أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 20th June,2001 العدد:10492الطبعةالاولـي الاربعاء 28 ,ربيع الاول 1422

مقـالات

عمود بيت الشرق
حسين قبلاوي
القدس كانت في قلبه مكاناً وعنوانا، مكانا للقداسة والتاريخ العربي والإسلامي العريق، وعنوانا للقضية، عنوانا للعزة والكرامة، لقد كانت رفيقه الدائم في حله وترحاله، لقد كرس جلّ وقته لها كانت حياته ويسعى بشكل دؤوب لإعادة الحياة العربية والإسلامية فيها إلى سابق عهدها بعد أن دنس المحتلون الصهاينة ترابها الطاهر الزكي، هل كان مؤتمر مناهضة التطبيع في الكويت هو آخر المحطات النضالية في عمر هذا المناضل أم أن القدر شاء أن تكون وفاته هناك مدخلاً إلى إعادة الدفء إلى العلاقة الفلسطينية الكويتية وصهراً للجليد الذي كان يعتريها.
بيت الشرق كان بيته منه ينطلق وإليه يعود، ملف القدس كان أيقونته وساحة نضاله الذي لم يتوقف يوماً، فلسطيني الجنسية عربي الهوى، في بغداد مولده، ومن سوريا منهله العلمي، وفي الكويت موعده، ومن المملكة السعودية تكريمه الرفيع، وفي القدس مرقده، تختلف معه أحياناً وتتفق أحياناً أخرى، ولكنك لا تستطيع إلا أن تكنّ له الاحترام العميق.
القدس كانت ذاكرته وذكراه، ويشاء الله عز وجل أن تكون هي التي لمت جثمانه، رحل فيصل الحسيني قبل أن يراها محررة كما كان يطمح، ولكنها أبت إلا أن تحقق له أمنيته ولو لساعات قبل أن يوارى الثرى فلقد بدت وكأنها حررت فعلاً فقد كانت شبه خالية من جنود الاحتلال الاسرائيلي ولقد خرجت عن بكرة أبيها في وداع ابنها الذي طالما احتوته وسيطرت على كل جوارحه، لقد كان أبوه الشهيد البطل عبدالقادر الحسيني في انتظاره لكي يتجاورا معاً في أقدس بقعة فيها الحرم القدسي الشريف.
لقد توافق وقت رحيله والقضية الفلسطينية تمر بأخطر مراحلها فها هي انتفاضة الأقصى المباركة تدخل شهرها التاسع من عمرها الفتي وما زالت تزخر بمضمونها النضالي لمواجهة الإرهاب الصهيوني المنظم والذي ينم عن حقد دفين اتجاه كل ما هو عربي وما هو مسلم، إنها حرب إبادة حقيقية هذه التي تمارسها إسرائيل فهي تهدف إلى إلغاء الشعب الفلسطيني وتغييب قضيته، لم تترك وسيلة إلا استخدمتها من أجل أن تحقق هدفها في إيقاف الثورة الحقيقية المتفجرة داخل الأراضي المحتلة من قذائف الدبابات إلى صواريخ الطائرات الحربية والتي من المفترض أن تستخدم في مواجهة جيوش نظامية وفشلت في ذلك، حتى الولايات المتحدة الأمريكية التي تؤيد اسرائيل في كل ما تفعل لم تستطع الصمت أمام هذه الوحشية المفرطة فكانت كلامات ديك تشيني الخجولة بالتمني على اسرائيل عدم استخدام طائرات ال)إف 16( الحربية في المواجهات الحالية، ولكن القابع على كرسي رئاسة الوزارة الاسرائيلية لا يعير أدنى اهتمام للمجتمع الدولي ولا لمواثيق وقرارات الشرعية الدولية طالما الفيتو الأمريكي يقف بالمرصاد لكل مشروع قرار يحاول ولو من بعيد المساس باسرائيل، فلما لا تفعل اسرائيل ما تريد طالما لن تواجه بما لا تريد.
لقد شارفت المهلة التي حددها شارون للقضاء على الانتفاضة على نهايتها ولم يستطع أن يحقق الأمن الذي وعد به المجتمع الاسرائيلي بالرغم من كل الأساليب الوحشية التي لجأ إليها فما زال يعيش المأزق الحاد بين البيان الانتخابي الذي كان يستند إلى التاريخ الإجرامي لهذا الجزار وبين البيان العملي الذي لم يستطع أن يرقى إلى الوفاء بالوعود بسب الصمود المتفاني من قبل الشعب الفلسطيني والذي بات يعرف تمام المعرفة أن الحق الذي سلب منه ظلماً وعدواناً لن يتمكن من اسعادته إلا بالقوة، بالرغم من إعلان وقف اطلاق النار الذي أعلنه عرفات اثر العملية الجهادية الاستشهادية التي نفذها المجاهد سعيد الحوتري في قلب تل أبيب والتي أدت إلى زعزعة أركان عرش الاحتلال وجعلت العديد من دول العالم تتهافت للضغط على السلطة الفلسطينية للتنديد بها والدعوة إلى ايقاف العنف الفلسطيني كما يسموه وإلا الأمور سوف تأخذ اتجاهات خطيرة جداً لا يستطيع أحد التنبؤ بنتائجها. إن المواجهات التي يقوم بها الشعب الفلسطيني قد انخفضت وتيرتها ولكن النار مازالت متأججة تحت الرماد إذ تجمع مختلف آراء المراقبين أن وقف النار لن يصمد طويلاً أمام الغطرسة الاسرائيلية، إن الانتفاضة لم ولن تتوقف لأنه لا يمتلك أحد قرار وأدها، لقد تراجعت قليلاً لهدف تكتيكي ولكنها ستبقى شعلة مضاءة حتى تقضي غاياتها الوطنية المتمثلة في كنس الاحتلال واقامة الدولة الوطنية الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، لن تستطيع كل أشكال المراهنات والمساومات أن تطفئ هذه الشعلة طالما هناك من أتخذ الموت طريقاً للحياة والخلود وطالما هناك شرفاء في العالم العربي يشكلون الحضن الدافئ للقضية الفلسطينية وانتفاضتها الباسلة لتنمو وتترعرع.
إن اللفتة الكريمة من قبل خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك فهد بمنح الراحل فيصل الحسيني وشاح المغفور له الملك عبدالعزيز هي تقدير كبير لما بذله هذا المناضل من جهود مضنية في الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية لمدينة القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وبالرغم من أن بيت الشرق فقد عموده إلا أن فلسطين مازالت تزخر بالكثير من أبنائها القادرين على مواصلة طريق النضال والحفاظ على رسالة فيصل الحسيني حتى يتحقق النصر والتحرير بإذن الله تعالى.


أعلـىالصفحةرجوع





















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved