أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 22nd May,2001 العدد:10463الطبعةالاولـي الثلاثاء 28 ,صفر 1422

الثقافية

عقد جدتي
هيفاء بنت محمد الفريح
لقد تحوَّلت حبات عقد جدتي اللؤلؤية البيضاء الى حبات مفحمة في السواد! لا. لا. إلا هذا العقد. إنه هديتها لي عندما تفوقت العام الماضي على الصف.
استيقظت من نومي فزعة من ذلك الحلم المزعج نفثت عن يساري، استعذت بالله من الشيطان الرجيم. شعرت وكأن فراشي قد صنع من شوك القتاد، إذ انه اقض مضجعي فلم استطع النوم.
الحل اذاً ان اطمئن على العقد بنفسي. يممتُ وجهي شطر خزانتي لأخرج العقد، وأتأكد من لونه. فتحت علبته.
آه. حمداً لله مازالت حباته بيضاء كقلب التي أهدتني إياه.
تناولته لأقبّله. لكن!!
حباته تناثرت على أرض الحجرة بعد ان تقافزت بصورة أثارت دهشتي، أو بالأحرى فزعي. انتابتني افكار سيئة، ورؤى مخيفة.
عاودني القلق لكن بصورة أشد.
ان تصبح حبات اللؤلؤ سوداء خير من ان تسقط وتتناثر.
يوه، ما الحكاية؟! ما هذه الوساوس الشيطانية؟!
السبيل الوحيد للخلاص منها الصلاة. نعم فالمؤمن يجد راحته في الصلاة. هكذا قالت المعلمة.
توضأت . صليت دعوت من كل قلبي لجدتي بأن يشفيها الله، ليعود الفرح الى منزلنا من جديد.
رجعت الى سريري لأحاول وبشتى الوسائل ان استجدي النوم، لكنه ظل يعاندني حتى قبيل الفجر.
أمي. نعم أمي هي المرفأ الأخير الذي ستقف عنده سفينة افكاري المزعجة. سأحتضنها وأنام بجوارها ولن أنبس ببنت شفة عما رأيته حتى لا تقلق.
سابقت درج السلم، لأهبط الى الطابق السفلي حيث تنام أمي جوار غرفة جدتي استوقفتني اصوات غريبة. حاولت ان أميزها، وعندما فشلت أسرعت لأفاجأ بصور أغرب.
خالي، وأخواي، وأبي في هذا الوقت المتأخر. مطأطئي الرؤوس. واجمين. أما أمي فقد كانت تبكي، لا بل تنحب وقد انكفأت على جسد جدتي النحيل المسجى تخمه وتقبِّله. أدركت الآن سر انفراط العقد.
تمتمت بسؤال جرح حنجرتي: أوَ ماتت جدتي؟!
لا اعتقد ان ألماً في الوجود يساوي ذلك الذي خز في أضلعي، ولا ناراً في الدنيا تجاري التي اشتعلت بين جوانحي.
لا أعرف متى ماتت، او كيف ماتت، لا اعرف لماذا انفرط العقد اليوم بالذات؟!
أنا لا اعرف أشياء كثيرة، ولكن شيئاً واحداً هو الذي اعرفه وهو انني: أحب قلبها الأبيض الطاهر الذي سيظل يحيا معي رغم رحيل جسدها عني، لذا هرعت الى غرفتي، وجمعت الحبات المتناثرة، ونظمتها رغم ان في داخلي غصة مؤلمة، بيد اني تغلبت عليها بابتسامة حزينة من شفتي، وظللت أتهمهم طوال نظمي للعقد.
ما انفرط العقد الأبيض، ولا مات قلب جدتي الأبيض.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved