أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 18th May,2001 العدد:10459الطبعةالاولـي الجمعة 24 ,صفر 1422

شرفات

شخصيات قلقة
والديمار باستوس ... أغنية أنجولا
يقول والديمار باستوس في أغنية «المعاناة»:
لماذا كل هذه الآلام/ ولماذا كل هذه الكراهية/ بينما نحن إخوة/ وينبغي أن نقدم يد العون والمساعدة؟ انظروا الى المعاناة/ انظروا الى التعذيب/الذي يجيء من الداخل/ أراضينا تفقد قواها وتتعرض للإغماء/انظروا الى المعاناة/ انظروا الى التعذيب/ الذي يجيء من الداخل/ أراضينا تعاني كثيرا للغاية/ انظروا الى هذه الأم/ إنها لم يعد لديها دموع تسكبها/ لم يترك لها شيء لكي تنوح عليه/ أراضينا تفقد قواها وتتعرض للإغماء/أنجولا عظيمة للغاية/ وغنية للغاية وجميلة للغاية/ وليكن هناك مكان يتسع لنا جميعا ويتسع لأولئك الذين يحبون أنجولا/ تحيا أنجولا/ تحيا أنجولا.
ثم يتحدث عن قضيته مع شعبه وموسيقاه على نحو بسيط وصريح يقول:موسيقاي تتدفق خارجه من التناقض الظاهري. وأنا موسيقار محترف، ولكني لم أدرس الموسيقى، إلا بقدبر ضئيل للغاية. فأنا فنان أفريقي سجل ألبومه الأول في أمريكا الجنوبية فنان من دولة مزقتها الحرب رغم أن أفكارها الرئيسية تدور حول السلام والتفاؤل إنني مغن/مؤلف موسيقي( ملحن وينظر الي على أنني بمثابة صوت أنجولا رغم أنني مقيم حاليا في البرتغال.
لقد ولدت في أنجولا عام 1954 في إقليم ساو سلفادور دو كونغو ولقد انتشر الخراب والدمار في بلادي بسبب الحرب. وكانت أول حرب شهدتها بلادي هي حرب الاستقلال. وذلك من أجل تحرير بلادنا من المستعمرين البرتغاليين. وقد بدأت تلك الحرب في أوائل الستينيات من عام 1960، واستمرت حتى حلول عام 1974 عندما تم الإطاحة بالديكتاتور سالارار وبذلك أصبحت أنجولا دولة حرة مستقلة. أما الحرب الثانية فكانت حربا أهلية تفجرت عقب الحرب الأولى بوقت قصير ولقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية وجنوب أفريقيا بتدعيم ومساندة أحد جانبيها، بينما قام الاتحاد السوفيتي وكوبا بتدعيم الجانب الآخر ولقد استمرت هذه الحرب الأهلية حتى الآن تقريبا. وعلى الرغم من أن كلا الطرفين المتحاربين حاولا إبداء الإعجاب بموسيقاي، إلا أنني رفضت الانجراف الى الأساليب السياسية الموالية والمنحازة لطرف ضد آخر جريا وراء تحقيق المكاسب المادية. إن موسيقاي تقدم للناس رسالة متسمة بالبساطة وبالتركيز على قيمة حياة كل شخص، وجمال ووفرة هذا العالم، علاوة على التركيز على الاحتياج الشديد للأمل. وهذه رسالة ذات معنى وهدف موجهة الى بني وطني وموجهة الى كافة الفصائل والأحزاب والأصول العرقية التي ينتمي إليها أبناء وطني. وعندما أقمت حفلة موسيقية مجانية في عام 1990، جاء ما يزيد على 200 ألف شخص الى ميدان كناكسيس بميناء لواندا Luanda عاصمة أنجولا وكان للأغنيات التي قدمتها تأثير كبير حتى إنه قيل إن الرئيس سانتوس وزعيم المعارضة جوناس سافيمبي قد شاركا في الرقص.
ابتدأ مستقبلي الموسيقي عندما كنت في السابعة من عمري. إذ ان والدي الممرض. الذي كان يعزف على البيانو والأرغن أثناء دراسته في المعهد العالي، قد اكتشف ذات يوم أنني أعزف بعض الأغاني التي أسمعها من الراديو على أكورديون كان موجودا تحت سريره وبعدئذ خيرني والداي بين أن أحصل على دراجة أو أحصل على دروس في الموسيقى. وذلك كهدية لي بمناسبة الكريسماس. وعلى الرغم من أن جميع أصدقائي الموجودين في كابيندا Kabinda وهي المدينة التي كنا نعيش فيها بل وأنا شخصيا، كنا في مسيس الحاجة للحصول على دراجة، إلا أنني اخترت الحصول على دروس في الموسيقى. وذات يوم لاحظت ابنة المدرس أنني لا أنظر الى الموسيقى المكتوبة أثناء قيامي بالعزف. وعندما طلب والدها مني أن أذكر لها النوتة الموسيقية، فإنني لم أتمكن من ذلك. واعترتني الدهشة في بادئ الأمر، ولكني سرعان ما أدركت أن الله قد أنعم علي بما يسمى ب «الداديفا» dadiva باللغة البرتغالية أو الموهبة الفعالة للموسيقى.
وبعد أن شببت عن الطوق وأصبحت أكبر سنا، بدأت أتقابل مع كافة أنواع الناس، نظرا لأن أبي وأمي اللذين كانا يعملان في مجال التمريض، كانا يجوبان في جميع أرجاء البلاد من أجل تقديم الرعاية لضاحيا مرض السل والجذام ومرض النوام، وغيرها من الأمراض الأخرى وكانت السلطات الاستعمارية تمنع تعلم أي لغة أفريقية ولذلك فأنا قد تعلمت باللغة البرتغالية. ولكني سمعت العديد من اللغات المختلفة، مثل لغة الكيمبوندو Kimbundu، ولغة أوفيمبوندو Ovimbundu، وأصبحت على اتصال بعدد كبير من الأعراف الموسيقية، والتراث الموسيقي القديم.
وأنا أتذكر جيدا أغنيات أولئك الذين كانوا يزورون أحباءهم المرضى الموجودين بالمستشفيات بل وأتذكر الموسيقى التي كانت تعزف في جنازات الذين انتقلوا الى رحمة الله وسمعت من الراديو موسيقى الفنانين الأمريكيين والبريطانيين : البيتلز والشادوز والنات كينج كول. كما استمعت الى موسيقى فناني البرازيل وخاصة الموسيقى الرومانسية الراقصة للفنانة أنجيلا ماريا. وكانت فرقتي الموسيقية الأولى تسمى جوفيال jovial، وقمنا بالعزف في جميع أرجاء كابيندا.
وبعد أن حصلت أنجولا على الاستقلال عام 1973، بدأت في عزف القطع الموسيقية التي أقوم بتأليفها، إلا أن الجو في السبعينات لم يساند ولم يدعم الفنانين من الناحية السياسية أو الاقتصادية وفي عام 1977 تعرض بعض الفنانين المقيمين بالمدينة للقتل بسبب مشاركتهم فيما سمى ب«الأنشطة المعادية للدولة». ولقد قمت بالعديد من الأسفار والجولات في الكتلة الشيوعية. بولندا وتشيكوسلوفاكيا وكوبا والاتحاد السوفيتي. وفي عام 1982 بدأت أعتقد أن المخاطر تحدق بي في أنجولا، )أثناء فترة الحكم الاستعماري وضعتني الشرطة الحكومية البرتغالية في السجن(، ونظرا لأن الحكومة الشيوعية التي حلت محل الحكومة الاستعمارية كانت أشد قمعا وكبحا، فإنني هجرت وطني، وتركت بلادي، وأقمت في البرتغال. وذلك عقب قيامي بزيارة ثقافية للبرتغال.
وأثناء ثمانينات القرن العشرين أقمت في البرازيل، وتمكنت من تسجيل ألبومي الأول من خلال مساعدة شيكو بوارك Chico Buarque، وكنت قد قابلته منذ سنوات عديدة في أنجولا من أجل )مشروع المحيط Project Ocean(، أو Projeto Kalunga، وهو بمثابة محاولة لتقريب الفنانين البرازيليين من ثقافة العبيد الأفريقية، التي تعتبر جزءا هاما من الثقافة البرازيلية والموسيقى البرازيلية.وبينما كان أبي وأمي يقدمان الرعاية للمرضى، وبينما كان أخي يشفي جراح الحرب مع تكريس حياتهم من أجل تقديم الرعاية للجسد، فإنني كنت أكرس حياتي من أجل الاهتمام بالروح، وتقديم الرعاية للروح وأعمق تناقض ظاهري والأساس الذي يرتكز عليه عملي هو قوة الحب الذي هو بمثابة الترياق الوحيد الذي يشفي الأمراض الروحية، التي تنجم عن الحروب وقسوة الإنسان.
أوقات حياتي ليست فترات سعيدة. وإذا لم تعكس موسيقاي ذلك أصبح دجالا وخادعا وأنا دائما عرفت بلادي وهي في حالة حرب: ضد المستعمرين أولا، ثم الحرب الأهلية المتفجرة بين فئات الشعب الأنجولي. ولذلك فإن الغناء الذي يتعلق بموضوع المعاناة هو أمر ضروري بالنسبة لي، بل وهو نوع من الرقية أو التعويذة. ولكني أغني أيضا من أجل تخفيف الآلام. لم أفقد الأمل أبدا في إمكان تحقيق عالم أفضل.
عن : ديوجين العدد 184/128 ترجمة عبدالحميد فهمي الجمال .

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved