أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 13th May,2001 العدد:10454الطبعةالاولـي الأحد 19 ,صفر 1422

الثقافية

الترجمة الشخصية
قراءة وتعليق: حنان بنت عبدالعزيز بن سيف
اسم الكتاب: الترجمة الشخصية
تأليف: د. شوقي ضيف.
الطبعة: الرابعة، دار المعارف.
د . شوقي ضيف
فن الترجمةالشخصية فن مستحدث قلد فيه العرب غيرهم من الأمم، كاليونان مثلاً، ولأهمية التأليف في هذا الفن من التراجم ألف د.شوقي ضيف في فن الترجمة الذاتية كتابه الآنف الذكر، وكان الهدف من التأليف عرض صور الترجمة الشخصية عند العرب في عصورهم المختلفة من العصر العباسي إلى العصر الحديث، ولكل فئة من الفئات طريقتها ، فالفلاسفة لهم تراجمهم الخاصة بهم، وللساسة كذلك تراجمهم الخاصة بهم، لكنها تفتقد إلى الناحيتين النفسية والاجتماعية وإلى الحديث عن دقائق الحياة عامة كانت أو خاصة . وعندما جاء العصر الحديث أقدم كبار الأدباء على تصوير حياتهم بكل أطوارها ودقائقها رغبة في إعطاء القارئ صورة صادقة عن حياتهم السالفة التليدة، وحياتهم الحاضرة، وكان ممن نحا هذا المنحى «طه حسين» في )الأيام( ، أحمد أمين في كتابته عن حياته، وأسبغ كل واحد منهما على هذه التراجم كثيراً من فنه وحسه الأدبي، فجاءت قصصاً رائعة، وتراجم نفسية بديعة، وقد أشار المؤلف إلى أقدم صورة للترجمة الشخصية وهي الكلمات التي كان ينقشها القدماء على شواهد قبورهم، حيث يعبرون عن أنفسهم وممن نحا هذا المنحى قدماء الفراعنة على قبورهم وأهراماتهم ومعابدهم، ومنها وصايا ملوك الفرس لابنائهم والتي توضح سياستهم لهم، وقد استفاد العرب حديثا مما كتبه الغربيون كتراجم لأنفسهم، أمثال «الاعترافات» لجانجاك روسو، ولمعاصره جيته ترجمة شخصية سماها «الشعر والحقيقة» وعرضها بأسلوب بديع، ولتولستوي ترجمة معروفة سماها: «طفولة وفتوة وشباب»، وقد قلد الأدباء العرب أدباء الغرب في هذه التراجم، وظهرت هذه التراجم في وجهتين الأولى : تراجم شخصية كاملة ترسم الحياة رسماً دقيقاً ك)الأيام( لطه حسين، والثانية تصوير حياتهم على شكل القصة ، وإن لم يكن تصويراً دقيقاً من ذلك قصة «إبراهيم الكاتب» لإبراهيم بن عبدالقادر المازني.
والفصل الأول من الكتاب جاء عنوانه هكذا «ترجمة فلسفية» وفرع الفصل الأول جاء عنوانه كالتالي: «المتفلسفة يترجمون لأنفسهم»، وقد تأثر الفلاسفة بترجمة برزويه الطبيب لنفسه، ما كتبه جالينوس في كتبه من وصف بيئته وسلوكه، والحديث عن كتبه، في حين أن أكبر مترجم لجالينوس هو حنين بن إسحاق المتوفى سنة 260ه ، وقد كان معجباً إعجاباً شديداً وقد أصابته محن من جراء غيظ حاسديه، فكتب رسالة يتحدث فيها عن نفسه واحتفظ لنا ابن أبي أصيبعة في كتابه «طبقات الأطباء» بهذه الرسالة، وتعد أقدم نص في ترجمة الفلاسفة لأنفسهم، وقد خلف لنا طبيب آخر كبير اسمه محمد بن زكريا الرازي ، رسالة وصف فيها سيرته وسلوكه الفلسفي، ويعتبر الرازي المتوفى سنة 313ه من أكبر أطباء عصره وفلاسفته ، وفي الفرع الثاني من الفصل الأول تناول المؤلف سيرة المتفلسف العراقي - ابن الهيثم - المتوفى سنة 430ه وقد كتب رسالة أو مقالة فيما صنعه وصنفه من علوم الأوائل إلى آخر سنة 417ه وقد احتفظ بها ابن أبي أصيبعة في كتابه «عيون الأنباء في طبقات الأطباء»، ويتناول المؤلف الفرع الثالث من الفصل الأول، ويتطرق فيه إلى أعظم فلاسفة الإسلام وأطبائه على الإطلاق، ومن قدم خدمات جليلة للعلم والفلسفة والفكر الإنساني مما جعله فخراً لقومه العرب، والحضارة الإنسانية على الإطلاق، ولا غرو حين أطلق على ابن سينا، الشيخ الرئيس، وقد خلف ابن سينا علماً عظيماً، يكفيك مثل عليه وهو «القانون» وترك كثيراً من الكتب والمقالات وترجمة ذاتية بهية سردها ابن أبي أصيبعة في كتابه «عيون الأنباء»، وقد نضج عقله في سن مبكرة جداً، وكان عصامياً علم نفسه بنفسه، حيث كان يقرأ ويفهم دون معلم، وكلما تحير في مسألة واستغلقت عليه ذهب إلى الجامع وصلى لله تعالى مبتهلاًومتضرعاً، إلى أن يفتح الله عليه ما خفي واستغلق، كما قال الشاعر الأول:


نفس عصام سودت عصاماً
وعلمته الكر والإقداما
وصيرته بطلاً هماماً
حتى علا وجاوز الأقواما

واستخارة الله تعالى والابتهال إليه لهما أمر عظيم في استفتاح المنغلق، ووضوح الغويص الوعر، وقد بلغ من شدة تعلقه بالمسائل الفلسفية ومشكلاتها أنه كان يحلم بها في المنام، وربما وجد حلَّ بعض مشكلاته الفلسفية في منامه، ويعلق المؤلف بتعليق علمي جميل يقول فيه: «ومعنى ذلك أن عقله الباطن كان يشرك عقله الظاهر في الانشغال بمسائل الفلسفة ، حتى كانت تتراءى له في الحلم بأعيانها». وفي الفرع الرابع من الفصل الأول، تناول المؤلف متفلسفة مختلفين ، كعلي بن رضوان الطبيب، وعبداللطيف البغدادي ، لكن الكثير من تراجم الفلسفة قد سقط من يد الزمان وذاكرة التاريخ، ولم يبق لنا منها إلا هذا الشزر القليل من التراجم.
وفي فصل الكتاب الثاني عنون له المؤلف بقوله: «تراجم علمية وأدبية» والحلقة الأولى من هذا الفصل الميمون عنون له المؤلف بالعنوان التالي: «علماء وأدباء يتحدثون عن أنفسهم» ويعتبر أقدم حديث دار حول محور هذا العنوان هو ما قاله الشعراء في الجاهلية والإسلام عن الفخر والحماسة ، وهو لا يراد به حكاية الواقع بشكل دقيق لأن المبالغة والتهويل تدخل فيه، وقد مثل كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني شيئاً من هذه التراجم لأن العلماء والأدباء أخذوا يتحدثون عن أنفسهم كما جاء في ترجمة إبراهيم الموصلي مغني الرشيد المشهور، فإنه كان يأخذ أخباره من ابنه إسحاق، ثم جاء العصر العباسي فأخذ الأدباء يحكون في كتبهم همومهم وأحزانهم، كما أثر عن أبي حيان التوحيدي، وشكواه الزمان وأهله، ولم يكن هو الوحيد في هذه الشكوى بل تبعه آخرون أشار إليهم المؤلف في مطلع حديثه عن هذا الفصل ويلجأ كثيرون وكثيرون لاسيما من الرحالة الجغرافيين إلى إيداع مصنفاتهم شيئاً من خبراتهم الشخصية، وغرائب رحلاتهم، كما ذكره ابن بطوطة وابن جبير في رحلاتهم، الجغرافية، وتحوي مؤلفات العلماء شيئاً كثيراً من هذه الناحية ، كما فعله ابن حزم الأندلسي تلك العقلية الإسلامية الرائدة في كتابه البديع « طوق الحمامة » وحتى عصر ابن حزم لا نلتقي بترجمة شخصية كاملة لأديب أو لعالم ، وقد يكون هناك تراجم لكنها لم تصل إلينا، وتعتبر أول ترجمة حفظتها لنا كتب التراجم ترجمة علي بن زيد البيهقي المتوفى سنة 565ه- في كتابه «مشارب التجارب» وللأسف الشديد فهذا الكتاب مفقود، إلا أن ياقوت الحموي نقل لنا في كتابه «معجم الأدباء» هذه الترجمة، ومن الأدباء العلماء الذين ترجموا لأنفسهم في كتبهم، خلال القرن السادس الهجري ابن الجوزي، وقد ذكر شيئا كثيرا عن حياته وأطوارها المختلفة في كتابه «لفتة الكبد إلى نصيحة الولد» وهي نصيحة موجهة منه إلى ابنه، وفي كتاب صيد الخاطر لابن الجوزي نجد أخبارا غير قليلة عن سيرته وحياته، وحينما نمضي في القرن السابع نجد أن التراجم الشخصية قد أصبحت سنة متبعة بين العلماء وخير مثال على هذا أبو شامة المقدسي المتوفى سنة 665 ه، ولا نكاد نمضي بعد القرن السابع الهجري حتى نقف أمام ثلاثة علماء ترجموا لأنفسهم: الأول : محمد بن محمد الجزري المتوفى سنة 833ه في كتابه «غاية النهاية في طبقات القراء»، والثاني محمد بن عبدالرحمن السخاوي المتوفى سنة 902ه في كتابه «الضوء اللامع في رجال القرن التاسع الهجري» والثالث السيوطي المتوفى سنة 911ه.، في كتابه «حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة».
وفي الفصل الثالث - تراجم صوفية- وهم طبقة من الناس تجردت من الدنيا تجرداً تاماً ونبذت كل طيباتها ومباهجها، ومن أطرف تراجمهم ترجمة الغزالي المتوفى سنة «505ه» لنفسه في كتابه: «المنقذ من الضلال» ويعد الغزالي من أكبر العقليات التي خدمت الشريعة، ويقال : إنه حينما قدم على مجلس الوزير نظام الملك وزير السلطان السلجوقي أعجب به، وأوكل إليه تدريس الفقه في مدرسته النظامية، وكانت أكبر جامعة إسلامية في ذلك الوقت ودرس فيها ما بين عامي 484ه إلى سنة 488ه ، ثم انقطع عن التدريس وأخذ نفسه بالزهد والعبادة وألف في هذه الفترة كتبه المختلفة «إحياء علوم الدين» وأما فصل الكتاب الرابع فموضوعه التراجم السياسية حيث أخذ رجال السياسة في كتابة مذكراتهم، ولعل أقدم صورة لها ما جاء على لسان الأبطال الفحول من شعر ونثر، يشيدون فيه ببسالتهم وكانت قصص التاريخ وأحداث بطولات النبي صلى الله عليه وسلم مجالاً خصباً لهذه المذكرات، وبدأ الكتاب منذ بداية العصر العباسي في كتابة أحداث التاريخ ووقائعه، ومن أهم هذه المذكرات السياسية ما كتب في القرن الخامس الهجري من كتب، ومن أهمها كتاب «التبيان عن الحادثة الكائنة بدولة بني زيرى في غرناطة»،ألفه عبدالله بن بلقين آخر أمراء بني زيري على هذه البلدة، وذلك حين خلعه المرابطون ونفوه إلى المغرب فعاش في أغمات، وعكف على تأليف هذا الكتاب، وفي القرن السادس الهجري نلتقي بعمارة اليمني، وأسامة بن منقذ، وهما شخصيتان سياسيتان مهمتان عاصرتا أحداثاً سياسية متعددة، ثم يفيض المؤلف في الحديث عن ابن خلدون وكتابه المسمى «التعريف بابن خلدون ورحلته غرباً وشرقاً» وهو شخصية بارزة وكتاباته من أروع ما كتبه العرب في السياسة والاجتماع.
وفصل الكتاب الخامس يطرح فيه المؤلف تراجم حديثة، حيث سار المحدثون على طريقة القدماء في الترجمة لأنفسهم ومنهم الأديب الكبير علي مبارك المتوفى سنة 1893م، وقد كتب في مؤلفه «الخطط التوفيقية» سيرة حياته، وعلي مبارك هو أكبر مصلح للتعليم عرفته مصر في القرن الماضي، ولم يعن فقط بالتعليم العالي بل اهتم بالتعليم في جميع مراحله وله يعود الفضل في تعليم البنات، إذ كان التعليم قصراً على الذكور فقط، وإليه يعود الفضل -بعد الله- في إنشاء «دار العلوم» و «دار الكتب المصرية» ولا نكاد نمضي في القرن العشرين حتى نجد كثيرين يترجمون لأنفسهم في بلدان عالمنا العربي المختلفة، ومن أشهر من كتبوا حياتهم «محمد كرد علي» عالم سوريا وأديبها الكبير، فقد ترجم لنفسه في نهاية الجزء السادس من كتابه «خطط الشام» وممن كتب أيضاً طه حسين في «الأيام» وقد وصف المؤلف هذه السيرة بقوله : «وما من شك في أن هذه السيرة الدقيقة تعد فريدة في العربية فإن كاتبها عرض فيها نفسه وبيئته المصرية من جميع أطرافها في القرية وفي المدينة وفي الكتاب والأزهر والجامعة لا يترك شيئاً هنا وهناك دون أن يحصيه ويرسمه رسماً بارعاً». ثم كتب أحمد أمين ترجمة حياته ، وهي أهم ترجمة ذاتية جاءت بعد الأيام ، وسيرة أحمد أمين تطوي في تضاعيفها سيرة ستين عاماً من حياته بما فيها من أحداث ورجال وتطور وتقدم في شؤون مصر الاجتماعية والعلمية.
وأخيراً لقد بذل المؤلف في هذا الكتاب جهداً بادياً للعيان، ويظهر جمال المؤلف في مقدمات التراجم الجليلة والجميلة والدقيقة والمستوعبة ثم تلخيص ما يدور بالتراجم من أفكار والتعليق عليها بأسلوب أدبي رفيع، كما أثر عن الدكتور شوقي ضيف وهو من هو في علمه وأدبه خاصة أن العلم لا يعرف، ونقاش أساسيات التراجم بأسلوب فني دقيق، فقد كان يستوعب بالقراءة كل ما جاء وقيل عن الشخصية، ثم مناقشة ذلك على إثر ما كتب وقيل عنها، ومقارنته بما ورد في حديث الشخصيات المترجم لها عن نفسها ، كما حدث في حديث الطبيب علي بن رضوان المصري في رياضة نفسه، ورسم سلوكه، وكيف وصف نفسه بالترفع عن ذم الناس وتجريحهم، وهذا يخالف ما ورد في مؤلفاته في تشنيعه على أطباء عصره، وذمه للمتطببين أمثال إسحاق بن حنين ومحمد بن زكريا الرازي، وعبداللطيف البغدادي.
ومن جميل الكتاب وطريفه ما جاء في وصف القاضي الفاضل على لسان الطبيب عبداللطيف البغدادي حين قال : «ودخلنا عليه فرأيت شيخاً ضئيلاً كله رأس وقلب، وهويكتب ويملي على اثنين ووجهه وشفتاه تلعب ألوان الحركات لقوة حرصه في إخراج الكلام وكأنه يكتب بجملة أعضائه».
بقي أن أقول: إن المؤلف اعتمد في الترجمة لكبار الأطباء ويصف المؤلف هذه التراجم بقوله: « وحين ننعم النظر نجد كثيراً من تراجمه تنقل أخبارها مباشرة عن أصحابها، فهي أشبه بتراجم شخصية وإن لم تكتب في شكل سير ذاتية».

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved