أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 12th May,2001 العدد:10453الطبعةالاولـي السبت 18 ,صفر 1422

مدارات شعبية

الشعر.. وأبناء الجزيرة العربية
نحن أبناءالجزيرة العربية نختلف عن البلدان العربية الأخرى من الناحية الشعرية. فلقد رضعنا الشعر رضعاً وحبونا فيه حبواً وسرنا في طفولتنا بخطانا المتثاقلة فيه سيراً ونمنا على انغامه الرخية الندية فيه نوماً هنيئاً واستلهمنا منه قيمنا قبل السن الدراسي استلهاماً وعلمناه للمواشي فرامتنا وعلمناه للطير فألفنا؛ فالطفل لدينا لا يقبل من الأم حليبها مالم تغن له شعراً وكان شعرها له أثناء الرضاعة على النحو التالي: (بيش بيش) وهو قول موسيقاه مستوحاة من صوت الحليب، ولن يحبو حتى تقول له شعراً يتناسق مع حركات الحبو كقولها ( ياحليله ياحليله) وهو كذلك لايسير على قدميه بعد عامه الاول حتى تسمعه شعراً يتناغم مع خطاه الثقيلة فكانت تقول له (تاته تاته أمك الفتَّاته) أي بمعنى ان أمك قد فطمتك وباتت تفت لك الخبز في حليب الماشية وكذلك لا ينام الطفل عندنا حتى تسمعه أمه لحناً رخياً يساعده على الاسترخاء قبل النوم فكانت تقول له (نام نام يجي لك سرب الحمام) وما أن يكبر الطفل ويكون قد أقبل على السادسة أو السنة السابعة وبات يستوعب المعنى حتى تقوم الأم بتلقينه شعراً ذا معنى قتقول (او ليدي يراوز ذلوله)
(يدور لربعه ذبايح)
(والآخر يراوز عدوله)
(يدور بهن الربايح)
وهي في هذين البيتين تحثه على الكرم وتبغِّض إليه البخل وما أن يكبر ويشتد عوده حتى يقوم بتقريب الشعر الى ذهن الماشية فالرجل عندنا لايضرب الماشية بعصاه كما يفعل في البلدان الاخرى ولكنه يحدو للابل شعراً فتتبعه وينعت للغنم نعتا فتلحق به وهو فوق ذلك ما أن يمسك بالطير حتى يدربه ويسميه اسماً جميلاً يعوده عليه وكلما اراد الذي اختير منظراً وناقداً فنياً ورياضياً وشعرياً في آن واحد علماً بإنه في الفن لا يفرق ما بين مقام راست ومقام نهاوند وفي مجال الرياضة لا يميز ما بين الجودد والتيكوندو والايكيدو والكندو وأما في مجال الشعر فأنا أعلم الناس فيه وأكثرهم استنكاراً لشاعره وتثاقفه في النقد وهل يلام (الحميدي الحربي) في مقالته التي نشرها في الأمس القريب واستمالتني في كتابتي هذه.. وقد اشار فيها إلى تخبط البعض في النقد وقال ما معناه يتوجب على ناقد الشعر النبطي أن يكون مستلهماً لتراثه عالماً بأعلامه وما الى ذلك.
وهنا أريد أن أضيف قولاً ومفاده (ليس من النقد في شئ من لم يحفظ عشرة آلاف بيت من الشعبي والفصيح كحدٍ أدنى لأن من لم يستلهم التراث ليس بوسعه أن يقوم بصياغة مفاهيم جديدة وليس من النقد في شئ من إن يبتعد بالطيران.. ناداه باسمه فعاد إليه راجعاً.
والبلدان العربية الاخرى اذا لم تعلم عنا ما ذكرت فهي في الوقت نفسه تعلم جيداً ان ولادة الشعر العربي قد تمت على صحراء الجزيرة العربية من خلال المعلقات الجاهلية وماسبقها من قصائد للزير سالم والأفوه الأودي وسواهما ولذلك فمن البديهي أن الوفود المثقفة التي تفد إلينا أثناء المهرجانات الثقافية تنظر إلينا بإجلال وإكبار ولكنها احياناً تفاجأ بعكس ذلك بسبب تطفل بعض ادعياء الشعر والنقد اقصد بعض أولئك الذين يحاولون أن يسوقوا بعض قصائدهم السوقية في خيمة المثقفين ولا أقصد بقولي هذه خيمة المثقفين المتلفزة في قناة (ART) فتلك كما يقول البدوي (عبرت الجادة ) فمقدم حلقاتها كلما رن عنده جرس الهاتف ارتعش وتنفخت أوداجه واتسعت حدقة عينه وذلك خوفاً من نقد المتصل وكذلك زميله يكون قداستلهم توجهات ونظريات مئة مدرسة نقدية ابتداءً بمدرسة (التنعيم) الجاهلية مروراً بمدارس خلف والاصمعي والخليل وابن شرشير وابن طباطبا وسواهم وصولاً إلى المدرسة القذامية التي أسس أركانها «عبدالله القذامي» على النقد الثقافي ودعوني في هذا الظرف (الزمنكاني )
أن اتوسل الى المتثاقفين لكي يكفوا عن ارتياد خيمة المثقفين التي تسمر فيها الوفود المدعوة.. وأن يفتحوا المجال للمثقفين من أمثال عبدالله نور لكي يعكسوا عنا صورة وضاءة أمام حشود المثقفين العرب كما حصل ذات ليلة عندما علق نور على قصيدة الشاب علي الشهري قائلاً عليك ان تجعل من قصيدتك جواداً ينطلق من البداية الى النهاية بشكيمة عالية ثم قام غاضباً وودع ولا ادري إذا ما كان عبدالله نور قد اطلع على المدرسة النقدية التي اسسها (ثعلب) من خلال كتابه (قواعد الشعر) ام انه قد جرى خلف (ثعلب) دون ان يعلم وكان (ثعلب) يقيس البيت الشعري على محاسن الفرس فالبيت الأغر لديه كالفرس الأغر والبيت المحجل كالفرس المحجل والبيت الاغر هو ما اكتمل معناه في صدره دون عجزه شأنه في ذلك شأن قصيدة الشهري التي لأبياتها رؤوس غر وليس لها أعجاز وأما عن ثعلب فلا أدري عن مدى تأثره بمدرسة ابن الاعرابي من أصحاب القرن الثاني والذي سبق عهد ثعلب وأسس نظريته النقدية استناداً إلى القول التالي: (استجيدو القوافي فإنها حوافر الشعر) ولو لا عدم معرفة ابن الاعرابي باللغة الهندية لقلت انه اقتبس مدرسة منها ولكن ابن الاعرابي قد سبق عهد الترجمة بقرنين ولهذا أنفي عنه الأخذ عن مذهب هندي نقدي يقيس البيت الجميل على (الروبية) ويقسم الروبية على ست عشرة (أنّه) وعندما سألت عن أصل كلمة (روبية) العملة المتداولة في الهند وجدتها تعني أعلى مراتب عدو الخيول وهي تمثل عند العرب (الإهماج) وهو أعلى مراحل عدو الفرس لدينا وأما المخطوطة الهندية في المذهب النقدي الذي أشرت إليه لاتتحدث عن الروبية كعملة وأنما تتحدث عنها كمرحلة من مراحل العدو بالنسبة للفرس فمراحل أو مراتب عدو الفرس تنقسم لديهم الى ست عشرة مرحلة أو (أنّه) كما يقولون وكل (أنّه) تمثل مقطعاً شعرياً حسب الجودة ولكن المقطع الشعري الجميل يسمى (روبية) أي كالبيت المحجل عند أستاذنا (ثعلب).
فاضل الغشم

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved