أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 4th June,2001 العدد:10476الطبعةالاولـي الأثنين 12 ,ربيع الاول 1422

الاخيــرة

الرئة الثالثة
نحو انتفاضة ثقافية شابة للإبداع!
عبدالرحمن بن محمد السدحان
شهدت حاضرة الكنانة وحاضنة الثقافة العربية، القاهرة، يوم السبت الماضي تظاهرةً ثقافيةً كبرى تمثلت في افتتاح فعاليات اجتماع تمهيدي ايذاناً بميلاد مشروع «مؤسسة الفكر العربي». وقد قاد هذه التظاهرة الثقافية رعايةً وحضوراً الامير المبدع خالد الفيصل، بحضور ثلة مهيبة من اهل الفكر والقلم في الوطن العربي.
***
والامير خالد الفيصل هو البادئ بالفكرة.. وهو الداعي والراعي لها، واذكر ان سموه منحني شرف المشاركة في اول اجتماع تحضيري للفكرة قبل نحو عامين في ابها، ضم نخبةً من مفكري المملكة والخليج، وقد خرجت من ذلك اللقاء برؤية خاصة عن حاضر ومستقبل الثقافة العربية في ظل هذه المؤسسة الجديدة، وشدَّني في ذلك اللقاء ان تكون الدعوةُ لاعادة ضخ الابداع في شرايين ثقافتنا العربية صادرةً من ارض الجزيرة العربية، التي عرَفها وعرَّفها الآخرون خارجها بأرض الثروة النفطية ولا شيء سوى ذلك!
وأقتطف عبر السطور التالية مقاطع من تلك الرؤية حيث قلت:
أتى على اهل الجزيرة والخليج حينٌ من الدهر لم يكونوا شيئاً مذكوراً لدى عرب المشرق والمغرب سواء، ثم تفجرت خزائن الارض بأمر ربها، وتدفق البترول.. في شرق الجزيرة وضفاف الخليج.. وتكوّن نتيجة لذلك ما عُرِفَ فيما بعد ب«الثروة البترولية» نمت بها البلاد والعباد، وظهرت انماط من الانفاق جسّدتها مظاهر متفرقة من الترف المعيشي، وبدا - وكأن عرب الجزيرة والخليج الذين لم يعرفوا قبل النفط سوى انهم قبائل تعمر القرى والهجر، زراعةً ورعياً -، باتوا لا يجيدون شيئاً سوى الانفاق بسخاء على مظاهر حياتهم الجديدة، وترسَّخ نتيجةً لذلك مفهوم في اذهان بعض المفكرين او المتطفلين على موائد الفكر والسياسة في بعض الامصار العربية وغير العربية بأن عرب الجزيرة والخليج «مستهلكون» لا «منتجون» لانجازات الانسان الغربي وقرينه انسان الشرق الياباني.. وتأصل هذا الانطباع بعد ان وضعت الحرب العربية الاسرائيلية اوزارها عام 1973م، وتدفقت موارد النفط بمعايير قياسية.
***
ويمضي هذا التوجه في القول بأن العقدة الاستهلاكية لدى انسان الجزيرة والخليج باتت هي «المحدّد» لهويته وادائه، وبدونها.. ليس له قدرة على محاكاة اشقائه في الامصار الاخرى: فكراً وثقافة وابداعاً. واذكر ان الاستاذ محمد حسنين هيكل، الكاتب والناقد السياسي المعروف، كرّر لي هذه المقولة خلال جلسة خاصة جمعتني به قبل بضع سنين بمدينة الرياض!
***
واحسب أنّ كابوس «الشخصية النفطية الاستهلاكية» ما برح يسيطر على عقول واقلام بعض مَنْ كتبوا عن هذه المنطقة، وفي مقدمة اولئك وهؤلاء الكاتبُ هيكل، ومن اقتدى به وسار على نهجه، من عرب وعجم!
***
من جهة اخرى، ازعم ان وطننا العربي يواجه ازمة «كساد ثقافي»، واستشهد على ذلك تمثيلاً لا حصراً بتراجع موقع الكتاب ومافي حكمه لصالح القنوات الفضائية العربية والغربية التي يمطر البعضُ منها العقل العربي كل ساعة في اليوم والليلة بنزيف هائل من متاع الحس والفكر الغوغائي الرخيص، واخشى ما اخشاه على الناشئة الشابة، التي تشكَّل كثافة كبرى ضمن التركيبة السكانية في

الوطن العربي.. أن تهاجر عقلاً ووجداناً، خارج اسوار الهوية الثقافية، لغةً وفكراً، وتكون نتيجة ذلك كله انتكاسةً ثقافيةً لا تُحمد لها عقبى، وربما ادى ذلك الى مسخ الهوية العربية وتهميشها واضعافها امام التحديات المتربصة بها داخل حدودها وخارجها، وخاصة من لدن العدو الصهيوني، والضالين من اجله او الضالعين معه لجعل يد اسرائيل هي العليا!
**
هذا يجعلنا نحن مثقفي الجزيرة والخليج نقف موقفَ اللائم والعاتب معاً على مقولات بعض مثقفي المشرق والمغرب العربي الذي يشككون في هويتنا نحن عرب الجزيرة الثقافية وقدرتنا على الابداع فكراً وفناً، بحجة اننا لا نجيد سوى العبث انفاقاً للدولار النفطي واستهلاكاً لافرازاته من مُتَع الحس والبدن.
**
اقول هذا في وقت بات جلياً ان صراع العرب مع اسرائيل.. هو في حقيقة الامر صراع حضاري وثقافي، بدايةً ونهايةً، وأن النصر الآجل لأي منهما.. لن تحسمه المواجهة العسكرية.. ولا التفوق المسلح، رجالاً وعتاداً، انما الغلبة الحقيقية لمن يملك القدرة على الصمود فكراً ومعتقداً وابداعاً اقتصادياً وعلمياً وثقافياً، ولذلك، فان المثقفين العرب جميعهم، دون استثناء، شركاء في هذا المصير، شاء من شاء، وأبى من شاء!
**
وواضح ان اسرائيل توظف جهودها وقدراتها وجسورها مع مراكز النفوذ في الشرق والغرب.. والشمال والجنوب لبلوغ هذه النتيجة: طمس هوية الانسان العربي، وتهميشه فكراً وابداعاً.. لتنفرد هي بكل شيء.. وتتفوق على كل شيء!!
**
امام هذه التحديات والمتغيرات الخطيرة التي تتربص بنا نحن العرب من الخليج الى المحيط، تظهر اهمية ظهور انتفاضة فكرية جديدة تخرجنا عن النصوص المألوفة والقوالب المكرورة في فكرنا العربي المعاصر، وتضعنا في مواجهة عقلانية صريحة وجادة مع انفسنا ومع مواقفنا وقوالبنا وانماطنا الفكرية التي باتت تشكو الرتابةَ والملل! وهذا من ابرز طروحات «مؤسسة الفكر العربي» التي حلم بها رؤية ودعا لها فكراً، وخطط لها برنامج عمل مثقف من عرب النفط في جزيرة العرب اسمه خالد الفيصل!
**
اجل نحن في حاجة الى انتفاضة تكشف لنا المواهب الشابة في خريطة فكرنا المعاصر لتقفز الى الصفوف الاولى في ركب الابداع.. بدلاً من بقائها وراء قضبان الاهمال او النسيان. العرب كلهم، شرقيهم وغربيهم، يحتاجون الى استثمار فكري جديد.. «لفسائل» الابداع التائهة في الزحام كيلا يستأثر بالكلمة والموقف مَنْ تجازوه الزمن.. ونضبت في شرايينه روافد الابداع!
**
اما النفط.. وما ادراك ما النفط، فقد كان وما برح وسيبقى.. سلعةً لا هوية، ووسيلةً لا غاية!


أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved