أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 26th May,2001 العدد:10467الطبعةالاولـي السبت 3 ,ربيع الاول 1422

عزيزتـي الجزيرة

بارك الله في هذه المعلمة
شكر وتقدير للمدرسة الرابعة للبنات بالمجمعة
عزيزتي الجزيرة:
عندما يريد المرء أن يكتب عن موقف إنساني مؤثر عاش تجربته يجد نفسه أحياناً عاجزاً عن وصف عاطفته وما تجيش به خاصته عندما يكون بطل الموقف فلذة الكبد وحشاشة الفؤاد.
مثل هذا الموقف مررت بتجربته مع بداية الفصل الدراسي الثاني هذا العام 1421ه وما دفعني للكتابة عنه هو الاعتراف بالجميل لمن شاطرنا المعاناة وعاشها كما عشناها بحكم علاقته التربوية وهذا يقتضي أن ينسب الفضل إلى أهله، فبعدالله الشكر كل الشكر والتقدير للمدرسة الرابعة الابتدائية للبنات بمحافظة المجمعة بمعلماتها اللائي ضربن مثلاً في معالجة هذه الحالة حتى تم التكيف معها والتغلب عليها ولله الحمد.
هذا الموقف الانساني النبيل والتربوي المثال كما أراه فرض نفسه علي والغى خصوصية الحالة واضفى عليها صبغة التجوز للبوح بها وملخص ذلك:
أن ابنتي الصغيرة دخلت المدرسة هذا العام 1421ه صف أول ابتدائي ولها «عندي» في المقام الرفيع منزلة خُلُقَاً وخَلْقَا والحمد لله فاستحوذت على انتباه من يعرفها وأحبتها معلماتها وتجاوزت الفصل الدراسي الاول وبامتياز ربما كانت هي الاولى على زميلاتها.
لكن المأساة بدأت مع بداية الفصل الدراسي الثاني ولأول مرة يكتب في سجلها لم تحفظ ثم أشارت معلمتها الى تدني مستواها فكانت المفاجأة وبدأ مؤشر الانتكاسة فلم تعد تحفظ الواجب الا بعد ساعات عدة ثم مجرد ان تلقي الكتاب وتأخذ فترة قصيرة وتطلب منها أن تسمعك أو تعيد عليك ما حفظته وعندما تلح عليها تجيبك «نسيت» وتحاول ان تشاغلك بعبث الطفولة ودلالها وبكلمات وعبارات تنتقيها لتأخذك بعيدا عن سيرة الدراسة فتعطيها فسحة من الوقت للتنفيس عن مخزونها الانفعالي النفسي ثم تعود بها الى استذكار دروسها حينها تطلب منك العفو وتستعطفك وتتوسل إليك ان تغفر لها قائلة هذا صعب وغداً أحفظ ثم تقبل جبينك ورأسك وتلف ذراعيها حول عنقك وتردد اسمح لي وكأنها أحست بفطرتها أنها اقترفت ذنباً وأن هناك ثمة خطأ أو نقص حصل لكن لا قدرة لها بالتغلب عليه أكثر من التعويض عنه بالضغط على العنق والالتصاق بالصدر حينها أضمها بين ذراعي ضماً تكاد تتخالف فيه الضلوع فتثور العاطفة ويطغى الحنو الأبوي وتترقرق في مقلتي دمعة حرى وسرعان ما تذرف الدمع مدراراً فأدير وجهي إلى غير اتجاه افراد الاسرة فأجهش بكاء ضحكاً «اي ممثلا بالضحك لمداراة الموقف» وتطرب فلذة كبدي لهذا الصوت فتزيد ضغطاً على عنقي وازداد استجابة لها ضغطا نفسيا ألما وحسرة وبعد ان تهدأ ثورة الانفعال وتجف المآقي اتوسل إلى صغيرتي أن تفك اسرها لي فتستجيب ثم ترى عيني وقد احمرتا فتذبل ابتسامتها وتختفي من شفتيها ويشحب وجهها وتسألني لماذا أبي أآلمتك فبكيت.. من المؤكد لا تقصد الألم النفسي لكن لابد من الجواب وليس لها أن تسمع جواباً يوحي بضعف أبيها فالبكاء تعبير عن الضعف وعدم تحمل الموقف.
فكان الجواب ابنتي بضغطك على عنقي خَطَفَت خصلة من شعر رأسك «ضفيرتك» عيني وهذا نتيجته وآمل الا يتكرر مثل هذا العناق وبهذه الشدة حتى لا ترى أباها في موقف يسقط هيبته.
وبمعزل عنها طلبت من أمها وأخوتها أخذها بالرفق بحيث لا تحس بأن قصوراً حدث نتيجة لعارض خفي أمره علينا، بل يتطلب الأمر الصبر والاتكال على الله ومضاعفة الجهد واستعمال اساليب الترغيب والترهيب والتحفيز والحرمان وأن يبقي الامر سراً حتى لا يعلق بذهنها وتهن إليه فيصبح شأنها عصياً.
لكن هذا كله لم يخف على معلمة الفصل التي أصبح لها الدور الكبير في التغلب على هذه الحالة العارضة والتعامل معها إذ أصبحت تتابعها داخل المدرسة بصفة استثنائية وتضعها تحت المراقبة والملاحظة الشخصية وتحاول أن تأخذ بيدها وتشجعها عندما تؤدي الواجب ولو كان بجهد المقل وتطلب من زميلاتها الصغيرات أن يشجعنها ويصفقن لها وعندما يكون الجهد أكثر تأخذها إلى الفصل الآخر لزيادة التشجيع وتذكر اسمها وتشيد بمدى تقدمها امام زميلاتها الاخريات، هذه المعلمة الفاضلة استطاعت بإلهام من ربها ووحي من رسالتها أن تذيب الفوارق العارضة وأن تغلغل وتغوص في نفسية هذه الصغيرة، فعملت على تخفيف ينابيع الاحباط واليأس فلم تعد تكتب في سجل الطالبة عبارات مؤلمة صريحة تؤكد تأخرها مثل لم تحفظ ضعيفة 0 كسلانة حتى لا تشعر الطالبة وزميلاتها بذلك بل تخطت هذا بأسلوب رفيع مبدع ربما تجاوز المنهجية فلم ار في سجل الطالبة سوى بارك الله فيك يا ابنتي يا صغيرتي ياحلوة ياوردة ... الخ من ابجدية الالفاظ العذبة المحببة للنفس والتي تساعد على رفع معنوية الطفل ثم تمنحها نجمة أو أكثر وهدايا رمزية أخرى حسب تقديرها لمدى استجابتها وتقدمها.
وبالرغم من هذا كله فإنها لم تنس أو تغفل التأكيد على تدني مستواها ومدى احتياجها للتركيز والمتابعة المستمرة وذلك بالاتصال والتنسيق مع والدة الطالبة دون ان تعلم هي وحتى لا يدب اليأس في النفوس لا تخلو عباراتها من نغمة التفاؤل التي تجعل الوجوه تشرئب بشراً وسروراً.
هذا الجهد المضني والمستمر حتى خارج حدود المدرسة الذي ثمرته والحمد لله رفع معاناة ومسح دمعة حزن واسعاد اسرة: الا يستوجب الشكر والتقدير؟ أليس في هذه التجربة قيمة انسانية وتربوية تستحق الوقوف عندها؟ وفي الختام اقول لهذه المربية الفاضلة معلمة الفصل الاول «ب» شكراً لك ولجهودك الكبيرة التي نثمنها بارك الله لك وعليك واكثر من امثالك واثابك على ما فعلت إنه سميع مجيب.
سلطان بن عبدالمحسن الدعجاني
محافظة المجمعة

أعلـىالصفحةرجوع












[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved