أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 19th May,2001 العدد:10460الطبعةالاولـي السبت 25 ,صفر 1422

مقـالات

الحرية إلى أين؟؟:
أبوعبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
الهاجس الرقابي من هواجس الحرية الفضفاضة.. والحرية لا تكون وجوداً إلا بملك القدرة علا إمضاإ الارادة، ولا يكون استعمال الحرية في إمضاإ الارادة مشروعا إلا بمشروعية الاستعمال الذي تُحدِّده قيم الوجود الجامعة (الحق، والخير، والجمال)..
والقيم هي التي تُذعن لها نفوس البشر بموجب العقل الانساني المشترك.. وعندما لا تكون نتيجة الفكر عطاأ عقل انساني مشترك: يكون المتحكِّم في السلوك الهوا والعرف الأمي والشهوة والدين المحرف أو المبدل؛ فاليهودي في الأغلب قبل أن يتربَّا علا إمضاإ الارادة فيما يملك حرية فعله من بث الإباحية والترويج لها؛ لتدمير النفس بالإلحاد والعدمية والغثيان، وتدمير الجسد بالمخدرات، والإنتاج والترويج للعقاقير المتلفة، والاعتداإ علا النفوس الآمنة بالاغتيال، واتلاف مصادر الرزق والغذاإ بزرع الأوبِأة..
والشرائع الإلاهية ترفض ذالك، والعقل الانساني المشترك يحكم بمعقولية هاذا الرفض؛ لأن قبح الظلم، والاعتداأ بغير حق، وجمال الرحمة، وصلاح البشر والطبيعة: أحكام عقلية؛ وإنما استمرأ اليهودي هاذه الحرية المزذولة إذا ملكها؛ لأنه وارث دين محرف مبدل يعلن العداأ لكل الأمم، ويسوغ كل وسيلة لكل غاية صهيونية،
ويرا أن اليهودي عرقاً، وديانة مقدَّس وشعب مختار؛ فهذا الإرث التاريخي الدجلي الطويل جعل التطبُّع طبيعة جُبِل عليها اليهودي.. بل بلغت جولدا مائير الغاية في الكفر بمذكراتها؛ فزعمت ان اليهود اختاروا الله إلاهاً، ولم يخترهم شعباً؛ بل هم الشعب المختار في جبلتهم، فهم يمنُّون علا ربهم، وليس في كتبهم المنتشرة بأيديهم ما يليق بحق الرب سبحانه.. وكل أثارة علم صحيحة يخفونها؛
فقد نشرت الصحف أخيراً اكتشاف التوراة في الحفريات ببابل الموافقة لما جاأ في القرآن الكريم، المنافية لما في أيديهم؛ فنقلت فورا إلا اسرائيل، وَوُئدتْ هناك..
وهاكذا حصل لنسخة مماثلة اكتشفت في مكتبات البحر الميت.. واليهود هم مفلسفو الحرية، والمروجون لها بواسطة اليهودي الصهيوني، وبواسطة المتصهين من حيث لا يشعر بفعل جمعيات التضليل السرية الصهيونية.
قال أبوعبدالرحمان: وعند ذكري للحرية وجوداً ذكرت شرطها، وهو ملك القدرة.. وبقدرة الفرد بما ملَّكه الله إياه من الحظ المحدود في القدرة أن يملك حرية من الفعل تحيف علا الفطرة.. فطرته هو، وفطرة الطبيعة.. إلاّ ان إنفاذ هاذه الحرية يدمره ويدمر حظه وحظ بني جنسه من الطبيعة بمقدار الأثر الذي يحدثه فعله؛ لهاذا كان شرط الحرية عند القدرة علا الفعل ان تكون مشروعة، وهاذا يعني ان الحرية ليست قيمة في ذاتها إلاّ اذا كانت حرية للمقتضيات من قيم الوجود المذكورة آنفاً..
وبما ان الاستجابة لنوازع الشهوات سواأ أكانت من اللذائذ، أم الغضب الذي ينجم عنه السب والضرب والقتل أخف من الاستجابة للحكمة وترجيح العقل، و
ان أكثر الناس يود أن يفعل ما يشتهي: كانت الحرية قيمة لَدا الدهماإ، محببة إليهم..
كما أن الحرية نقيض الجبرية والقهر والاستعباد، وكل ذالك بغيض للنفوس(1)؛ فبهاتين الظاهرتين للحرية كانت الحرية شعاراً تسويلياً بالغ الأداإ في الدعاية والإعلام.
ومفلسفو الحرية بالمعنا التضليلي الذي يجعلها قيمة في ذاتها يعلمون علم اليقين أن الحريتين (الوجودية، والمعيارية) ليستا علا إطلاقهما، وليستا ظاهرتين أغلبيتين؛ فمن ناحية الحرية الوجودية فالكون كله منضبط بقوانين اكتشف منها البشر ما وصل اليه العلم البشري منذ فجر التاريخ؛ فلا شيأ في الوجود إلا وهو محكوم بأسباب وبواعث وغايات وتخلُّف موانع وقوانين مُنْتِجَة،
وكل ذالك عن واحدية قصد؛ فالمآل إلا إرادة وقدرة مدبر واحد هو الله سبحانه؛ لأن الكون لم يخلق نفسه فيملك حرية الارادة؛ ولأن عمار الكون لا يستقيم علا واحدية القصد لو كان المدبر متعدداً، ولأن المصادفة لا تحقق دقة الغائية والقصد الدائمة، ولأن العقل مُلِحٌّ علا طلب إرادة واحدة يرجع اليها كل سبب وقانون، ولا يقف إلحاحه إلا بالاعتراف بمدبر خالق قدير واحد يصدر عنه كل عظمة ولطف وقدرة وعلم وحكمة.. إلخ.
والحرية الوجودية في البشر غير مطلقة أيضا؛ لأن الانسان وُجد بغير ارادته، ويموت بغير ارادته، وتمضي وضعية حياته غناً، وفقراً، وصحة ومرضاً، وسلاماً وغربة.. إلخ علا غير ما يشتهي.. وعلمه (مضافاً إلا علم كل البشر وقدراتهم) عاجز عن تحويل واحدية القصد في الأنفس والآفاق، عاجز عن الإطاحة بالكون ودعك من التحكم فيه.. وما عَلِمَه بحسه فهو عاجز عن السيطرة عليه كسرعة الريح المهلكة، والمطر المغرق، والفيضانات الغامرة، والزلازل والبراكين المفاجئة، والعلل المبيدة الطارئة.
وقد يُملِّكه الله المعرفة والاستعمال لأسباب وقوانين منتجة،
ولكنه لا يملك الموانع؛ إذن الانسان يملك حريةَ اختيارٍ، وفعل إرادة في فعل ما ملَّكه الله القدرة علا فعله، ولكنه لا يملك الموانع ألبتة.. وما ملَّكه الله إياه من فعل: تتجاذبه علا إمضائه أو تركه نوازع ذاتية بحتة، ولكن النظر العقلي، ونتائج العقل العملي، والحس الجمالي ( وتلك هي معايير الوجود الثلاثة) تُرجِّح له الفعل أو الترك بما يقتضي بقاأه مدة أجله بسلام مع فطرته وفطرة الطبيعة..
ومن هاهنا كانت الحرية الوجودية المحدودة محكومة بالحرية المعيارية، وبهاذا لم تكن الحرية قيمة في ذاتها، بل القيمة للمعيار.
وبقضاإ الله الكوني القدري الذي أمضاه عقوبة للمقصرين وبلاأً وامتحاناً للجادِّين: هيَّأ الله بحبل منه، وحبل من الناس لِشُذَّاذ الآفاق من اليهود المغضوب عليهم (الذين يُأْمِنون بالله اسمياً، ويسلبونه بألسنتهم لا بأفعالهم الخاسئة صفات الكمال المطلق، ويجعلون الانسان إلاهاً صغيراً سيصل بعلمه إلا مشاركة الله في ملكوته الذي يسمونه إنساناً كبيراً تعالا الله عما يقولون): قُدرةً فعَّالة في التضليل والإفساد، ومَدَّ لهم في فعلهم القديم من الجحد والتضليل والإفساد والقدرة علا جمع المال، وجعل لهم (علا الرغم من قلتهم) سلطة مباشرة علا العالم بما أوتوه من مشاركة مبدعة في العلم والاختراع، ومن احتجان للمال لا تملكه أي أمة.. وبه استطاعوا إيصال صوتهم التضليلي الإعلامي، وحجب الرُّأية عن كثير من الحق والخير والجمال، والتحكم في اقتصاد العالم وثقافات الشعوب وأديانها.. ومَدَّ لهم فيما كانوا متفردين فيه من العمل السري الهدام؛ فأفرزوا بالصهيونية السياسية تحميلَ العبْإ الأكبر من الإفساد لملايين من البشر ليسوا من اليهودية في شيإٍ؛ فكانت الماسونية والمافيا والموساد، وكل ما يصدر عنها: من تصفية جسدية، وتصفية معنوية للزعماإ والعلماإ من رصد فضائح مُضَخَّمة، أو مفتراة.. وتصفية نفسية بالمخدرات والجنس وفلسفات الإلحاد والقلق والغثيان.. وتوزعوا في الآفاق (باسم الوطنية، أو القومية)؛ فكانوا عوامل فعّالة في كل عنصر حيوي: علماً واختراعاً، وسياسة وزعامة، واقتصاداً، وإعلاماً.. إلا أستاذ كرسي الجامعة الذي يتحكم في ايمان الطالب وقناعته..
والأخطر من كل هاذا أنهم جعلوا حرية التضليل الهدامة إكراهاً للعالَم؛ لأنهم باسم الحرية والمساواة والعدالة: أسقطوا دول أهل الأديان المنسوخة المحرفة، والمُحْكَمَة المحفوظة؛ فأسقطوا دولة الأرثوذكس في روسيا القيصرية، وفرضوا الشيوعية (وهي إفراز صهيوني) بمجازر مروعة بلغت الملايين كما في حادثة المجر، وأسقطوا دولة الكاثوليك باسم الثورة الفرنسية، وسلبوا أمريكا دينها بالبروستانتية اليهودية، وأسقطوا خلافة المسلمين، وجَنَّدوا أغياراً لا يزال كثير منا إلا اليوم يعدونهم رموزاً حضارية من أبناإ جلدتنا..
وما جمال الدين عنا ببعيد.. وزامن ذالك فلاسفةٌ يهود، وفلاسفة غير يهود ولاكنهم إفراز صهيوني (من أمثال روسو في العقد الاجتماعي، وهوبز، واسبينوزا اليهودي في رسالة السياسة واللاهوت)؛ فأقاموا الشُّبَه علا مشروعية الحق الطبيعي الحيواني: بأن يعتقد الانسان ويقول ويفعل ما يشاأُ؛ فذلك حقه الطبيعي في الحياة، وأبعدوا بالتضليل العبودية البشرية الحتمية الكونية لخالق الكون سبحانه،وسفَّهوا البناأ العقلي الخيري الجمالي للحرية المعيارية..
ثم نجم عن ذالك حتمية القانون الوضعي الذي هو تنفيذ للحق الطبيعي، وأرادوه قانوناً عالمياً يُكره الناس علا حرية التضليل ويحميها، فصار العقد الاجتماعي بين الشعب والدولة؛ لتكون الدولة حامية ومنفذة للحق الطبيعي؛ فشرعوا الحرية بجبرية؛ لأن القانون الوضعي أصبح عالمياً،
وأصبحت مخالفته جريمة، وأصبح نداأُ الشهوات والشبهات حقاً مشروعاً، وأُلغيت أيُّ وصاية ربانية أو إصلاحية؛ فلا حسبة ولا تربية مصلحين تملك إعلان صواب وخير وجمال لا تقره سلطة القانون.. ولا حماية إلا للتراضي بين الطرفن المخلوقين؛ لأن من شرط إنفاذ حرية التضليل حماية حرية الآخر.. وأُسقط من القانون الوضعي مراعاةُ رضا الله، وكلُّ ترابط اجتماعي؛ فلا رعاية للوالدين، ولا بر، ولا ضيافة، ولا عاقلة، ولا نفقة لمن أوجب الله عليه النفقة لمن هم تحت يده، ولازكاة، ولا صدقة.. إلخ.. إلخ؛
فصار القانون الوضعي بالإرادة الصهيونية التي أمضاها ربنا إلا أجل عقوبة وابتلاأ هو الذي يحكم كل الشعوب علا الرغم منهم، ويصدهم عن ربهم وما أنزله من كتب، وَمَنْ بعثهم من أنبياأ ورسل عليهم الصلاة والسلام علا الرغم منهم أي الشعوب.. ومن أراد القوامة علا نسائه وولده، وإمضاأ حق الله في المواريث والنفقات: لم يستطع في ظل دول القانون؛ لأن مخالفة القانون جريمة، والمجرم مُدان.
ومن وسائل التربية اليوم التلفاز والفضائيات والجريدة والكتاب، ولتكون الحرية معيارية أصبحت الرقابة ضرورة بمعايير أيضا، ولكن سلطات القانون الوضعي المتجذِّر في عالمنا العربي من القانون العالمي الذي هو تنظيم للحق الطبيعي شهواتٍ وشبهاتٍ: جعل الرقابةَ اليوم أمراً دخيلاً علا حياتنا، وأصبح الدين الإسلامي، وتربية المصلحين من العلماإ ورثة الأنبياإ:
إما مُأَوَّلة، وإما محكوم عليها بمقتضا القانون الوضعي المبني علا ما سُمِّي حقاً طبيعياً.. وذالك من أبناإ جلدتنا في البلاد العربية والإسلامية التي يحكمها ذالك القانون..
هاكذا كانت ممارسات من يغتصبون لأنفسهم صفة المتنورين في صيحاتهم المحمومة ضد حرية المعايير التي تقتضي قلم الرقيب المشروع منذ استفزاز رشدي إلا رواية الأعشاب..
وأذكر هاذين النموذجين فقط؛ لأنهما أَظْهرا المنطقَ المعكوس الجماعي الأغلبي في دنيا من منحوا أنفسهم صفة التنور.
وعندما أعلن روزفلت وزملاؤه الحريات الأربع بعد انتصار الحلفاإ: كانت الحرية نسبية لا مطلقة؛ لأنها مثلاً راعت ولو بتقنين تنظيري حق الشعوب والأديان عقيدة، وشريعة، وذالك نصاً يعني حرية الفرد في ممارسة دينه في أي بلد، ويعني حرية الشعوب في صنع قراراتها السياسية والثقافية والاقتصادية..
ويعني بضرورة النص أن أهل الدين الواحد في قطر، أو أهل أغلبية الدين الواحد في قطر ذوو حرية جماعية..وما ذالك إلا مرحلة من مراحل الصهيونية؛ لأن العالم الأَقْوا اليوم (والقوة لله وحده سبحانه) هم أهل الكتابَيْن السابِقين في تحالف ميتافيزيقي ناجم عن كيد الأقلِّين وتضليلهم الأكثرين..
وبهاذا التحالف أصبح العالم اليوم مدفوعاً إلا الجبرية لا الحرية؛ لأن بناأ ذالك التحالف الميتافيزيقي علا سيادة الدولة الواحدة، والدين الواحد؛ فكان الوفاق العالمي.. أي الاتباع للدولة القوية الواحدة وحلفائها هو الوفاق.. ويلي ذالك سيادة المأَسَّسة الواحدة، والمبادإ الوضعية الواحدة باسم حقوق الإنسان.. ولا تزال ظواهر العولمة، ومفاجآت العلم المادي، وظهور السيطرة العالمية للحفنة الصهيونية، وتحدِّيها لكل مبادِإِ التعاون الدولي..
وتلك فتن أنذرنا بها خالق الكون سبحانه في كتابه وفي سنة رسوله صلاَّ الله عليه وسلم تصريحاً وتلميحاً.. ومَشِيْأة الله الفاصلة في النهاية هي الغالبة، والمسلمون مضمون لهم طائفة منصورة لا يضرها من خذلها إلا يوم القيامة (وذالك حال الفتنة)، ومضمون لهم الغلبة وهداية البشرية قبل علامات الساعة الكُبرا يقيناً؛ فإذا فسد الكون، وأذن الله بقيام الساعة: لم يبق من يقول: الله الله!!.. والله المستعان.
***
الحواشي:
(1) قال أبوعبدالرحمان: إلاَّ من عرف ربه وذاق حلاوة الإيمان، ونفعه الله بعقله وقلبه وحسه؛ فإنه يَفْخَر بالعبودية لربه مانحه الوجود وخالقه ومالكه ومربيه بنعمه.. ويفخر بِوَأْدِ حرية الشبهات والشهوات بما تمليه عليه قيم الحق والخير والجمال.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved