أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 31th May,2001 العدد:10472الطبعةالاولـي الخميس 8 ,ربيع الاول 1422

الثقافية

هكذا
كتابة أخرى .. )8( الحرب في حي الطرب ..
فهد العتيق
سافرنا إلى البصرة عدة مرات كان آخرها قبل الحرب العراقية الإيرانية «1980م» بأسابيع وكان العراق قبل الحرب بأيام قد أغلق حدوده حتى لا يهرب شبابه الذين أعلنوا رفضهم للحرب بعد أن شمّوا رائحتها قبل بدايتها، أحببنا هذه المدينة الصغيرة والحالمة كثيراً وأحضرنا معنا «شرائط كاسيت» للأغاني العراقية الأصيلة والمميزة فعلاً بألحانها الحالمة والهادئة والحزينة، وقد أحزنتنا هذه الحرب السخيفة لأنها بلا معنى وبلا هدف، وكنّا نمضي ساعات طويلة نتجول في مدينة الرياض الجديدة ومقاهيها ونستمع إلى هذه الألحان العراقية حتى حفظناها، كانت مدينة الرياض قد بدأت في تغيير جلدها والانتقال من الأحياء القديمة «الشميسي وأم سليم والجرادية والسبالة والعود» وغيرها، إلى أحياء جديدة توزعت في كل الاتجاهات، وكان يوجد مقاهٍ شعبية خلف الأحياء الجديدة لم يصلها العمران بعد، في البراري القريبة، وكنا نقضي فيها وقتنا الضائع ونخطط لسفرياتنا الفقيرة، ونفكر كثيراً في المستقبل الذي كنّا نظن أنه سوف يأتي بعد مئة عام، ولكنه فاجأنا بعد عشر سنوات فقط، ولهذا كانت صدورنا أوسع من ملعب لكرة القدم، هذا الملعب الذي شهد أيضاً جزءاً كبيراً من وقتنا الضائع، حيث حضرنا تمارين ومباريات فريق الهلال لكرة القدم في ملعب «الملز»، وقت عز هذا الملعب الذي لا يُنسى، وقد اقيمت عليه مباريات تاريخية بين الهلال والكثير من الفرق المنافسة مثل الأهلي والاتحاد والنصر وغيرها من الفرق، وسوف نعود لموضوع الهلال وكرة القدم في كتابة أخرى قادمة، حتى لا ننسى رواية «الحرب في حي الطرب» للكاتب العراقي الصديق نجم والي الذي ولد في جنوب العراق على 1956م، وغادر العراق عام 1980م لإكمال دراسة الماجستير والدكتوراه في الأدب الألماني وكان قد صدر له مجموعة قصصية بعنوان: )هنا في تلك المدينة البعيدة(، أما رواية )الحرب في حي الطرب( فقد صدرت في )135( صفحة عن دار صحاري للصحافة والنشر في بودابست، وهي تُصوِّر بكل براعة حال الشباب العراقي بعد اندلاع الحرب العراقية، الإيرانية حيث جسّد معاناة إنسان وحيرته وقلقه ومخاوفه، إنسان على جبهة الحرب لا يريد أن يموت دون أن يدري، يريد أن يعرف كيف ولماذا ومتى ومن أي جهة يأتيه هذا الموت، ولا تكتفي الرواية بوصف الحالة على الجبهة ولكنها تبدع في تقديم حوار حار بين أعضاء الخندق من ضباط وجنود ومتطوعين، حوار يشتعل لحظة اشتعال الجبهة ويهدأ لحظة هدوئها، لكنه في كل الأحوال يخفي رعباً وكوابيس وأحلاماً غريبة منكسرة دائماً، لأن الساعة دائماً هي «صفر» حسب توقيت الجبهة، فلا زمن واضح ولا مكان واضح أيضاً.
الصديق ناصر الحزيمي الكاتب بجريدة الرياض هاتفني مشكوراً مؤكداً متابعته لهذه الزاوية المتواضعة، ولكنه قال لي إن النهر الذي تتحدث عنه في البصرة ليس دجلة، قلت له: هكذا أسمع دائماً، قال: إنه شط العرب، وأضاف أن من يسكنون حي الطرب هم )الكواولة( وأنهم يشتركون مع )طوارق( الجزائر بأن النساء هن صاحبات الأمر والنهي، والرجال بلا حول أو قوة يعملون فقط، قلت له: سبحان الله على هذه الدنيا المقلوبة، فإما أن يكون الرجل صاحب الصوت الأوحد وإما أن يكون بلا صوت على الإطلاق، وبهذا الصدد أذكر أن إحدى القارئات اتصلت بي بعد إحدى المقالات تؤكد فيها أنه رغم ما حصل لحياتنا الحديثة من تطور كبير إلاّ أن الرجل الشرقي مازال متمسكاً بمفهومه التقليدي حول المرأة، وأذكر أنني قلت لها: ليس جميع الرجال وأيضاً ليس جميع الرجال في الغرب مثاليون في علاقتهم بالمرأة ولكن الذي لا شك فيه أننا في هذا الشرق نعاني من أشياء كثيرة جداً متخلفة ولم نتخلص منها بعد وليس حول موضوع المرأة والرجل فقط.
وفي المحل الصغير الذي اعتدت التسوّق منه قال لي الصديق السوداني سيد الضوء: يا أخي اكتب مرة أخرى عن زواج المتعة، قلت له: خلاص انتهى الموضوع، قال: لكن الموضوع يستحق بارك الله فيك، قلت له مازحاً: يا أخي أنت تريد أن تستمتع فقط وتنسى أن للكتابة رسالة أيضاً، قال: في أوروبا والدول المتقدمة يكتبون الآن للاستمتاع فقط، قلت له: لكن أنت تنسى أن مشاكلهم الرئيسية انتهت تقريباً أما نحن في هذا الشرق الطيب فما زلنا نخوض بأرجلنا وأيدينا في مستنقعات كثيرة، قال: وما دخل أيدينا يا رجل، قلت: لأننا نسير في بعض الأحيان على الأربع حتى لا نسقط في الطريق المليء بالحفر، وحين تفعل ذلك فإنك تحفظ توازنك مثل حيوانات هذه الأرض، قال: وإذن لماذا لا تكتب مرة أخرى عن شقتك في شارع الستين فقد كان ذلك الموضع مذهلاً أنت وصديقك جار النبي، قلت له: اسمه جار الله، قال: نعم هو بذاته، قلت وهذا الموضوع انتهى أيضاً.. ثم لماذا تريد أن تعيدنا للوراء، قال: الحنين والرغبة في قراءة شيء مثير، قلت له: هذه مشكلتنا نحن العرب نريد دائماً أن نستمتع بتفاصيل حياة الناس، ثم لماذا لا نجرب قراءة رواية جادة مثلاً، قال قرأت للطيب صالح ونجيب محفوظ، قلت له: ممتاز واقرأ أيضاً للأسماء الأدبية العربية الجديدة، قال: ولكن لن أتركك قبل أن أحكي لك هذه الحكاية البسيطة لكي تكتبها، قلت له: طيب الأسبوع القادم، قال وعد، قلت: نعم يا سيد يا ضوء.
ص ب: 7823 الرياض 11472
FAHAD-ATEQ@HOTMAIL.com

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved