أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 24th May,2001 العدد:10465الطبعةالاولـي الخميس 1 ,ربيع الاول 1422

الثقافية

العمل الروائي المحلي إلى أين؟ )2(
* تحقيق : سعيد الدحية الزهراني
مما لا شك فيه ان الفن الروائي أحد أركان المشهد الثقافي والأدبي والمعرفي لأي أمة من الأمم بل وأحد معايير تقدمها ورقيها.
إن فن الرواية بوصفه العام فناً مخاتلاً يغري الكثيرين للولوج إلى عالمه الفسيح حتى وإن لم يكونوا قادرين على امتلاك الأدوات الضرورية لجعل عملهم ذلك عملاً أدبياً ذا قيمة عالية إن مشهدنا الثقافي وخطاباتنا الأدبية والمعرفية تعيش لحظة تحول سيعمق أثرها في المجتمع وتفاعلها مع الآخر والعالم من منظور جديد.
ولعل أهم مايمكن أن يسترعي الانتباه على خارطة ثقافتنا المحلية هو هذا الفن السردي الجميل وهو فن الرواية.
فقد بدأ باستقطاب أنظار الجماهير، ولفت انتباه النقاد فاتجهت بوصلة الاهتمام إلى هذا العمل الحكائي الشيق.
إن مشهدنا الثقافي والأدبي والمعرفي قد سجل حضوراً عربياً وعالمياً جيداً.
لكننا إن نظرنا وبنظرة فاحصة إلى خارطة مشهدها الثقافي والأدبي فإننا لانجد العمل الروائي قد احتل مساحة كبيرة فيها بل إن بالإمكان القول: ان فن الرواية لدينا لايزال في بدايات مغامراته الأولى.
من هنا وتأسيساً على ماسبق حملنا إلى عدد من المهتمين بعض التساؤلات الجوهرية حول مشروع الرواية المحلية فكانت الإجابة من كل من: الاستاذ/ تركي محمد العسيري/ الاستاذ/ أحمد الدويحي/ الدكتور/ سلطان سعد القحطاني.
حيث جاءت مشاركاتهم وإجاباتهم على هذا النحو:
تركي محمد العسيري:
كان أول المداخلين هو الاستاذ تركي العسيري حيث قال: لابد لنا في أن نشير في البداية إلى أن فن الرواية فن مغرٍ يجتذب الكثيرين إليه حتى وإن لم يكونوا قادرين على إنتاج فن أدبي راق وذي قيمة فنية وأدبية جميلة.
من هنا جاءت معظم الأعمال الروائية لدينا مفتقدة في أغلبها إلى شروط الأعمال الإبداعية الأصيلة وظلت تدور في دهاليز البدايات الحكائية والعمل الإنشائي في وقت تعيش فيه الرواية العربية عصراً من المجد الأدبي المتطور الذي يضفي على المشهد الأدبي ألقاً مثيراً للإعجاب.
أقول هذا دون أن يفقدني هذا الحكم رؤيتي لبعض التجاوزات المخلة كتسييس العمل الروائي عن البعض أو الخروج عن الانماط السلوكية والروحية عند البعض الآخر.
غير أن هذا لا يمنعنا من التأكيد على عالمية الرواية العربية، وقدرتها على المنافسة والذيوع هذه مقدمة ارتأيت أن أدفعها لتحصننا من مغبة الأحكام العشوائية المبعثرة ولتكون مدخلاً للحديث عن )الرواية السعودية( هذا بالطبع إذا تسامحنا مع هذه التسمية.. التي مرت بمراحل خجولة بدءاً ب)التوأمان( للأنصاري ومروراً ب)ثمن الخطيئة( ومرت الأيام للدمنمهوري «دار من لا مطر» لابراهيم الناصر وانتهاء ب«وسمية» المشري و«عصفورية» القصيبي و«عدامة» تركي الحمد التي من خلالها نستطيع ان نقول: إن هذه الأعمال في مجملها )سير ذاتية( تفتقر إلى القيمة الفنية التي نجدها عند )حنا مينا( و)جبرا ابراهيم جبرا( و)عبدالرحمن منيف( وغيرهم من الروائيين العرب الكبار.
إن عالم الرواية عالم مثير ومدهش وغير محايد محتاج بالضرورة إلى عالم ومجتمع متسامح قادر على التعامل مع النص الأدبي بمنأى عن التفسيرات السازجة التي تقتل في المبدع أجمل مافيه التلقائية، الحرية.
لذا فإنني غير متفائل بمستقبل الرواية السعودية لاعتبارات وجيهة تعود إلى نظرتنا المريبة كمجتمع إلى الأعمال الإبداعية وعدم تفريقنا بين العمل الأدبي كفن لايخضع لمقاييس عقلانية وبين العمل الوعظي المباشر.
بين إيماننا بأن المبدع الحق كاتب غير عادي يثير اللفظ والتساؤلات المتعبة وبين الكتابات العادية التي تطالعنا كل صباح.
هذه الاشكالية يتأتى حلها منا نحن لنتفق على أن الرواية ليست عملاً عادياً، وليست ريبورتاجاً صحفياً. بل هي عملية تفريغ لما كان ولما سيكون وإنما عمل حكائي ينطق من الواقع ولكنه يلج عالم الخيال بما فيه من التجلي والفوضى والحلم اللذيذ.
كما أننا نحتاج إلى روائيين صبورين يتعاملون مع رواياتهم بروية وجلد، فالرواية السامقة هي بناء ساحة وليست مجرد عملية إفراغ سريعة لمجرد أن يقال أن فلاناً كتب رواية فالنفوس الميتة لغوغول كانت كسودة كما قرأت أكثر من عشرين عاماً حتى خرجت للناس.
أما الأستاذ أحمد الدويحي فقد جاءت مداخلته كما يلي:
الرواية المحلية نادرة وقليلة العدد إذا نظرنا إلى كمية المنتج الروائي ولو قارنا هذا المنتج لدينا بما يصدر من نتاج روائي في الدول والبلدان المجاورة لنا من حيث العدد لوجدنا أن رصيدنا في هذا الجنس الأدبي ضئيل جداً، ولا يقاس بحجم فعلنا الثقافي أبداً ومع أن هذا السؤال وارد وربما طرح عشرات المرات لكنه سيظل سؤالا مؤرقا لكل من يحمل في ذاته هم هذا الجنس الأدبي.
الرواية جنس أدبي ضخم ومهم وله خصوصية كبيرة في هذه البلاد المترامية الأطراف التي تحاول جاهدة ان تسابق الزمن في سعيها الحثيث ان تحدث كل شيء وتأخذ بروح العصر وهي في ذات الوقت روح الأمة العربية والاسلامية مكانيا وزمانيا. الرواية فن يأخذ من السياسي والديني والتاريخي والاجتماعي.
الرواية فن شامل ونهر يستوعب كل اجناس الفنون الاخرى من الكلمة الشعرية الى السرد القصصي الى اللوحة والصورة والمسرح. لكنها لا تكثف الصورة كما تفعل الكلمة الشعرية لأن الشعر هو الفن الحاسم وديوان العرب التي لن تتخلى الاجيال بسهولة عن محاولة التعبيربه أو يتنازل عن الدور الذي يؤديه على مدار قرون طويلة في بلادنا وتلك جزئية مهمة لفهم عدم تعاطينا فن الرواية.
الفن الذي يظن البعض أنه حديث في تراثنا الأدبي، الرواية المحلية بخير على ندرتها لأنها تقف على كم هائل من المعارف والتحولات العميقة المعاصرة التي لا تحتاج غير من يغرس فيها أنفه ورأس قلمه بصدق وجرأة وتضحية ولدي يقين ان الاجيال القادمة ستكتب روايتنا التي ننشدها بسهولة.
ومن الطبيعي ان يكون لمجتمعنا السعودي وثقافتنا السائدة دور في هذه الاشكالية وفي هذا اشارة إلى ما يشير إليه كثير من المهتمين بأن يكون لهذه البلاد روايتها ولهذا الجنس الأدبي العظيم حضوره الموازي لحركة النهضة في بلادنا ومن ضمنها الحركة الثقافية التي هي روح العصر، ومع هذا فأنا لا أمضي مع هذا الرأي الى النهاية، لأن طبيعة المجتمع السعودي ليست واحدة بسبب ان هذا المجتمع على سعته مرَّ بتحولات وشهد تغيرات لم تحدث في مجتمع غيره وهذا بدوره رأي يخالف آراء تنظر لهذا المجتمع بأنه خامد ومتخلف.
إن مثل هذه الصفات هي وصف للقشرة الخارجية لهذا المجتمع في حين ان الواقع يقول غير هذا أو قولي لا ينفي بأن هناك محاذير تتجاوز الثالوث المحرم في بعض البلاد العربية الذي تجاوزه البعض ووقع في شره بعض زملائنا كتاب الرواية في بعض البلدان العربية.. والسؤال هل ننتظر حتى يسمح لنا بكتابة الرواية؟
عندما أقول بأن مجتمعنا واسع ومتغير فأظن أني لا أجافي الحقيقة.
أقول: إن الفن وحده هو الحرفة الوحيدة التي لا ينتظر المبدع من ورائها مكافأة من أحد. ولئلا تذهب بنا التأويلات بعيداً أحدد لأني أعرف بأن لهذه النقطة بالذات دلالات تختلف من مثقف الى آخر أقول إني أقصد فن الرواية من واقع التجربة بأن الكتابة الروائية تحتاج الى تفرغ تام وأتفق مع من يذهب في القول بأن الرواية الناضجة بعد الخمسين دون ان نفرغ التجارب من محتواها وقيمتها ومع الذين يؤمنون بتداخل الاجناس الأدبية وأعرف اني أخوض في شأن فلسفي قد يكون واضحا للبعض وعزائي ان المسألة بالنسبة لي تراكم واللحظة الفنية لا تنتظر إذن من أحد اذا جاءت أكتبها كما هي بأي جنس أدبي.
الذي يتضح الآن ان كثيراً من التجارب الابداعية صارت تطبع خارج الحدود ووجدت لها صدى وردود فعل تعيد لهذه الساحة عنفوانها وحضورها البهي لكن ليس هذا كل الحل لدينا مشوار طويل لن يبقى هامشيا إلى الأبد.
الدكتور سلطان القحطاني:
د. القحطاني استهل حديثه قائلا: إن المتتبع للمشهد الثقافي في المملكة منذ مرحلة التأسيس إلى اليوم يجد أنه يفوق الكثير من البلدان العربية الأخرى ما عدا بعض البلاد التي كان لها دور الريادة في هذا الفن )مصر بلاد الشام( وفي الوقت الراهن تجاوزت الرواية السعودية في بعض الاحيان تلك البلاد في العدد والكيف ولن أكون مبالغا إذا قلت أن بعض كتاب الرواية السعوديين بزَّ أقرانه في تلك البلاد التي ورث أبناؤها هذا الفن مباشرة من اسلافهم الذين لا يخفى ذكرهم على كل مثقف في الوطن العربي والعالم ومنهم من نال الجوائز العالمية عن جدارة يستحقها بل أكثر من ذلك حيث كان له عميق الاثر في تأصيل رواية عربية عرفها العالم من خلاله وتتلمذ على يديه كل من يملك موهبة هذا الفن العالمي الجميل.
الرواية السعودية جزء من الرواية العربية منها الغث ومنها السمين وهذه سمة في عالم الابداع في العالم كله وليست العبرة بالكثرة فقد تكون الكثرة مصدر سلب للعمل الفني وذلك بانتاج رديء يحسب على الكل فيخل بموازينه الفنية وإن كان ذلك في البداية فالعذر أوسع من المعذور لكن ذلك لم يحصل في البداية بالشكل الذي انهالت عليه اقلام الكتابة الهزيلة من كتَّاب لا يملكون موهبة الفن الروائي ويملكون غيرها وهذه حالة صحيحة لا ينكر المثقف وجودها في عالم ما يزال يجرب في كل شيء حدث في عالمه الجديد ولكن الشيء غير الصحيح هو وجود المتطفل الذي يصدر أحكاما لا يفقه في مصادرها شيئا فالقصة الطويلة في نظره رواية.
والسيرة المباشرة في نظره وكذلك الذكريات رواية ومن يدري لعل الرحلات تكون رواية في المستقبل؟
فالرواية الحقيقية ليست قليلة قياسا على العدد السكاني، ودرجة المثقفين فهي اكثر مما ينبغي في بلاد عمرها الثقافي لا يتعدى الثلاثين عاما لكنه قليل من حيث الكيف وهذه حالة طبيعية اولى نجد في العالم كله عالماً روائياً على درجة واحدة من الرقي الفني لكن هذه القلة اثبتت جدارة فنية في عالم الرواية من الكاتب الذي يمتلك موهبة الصياغة الفنية والخبرة الكافية في صقل هذه الموهبة والمجتمع ما يزال في حاجة لمجريات ثقافية يتقبل من خلالها هضم العمل الروائي ومعرفة أصوله.
قراءة ونقد وتذوق لكن كيف يحصل ذلك في الظروف الحالية؟ إن عدداً كبيراً من القائمين على الشؤون الثقافية في العالم العربي هم ابعد الناس عن الهم الثقافي نفسه.
فلو كانت الحالة الرديئة متعلقة بالعمل الابداعي لهانت المشكلة لكن المشكلة في من يقيم هذا العمل وهذا يتفرع إلى أكثر من سبب. الشللية الثقافية وهذا بالطبع غير مؤهل للنقد والتقييم العاطفة المفرطة تجاه بعض الاعمال ولأنها عاطفة فليس للموضوعية العلمية عند هؤلاء مكان.
خلو مناهجنا الدراسية خلوا شبه تام من الأدب السعودي الجاد وخاصة الرواية الحديثة.
أما الوسيلة الاعلامية فقد تفاوتت معطياتها في دعم الفن الروائي في المملكة خاصة في التسعينيات من القرن العشرين.
الصحافة لم تقتصر في العناية بما يصلها من الكتاب حول الفن الروائي دراسة ونقدا وكذلك الاذاعة التي قدمت بعضا من الروائيين ضيفا لبعض برامجها أما الجهاز الذي يدخل كل بيت فللأسف انه لم يعتن بالرواية ولا بالروائي وهو الأجدر بها من غيره من الوسائل الاعلامية.
إن دور الانتاج التلفزيوني لم تقدم عملا روائيا واحدا والمبدع بلا إشهار علني في الوسيلة الاعلامية يظل مجهولا لكني أؤكد على ان العمل الجيد يأخذ طريقه الى القارئ. ولا عبرة ببعض أقوال الذين يقولون: لا يوجد عندنا رواية وقد قالها أحدهم: فعندما سألته عن الذين قرأ لهم أجاب أنه لم يقرأ لأحد حتى أنا أحدثه ولم يعرف أنني كاتب رواية!!.
فمثل هذه الاحكام هي التي خلقت البلبلة في الوسط الثقافي وفتحت طريقا للتجميل.
فإذا أردنا أن نبني ثقافة روائية حديثة فعلينا ان نبدأ من واقعنا ونعتز بثقافتنا ونعرف بكتابنا الجيد منهم والرديء وتكون الأحكام النقدية من المتخصص وأصحاب الذوق الفني الرفيع.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved