أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 31th May,2001 العدد:10472الطبعةالاولـي الخميس 8 ,ربيع الاول 1422

مقـالات

شدو
كلك «نظر» ومعرفة أيضاً!
د. فارس محمد الغزي
مجبولة هي الطبيعة البشرية على الدفع بالإنسان إلى أحضان الاعتقاد بأنه «يعرف كل شيء!» الأمر الذي يجعل من هذا الإنسان أفكاراً «تمشي!» على الأرض مهما غمضت المواقف وتعددت الأحداث وتباينت التعليلات، فلكل إنسان على هذا الكوكب حيز وجود كوني لا يتزحزح عنه بسهولة، وفي حال أحدث «المكروه!» تزحزحا حسيا يظل المعنوي سلاحاً ممتشقاً للدفاع، إن الإنسان مجموعة من «التجارب الحسية» والأفكار والتصورات والمواقف التي تراكمت عبر الزمن، واستدمجت عبر التفاعل ابتداء من مرحلة الطفولة، مروراً بمرحلتي الشباب والكهولة، وصولا أو بالأصح هبوطا اضطرارياً على مدرج! الشيخوخة، فالإنسان بطبعه الغريزي إنسان قدره «المعرفة!» لغرابة كونه ولهذا يعتوره الفضول ليعلم لا طمعاً بمعلوم ولكن خوفا من مجهول في كوكب مخيف من المحال عليه العيش فيه وحيدا مهما كانت المغريات، وأنى لهذا الإنسان العيش على هذا الكوكب وهو الذي تخيفه فكرة العزلة في بيته محاطاً بالحياة من كل حدب وصوب، فلا غرو ان تتمثل العامة بالقول «كل عند نفسه حكيم!» وقد صدقوا في ذلك حيث ان ادعاء الإنسان المعرفة «ليس ترفاً!» بقدر ما هو ضرورة تشعره «بالتواجد» إنسانياً وذلك لأسباب نفسية/تكيفية مع بيئته، وهذا بالمناسبة أحد أسباب شيوع ظواهر «بتاع كله!» و«صاحب السبع صنايع»، حتى في الغرب لديهم مثل «ما لدينا» بدليل قولهم: )a jack of all trades(.
ولهذا أصبحت المعرفة كما ذكرت آنفا قدر هذا الإنسان المشمر عن ساعديه لفهم واقعه الغامض منذ اولى لحظات هبوطه على سطح هذا الوجود الموحش، حيث بدأ اول ما بدأ محاولا فك طلاسم بيئته حسيا.. كالطفل الذي لا يعي ابعاد حرارة «ابريق الشاهي!» إلا بعد لمسه وتكراره لهذه التجربة حتى يثبت لديه «اليقين الحراري!» بتبعات الحرارة! والعرب مصداقا لذلك، تقول: «من نهشته الحية حذر الرسن الأبلق»، ويقابله قولهم بالعامية: «من عضَّه الداب خاف من الحبل!».
وهكذا يسافر الإنسان فضولا وقبل الفضول قدرا عبر التاريخ ليزداد معرفة تدفع به خارج مدارات مرحلته البدائية إلى أحضان مرحلة أخرى أقرب ما تكون منها إلى الفلسفة، وفلسفة الشيء تعني هنا محاولة فهمه وتبين كنهه خارج نطاق ملاحظته ملاحظة بسيطة تقف عند مستويات الإدراك الحسي، ليتدرج هذا الإنسان نزولاً وارتحالا عبر متاهات التاريخ ليصل إلى ما وصل إليه الآن، وفي أفق التاريخ القادم المزيد نزولاً هنا وارتحالا هناك، ان للإنسان على هذا الكوكب «مواقع» عديدة تتجاوز مجرد موقعه الجغرافي ولهذا فكلمة «لا أدري» عملية «نَفْي تملك» مما قد يعني انتفاء وجود.. واعتراف كهذا ثقيل على ألسنة البشر وما ذلك إلا لأنه مليئ بالايحاء بالضعف والقصور في كون موحش يتطلب من ضمن ما يتطلب الاحتفاظ بكافة غرائز البقاء وأسلحته، فلا غرو ان نجد ما نجد في التراث من حث بالغ «وتمرين وتوطين» على التمرس اقرار ب«لا ادري» حيث ان أوائلنا قد فقهوا بعض أسرار الطبيعة البشرية، فحاولوا بث جرعات من الجرأة في شرايينها إلى الدرجة التي أصبحت عبارة «لا أدري» «نصف العلم»، وهي لا علم ولا يحزنون!!.
ختاماً، من الواجب القول انه إذا كان للإنسان «جذور» فللمعرفة جذور أيضاً، وكل سيدعي «وصلاً» بهذه الجذور الأمر الذي يتطلب منك ان تعطي الآخرين مهلة وفرصة لاستعراض ما لديهم من المعرفة، فالإنسان سيدعي المعرفة احيانا وقصده «التواجد!» بلفت النظر إليه فمن الواجب عليك اذن ان تقدر مواقفا مثل هذه «وتمشيها!» استدلالا بقول معاوية «العقل مكيال ثلثه الفطنة وثلثه التغافل» وما ذلك إلا لأن كلاً ميسر لما خلق له»، علاوة على ان ثمة جهل «ايجابي!».. وهو الجهل الذي أشار إليه ابن خلدون بعبارة.. «الجهل غير المضر!».. وسلامتكم.
ص.ب 454 رمز 11351 الرياض

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved