جمعية في تحديد مفهوم الحاجة، كما أنَّ هناك ثوابت جمعية في تحديد مفهوم الاستهلاك..، بمثل ما هي في خصوصيتها الفردية..، لذلك فإن المجتمع في بنائه الثقافي القيمي )المعنوي( كانت له ثوابت الرضاء، القناعة، الستر، عدم البوح بالحاجة إلا في أضيق الحدود، التكافل، الاحساس بالآخر، المشاركة، المؤازرة..، الإيثار.. غير أنَّ الظواهر الاجتماعية في حركة وفادة المتغيرات الجديدة تغير مفهوم الحاجة، فالحاجة التي تتجسد في المجتمع من خلال ظواهر لفظية تسعى لاشباعها طرأ عليها تغير مع الزمن فلم يعد سائداً من القيم المعنوية مثل القناعة والكفاف ما كان، إذ تحظى السائد الى الإسراف في الاشباع للحاجة الفردية، بل أصبحت ظاهرة جمعية لا أتخيل أنها وضعت في الحسبان عند التخطيط..، ذلك لأنَّ مفهوم الاستهلاك أيضا تغيَّر، وهو غير مفهوم الحاجة، ومع تغير المفاهيم لها تغيرت أيضا أنماط الاستهلاك، وأساليب التعبير عن الحاجة..، وهذا ناتج طبيعي لحركة خروج المجتمع من محدودية انغلاقه على ذاته الى متفاعل مع أكثر من وافد، وعن طرق عديدة، ونوافذ كثيرة ومسارب لا حصر لها..، وهو تفاعل خطير لم يدعه يبقى في حدوده مُرسلاً بل مُستقبلاً.. مما يدعو الى وجود «فئة» في الوسط تنجذب الى قيمها الأساس، وتندفع الى ما طرأ..، وتتعامل مع حاجتها وفق المفهوم الذي طرأ للاستهلاك..
هذا يدعو الى دراسة كلِّ ظاهرة في وعائها الثقافي الخاص بها.. فإن كانت قيمية فتدرس قيمياً، ومن ثم ينظر الى كل ذي علاقة بها من جانبه المادي باستقلالية ذاته، ومن جانبه المعنوي على النهج ذاته، ومن ثمَّ يُمزج الاثنان بطريقة استشرافية لرؤية مدى ما يَنْتجُ من تبعات فيتم تلافيها ومن ايجابيات كي يخطط للحرص عليها والأخذ بها..
ذلك مدعاة لأن يتم التخطيط وفق كامل المتغيرات من زيادة نسب عدد السكان والمتغيرات الاقتصادية، والمتغيرات العامة في المجتمع من حولهم على الأصعدة المختلفة التي تم فيها التغيير وطرأت عليها الظواهر..
ولعل أهم ما يستشرف من التخطيط مراعاة حاجة الأفراد، وتسديدها عن وضع استراتيجيات لسد هذه الحاجة في أقصر المدد زمنياً، وفي أكفأ السبل تحقيقاً، وله في حدِّها الأدنى، كي تتم المحافظة على قيم التعفُّف، والرضاء، والقضاء على ما استجد من سلوك اجتماعي على الأفراد في محاولة سد حاجاتهم عن طرق تتفاوت بتفاوت تخليهم عن قيمهم الأساس بتفاوت ضغوط الحاجة ونوعها، وعلى وجه الخصوص أنَّ التدخل العلاجي في الجوانب المادية من الثقافة أيسر من التدخل في الجوانب القيمية.

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved