أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 30th May,2001 العدد:10471الطبعةالاولـي الاربعاء 7 ,ربيع الاول 1422

مقـالات

منعطفات:
بين رسالتين..ورسائل أخري !
د. فهد سعود اليحيا
محمود الكاتب:
الصديق الذي لم أقابله قط، وإن كنت قد قرأت عددا من مواضيعه المتميزة، وقرأ لي عددا من مقالاتي المتواضعة، محمود تراوري، اتصل بي لأول مرة منذ بضعة أسابيع، وعرض عليّ عدة أسئلة عن الابداع، والمبدع، والعامل النفسي. الموضوع شيق، وطريف، ولذا وعدته - صادقاً- خيراً، بيد أن الأمور تلاحقت، والظروف المزعجة تكالبت، فتأخرت عنه. اتصل مغضبا وترك رسالة قصيرة تقول: إما أن تفي بما وعدت أو تعتذر. أضافت هذه الكلمات ألما الى ألم، وأضفت في سري وعدا الى الوعد، ولكن وكأن شبحا خفيا يتربص بي ويتوعد ألا يتم الوفاء بالعهد. ويوم الأربعاء الماضي جاءني هذا الفاكس القصير منه يقول:
«وأنا أقرؤك منذ سنوات تكونت عندي صورة جميلة لحضرتكم مترعة بالمثاليات وأطرافها.
عليه ما كنت انتظر في أول تعامل معكم هذا الموقف، كان يمكنكم - على الأقل- الاعتذار.
عموما جبلنا في مجتمعنا على التسامح والتماس العذر لاخواننا.
أعذرك ولكن كنت أتمنى أن تظل نفس الصورة الجميلة في مخيلتي.
وإن كان بقي لديكم وقت أو رغبة في التجاوب، آمل اضافة المحور التالي الى بقية المحاور )مساحة الالتزام، والتناقض ما بين الطروحات المثالية وبين الواقع المعاش للمثقف هل له أيضا علاقة بالعامل النفسي؟!( وتقبل تحياتي».
بداية - أخي محمود - ها أنا على الملأ اعتذر لك عن تأخري. لن أبسط أمامك أسبابي، ولن أختبىء خلف زوايا التبرير، ولكني أقول لك الله وحده أعلم بالأسباب القاهرة التي أدت - موضوعيا- الى تأخري. بالطبع، هذا لا يجعلني أنزه نفسي - ذاتيا- من بعض العيوب المتعلقة بالتأخير، وأشكرك أنك التمست لي سبعين عذرا ثم قلت لعل لي عذرا آخر لم تعرفه.
وما زلت عند وعدي لك، وعندما تقرأ هذه الأسطر سأكون على بعد بضعة آلاف من الأميال في رحلة عمل قصيرة، وقد أضفته الى جدول الرحلة. رجاء ادعُ معي ان يبعد ذلك الشبح المزعج عني. بقي أن أقول أنه يؤسفني ان الصورة الجميلة عني لم تعد في مخيلتك بيد أني سعيد بأنك أسقطت «المثاليات وأطرافها» وأرجو ألا تعيد ذلك مع الآخرين مستقبلا لأنها عملية محزنة ومرهقة. وأرجو أن تتذرع بالصبر بضعة أسطر إذ سألقي بعض الضوء حول ماذا أقصد!.
«س» الظريف:
صديقي الظريف «س.ذ» أرسل لي بالفاكس مرة أخرى قائلا: «فوجئت بأنك نشرت رسالتي لوجود بعض الكلمات فيها التي تزعل الكثير من الغيورين على وحدة وعدم شق الصف العربي )أمحق صف(.. «ويتساءل» وما ذكرته في الملاحظة في سطرها الأخير )بيد أنك وأنا نتحدث عن أمر آخر( هو ما أردت بالتحديد أن أعرفه..» ويعتذر عن رسالتيه اليَّ بلطف نادر ولكنه يشير الى أني قد وضعت رقم الفاكس أسفل المقالة فلا ملامة إن تجاوب القراء ثم يضيف «كاتب هذه السطور مريض.. مرضه مزمن ولا يرغب في أن يشفى منه.. مرضي هو حب الوطن» ثم يسرد أمثلة على ممارسات يراها من مقيمين من جنسيات آسيوية مختلفة ويسألني «هل يتصرف ذو الجنسية الفلانية هكذا في أوروبا أو أمريكا؟» ومن الأمثلة التي يسردها «أخذ المياه من برادات المساجد لغسل السيارات. وسرقة الكهرباء من خلف العدادات في البطحاء. والقمامة المتراكمة في طريق النهضة صباح السبت من جراء فسحة يوم الجمعة الى حد أن الفحم يترك ملقى في مكانه. وطريق القصيم يطفح بالزيت لأن سائقي الشاحنات يقومون باستبدال الزيت بأنفسهم على جانبي الطريق والبيئة لا تؤرقهم.
يا صديقي الظريف «س»، الصف العربي قد شق منذ زمن بعيد، وقد أجهز غزو الكويت على ما بقي من الصف، وبينت «أم المعارك» بجلاء ان الشق أكبر من الرقعة، فلا تجزع، كما أرجو ان تغفر لي أني عقبت على رسالتك هذه رغم رجاءك لي بأن لا أفعل لأن الموضوع مهم. ثالثاً، لا شفاك الله ولا شفاني من مرض حب الوطن. ولا شفا كل من ابتلى به. بل وأدعو الله أن يجعله وباء فاشياً فلا يخلو منه بيت إنه سميع مجيب. أما جوابي عن سؤالك عن ملاحظتي عن موضوع حديثنا فقد أوردته أنت في أمثلتك فنحن نتحدث عن ممارسات متفرقة وان كانت كثيرة وليس عن عصابات اجرامية منظمة وشتان ما بين الأمرين فالأول نتاج استهانة بالأنظمة لأنها حبر على ورق وكما قلت في رسالتيك من باب )من أمن العقوبة..( ولهذا لا يفعل ال.. هكذا في أوروبا أو أمريكا ولكن الثاني نتاج نفوس مريضة وعقلية اجرامية ولذا يقوم بها أناس من جميع الأجناس في كل دول العالم يحدوهم المكسب المالي الهائل.
ولكن دعنا نتحدث عن أنفسنا فنحن السعوديين لسنا «مغسلين بماء الكوثر» ونحن كبقية شعوب الله كما أننا لا نخلو من نسبة من الشخصيات الاجرامية وغير السوية ومبدأ )من أمن العقوبة..( ينطبق علينا. ونتصرف في طرقات الرياض بعكس ما نتصرف عليه في طرقات لندن! وهذا ما أحببت أن أؤكد عليه في ملاحظتي السابقة وحاليا، أرجو ألا يكون في ظنك يا عزيزي «س» أنه عندما نستغني عن الضيوف المقيمين ستزدهر البيئة، وتنظف الشوارع، وتغلق السجون فيتم تأجيرها شققاً مفروشة، ونعيش في ثبات ونبات ونخلف أولاداً وبنات. هذه هي الأرض وستظل كذلك بخيرها وشرها، وعلينا أن نعمل على أن تكون مكانا أفضل للعيش، حتى يخلفها الله بمن عليها.
الظل بين رسالتين:
ما الذي يجمع بين رسالتي الصديق محمود تراوري والصديق س؟ هل ترون مشتركا بينهما؟ لا بأس، لنرى!.
من بين كل المخلوقات حبا الإله عزوجل الانسان بالقدرة على مواجهة عقبات الطبيعة، والتغلب عليها، وتطويعها لمصلحته، وهي ما نسميه بالحضارة، وما زالت المعركة مستمرة، من انسان بدائي تطارده الوحوش، والعواصف، والحرائق، والسيول، فيتسلق الأشجار هاربا، ويعتصم بأعالي الجبال، ويسكن الكهوف، الى انسان القرن الواحد والعشرين يقبع في مكتب مكيف الهواء في الدور التسعين في مبنى في صحراء نيفادا اللاهية، ثم يخرج ليستقل الطائرة النفاثة متجها الى طوكيو عبر المحيط الهادىء ليحضر اجتماعا في اليوم التالي.
جد هذا الرجل كان تاجر ورق ربما، وجده الخامس كان محاربا في الحرب الأهلية، أما جده التاسع فربما كان أفاق منفياً الى العالم الجديد، وجده العشرين كان أحد نبلاء اللورين، وجده الثلاثون كان راعياً للشياه في جبال القوقاز، وجده الأربعون، وجده.. الخ أفراد هذه السلسلة تعرضوا للمحن والأمراض والشدائد والمجاعات والحروب والنهب والسلب كما تمتعوا بأوقات من رغد العيش وصفو الحياة والأمن والسعادة. عاشوا كل ذلك فرادى وجماعات وتكونت لديهم ذاكرة جمعية عبر تاريخ طويل بقدم تاريخ البشرية حتى أضحى كل شخص - بصورة أو بأخرى - مثل جيولوجية الأرض عبارة عن طبقات تشترك مع ما يجاورها في الطبقات العليا وتشترك مع ما يباعدها في الطبقات الدنيا.
نحن لا نعرف عن أنفسنا إلا القليل. كما يعرف البحارة القدامى عن جبال الثلج الطافية في المحيط )هل تذكرون فيلم تايتانيك؟( فيظنون الجبل إنما هو قمته الظاهرة. ولكن في الحقيقة الجزء الأعمق من أنفسنا لا نراه، ولا نتمكن من رؤيته - أو من الوصول إليه- بسهولة فهو موجود في الظل. إذ ما يظهر منا إنما هو تجاه مصدر الضوء أما الجزء الأكبر فهو موجود في الظل.
في هذا الظل المخزون الأكبر من أتراحنا وأفراحنا أيضاً. فهو ليس مخزناً لآلامنا فحسب، ولكنه أيضا مخزن الحكمة والقوة التي أورثنا إياها الأسلاف التي حباهم بها الله، وتراكمت عبر خبرات وتجارب آلاف وآلاف من السنين. لكل نفس بشرية ظلها وفي ذلك الظل يكمن عدونا الداخلي الذي نفزع منه، وكذلك تكمن قوانا الذاتية.
هل رأيتم ما أعني بالمشترك بين الرسالتين: الموروث المثالي في الظل والموروث السلبي في الظل. عندما نتوسم بطريقة غامضة في شخص ما يعجبنا في دواخلنا من نبل وخير فإننا نحتفي به وعندما نرى أموراً مزعجة مقلقة تثير الموروث السلبي داخلني فإنها تقلق سلامنا الداخلي. في الواقع كل رسالة على حدة تصلح مثالا على ما أقول فرسالة محمود تحمل في ثناياها مثالاً على الاحتفاء وخيبة الأمل وكذلك رسالتي «س».
صديقي محمود كثيرون يكونون صوراً مثالية لأشخاص فقط من كتبهم ومقالاتهم وأحاديثهم الاذاعية أو التلفزيونية ثم يكتشفون أنهم إنما قاموا بخلع صفات على شخصيات في أذهانهم وعندما أتوا الى الواقع وجدوا الأمر مختلفا.أما أنت يا عزيزي س فلا تعتذر، دونك الفاكس فلا تحرمني من رسائلك الجميلة وأعدك بأن لا أعلق عليها بعد الآن.
بابا:
حرف الباء مشترك في جميع لغات العالم في مناداة الأب )كما يشترك حرف الميم بالنسبة للأم( ولفظة بابا كانت قليلة الاستعمال في طفولتي ويبدو أنها كانت شبه معدومة في الجزيرة العربية قبل مائة أو مائتين من السنين أما «بابا» فهي حل توفيقي شائع حاليا للصلح بين الأصالة والمعاصرة بين اللهجات المحكية.
بابا يبه الخاص بي، والدي، السفير، سعود اليحيا، قارىء أحيانا لكتاباتي، وناقد لها أحيانا أيضا، اعترض على قولي في مقالة الأسبوع السابق وأنا أضرب مثالا بالبنشر في طريق منقطع في الهزيع الأخير من الليل بأن من هو ذلك الموقف «قد يقبل حذاء السائق.. إلخ» بقوله ان هذا لفظ صارخ صادم.. يبدو أن معه حق في اعتراضه. ولكني عندما كتبت ذلك المثال كان في عز أزمة انقطاع المياه وان اخرته للحلقة الثالثة. أقول هذا للشرح وليس للتبرير وأتذكر المثل «تجوع الحرة ولا تأكل بثديها» واعتذر لكل من صدمه لفظ المثل.
«م» المهندس:
وصلني فاكس مقتضب من المهندس «م.س. الغامدي» يقول فيه ناقداً - على الوجهين-:«أعجبني حديثك عن العقل العملي والعقل النظري ولكن كان فيه بعض )الكروته(.. ولم تبين أنه من المهم الاستعمال العملي للشيء..» ويضيف«أحد أقاربي تعرض لحادث ودخل المستشفى العسكري لعدة أشهر وكنا نتناوب على مرافقته في أوقات مختلفة مرات خلال النهار الواحد وهذا جعلني أدخل وأخرج لمبنى المواقف في أوقات مختلفة وأنا متأكد أن الذي صمم المواقف لم يهتم كيف سيستخدم الناس المواقف والمهازل التي تحصل في الطلوع لفوق والنزول لأسفل والدخول والخروج» وينصحني بزيارة المواقف وقت الزيارة أو انتهائها.
شكراً أخي المهندس الغامدي.
فاكس: 4782781
fahads@suhuf.net.sa

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved