أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 24th May,2001 العدد:10465الطبعةالاولـي الخميس 1 ,ربيع الاول 1422

فنون تشكيلية

آراء في دور الفنان التشكيلي العربي
من المناسب أن ينظر الفنان لعمله في مجال الفن التشكيلي على أنه شجرة مرتبطة عضوياً بأرضها تربة ومناخاً، فلا حياة بلا ارتباط منتم بوعي، وإلا فسيكون النمو بلا روح. ففنه شجرة نامية تبدأ مع حياة البذرة، وتمتد في نماء يستمر مدى الحياة. الشجرة لها جذع أساس واحد، وفي الأمة والموطن الواحد أشجار من ذات الخصوصية يصدر عنها كل إبداع أصيل، هذا الجذع يمثل الفكر والتوجه الموحد في المبادئ والأساسيات، وهذا التوحد هو الذي يمنح تلك الشجرة القوة والثبات والصمود في الحياة، فتتسابق فروعاً وأغصاناً وزهوراً وثماراً، ويمكن أن يصعد الفنان ويصل لأي منها بحسب قدراته واختياراته ومبتغاه. والشجرة بما تحمله من نماء لها فرصة الامتداد الرأسي الدائم إلى الأعلى، فليس لها سقف محدد.
والفنان هو راعي هذه الشجرة، يشكل في أغصانها ويحدد جهة نموها وامتدادها متى ما توافرت لديه الرغبة وسمحت قدرته الفنية وطبيعة الفرع. دور الفنان التشكيلي هنا الإبداع والاستمتاع برعاية هذه الشجرة النامية «موهبته التشكيلية» والعناية بها وتفهمه لما يعين على ازدهارها واستمرار تدفق روح الحيوية والنماء فيها، يدرك أنها لا تنمو إلا بالاهتمام والرعاية، فليس شرط الإبداع أن نقولب في أنماط مختارة لنا سلفاً، أو مفروضة علينا، الفنُ الحقيقي هو كنوزُ هذه الشجرة، وهو فيض من ثقافة الفنان ومدركاته، لذلك نجده يحرص هو نفسه على أن يواصل تنمية قدراته وخبراته ووعيه وتواصله المباشر واحتكاكه مع تجارب الآخرين، وتفاعله مع جهود الرعاية المماثلة في آفاقها المتقدمة. ودور الفنان هنا تنقية ما يعلق بتلك الشجرة من الحشائش وأغصان السرطان الضارة بنموها، كذلك إتاحة الفرصة لهذه الكنوز أن تتفتح على الهواء والشمس، وتتفاعل مع الحياة فتنطلق من داخل الشجرة حركة النماء، لتسهم بدورها الإيجابي الفاعل في تكرير وتنقية الهواء في أجواء المجتمع.
وانطلاقاً من عدد كبير من المعارض والمشاركات الفنية العربية التي أقيمت خلال السنوات الأخيرة هنا وهناك، ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن أوضاعنا على صعيد الفن التشكيلي العربي متشابهة تطغى عليها نفس الاتجاهات ونفس المدارس الفنية، شكوانا واحدة، رياح عاصفة من الغرب، عملت في تياراتها نسبة لا يستهان بها من الفنانين التشكيليين العرب، تفاعلوا ويتفاعلون معها، ويضيع فنهم في خضم تلك القوالب العامة، بلا هوية، فنسبة كبيرة منهم يهمهم تنظيم معرض في أي بلد غربي، ويطلع عليه الغربي وكأني به يقول، «هذه هي ثقافتنا وهذا امتداد لها، نحن العالم الأول.. نعم، وهاهي دول العالم تتبعنا.. تقلدنا، نعم نحن العالم الأول».
الفنان التشكيلي العربي الحديث، فرقع الأشكال ومجد الألوان، فلست أرى الآن وقد حقق مستويات فنية وتقنية متقدمة ما يمنعه من الجد وتركيز الجهود في البحث فيما سلف، خاصة أنه صاحب إرث حضاري، علم العالم كل أنواع الفكر والفن والثقافة، نهل منه فنانو الفن الحديث، أمثال هنري ماتيس، وبول كلى، ودولاكروا، وبول قوقان، وهو ما تشهد به كتب تاريخ الفن في دول الغرب، إرث حضاري عربي وإسلامي عريض لا تكاد تضارعه في ثرائه منطقة أخرى، إرث حضاري قطع بالدنيا أيام ظلامها، والفنان الذي لا يملك تصوراً معقولاً لهذا الإرث الحضاري، لا يجرؤ على صياغة أعمال حديثة ذات صلة بهذا الإرث، وسرعان ما يجد نفسه أسير الاضطراب، متقلباً بين قوالب المدارس الفنية المختلفة، ومن الإنصاف ألا نتجاهل أو نغفل عن جهود بعض الفنانات والفنانين في بعض المحاولات الفردية الجادة هنا، وهناك في دول عربية أخرى، التي يغلب عليها طابع هو مزيج من الجدية والاحتشام في آن واحد، وسأتجنب الإشارة المباشرة للأسماء والاتجاهات، خشية تسليط التوجه وتركيزه عليها دون غيرها مما لم تسنح لي فرصة الاطلاع عليه أو يغيب عن الذاكرة، لكن هذه الجهود أثبتت بخطواتها الحديثة أنها امتداد طبيعي أصيل، كما أن فنانيها يقدمون لنا الأمل والتفاؤل بمستقبل مشرق بعون الله تعالى، ولست هنا في مقام الإلزام والإقناع بضرورة الارتباط بالأصالة، ولكن حبذا لو اعتمدنا الاقتناع والالتزام، وليكن لدى الفنان التشكيلي من الشجاعة ما يكفي لأن يجعله قادراً على أن يعيد النظر في فنه، ويجعل منه امتداداً لروح الأصل، ويرتقي به ويسمو حتى يحتل مكانه الطبيعي في العالم، ضمن طليعة القيادة، وينال شهادة الأحقية من ذويه، بملء مكانته القيادية في مجتمعه ووطنه وأمته ورأي مواطنيه، لأنهم يدركون أن هذا الفن منهم ولهم، يعبر عنهم وعن همومهم وأحاسيسهم وشجونهم وآمالهم، فمتى ما تعانق الوجدان الخاص بالوجدان العام أنجب عملاً فنياً عميق الأثر.
إن عملية البناء المناسبة يبدأها الفنان التشكيلي المعاصر بما اكتسبه من خبرات الفنون الحديثة، وبالتناول المسؤول عن إنسان ومبادئ ومعطيات وأرض هذه الأمة، ويشارك بدور أكثر إيجابية وأصالة في خلق واقع قيادي مشرف، وأقل ما يمكن أن يكتسبه الفنان التشكيلي من هذه الحداثة الأصيلة، هو استقطاب نسبة كبيرة من غير المختصين في الفنون التشكيلية لحضور المعارض وزيارة صالات العرض، وتذوق هذا النوع من الفنون وتحقيق هدف «الفن التشكيلي للجميع» ليس ذلك فحسب، بل إن الفنان التشكيلي العربي المعاصر يكون قد أدى أمانة ومسؤولية تاريخية لأجيال ستأتي بعده، سهل لهم طريق المواصلة، وتجنب سخطهم عليه، وتنكرهم لأعماله.
كلنا نعرف أن الفن يؤثر ويتأثر، ويجتاز حدود الدول، ويجنح دائماً نحو العالمية، كما حدث من الامتداد للفن الاغريقي، وكذلك انتشار اتجاهات القرن العشرين، من وحشية وسريالية وتكعيبية وتجريدية في كثير من أقطار العالم، لكن خصائص فنون حضارات أخرى مثل الفن المصري والياباني والصيني والهندي والعربي والفن الإسلامي وفن الهنود الحمر في أمريكا، مازالت تفرض نفسها، فكل نشاط إبداعي في حياة الشعوب له فترات ازدهار وفترات ركود وجمود أحياناً، وقد مرت أمتنا بمثل هذه الفترات، حتى وجدنا أنفسنا في عصر التحفز، عصر القلق والتساؤلات، عصر الاهتمام النابع من لهفة الفنانة والفنان، وشعورهم بالمسؤولية، هذا الشعور هو المحرض الأساس لشحذ الهمة والخيال، واستمرار البحث للوصول إلى سمات واضحة لفن عربي وإسلامي معاصر، ولا يفوتني هنا أن أذكر بأن هذه السمات لا يمكن لأي شخص أو جهة تبني وضعها عن طريق التخطيط أو التنظير، لما في ذلك من كبح وتحديد لنهج خيال الفنان، ولأن ذلك يتعارض مع طبيعة الفن وحرية المبدع، أما الفنان أو مجموعة من الفنانين فيمكنهم بفنهم رسم نهجهم وهذا هو ما كرر نقله إلينا تاريخ الفنون.
أردت من هذه الكلمات أن أصل إلى أن الفن مهما كان شكله ومضمونه، إن لم يكن فناً حقيقياً أصيلاً فلن يعترف التاريخ به، ثمة شيء آخر يهم الفنان، وهو التعرف على واقعه الحضاري، بكل ما يحمله من قضايا وصراعات، ونعم ومعطيات ويتفاعل معها لتنعكس في أعماله الإبداعية والإبداع لا يقتصر على التسجيل والإعلام، إنما هو تعبير نابع من أعماق الفنان وروح أمته وتطلعاتها، كما أنه ليس هناك من وصفة سحرية تعطى للفنان لكي يبدع إبداعاً أصيلاً.
ولا أبيح لنفسي أن أقف موقف المرشد الواعظ في هذا المجال، لكني أنبه نفسي وزملائي التشكيليين بأهمية وضرورة الدور الذي يمكن أن يتحقق لفننا التشكيلي وما يمكن لهذا الفن أن يحققه لخدمة قضايا أمتينا العربية والإسلامية، خاصة وأن هذا الفن وسيلة عالمية لا تحتاج إلى التراجم.
إن ظاهرة تنظيم مثل هذه الأمسيات والمحاضرات والمعارض المتبادلة والمسابقات الفنية والحوارات والملتقيات التشكيلية التي تحتك وتتلاقح فيها التجارب والخبرات لتدل دلالة واضحة على وعي المتفهمين لدور الفن التشكيلي والمهتمين به، وبالرغم من هذا التفهم لا يزال الفنان التشكيلي العربي بصورة عامة في حاجة إلى مزيد من الرعاية والاهتمام، حتى يتمكن من مواصلة رسالته النبيلة، التي تعهد بنشرها، كما أن مشاركة الفنان التشكيلي بفنه في هذه المناشط والمحافل المحلية والدولية تؤكد شعوره بالمسؤولية الحضارية الملقاة على عاتقه.
في الختام أغتنم هذه الفرصة وأتقدم بجزيل الشكر والعرفان للجهود الطيبة التي تساهم بها الخطوط الجوية العربية السعودية في خدمة الفن التشكيلي بصورة عامة والساحة التشكيلية المحلية بصورة خاصة، كما لا يفوتني أن أشكر المركز السعودي للفنون التشكيلية والعاملين فيه على تهيئة المناخ الطبيعي لإقامة هذه الأمسيات، وأهنئ الخطوط السعودية على إكمال ملونها عقده الأول، وأتمنى له أن يبلغ القرن بل

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved