أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 13th June,2001 العدد:10485الطبعةالاولـي الاربعاء 21 ,ربيع الاول 1422

مقـالات

السلوك الانفصالي سمة العصر
مندل بن عبد الله القباع
يقول رجال الاجتماع إن التكنولوجيا التي غزت أروقة العالم الآن صاحبها العديد من المشكلات الصراعية التي انتابت القيم الاجتماعية والتقاليد والعادات المختلفة وكذلك السلوكيات السائدة.
ويقول علماء النفس إن المجتمعات المتقدمة تقنيا وتعتمد على مردود البحوث والدراسات ذات المنهجية العلمية، والتي خطت من جراء ذلك خطوات واسعة في عمليات التقدم الفني فهي تعاني من الاضطراب والتوتر، وأن هذه المتغيرات ما هي إلا نتاج للتغير التكنولوجي. وأشارت دراسات الانثروبولوجيين الى أن ثمة علاقة موجبة بين التطور التكنولوجي والسلوك الانفعالي، وارتباط ذلك كله بمشاكل الشباب واتجاهاتهم.
وأثبتت تلك الدراسات أن التقدم في المجال التكنولوجي وفي الصناعة والفن والنواحي الحضارية يتبعه تغير في القيم والعادات السلوكية المختلفة منها القلق والاكتئاب والانفعال والضجر والضيق هذا في الجانب النفسي ذي الصلة بالعلاقات التفاعلية ناهيك عن النواحي السيكوسوماتية مثل أعراض التنفس والدورة الدموية والأعراض المعدية، هذه الأعراض جميعها تتأثر بالعوامل التكنولوجية والصناعية، وما يتبعها من نواح أخرى في النواحي السلوكية والاجتماعية مثل الفزع والحساسية والشك واللاتوافق النفسي والاجتماعي.
نفهم من هذا أن السياق الاجتماعي وما يشمله من نواح فنية وحضارية ينتج عنه بالضرورة تغير في القيم والعادات.
وكوننا قد صعدنا سلم التقدم التنموي منذ بدايات خطط التنمية الوطنية في بلادنا إلا أن ما يتضح عن دلالات ذلك التقدم الوطنية الموضوعية، ويكشف بالفعل عن سماتنا السلوكية يجد أن ثمة صلة وثيقة بين التقدم لدينا وظواهر الارتباط بالقيم الأصيلة المرتبطة بالثوابت في العقيدة والتي يمكن رصدها في الواقع دون أي عناء يذكر. ومع ذلك كم نحن في حاجة بعد أن بلغنا شوطاً كبيراً من التنمية أن نراجع أنفسنا.. والمتطلع لسلوكنا الانفعالي يلحظ أن الحجة هي أساس التحاور فيما بيننا، وهي التي تحسم بالضرورة ذلك السلوك التحاوري نظراً لتضمنها المنطقية والعلم. ومن ثم يمكننا القول في ظل القيم المعيارية التي تظلل مجتمعنا يعتبر السلوك الانفعالي سلوكا غوغائياً بدائياً متخلفاً.
ومن السلوكيات الغازية أن يتعامل الشخص مع الآخر على أساس المكانة القبلية أو الأسرية أو الوضعية المادية أو سمات الشخصية كل حسب مقتضيات الموقف حتى ولو كان عشوائيا أو فرعياً أو هامشياً، وهنا يبدو الإثارة والجدل والارتباك. في هذه الحالة ينعت صاحب الموقف الانفعالي بقلة الذكاء، حيث يذهب به الانفعال إلى اللا سواء في السلوك، والخروج عن جادة الصواب، والحيدة عن خط السواء المعاييري في موقف إنساني مشترك ينأى فيه عن الحق والحكمة، وينعكس هذا الوضع بالسلب في مجمل التعامل مع الآخر في معترك الحياة مما يعبر عن الافقار في العلاقات وطرحها عبر مجال الإثراء وكأن العلاقة أحادية الجانب شكلاً وموضوعاً.
إن سلوك الانفعال الذي أصاب العديد من شبابنا حتى وأطفالنا ينأى عن القيمة المعيارية والسلوك الجماعي. إن سلوك الانفعال محنة تتجلى على الصعيد العام في العلاقات، فالوالد منفعل والمعلم منفعل والزميل منفعل، ويطول الحوار المنفعل دون أن يكون له أي عائد مناسب سوى ردود أفعال من نفس الجنس.
ويعتبر العلماء هذا السلوك مشحوناً بالعاطفة التي تغلب عليه أكثر من المنهجية المرتبة. فسيادة ثقافة الانفعال تفسر طغيان الطابع الذاتي الشخصي على ما عداه من عوامل موضوعية حتى وكأن العلاقة يبدو أنها محكومة بنمط الشخصية وليس بالموضوع، بل قد نتصور أن الإنجاز الفردي في الفكر ومناهج العلم والإدارة الإنسانية كلها نتاج قريحة شخص أحادي التفكير وكأنه شخص ملهم ذو قدرة فردية فذة استثنائية. ولم نحاول أن نرجع الأمر إلى جماعية التوجه وجماعية الآراء وجماعية التصرف في الموقف المحيط سواء كان علمياً أو إنسانياً، إنه أمر موضوعي. إنه في حقيقة الأمر منذ بدايات العقود الثلاثة الماضية برزت لدينا مسلكيات غريبة عنا ساهم فيها العمالة الوافدة كما ساهم فيها أيضا الفضائيات المترامية، وكذلك الخروج الى حيث العري الفكري والإيدز القيمي والأخلاقيات المغيبة وهذا متغير مستقل وليس متغيراً تابعا لقد انصرف العديد من الشباب إلى تلقي العلم والتعليم في بلادنا لا تنتمي الى ثقافتنا وضاقت بهم في هذه البلاد دائرة تأثير الفكر والابداع والثقافة التي صارت وقفاً على أهل هذه البلاد. وانصرف الشباب عن نبع الثقافة والفكر لدينا ليبحثوا عن تخصص واهتمام مغاير يتلقى فيه ثقافة الآخر وتوجيهاته الضمنية وقيمه المعلنة فما باتت مستترة أو متوارية، بل أصبحت معلنة وضمنية في جوهر الموضوع.
إن المتوجب على مؤسساتنا التربوية أن تفسر لماذا يلجأ الناس الى السلوك الانفعالي: هل يرجع لأمية ثقافية؟ هل يرجع للاضطرابات الفكرية؟ نتيجة لما تتناقله الفضائيات، وهو قابع في مواقع الإنترنت هل لمشاغل الحياة التي تأخذ برقاب الناس؟ ربما لا يكون هذا ولا ذاك، بل شيءآخر غيره، هل هو عدم تعهد المبدعين والمبتكرين بالرعاية السليمة؟ هل هو شيوع أفكار برجماتية على مجالات الإبداع والفكر؟ الأمر المؤكد في النهاية أن السلوك الانفعالي إذا لم نبدع في مجالات التوقي والعلاج صار سمة شائعة للعصر.

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved