أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 29th May,2001 العدد:10470الطبعةالاولـي الثلاثاء 6 ,ربيع الاول 1422

مقـالات

رؤية للعلاقة بين المعلم والتلاميذ
د. جمال سليمان
إن مسألة إعداد المعلم وتأهيله من المسائل التربوية الهامة التي حظيت باهتمام كبير من قبل التربويين. وخاصة ان نجاح العملية التربوية يرتكز على المعلم بشكل كبير، لذلك لابد من اعداده اعدادا متكاملا ليكون قادرا على تحمل مسؤولياته والقيام بواجباته، وسنحاول التركيز هنا على شخصية المعلم التواصلية، لما لهذا الجانب من آثار ايجابية على التلاميذ، وعلى قيامه بالأدوار التربوية والتعليمية المنوطة به، حيث يتم فصل مصطنع بينهما، ويقصر دوره على الجانب المعرفي الذي يتلخص بتزويد التلاميذ بالمعرفة الجاهزة.
لعل من المفيد التذكير ان المعنى العام لمصطلح المعلم لا يقصد به معلم المدرسة فقط بل الانسان الذي يعلم الآخرين بغض النظر عن مهنته، رغم ان ما سيرد لاحقا يخص معلم المدرسة أكثر من غيره، ولا يعني التعليم نقل المعارف والمهارات والخبرات بل التوجيه والتحفيز نحو القيام بفعل ما.
إن تربية التلاميذ واجب مقدس للمعلم، ولكن يعاني عمله في هذا المجال من ثغرات عديدة، وربما يعود ذلك الى ما ذكرناه سابقا حول الفصل المصطنع بين الأهداف التربوية والتعليمية، حيث ينظر الى الأولى على أنها ثانوية، وهذا ما يؤثر على طبيعة العلاقة بين المعلم وتلاميذه من حيث تحقيق النتائج التربوية والتعليمية المرجوة، لذلك لابد من توافر مقومات كثيرة لبناء هذه العلاقة على أسس علمية صحيحة ونذكر منها:
1- تعزيز شخصية المعلم وهيبته: كيف تفهم الآثار التربوية لشخصية المعلم؟
يتم عادة الربط بين الآثار التربوية وهيبة المعلم كشرط ضروري للوصول الى نشاط ناجح ومثمر. ويؤدي غياب هذه الهيبة الى انعدام العلاقات المتبادلة الصحيحة بين المعلم والتلاميذ، وانعدام الشروط الطبيعية الملائمة للنشاط التعليمي والتربوي المنتج. لابد من توضيح مفهوم الهيبة، يرى البعض أنها تتجسد من خلال مهارات المعلم في ارغام التلاميذ على العمل، لكن ما يثير الانتباه هو )الإرغام(، فهل يمتلك الهيبة من يفرض النظام في الصف، ويرغم التلاميذ على انجاز واجباتهم؟ لعل من المفيد التذكير بما ذكره أحد الباحثين حول هيبة الأهل، حيث تكون مزيفة عندما تتجسد عن طريق القمع والكبت وترتكز على العقاب كمعيار للضبط، وبالتالي تكون هذه الهيبة قائمة على الخوف. وكذلك الأمر بالنسبة لهيبة المعلم فقد تكون مؤشرا على انضباط ظاهري في الصف، وانجاز شكلي للواجبات، فيتراءى لنا من الوهلة الأولى ان كل شيء يتم بنجاح، ولكن يغيب الأثر التربوي للمعلم على تلاميذه.
2- اتاحة الفرصة للطلاب لتحقيق الاستقلالية باشراف المعلم: لابد لتحقيق النجاح في مجال تريية التلاميذ من التركيز على تطوير نشاطهم ومبادراتهم وذواتهم، ولا يتم ذلك بشكل فجائي، لأن التسرع، والتكوين المصطنع للذاتية لا يؤديان الى النتائج المرجوة، فهناك بعض التلاميذ الخجولين الذين لا يستطيعون التعبير عن ذواتهم مباشرة، لكنهم يبدأون بتقديم آرائهم واقتراحاتهم بثقة أكبر وتدريجيا. ان اتاحة الفرصة للتلاميذ لممارسة الذاتية شرط ضروري لتربية الادارة التي تمتلك أهمية كبيرة في حياة الانسان. لذلك فإن المعلم يقصر مهمته على تقديم المعرفة جاهزة للتلاميذ يتغافل عن الشروط الهامة والمصادر الأساسية التي تساعد على تكوين قوة الادارة لديهم. حيث تشير نتائج بعض الدراسات التربوية الى ان قيام التلاميذ بتحديد الأهداف، ووضع خطط العمل ذاتيا يولد دافعا قويا لتذليل الصعوبات التي تعترضهم عند انجازهم لما يفكرون به. فيكتسبون بالتالي المهارات الضرورية لتجاوزها وهذا التدريب على تحمل المسؤولية دلالة مهمة على قوة الارادة. إذ إن منح التلاميذ استقلالية أكبر يعزز هيبة المعلم، اضافة الى عوامل أخرى تعد مصدرا أساسيا لهيبته الحقيقية، وأهمها اهتمامه أثناء العمل مع تلاميذه، ويشير البعض الى ان هذا الاهتمام يتحدد من خلال حبه للعلم، ولمهنته واستيعابه للمعرفة العلمية. لا يمكن نكران دلالات محبة العلم والثقافة، لكن يتجسد الاهتمام من خلال القدرة على التواصل الروحي الوجداني بين المعلم والتلاميذ بقوة. ومثال ذلك: لنفرض ان معلما دخل الى الصف فواجه حالة من اللامبالاة من قبل التلميذ تجاه الدرس، بالاضافة الى حالته النفسية التي تزيد الوضع سوءا، ألا يصبح عند ذلك إغناء معارف التلاميذ، والارتقاء بها مهمة صعبة؟. إن إحداث استجابات حية لدى التلاميذ يرتبط بالمعلم ونشاطه وعلاقته مع تلاميذه، فقد يكون بامكانه جذب اهتمامهم الى المادة الدراسية مؤقتا وفي بعض الحصص الدرسية، ولكن ذلك يمكن ان يتحول الى حالة عامة ودائمة إذ استطاع تكوين مناخ من الحماس الابداعي، الذي يتوافر عندما يعزز المعلم سعي التلميذ نحو اكتشاف المعارف الجديدة، ويساعده في إغناء معلوماته، وينميه وجدانيا، فيظهر هو من التنسيق المتبادل والاحترام والصداقة، مما يساعد على تحقيق الأهداف التعليمية من جهة والأهداف التربوية من جهة أخرى. ولكن يخشى البعض ان يؤدي ذلك الى خلخلة النظام داخل الصف، الذي يمكن تلافيه من خلال الاشراف الدقيق للمعلم على التلاميذ، لكن شرط إلا يقصد بالاشراف الأمر، لأن الخضوع للأوامر دون اعتراض أو تقليل يعيق حالة الحماس الابداعي التي ذكرناها سابقا. لابد للاشراف لكي يكون ناجحا من ان يتمتع المعلم باحترام تلاميذه، الذين لا يرون فيه الانسان الذي يمتلك المعرفة فقط، بل الانسان الذي يسعى بكل قواه لاثراء معلوماتهم، وصديقا أكبر سنا ومربيا في الوقت ذاته، يتمتع بكفاية الاشراف عليهم كجماعة وأفراد، دون تطرف باستخدام الأمر في تهديد كل خطوة من خطواتهم.
3- حب المعلم للأطفال: يذكر التربويون عادة ان خصائص المعلم حبه للأطفال، الذي تشير معانيه الى مشاعر التعلق بالاضافة الى الميل نحو شيء ما كحب القراءة، الموسيقا، الرسم.. الخ وترتبط مشاعر الحب بظروف حياة الناس والمجتمعات، حيث يسود في بعض المجتمعات اهتماما واسعا بالأطفال عن طريق تصوير حياتهم وعالمهم الروحي في المؤلفات الأدبية والفنون التصويرية، والأفلام السينمائية وفي الدعاية لأساليب التربية السليمة لهم ووسائلها، مما يساهم في تكوين ظروف موضوعية صحيحة لتعزيز شعور الحب نحوهم. وينطلق هذا الشعور من ادراكنا ان الأطفال هم مستقبلنا، والجيل الذي سيحل مكاننا، فمسؤولية تربيتهم تقع على عاتق الراشدين. لكن من المستحيل ان يكون ابراز مشاعر الحب أسلوبا من أساليب الرعاية والعطف فقط، رغم أهمية ذلك، لأن هذه المشاعر تتجسد عندما يمنح المعلم جهوده وقدراته ومعارفه لايصال التلاميذ الى أفضل النتائج تعليميا وتربويا ووجدانيا، لذلك ينبغي ان يمتزج حب المعلم للتلاميذ بالصراحة المنطقية والحزم.
ليست مشاعر العطف نحو الأطفال مقتصرة على المعلمين فقط، بل نلاحظها عند الراشدين عموما، فهناك مواقف كثيرة تدل على حب الكبار للأطفال، ومثال ذلك: قد نشاهد رجلا مسنا جالسا على مقعد في حديقة يقترب منه طفل، ويمارس ألعابه، فتشع عينا الرجل المسن بنار العطف وتبدو عليه الابتسامة ويبدأ بمداعبة الطفل والحديث معه. وهناك حوادث كثيرة يساعد فيها الناس الأطفال الغرباء بسعادة عندما ينشغل عنهم والداهم أو يمرون بمصيبة. إذاً فمشاعر الحب نحو الأطفال سمة من سمات الناس عموما، لكنها تكون أعظم لدى المعلم، وتتخذ أشكالا أخرى. فالمعلم يعلم التلاميذ ذاتهم لسنوات طويلة ويربيهم، ويراقبهم بدقة، ويلاحظ نموهم الروحي، فيكتشف من خلال هذا النمو ثمار عمله، ويشعر وكأنه منح جزءا من فؤاده الى كل تلميذ من تلاميذه.
4- أهمية تعرف المعلم للقدرات الكامنة لدى تلاميذه: تعد طرائق المعلم وإساليبه في التدريس مؤشرات على عاطفته تجاه تلاميذه، فإذا ما نظر اليهم كوعاء ينبغي ملؤه بمعارف وخبرات محددة، فلن يساعده ذلك في تجسيد حبه لهم، بل تخمد لديه بواكير العواطف النبيلة الموجودة لديه قبل البدء بعملية التعليم.
لذلك عليه ان يدرك ان كل تلميذ انسان يمتاز بخصائصه الفردية ورغباته، وسماته العقلية وطباعه.. الخ ومن المفيد الاشارة الى ان بعض التلاميذ يمتلكون خصائص تبعد المعلمين عنهم وتنفرهم منهم، فهل بامكان المعلم ان يحب هؤلاء التلاميذ؟ لنفترض وجود تلميذ في الصف لا ينتبه الى الدرس، يخرق النظام ويسبب الفوضى باستمرار، لا ينجز واجباته البيتية بانتظام، مشاكس.. الخ ولا ترضي هذه الصفات المعلم طبعا، وتنفره منه، لكن ينبغي عليه ادراك أنه خلف هذه المظاهر الخارجية خصائص ايجابية كثيرة. فإذا ما حاول التعرف عليه جيدا يجد فيه صاحب عقل محب للاستطلاع، وقلب مرهف، ولديه قدرات عالية، عند ذلك يدرك ان الأعماق التي يجب استكشافها لا زالت بعيدة عن السطح، ويمكن ان نوضح ذلك بمثال بعيد عن التربية والتعليم، هناك أرض جرداء تغطيها الحجارة، لا تسر العين رؤيتها، ولا تنبىء باحتمال ان ينبت فيها، أي غراس أو زرع. لكن اكتشف الجيولوجيون في باطنها ثروات ضخمة. إذاً قد يكون لدى المعلم افتراض غيرصحيح عن التلميذ مما يمنعه من ادراك قدراته الكامنة.
5- أهمية الدمج بين العلم الفردي والجمعي: ذكرنا سابقا انه من واجب المعلم فهم خصائص كل تلميذ، فهل يرتبط ذلك بتفريد التعليم؟ يقصد بتفريد التعليم كشف خصائص كل تلميذ ومراعاتها بهدف تعليمه بشكل ناجح، ويقصد به أحيانا أخرى مراعاة قدرات التلاميذ، والدقة والسرعة الذاتية في استيعاب المادة الدرسية، وخصائص التفكير، ونوعية المعلومات.. الخ اضافة الى أهميته في تذليل الصعوبات التي تعترض المتأخرين دراسيا. علاوة على ذلك فإن هذا المدخل يأخذ بعين التقدير نشاط المعلم الهادف الى تطوير قدرات كل تلميذ وتوفير الشروط التربوية المناسبة لتلبية حاجاته، والتوجيه الصحيح لميوله. ولكن يجب على المعلم ألا يقتصر في عمله على مراعاة حاجات التلاميذ وميولهم، لأن من واجبه تكوين شخصية متكاملة من جوانبها كافة، لذلك من الضروري سد الثغرات الموجودة لدى التلميذ وأهم الشروط لتحقيق ذلك هو الانطلاق من الحياة الغنية للتلاميذ كمجموعة، فمن الخطأ التفكر أنه بالامكان تطوير الطفل من جوانبه كافة عن طريق العمل الفردي معه فقط. ومثال ذلك ما ذكره أحد التربويين عن طفل لم يظهر أيه مواهب، قلما يشارك في الدرس، واكتشف المعلم من خلال علاقته معه وجود ميول لديه نحو الرياضيات، وعزز لديه هذا الميل. وأدرك منذ البداية ان من واجبه ان يساعده على تخطي هذا النمو الأحادي الجانب،
وان يولد اهتمامات لديه نحو جوانب الحياة المختلفة، والعلوم والفنون المتنوعة، فانطلق في ذلك من العمل الجماعي عن طريق الرحلات الى الطبيعة، والمصانع والمتاحف والمعارض.. الخ اضافة الى تكليف التلاميذ بقراءة الكتب الأدبية والعلمية داخل الصف وخارجه.
كما صنف تلاميذ الصف في مجموعات وفق ميولهم: الموسيقية، الفنية، والأدبية.. الخ. وبذلك استطاع تلبية حاجات التلاميذ من جهة، وولد لديهم اهتمامات جديدة.
وشارك هذا التلميذ بالأعمال المختلفة رغم بقاء ميله نحو الرياضيات في المقدمة الذي غرزه المدرس بتكليفه بمسائل صعبة، وتوجيهه نحو الاطلاع على المؤلفات العلمية حول تاريخ الرياضيات وأنظمة العد عند الشعوب القديمة. اضافة الى ذلك ظهرت لديه اهتمامات نحو الأدب والفن.
نلاحظ مما سبق الدور الهام الذي يمكن ان يقوم به المعلم في توجيه التلاميذ للقيام بالأعمال المطلوبة بعيدا عن القسر أو التلقين.
والنجاح الذي حققه المعلم هنا يعود الى أسلوبه في التأثير على الفرد من خلال الجماعة، والى طبيعة تنظيم العملية التعليمية التي كان له فيها دور أساسي، والمناخ الذي ساد ذلك الاندفاع المشترك من قبل المعلم والتلميذ نحو المعرفة الذي اتسم بالدفء الانساني الأصيل، اضافة الى الطبيعة العملية للعلاقة التي سادت بينهما، فالمعلم يوجه التلاميذ نحو اكتساب المعلومات، ويغرس القيم ومعايير السلوك، أما التلميذ فيستوعب هذه المعلومات والقيم والمعايير. إن تربية التلاميذ مهمة انسانية شاقة، ولكي يستطيع المعلمون أداء هذه المهمة لابد من اختيارهم وفق أسس سليمة واعدادهم اعدادا متكاملا وتدريبهم بشكل مستمر، وتحسين ظروفهم الاقتصادية ليتمكنوا من الارتقاء بواقعهم الاجتماعي.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved