أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 20th May,2001 العدد:10461الطبعةالاولـي الأحد 26 ,صفر 1422

وَرّاق الجزيرة

الكتاب والسفر
يوسف بن محمد العتيق
)السفر قطعة من العذاب( كما ورد في الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام فالمسافر مشغول بَدنيّاً، مشغول ذهنيّاً، يفقد أهم عوامل التحصيل والتأمل، وهو عامل الاستقرار، ومع هذا وذاك فقد حفظ لنا تاريخنا العظيم صوراً مشرقة، وصفحات ناصعة من تفاعل بعض الآباء والاجداد مع الكِتَاب في سفرهم ضاربين بالمشقة والتعب عرض الحائط، كيف لا وهم مع صديقهم الوفي الكتاب وخلهم الذي يقدم لهم الكثير والكثير دون طلب أدنى مقابل.
وهنا سأُطلع القراء الكرام على أمثلة محدودة في هذا المجال، كل مثال منها يدخل في إطار مستقل من ألوان التفاعل مع الكتاب، راجيا ان تكون هذه الأمثلة وأمثالها شاحذة لهممنا نحو التحصيل والاكتساب المعرفي.
زاد المعاد لابن القيم
ولعل من أشهر الامثلة في هذا المجال الموسوعة العجيبة الكتاب الذي ألفه العلامة ابن قيم الجوزيه رحمه الله تعالى تحت اسم: زاد المعاد في هدي خير العباد( ويسمى ايضا بالهدي النبوي، حيث قال في مقدمة كتابه هذا:
وهذه كلمات سيرة لا يستغني عن معرفتها من له همة الي معرفة نبيه صلي الله عليه وسلم وسيرته وهديه اقتضاها الخاطر المكدود علي عجزه وبجره مع البضاعةالمزجاة التي لا تنفتح لها ابواب السدد، ولا يتنافس فيها المتنافسون مع تعليقها في حال السفر لا الاقامة، والقلب بكل واد منه شعبة والهمة قد تفرقت شذر مذر والكتاب مفقود..
قلت: وكتاب زاد المعاد هذا المطبوع منه في خمسة مجلدات ولم يصل الينا كاملا فيه من الوان التحقيق والعلم في جميع فنون التراث الشيء العجيب ومن رأى هذا الكتاب يعجب أشد العجب اذا علم ان مؤلفه قد ألفه في حال السفر ففي هذا الكتاب بحث مساذل فقهية وتاريخية ونحوية وعقدية وطبية وغير ذلك من المسائل المهمة ومع هذه الظروف الصعبة التي يعاني منها المسافر الا ان ابن القيم ابدع واخرج لنا كتابا نفيسًا لا يستغني عنه اي باحث في التراث.
ومما يجدر ذكره ايضا هنا ان هذا الكتاب زاد المعاد قام باختصاره بعض أهل العلم، وقام بتحقيقه غير واحد من طلبة العلم.
قراءة على الشيخ أثناء السفر!!
قال المؤرخ ابن الاثير في ترجمة شيخة ابو القاسم يعيش بن صدقة:
ولقد شاهدت منه عجبا يدل على دينه وإرادته بعلمه وجه الله تعالى وذلك اني كنت اسمع عليه ببغداد سنن أبي عبد الرحمن النسائي، وهو كتاب كبير، والوقت ضيق، لاني كنت مع الحجاج قد عدنا من مكة حرسها الله فبينما نحن نسمع عليه مع اخي الاكبر مجد الدين ابي السعادات، اذ قد أتاه انسان مع أعيان بغداد، وقال له: قد برز الامر لتحضر لامر كذا وكذا فقال: انا مشغول بسماع هؤلاء السادة، ووقتهم يفوت، والذي يراد مني لا يفوت فقال: انا لا احسن اذكر هذا في مقابل امر الخليفة، فقال: لا عليك ، قل: قال ابو القاسم: لا أحضر حتي يفرغ السماع، فسألناه ليمشي معه، فلم يفعل ذلك، وقال اقرأوا فقرأنا، فلما كان الغد حضر غلام لنا وذكر ان امير الحاج الموصلي قد رحل فعظم الأمر علينا فقال: ولم يعظم عليكم العود الى اهلكم وبلدكم؟ فقلنا لاجل فراغ هذا الكتاب، فقال: اذا رحلتم أستعير دابة وأركبها فأسير معكم وانتم تقرأون، فاذا فرغتم عدت، فمضى الغلام ليتزود ونحن نقرأ فعاد وذكر ان الحاج لم يرحلوا ففرغنا من الكتاب، فانظر الى هذا الدين المتين يرد امر الخليفة وهو يخافه ويرجوه ويريد ان يسير معنا ونحن غرباء لا يخافنا، ولا يرجونا.
قلت: وهذا مثال جميل يظهر من خلاله حرص التلميذ على الاستفادة، والمشايخ على الافادة مهما كانت الظروف لا تسير في الاتجاه المناسب.
الملك عبد العزيز والقراءة على الدواب
ومن الذين كان للكتاب حضور كبير في حياتهم حتى في السفر جلالة الملك المغفور له ان شاء الله الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل ال سعود فقد روى لنا سعادة الشيخ يوسف ياسين شيئا من ذلك، حينما صحب الملك عبد العزيز في رحلته الشهيرة لمكة المكرمة سنة )1343ه( ولندع الحديث له حيث قال واصفا هذه الرحلة التي عرفت فيما بعد بالرحلة الملكية:
فإذا مشينا نادى السلطان )ابن الشيخ( فيحضر احد طلاب العلم من ابناء الشيخ ويأخذ بزمام ناقته احد الخدم فيتناول من حقيبته لأول الأمر )صحيح مسلم( ويقرأ فيه ما شاء الله ان يقرأ.
وبعد ذلك يأخذ تاريخ ابن الاثير فيقرأ فيه وكان يقرأ لنا في الطريق منه السيرة النبوية التي كان لها في نفوسنا اثر عظيم يدعونا للتأسي بأعمال الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وأصحابه الذين لاقوا من النصب والتعب في سبيل نشر الدعوة الاسلامية ما لاقوا.
وقال ايضا في وصف درس آخر في الرحلة نفسها، وعلى ظهور المطايا ايضا!:
فيصلون الظهر والعصر، ثم ينادي مناد: )الرحيل الرحيل( فإذا استوينا على ظهور المطايا نودي )ابن الشيخ( فتناول من حقيبته كتاب )الترغيب والترهيب( وقرأ فيه طائفة طيبة، ثم تناول كتاب ابن مفلح فقرأ منه ما شاء الله ان يقرأ، ثم بعد ذلك يتحدث رجال الركب قليلا..
قلت: هذه نماذج والمتأمل في كتب التراجم والسير سيجد الكثير والكثير من ذلك، مما يعطي أروع الصور في التفاني من اجل الحصول على المعلومة وكل هذا يدل على تقدير اسلافنا للكتاب وأنه الصديق الذي لا يحسن بنا ان ننفك عنه...
فهل يعي الخلف رسالة السلف؟!
الكتاب لطائف وطرائف!!

أعلـىالصفحةرجوع





















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved